حجية إجماع أهل البيت
نشرت هذا البحث من قبل على موقع (سلف سينا) ضمن سلسلة بعنوان:
إمتاع الأسماع في الرد على من رمى الشيخ ياسر بالابتداع
(شبهة حجية إجماع آل البيت)
قال المدعوأحمد زايد: (يقول الشيخ ياسر بحجية إجماع آل بيت النبي كما قالت الشيعة الاثنا عشرية الروافض.)
لازال الكاتب هداه الله يخبط خبط عشواء، متسرعا في اتهام الشيخ حفظه الله دون تثبت أورجوع لكلام أهل العلم ...
ولورجع الكاتب لكلام العلماء أولكتب أهل العلم لما أسقط نفسه في هذه الهوة التي لا تستبل نفس من فيها هوى ... ولوجلس إلى الشيخ مجلس التلميذ لأستاذه وسأله سؤال الجاهل للعالم لما أورد نفسه هذا المورد السيء، فالمسألة واضحة بفضل الله، لكني أظن أن الجهل والتسرع لهما النصيب الأكبر في جر خطامه هداه الله ...
ولوتوقفنا قليلا عند كلام زايد لعلمنا أنه أولى بالاتهام بمخالفة أهل السنة في مسائل الإجماع فقد قال في كتابه صـ 51: (وقوله ـ يعني الشيخ ياسر ـ (وإجماعهم حجة) مخالف لما عليه أهل السنة مخالفة صريحة، وذلك لأن إجماع أهل البيت عند أهل السنة ليس بحجة، بل الحجة في إجماع الأمة كلها) وكلامه غير دقيق، وظاهره مخالف لأهل السنة وذلك من وجهين:
1 ـ أن ظاهر لفظه (الأمة كلها) يقتضي دخول صبيان الأمة ومجانينها ـ لأنهم من الأمة ـ وهذا مخالف للإجماع، قال الشنقيطي رحمه الله: (ولا خلاف في اعتبار علماء العصر من أهل الاجتهاد في الاجماع وأنه لا يعتد فيه بقول الصبيان والمجانين) ا. هـ من مذكرته رحمه الله ..
2 ـ أنه قصر الإجماع على (إجماع الأمة كلها) في قوله (بل الحجة في إجماع الأمة كلها) فلم يثبت عند أهل السنة سوى إجماع الأمة كلها، جاهلا بذلك أن أهل السنة قالوا بغيره من الإجماعات كإجماع الصحابة الذي اتفقت عليه الأمة!، وكإجماع الخلفاء الراشدين الذي روي عن أحمد، وإجماع أهل المدينة الذي روي عن مالك، وغير ذلك .. فنفى ظاهرُ كلامه كلَّ هذا وكأنه لم يقرأ شيئا من كتب الأصول!!!!
هذا إذا استخدمنا نفس طريقة زايد في تحميل الكلام فوق ما يحتمل، وكتابه مملوء بهذه الطريقة التي يأباها كل منصف ....
لكننا لا نفعل كفعله في تتبع كل شاردة وساقطة، ونضرب عن هذا صفحا، لنعود إلى الرد فنقول أن الرد على هذا الافتراء من وجهين:
الوجه الأول: أن تشبيه (زايد) لكلام الشيخ بكلام الإثنا عشرية يدل على جهله وعدم علمه بمذهبهم في إجماع أهل البيت من أربع جهات:
1 ـ أنهم يقصرون الإجماع على آل البيت فقط دون إجماع الصحابة لأنهم يكفرون الصحابة، قال الآمدي في أصول الأحكام: (المسألة الحادية عشرة: لا يكفي في انعقاد الإجماع اتفاق أهل البيت مع مخالفة غيرهم لهم خلافا للشيعة، للدليل السابق في المسائل المتقدمة.) وذكر من حججهم على هذا أن آل البيت معصومون عن الخطأ)
فالشيعة الإثنا عشرية إذن لا يعتدون بغير إجماع أهل البيت، وهذا لم يقله الشيخ ياسر ..
2 ـ أن الشيعة لا يشترطون إجماع آل بيت النبي فقط كما ذكر المعترض بل يشترطون قول واحد منهم فقط بناء على أنهم معصومون من الخطأ (وهذا طبعا لم يقله الشيخ ياسر) قال الآمدي حاكيا مذهبهم: (فكانت أقوالهم وأفعالهم حجة على غيرهم، بل قول الواحد منهم، ضرورة عصمته عن الخطإ) وبعد أن ساق الأدلة قال: (وعلى هذا، فقد بطل أن يكون قول الواحد منهم أيضا حجة.) وساق لأدلة على ذلك انظر الأحكام للآمدي.
3 ـ أن الشيعة يبنون مذهبهم هذا على أن أفراد أهل البيت معصومون من الخطأ كما مر في النقولات السابقة (وهذا أيضا لم يقله الشيخ ياسر حفظه الله) ..
4 ـ أن العترة عند الشيعة الاثني عشرية هم الروافض أوهم الاثنا عشر، أما عند أهل السنة فهم بنوهاشم، قال شيخ الإسلام في منهاج السنة حاكيا مذهب الروافض: (وأصلوا أصلا ثالثا وهوأن إجماع الرافضة هوإجماع العترة، وإجماع العترة معصوم، والمقدمة الأولى كاذبة بيقين، والثانية فيها نزاع) ا. هـ وقال في موطن آخر: (ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر ويدعون أن ما نقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه) ا. هـ، وبالطبع لم يفه الشيخ ياسر بمثل هذا وحاشاه.
قلت: وأظن أن الكاتب لوتدبر هذه الفروق لما أطنب في النقل عن العلماء الذين يردون حجية إجماع أهل البيت، ولعلم الفرق بين (حجية إجماع أهل البيت) التي يردها العلماء وينسبونها للشيعة، وبين (حجية إجماع أهل البيت) التي يقبلها العلماء كقول من أقوال أهل السنة ...
وقد ظهر لك مما ذكرنا أن نسبة قول الشيخ للاثنى عشرية خطأ محض، وليعد قائله جوابا بين يدي رب العالمين.
الوجه الثاني: ذكر بعض النقولات التي تثبت خلاف العلماء في حجية إجماع أهل البيت:
1 ـ قال السرخسي: قال وهويحكي كلام العلماء في الإجماع (وقال بعض العلماء: الإجماع الموجب للعلم لا يكون إلا بإجماع الصحابة الذين كانوا خير الناس بعد رسول الله)
ثم قال: (ومن الناس من يقول: الإجماع الذي هوحجة إجماع أهل المدينة خاصة)
ثم قال: (ومن الناس من يقول لا إجماع إلا لعترة الرسول لانهم المخصوصون بقرابة رسول الله (ص) وأسباب العز، قال عليه السلام: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي إن تمسكتم بهما لم تضلوا بعدي وقال تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) ا. هـ ثم ضعف القول الأول والثالث، وفصل في الثاني. انظر أصول السرخسي.
والشاهد: أنه حكى هذا المذهب مع المذاهب المعتبرة ولم ينسبه للشيعة.
تنبيه: ظاهر كلام السرخسي وهوقصر الإجماع على أهل المدينة أوالعترة غير مراد، وإلا كان المالكية الذين قالوا بإجماع أهل المدينة لا يقولون بغيره من الإجماعات التي اتفقت عليها الأمة وهوباطل، فلزم أن يحمل الكلام على ما بعد المتفق عليه من الإجماعات والله أعلم.
2 ـ قال الفخر الرازي في المحصول (ج 4 صـ 173) بعد أن ناقش قول الزيدية والإمامية في استدلالهم بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) على أن إجماع أهل البيت فقط هوالحجة: (فإن قلت بل هوصحيح! قطعا لأن الأمة اتفقت على قبوله بعضهم للاستدلال به على أن إجماع العترة حجة وبعضهم للاستدلال به على فضيلتهم، قلت: قد تقدم أن هذا لا يفيد القطع بالصحة سلمنا صحة الخبر لكنه يقتضي وجوب التمسك بالكتاب والعترة وذلك مسلم فلم قلتم إن قول العترة وحدها حجة؟) ا. هـ أي لم قلتم أن إجماع غيرهم باطل ....
قلت: وكلام الرازي واضح في أن بعض الأمة يرى حجية إجماع العترة، وهونص في إثبات الخلاف في المسألة، وواضح أيضا أنه إنما أنكر على الشيعة قصرهم الإجماع على آل البيت كما تقدم.
3 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِي إجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَفِي إجْمَاعِ الْعِتْرَةِ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كِلَيْهِمَا حُجَّةٌ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ} وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي السُّنَنِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَكَذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.) ا. هـ
قال الشيخ ياسر حفظه الله بعد أن ساق هذا الكلام لشيخ الإسلام: (وكفى بهذا النقل وترجيح شيخ الإسلام له في الرد على من جهل مذاهب أهل العلم، ومواطن الاختلاف والاتفاق.)
قلت: ليت الكاتب سأل الشيخ كما سأل غيره ليتعلم بدلا من الطعن في أهل العلم دون تثبت!
4 ـ وقال شيخ الإسلام أيضا في منهاج السنة:
(وهنا الوجه الثاني إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عترته أنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وهوالصادق المصدوق فيدل على أن إجماع العترة حجة وهذا قول طائفة من أصحابنا وذكره القاضي في المعتمد) ا. هـ
وكلام شيخ الإسلام في الموضعين ظاهر جدا في إثبات الخلاف في المسألة، بل وفيه ترجيح شيخ الإسلام لحجية إجماع أهل البيت، فهل سيقول (زايد) أن شيخ الإسلام شيعي اثنا عشري؟!!.
5 ـ قال أيضا في المنهاج بعد أن ذكر الأحاديث التي يستدل بها على إجماع العترة: (والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنوهاشم لا يتفقون على ضلالة، وهذا قاله طائفة من أهل السنة، وهومن أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره) ا. هـ فهل ينسب زايد هذه الطائفة من أهل السنة إلى التشيع؟ انظر إلى الجهل أين يورد أصحابه!
6 ـ قال الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية: (قد تقدم الجواب عن حديث الثقلين، وما في معناه قريبا، وبينا أنها لا تدل على مقصود هذا المعترض، بل تدل على نقيض مقصوده، وإنما تدل على أن إجماع أهل البيت حجة، وأنهم لا يجمعون على باطل؛ لأن الله عصمهم من ذلك، كما عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وهذا قول طائفة من أصحاب أحمد وغيره، ذكره القاضي في المعتمد.) ا. هـ
والشاهد واضح وهوإثبات أن الحديث يدل على حجية إجماع أهل البيت، وأنه قول لطائفة من أصحاب أحمد، وواضح أيضا أن الإمام عبد الله ينقض في هذا الكتاب كلام الشيعة والزيدية ومع ذلك لم ينكر حجية إجماع أهل البيت بإطلاق ..
قلت: فتبين من كلام السرخسي والفخر الرازي إثبات الخلاف في المسألة.
وتبين من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وأبي سليمان بن محمد بن عبد الوهاب أن هذا القول ذكره القاضي الفراء في المعتمد وهوقول بعض أصحاب أحمد وغيرهم، وقد رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، فهل يبدع (زايد) كل هؤلاء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم ....
كتبه: أبوحمزة إسلام الكاشف.