آخر تحديث للموقع :

الأحد 26 جمادى الأولى 1445هـ الموافق:10 ديسمبر 2023م 10:12:27 بتوقيت مكة

جديد الموقع

شبهة إن أهل السنة أحدثوا أربعة مذاهب. وأهملوا أقاويل الصحابة ..

شبهة إن أهل السنة أحدثوا أربعة مذاهب. وأهملوا أقاويل الصحابة

تعريف:

هذه أحد ضربات شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله التى سحق وكسر

بها عظام الحلي قبحه الله صاحب كتاب منهاج الندامة.

مدخل:

قال الرافضي: وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة.

أولاً:

فيقال له: متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم منكراً عند الإمامية؟

وهؤلاء متفقون على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم على سائر القرون، وعلى أن إجماعهم حجة، وعلى أنه ليس لهم الخروج عن إجماعهم، بل عامة الأئمة المجتهدين يصرُحون بأنه ليس لنا أن نخرج عن أقاويل الصحابة، فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول: إن إجماع الصحابة ليس بحجة، وينسبهم إلى الكفر والظلم؟

فإن كان إجماع الصحابة حجة فهوحجة على الطائفتين، وإن لم يكن حجة فلا يحتج به عليهم.

وإن قال: أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه؟

قيل: أما أهل السنة فلا يتصور أن ما يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة، وأما الإمامية فلا ريب أنهم متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية، مع مخالفة إجماع الصحابة، فإنه لم يكن في العترة النبوية

بني هاشم ــ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر، ولا بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بكفر الخلفاء الثلاثة، بل ولا من يطعن في إمامتهم، بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر.

فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة أجماع العترة النبوية، مع مخالفتهم لإجماع الصحابة، فكيف ينكرون على من لم يخالف لا إجماع الصحابة ولا إجماع العترة؟.

ثانياً:

إن قوله: (وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم). إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في عصر واحد، بل أبوحنيفة توفي سنة خمسين ومائة، ومالك سنة تسع وسبعين ومائة، والشافعي سنة أربع ومائتين، وأحمد بن حنبل سنة أحدى وأربعين ومائتين، وليس في هؤلاء من يقلد الآخر، ولا من يأمر باتّباع الناس له، بل كل منهم يدعوإلى متابعة الكتاب والسنة، وإذا قال غيره قولاً يخالف الكتاب والسنة عنده رده، ولا يوجب على الناس تقليده.

وإن قلت: إن أصحاب هذه المذاهب اتّبعهم الناس، فهذا لم يحصل بمواطأة، بل اتفق أن قومًا اتّبعوا هذا، وقومًا اتّبعوا هذا، كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق، فرأى قوم هذا الدليل خبيراً فاتّبعوه، وكذلك الآخرون.

وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على الباطل، بل كل قوم منهم ينكرُن ما عند غيرهم من الخطأ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعيّن عليه أن يقبل من كل هؤلاء ما قاله، بل جمهورهم لا يأمرون العاميّ بتقليد شخص معيّن غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله.

والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه، حتى لا يضيع الحق، ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل، كبعض المسائل التي أردوها، كان الصواب في قول الآخر، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً، وأما خطأ بعضهم في بعض الدين، فقد قّدّمنا في غير مرة أن هذا لا يضر، كخطأ بعض المسلمين، وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم، فهم مخطئون فيه، كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين.

ثالثاً: أن يقال قوله: (إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة).

إن أراد أن الأقوال التي لهم لم تنقل عن النبي صلى الله عيه وسلم ولا عن الصحابة، بل تركوا قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وابتدعوا خلاف ذلك، فهذا كذب عليهم؛ فإنهم لم يتفقوا على مخالفة الصحابة، بل هم ــ وسائر أهل السنة ــ متبعون للصحابة في أقوالهم، وإن قدّر أن بعض أهل السنّة خالف الصحابة لعدم علمه بأقاويلهم، فالباقون يوافقون ويثبتون خطأ من يخالفهم، وإن أراد أن نفس أصحابها لم يكونوا في ذلك الزمان، فهذا لا محذور فيه، فمن المعلوم أن كل قرن يأتي يكون بعد القرن الأول.

ربعاً: قوله: (وأهملوا أقاويل الصحابة). كذب منه، بل كُتب أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة والاستدلال بها، وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الأخرى.

وإن قال: أردت بذلك أنهم لا يقولون: مذهب أبي بكر وعمر ونحوذلك، فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما استنبطه منها، فأضيف ذلك إليه، كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها، كالبخاري ومسلم وأبي داود، وكما تضاف القراءات إلى من اختارها، كنافع وابن كثير.

وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم، وفي قول بعضهم ما ليس منقولاً عمن قبله، لكنه استنبطه من تلك الأصول، ثم قد جاء بعده من تعقب أقواله فبيّن منها ما كان خطأ عنده، كل ذلك حفظًا لهذا الدين، حتى يكون أهله كما وصفهم الله به ((يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) التوبة 71 .. فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أوعمداً أنكره عليه غيره.

وليس العلماء بأعظم من الأنبياء، وقد قال تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) الانبياء78ـ79.

وثبت في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه عام الخندق: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدر كتهم صلاة العصر في الطريق. فقال بعضهم: لم يُرد منا تفويت الصلاة، فصلوا في الطريق. وقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة، فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس، فما عنّف واحدة من الطائفتين)) فهذا دليل على أن المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل واحد منهم آثمًا.

خامسًا: أن أهل السنة لم يقل أحد منهم: إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة، ولا قال: إن الحق منحصر فيها، وإن ما خرج عنها باطل، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة، كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد، ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولاً يخالف قول الأئمة الأربعة، رُد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وكان القول الراجح هوالقول الذي قام عليه الدليل.

سادساً: قوله: ((الصحابة نصوا على ترك القياس)).

يقال له: الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا: قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا، كما ثبت عنهم، ذمُ ما ذموه من القياس. قالوا: وكلا القولين صحيح، فالمذموم القياس المعارض للنص، كقياس الذين قالوا ك إنما البيع مثل الربا، وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له بالسجود لآدم، وقياس المشركين الذين قالوا: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله؟ قال تعالى: ((وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)) الانعام121.

وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه مشاركاً للأصل في مناط الحكم، فالقياس يذُم إما لفوات شرطه، وهوعدم المساواة في مناط الحكم، وإما لوجود مانعه، وهوالنص الذي يجب تقديمه عليه، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر، فلا يفوت الشرط إلا والمانع موجود، ولا يوجد المانع إلا والشرط مفقود.

فأما القياس الذي يستوي فيه الأصل والفرع في مناط الحكم، ولم يعارضه ما هوأرجح منه، فهذا هوالقياس الذي يتبع.

ولا ريب أن القياس فيه فاسد، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة، بعضها باطل بالنص، وبعضها مما اتفق على بطلانه، ولكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه.

المصدر: كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام أبن تيمية رضى الله عنه وأرضاه.

عدد مرات القراءة:
2594
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :