خلافة أبي بكر رضي الله عنه لم تكن بالشورى ولا بإجماع المسلمي
سؤال 2: هل يصح ما يقال: إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه لم تكن بالشورى ولا بإجماع المسلمين، بل كانت لمجرد رأي شخص واحد وهوعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإذا كان كذلك فهل يجب على جميع المسلمين أن يتبعوا شخصاً واحداً ـ ولم يكن في ذلك الوقت خليفة بل كان من آحاد المسلمين ومواطناً في بلاد المسلمين ـ ولماذا يهدر دم المتخلِّف عن البيعة؟ وهل شخص واحد له قيمومة على جميع الناس إلى يوم الدين؟
هناك فئة من علمائنا ـ نحن أهل السنة ـ مثل أبويعلى ([1]) الحنبلي ت458هـ والقرطبي ([2]) 671هـ والغزالي ([3]) 478هـ وعضد الدين ([4]) الإيجي 756 هـ ومحي الدين ([5]) ابن العربي المالكي 543هـ أنكروا وجود هكذا إجماع بل قالوا بعدم لزومه.
[1]. يقول ابويعلى الحنبلي: لا تنعقد الا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد، ليكون الرضا به عاماً، والتسليم لإمامته اِجماعاً. وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة بأختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها (الاحكام السلطانية ص 33).
[2]. يقول القرطبي: فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال: لاينعقد الا بجماعة من أهل الحلِّ والعقد، ودليلنا: أنَّ عمر عقد الببعة لأبي بكر» جامع أحكام القرآن 1: 272.
[3]. يقول الغزالي امام الحرمين: اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الاجماع بل تنعقد الامامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها، والدليل عليه أن الأمامة لما عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ولم يتأن لانتشار الأخبار إلى من نأي من الصحابة في الأقطار ولم ينكر منكر، فاذا لم يشترط الاجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود ولا حدّ محدود. فالوجه الحكم بأنَّ الأمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلِّ والعقد. الارشاد في الكلام: 424.
[4]. عضد الدين الايجي ت 756 هـ: واذا ثبت حصول الإمامة بالأختيار والبيعة فاعلم أن ذلك لايفتقر إلى الإجماع، اذ لم يقم عليه دليل من العقل والسمع بل الواحد والإثنان من أهل الحلِّ والعقد كاف، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة فضلا عن اجتماع الأُمة، هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا.» المواقف في الكلام 8: 351.
[5]. ابن العربي الأشبيلي الأندلسي المالكي (543): قال: لايلزم في عقد البيعة للأمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك إثنان أوواحد. عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي 13: 229.السؤال 2: هل يصح ما يقال: إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه لم تكن بالشورى ولا بإجماع المسلمين، بل كانت لمجرد رأي شخص واحد وهوعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإذا كان كذلك فهل يجب على جميع المسلمين أن يتبعوا شخصاً واحداً ـ ولم يكن في ذلك الوقت خليفة بل كان من آحاد المسلمين ومواطناً في بلاد المسلمين ـ ولماذا يهدر دم المتخلِّف عن البيعة؟ وهل شخص واحد له قيمومة على جميع الناس إلى يوم الدين؟
هناك فئة من علمائنا ـ نحن أهل السنة ـ مثل أبويعلى ([1]) الحنبلي ت458هـ والقرطبي ([2]) 671هـ والغزالي ([3]) 478هـ وعضد الدين ([4]) الإيجي 756 هـ ومحي الدين ([5]) ابن العربي المالكي 543هـ أنكروا وجود هكذا إجماع بل قالوا بعدم لزومه.
[1]. يقول ابويعلى الحنبلي: لا تنعقد الا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد، ليكون الرضا به عاماً، والتسليم لإمامته اِجماعاً. وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة بأختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها (الاحكام السلطانية ص 33).
[2]. يقول القرطبي: فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال: لاينعقد الا بجماعة من أهل الحلِّ والعقد، ودليلنا: أنَّ عمر عقد الببعة لأبي بكر» جامع أحكام القرآن 1: 272.
[3]. يقول الغزالي امام الحرمين: اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الاجماع بل تنعقد الامامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها، والدليل عليه أن الأمامة لما عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ولم يتأن لانتشار الأخبار إلى من نأي من الصحابة في الأقطار ولم ينكر منكر، فاذا لم يشترط الاجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود ولا حدّ محدود. فالوجه الحكم بأنَّ الأمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلِّ والعقد. الارشاد في الكلام: 424.
[4]. عضد الدين الايجي ت 756 هـ: واذا ثبت حصول الإمامة بالأختيار والبيعة فاعلم أن ذلك لايفتقر إلى الإجماع، اذ لم يقم عليه دليل من العقل والسمع بل الواحد والإثنان من أهل الحلِّ والعقد كاف، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة فضلا عن اجتماع الأُمة، هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا.» المواقف في الكلام 8: 351.
[5]. ابن العربي الأشبيلي الأندلسي المالكي (543): قال: لايلزم في عقد البيعة للأمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك إثنان أوواحد. عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي 13: 229.
1 - أولا ً أثبتنا لك إجماع المسلمين من الصحابة على بيعته من المهاجرين والأنصار في الرد الأول على شبهتك الأولى
في المشاركة الثانية (رقم 2)
2 - والأهم
هناك أشكال وضعته في هذه الشروط وأسقطت به الإمامة
فإذا كان الإجماع الذي أثبتناه في خلافة أبا بكر وقع وهوكان محصور بين المهاجرين والأنصار
وأنت تشترط إجماع الأمة على الخليفة
فكيف تثبت الإمامة وتجعلها حجة وكافر من أنكرها وهي لم تثبت للإمة في حديث في حجّة الوداع؟
لذلك نقلك كله سقط وأسقطت معه الإمامة والمنصب الإلهي الغير ثابت لا بدليل من القرآن ولا بحديث في حجّة الوداع أكبر تجمع حصل للمسلمين قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فبذالك أثبتنا لك خلافة أبا بكر بالإجماع وبالأحاديث الصحيحة
وأثبتنا لك بطلان دينك في باب الإمامة وعقيدتكم فيها بإلزامكم ما ألزمتمونا أياه
وهكذا دائما ً الرافضة يهدمون دينهم بشبهاته ويفتحون أعيننا عن ما غاب عنا
نقول في نقلك للعلماء أنهم يتكلمون عن إجماع أهل الحل والعقد من الصحابة
وعمر رضي الله عنه قدّم أبا بكر على نفسه وهنا تثبت بنفسك آهلية أبا بكر على علي رضي الله عنه
واما كذبتك في إهدار دم من لم يؤمن بخلافته
فهذه كذبه تريد تمرير حروب الردّة عليها
فحروب الردّة كانت بسبب إنكار بعض القبائل لبعض أركان الدين.
________________________________________
ومن مطاعنهم في حق الصديق أنهم يزعمون عدم حصول الإجماع على خلافته، ويقولون بمنع الإجماع، ويتعللون بأن جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك، وجماعة من أكابر الصحابة كـ سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن العاص، حتى أن أباه أنكر ذلك وقال: من استخلف على الناس؟ فقالوا: ابنك، فقال: وما فعل المستضعفان -إشارة إلى علي والعباس - قالوا: اشتغلوا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا ابنك أكبر سناً -ثم يقولون- وبنو حنيفة كافة لم يحملوا الزكاة إليه حتى سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم، فأنكر عمر عليه ورد السبايا أيام خلافته.([380]).
* والرد على زعمهم هذا:
أن من له أدنى علم وخبرة عندما يسمع هذا الكلام يقطع بأن قائله من أجهل الناس، ومن أجرأ الناس على البهتان، فـ الرافضة أهل جهل وعمى، وأهل جرأة على الكذب، فبنو هاشم لم يمت منهم أحد إلا وقد بايع الصديق، وأما الذين ينصون عليهم بأسمائهم من الصحابة وأنهم تخلفوا عن بيعة أبي بكر فهو كذب عليهم، إذ بيعتهم للصديق ثم الفاروق أشهر من أن تنكر، وأسامة بن زيد لم يسر بجيشه لمحاربة الروم حتى بايع أبا بكر، وما تذكره الشيعة الرافضة من أن أبا قحافة أنكر استخلاف ابنه أبي بكر فهو باطل، ولم يكن ابنه أسن الصحابة، وإنما كان أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، والعباس أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين([381]) لكن المأثور عن أبي قحافة أنه لما قبض نبي الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة فسمع أبو قحافة، فقال: (ما للناس؟ قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أمر جلل فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك، قال: وهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع)([382])، وأما زعمهم أن بني حنيفة لم يحملوا الزكاة إليه حتى سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم، فيجاب على هذا البهتان بأن: من أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة أولهم وآخرهم أنه قاتل المرتدين، وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة، ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة، بل قاتلهم على أنهم آمنوا بـ مسيلمة الكذاب، وكانوا فيما يقال نحو مائة ألف والحنفية أم محمد بن الحنفية سرية علي كانت من بني حنيفة، وبهذا احتج من جوز سبي المرتدات إذا كان المرتدون محاربين، فإذا كانوا مسلمين معصومين فكيف استجاز علي أن يسبى نساءهم ويطأ من ذلك السبي، وأما الذين قاتلهم على منع الزكاة فأولئك ناس آخرون، ولم يكونوا يؤدونها، وقالوا: لا نؤديها إليك، بل امتنعوا من أدائها بالكلية، فقاتلهم على هذا لم يقاتلهم ليؤدوها إليه، وأتباع الصديق كـ أحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهما يقولون: إذا قالوا: نحن نؤديها ولا ندفعها إلى الإمام لم يجز قتالهم لعلمهم بأن الصديق إنما قاتل من امتنع من أدائها جملة لا من قال: أنا أؤديها بنفسي -ولو عدت الرافضة - من المتخلفين عن بيعة أبي بكر المجوس واليهود والنصارى لكان ذلك من جنس -عدهم- لبني حنيفة، بل كفر بني حنيفة من بعض الوجوه كان أعظم من كفر اليهود والنصارى والمجوس، فإن أولئك كفار أصليون وهؤلاء مرتدون، وأولئك يقرون بالجزية، وأولئك لهم كتاب أو شبهة كتاب وهؤلاء اتبعوا مفترياً كذاباً... وأمر مسيلمة مشهور في جميع الكتب التي يذكر فيها مثل ذلك من كتب الحديث والتفسير والمغازي والفتوح والفقه والأصول والكلام، وهذا أمر قد خلص إلى العذارى في خدورهن، بل قد أفرد الإخباريون لقتال أهل الردة كتباً سموها كتب الردة والفتوح كـ سيف بن عمر والواقدي وغيرهما، يذكر فيها من تفاصيل أخبار أهل الردة وقتالهم ما يذكرون([383]).
وأما زعمهم: أن عمر أنكر قتال أهل الردة ورد عليهم سباياهم، فهذا من أعظم الكذب والافتراء على عمر، بل الصحابة كانوا متفقين على قتال مسيلمة وأصحابه، ولكن كانت طائفة أخرى مقرين بالإسلام وامتنعوا عن أداء الزكاة فهؤلاء حصل لـ عمر أولاً شبهة في قتالهم حتى ناظره الصديق وبين له وجوب قتالهم فرجع إليه والقصة في ذلك مشهورة([384]).
وأما قولهم: إن عمر رضي الله عنه أنكر على الصديق سبي مانعي الزكاة ورد السبايا أيام خلافته، فيقال لهم: هذا من الكذب الذي لا يخفى على من عرف أحوال المسلمين، فإن مانعي الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم بعد أن راجعه عمر في ذلك، كما هو ثابت في الصحيحين([385])... لكن من الناس من يقول: سبى أبو بكر نساءهم وذراريهم وعمر أعاد ذلك عليهم، وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما، فإنه قد يكون عمر كان موافقاً على جواز سبيهم، لكن رد إليهم سبيهم كما رد النبي صلى الله عليه وسلم على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين، فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه من عنده لما أتى أهلهم مسلمين وطلبوا رد ذلك إليهم([386])، وأهل الردة قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يري الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم، فلما تبين لـ عمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم لأنه جائز([387]).
فإمامة الصديق من الأمور التي أجمعت عليها الأمة، وما يردده الرافضة من الهذيان حول عدم الإجماع عليها لا يلتفت إليه ولا يعتد به.
________________________________________
([380]) منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة: (4/227).
([381]) انظر منهاج السنة: (4/230- 231)، المنتقى للذهبي، (ص:544- 545).
([382]) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى: (3/184)، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة: (2/247).
([383]) منهاج السنة: (4/228)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:544).
([384]) منهاج السنة: (4/229)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:544).
([385]) انظر صحيح البخاري: (4/196)، صحيح مسلم: (1/51- 52).
([386]) انظر السيرة النبوية لابن هشام: (2/488- 491).
([387]) منهاج السنة: (3/231 – 232)
________________________________________
إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه قضية مجمع عليها فهل صحيح أن علياً وأصحابه لم يكونوا ضمن هذا الإجماع
السؤال 1: حول ما يقال إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه قضية مجمع عليها فهل صحيح أن علياً وأصحابه لم يكونوا ضمن هذا الإجماع، وأن هكذا إجماع تجري عليه اللعنة من الله عزوجل، كما قال ابن حزم: لعنة الله على كل إجماع يخرج منه علي بن أبي طالب ومن بحضرته من الصحابة. (1)
(1). المحلى 9: 345.
ً1 - كلام ابن حزم ليس حديثا ً فلعنه لإي إجماع يخرج منه علي رضي الله عنه فلا أصل له وهومبالغه من مبالغاته رحمة الله عليه وعفا الله عنه
وأتمنى أن تثبت كلامك بالأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة وليس من أقوال العلماء فما خالفها نردّه وهذا مما خالفها فلا أصل لما قال من كتاب ولا سنة صحيحة
2 - أثبت يا رافضي أنه لم يبايع يعني (علي رضي الله عنه) ثم أنقش:)
بيعة علي رضي الله عنه
خبر يقول ببيعته أول الأمر وخبر بيعته بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها وحلها والجمع بينهما سهل لمن سهّل الله عليه
علياً رضي الله عنه بايع ابتداءاً لأبي بكر رضي الله عنه بحضور بعض الصحابة ثم اعتزل في بيته ستة اشهر لمرض سيدتنا فاطمة ثم لما توفيت خرج وجدد البيعة مرة أخرى لسيدنا ابي بكر كما في البخاري بحضور الناس واجتماعهم كي لا يظن احدا ان اعتزاله كان لعدم رضاه.
والبيعه له ثابته في كتبك يا رافضي
3 - الإجماع: قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: «وقد اتفق الصحابة - رضي الله عنهم - على بيعة الصديق في ذلك الوقت، حتى علي بن أبي طالب، والزبير ابن العوام» ا. هـ البداية والنهاية 6/ 3.6.
وحديث أنه تخلف أول الأمر وصالح بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها تأويله واضح أنه بايع أول الأمر وصالح لأنه كان يرى له في أمر الشورى وليس في أمر الخلافة
-----
وقال ابن حجر في شرح حديث عائشة المشار إليه آنفاً:
((وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره: (أن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر) وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلاً قال له: (لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة؟ قال: لا ولا أحد من بني هاشم) فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح،
وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى، لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري (لم يبايعه علي): في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده، وما أشبه ذلك. فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته، فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة رضي الله عنها لإزالة هذه الشبهة))
فتح الباري 7/ 495
وهنا موضوع للأخ الفاضل تقي الدين السني يجمع فيها بين الحديثين ويثبت مبايعه علي رضي الله عنه مرتين
------------------------------
4 - كتبك تشهد بمبايعة علي رضي الله عنه لأبا بكر رضي الله عنه (وإنا لنرى أبا بكر أحق بها - أي بالخلافة - إنه لصاحب الغار. وإنا لنعرف سنه. ولقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلفه وهوحي.) نهج البلاغة، تحقيق العالم الشيعي الشريف الرضي 1/ 132
مبايعة علي الخلفاء الثلاثة
وأنهما لم يستأثرا ولم يستبدا.
واعترف الرافضة بذلك في كتبهم
قال علي رضي الله عنه:
(قال علي رضي الله عنه: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم
يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد
وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أوبدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى). نهج البلاغة (14/ 35) باب (6)
» دعوني والتمسوا غيري فإني لكم وزيرا خير لكم مني أميرا .. ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، ولأن أكون لكم وزيراً خيراً من أن أكون عليكم أميرأ»
وهذا ما حصل حتى وقعت عليه الخلافة رابعا ً رضي الله عنه (نهج البلاغة 181 - 182).
________________________________________
قال الرافضي ص167:
"3 - علي أولى بالاتباع:
ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين علي بن أبي طالب وأبي بكر ...
وقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص تثبتها مصادر الفريقين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين ....
كما أن كثيراً من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي ثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، ومن عدة طرق لايتطرق إليها الشك، فقد روى الحديث في فضائل الإمام علي جمع غفير من الصحابة حتى قال أحمد ابن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب.
وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبوعلي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي ....
أما بشأن أبي بكر فقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أويعادل فضائل الإمام علي.
على أن فضائل أبي بكر المذكورة في الكتب التاريخية مروية عن ابنته عائشة، وقد عرف موقفها من الإمام علي، فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولوبأحاديث موضوعة، أوعن عبدالله بن عمر، وهوأيضاً من البعيدين عن الإمام علي، وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك، وكان يحدث: أن أفضل الناس بعد النبي أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل، والناس بعد ذلك سواسية، يعنى هذا الحديث أن عبدالله بن عمر جعل الإمام علياً من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة ... "
والجواب: أن هذا الكلام قد تضمن من الافتراء، والكذب، والظلم، والبغي الشيء العظيم، مما يعلمه من له أدنى اطلاع على سيرة الصحابة ووقف على النصوص، وأقوال أهل العلم في ذلك، ولولا ما أعلم من سخف عقول هؤلاء الرافضة، وخسة طباعهم، وقلة حيائهم، وعظيم جرأتهم على الكذب والبهتان، لتعجبت أن يصدر هذا الكلام من عاقل يزعم أنه يستند في بحثه للنصوص الصحيحة، ويدعى التحقيق العلمى المتجرد، يخاطب الناس بهذا الكلام الذي يعلم الخاص والعام أنه محض كذب وافتراء.
فقوله فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته السنة والشيعة، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين.
فهذا القول مع ما تضمنه من الكذب فهوليس بحجة على ما ادعى من بطلان خلافة أبي بكر، إذ ليس من شرط صحة خلافة أبي بكر إجماع كافة الفرق عليها، ونظير هذا القول قول اليهود للمسلمين: اتفقنا على صحة نبوة موسى تعالى، واختلفنا في نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على صحة نبوة ما اتفقنا عليه، وبطلان نبوة ما اختلفنا فيه، وكذلك لوقال النصارى للمسلمين مثل هذا في عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فمعلوم أن هذا القول فاسد من أصله، فكذلك قول الرافضي هذا فاسد كفساد قول اليهود والنصارى على حد سواء.
وقد نبه على هذا في الرد على الرافضة الإمام الدهلوي في التحفة الإثني عشرية قال: "ومن مكايدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روي في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهى مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب (دع ما يريبك إلى مالا يريبك). والجواب: أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يزيل هذه الشبهة
هوأن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لولم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف". (1)
قلت: وهذه القاعدة على فسادها فإن مقدمتها التي بنيت عليها غير مسلمة، فليس صحيحاً أن الأمة اتفقت على إمامة علي واختلفت في إمامة أبي بكر، وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه بالنظر إلى مواقف عامة المسلمين من السنة والشيعة، ومن عداهم من فرق الأمة، يظهر بطلان هذه الدعوى بل صحة خلافها، وهوأن الأمة قد اتفقت على إمامة أبي بكر أكثر مما اتفقت على إمامة علي، بل لايعرف من خالف في إمامة أبي بكر إلا الرافضة، بينما خالف في إمامة علي كثير من الخلق حتى زعمت بعض الفرق نسبته للكفر والردة كالخوارج، واعتقدت فيه بعض الطوائف الفسق كالنواصب وأضرابهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً هذا الأمر في معرض رده على الرافضي في دعواه الاتفاق على إمامة علي وأنه نزهه الموافق والمخالف:
"هذا كذب بين، فإن علياً - رضي الله عنه - لم ينزهه المخالفون، بل القادحون في علي طوائف متعددة، وهم أفضل من القادحين في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر التحفة الإثني عشرية ص36.
أبي بكر وعمر وعثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أونبوته، بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية الذين اعتقدوه إماماً معصوماً، وأبوبكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة. والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما، والمروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم، ويقولون: إنه لم يكن خليفة، يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال: إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة.
ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في علي حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً، فلا يمكن للرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها، ولا كانوا في القتال منصورين عليهم". (1)
فظهر بهذا أن الذين يصححون إمامة أبي بكر ويعتقدون عدالته أكثر من القائلين بإمامة علي واعتقاد عدالته، بل إنه لم يقدح في إمامة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/ 7 - 8.
أبي بكر وعدالته إلا الرافضة دون سائر فرق الأمة، بينما يقدح في إمامة علي وعدالته بل إسلامه بعض الفرق الذين هم أعلم بدين الله وأقوم من الرافضة وإن كانوا ضالين في اعتقادهم في علي - رضي الله عنه -.
الوجه الثاني: أنا لا نسلم موافقة أهل السنة للرافضة فيما تعتقده في إمامة علي-رضي الله عنه-.
فالرافضة تعتقد في علي أنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته على الأمة مباشرة، وأن الخلفاء قبله كانوا مغتصبين لهذا الحق، ظالمين لعلي وأن خلافتهم غير شرعية.
وأما أهل السنة فيعتقدون في علي أنه الخليفة الرابع بعد الخلفاء الثلاثة، وهم أبوبكر وعمر وعثمان، ويضللون من اعتقد تقدمه على واحد من هؤلاء فشتان بين العقيدتين.
وعلى هذا فليس بين أهل السنة والرافضة أي اتفاق في هذه المسألة إلا على عدالة علي وأنه خليفة راشد، وبالتالي فهم لا ينتفعون من تقرير هذه القاعدة إلا على إثبات عدالة علي وخلافته، وتبقى بقية معتقداتهم في علي التي هي محل نزاع بينهم وبين سائر فرق الأمة مفتقرة إلى الدليل خارجة عن هذه القاعدة التي قعدوها.
وبهذا يظهر لك أيها القارىء بطلان دعوى الرافضي في احتجاجه بمبدأ الاتفاق والاختلاف عند أهل السنة والرافضة، وأن هذه حجة داحضة وشبهة زائفة بما تقدم ذكره. هذا مع كذبه في دعوى اتفاق الأمة على خلافة علي واختلافها في خلافة أبي بكر مما يظهر من خلاله فساد قوله وسقوط حجته جملة وتفصيلاً.
أما ما ادعاه من أنه فتّش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يوازي فضائل علي.
فجوابه: أنه بقوله هذا يكشف للناس عن جهله الفاضح فيما ادعاه أوكذبه الواضح فيما عزاه، فإن المنازع في هذه المسألةكمن ينازع في طلوع الشمس في رابعة النهار حتى إن سلف هذا الرافضي مع عظيم جهلهم، وكثرة كذبهم، لا أعلم -بحسب ما اطلعت عليه من أقوالهم- أنهم قالوا بقول هذا الرجل، وإنما يزعم عامتهم أن ما اشتهر في كتب السنة من فضائل أبي بكر وعمر وعثمان موضوعة مكذوبة، ولايجترؤن على ما اجترأ عليه من الكذب والبهتان، وما على القارئ الراغب في الوقوف على كذب هذا الرافضي وتزويره، إلا أن يتصفح أقرب ما لديه من كتب أهل السنة في الحديث -وأشهرها الصحيحان والسنن- ويقارن بين ماجاء فيها من الأحاديث في فضائل أبي بكر وفضائل علي ليقف بنفسه على حقيقة الأمر ومبلغ هذا الرافضي من العلم.
وسأورد فيما يلي أمثلة لبعض هذه الأحاديث الثابتة في فضائل أبي بكر ومناقبه، التي لم يشاركه فيها أحد من الصحابة لا علي ولامن هوأفضل من علي (كعمر وعثمان) ليعلم بهذا بطلان دعوى الرافضي في هذا الأمر:
فمن ذلك:
مارواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبوبكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هوالمخير، وكان أبوبكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبوبكر، ولوكنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبابكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر). (1)
وفي الصحيحين أيضاً من حيث عبد الله بن عمروبن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه علي جيش ذات السلاسل، قال: (فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك، قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً). (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر) فتح الباري 7/ 12، ح3654، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -) 4/ 1854، ح2382.
(2) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/ 18، ح3662، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر)، 4/ 1856، ح2384.
ومن حديث أبي الدرداء قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبوبكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال: يارسول الله إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبوبكر؟ فقالوا: لا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبوبكر فجثا على ركبتيه، فقال: يارسول الله والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبوبكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركولي صاحبي (مرتين) فما أوذي بعدها. (1)
قال ابن شاهين بعد ماروى الحديث: "تفرد أبوبكر الصديق بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد". (2)
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لوأن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في كتاب: (فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/ 18، ح3661.
(2) كتاب اللطيف لابن شاهين ص157.
فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما). (1)
وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت -أوأردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أويتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أويدفع الله ويأبى المؤمنون). (2)
ومن حديث أبي موسى الأشعري قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: يارسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف قال فصلى بهم أبوبكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم). (3)
وقد شهد له الصحابة بأنه كان أفضلهم ومنهم علي - رضي الله عنه -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم ... ) فتح الباري 7/ 8، ح3653، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/ 1854، ح2381.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع ... )، فتح الباري 1./ 123، ح5666، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/ 1857، ح2387.
(3) أخرجه مسلم: (كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر) 1/ 316، ح42..
على ماروى البخاري من حديث محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: (أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبوبكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين). (1)
وفي خبر البيعة قال عمر لأبي بكر: ( ... أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (2)، وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة فلم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً.
وعن ابن عمر قال: (كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لانعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم). (3)
فهذه نماذج مما ورد في فضل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من المناقب والفضائل العظيمة التي لم يشاركه فيها غيره، مما جاء في الصحيحين أوأحدهما فقط من غير استقصاء لذلك، فكيف مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاً خليلاً ... )، فتح الباري 7/ 2.، ح3671.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاً خليلاً ... )، فتح الباري 7/ 2.، ح3668.
(3) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان ... )، فتح الباري 7/ 53 - 54، ح3697.
الاستقصاء!! فكيف بما جاء في غيرهما!! وأما ما جاء في كتب السنة عامة من فضائله الأخرى التي شاركه فيها بعض الصحابة كعمر وبقية الخلفاء فإنها أجل من أن تستوعب في هذا المقام.
وأشير هنا إلى ما تضمنته الأحاديث المتقدمة من تلك المناقب التي اختص بها دون غيره من عامة الصحابة فمنها:
1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: إنه أمن الناس عليه في صحبته وماله.
2 - قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه (لوكنت متخذاً غير ربي خليلاً لا تخذت أبا بكر).
3 - أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تسد الأبواب في المسجد إلا بابه.
4 - إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحب الرجال إليه، وابنته أحب النساء إليه.
5 - غضب النبي صلى الله عليه وسلم له حتى تمعر وجهه، وانتصاره له، واستغفاره له ثلاثاً.
6 - إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه صدقه من غير تردد ولا شك، بعد ما كذبه قومه.
7 - قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (هل أنتم تاركولي صاحبي) ولم يقل ذلك لأحد غيره، مما يدل على اختصاصه من الصحبة بما لم يبلغه غيره.
8 - أنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة وثاني اثنين في الغار، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
9 - إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لاستخلافه، وهمّه أن يكتب بذلك كتاباً، ثم تركه ذلك ثقة بالله ويقيناً. وأن الله يأبى غير ذلك ويأبى المؤمنون غيره، وهذا من أعظم مناقبه، وأنه لا يختلف في فضله بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
1. - شهادة الصحابة له بما فيهم علي - رضي الله عنه - أنه خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وشهادة عمر له بأنه: سيدهم، وخيرهم، وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جمع كبير من خيار الصحابة، فلم ينكر ذلك عليه أحد فدل على إجماعهم على ذلك.
11 - تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة وصلاته بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه المناقب لم يشارك الصديق فيها أحد من الصحابة على الإطلاق، لا علي ولا غيره، فكيف يدعي هذا الرافضي أنه فتش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يثبت لعلي، مع أن هذه الأحاديث قد جاءت في الصحيحين وهي مشهورة، لا تكاد تخفى على أحد من صغار طلاب العلم فكيف بمن يدعي البحث والتحقيق العلمي.
ومقارنة بما ثبت في حق أبي بكر من الفضائل التي لم يشاركه فيها غيره، فينبغي أن يعلم أن ما ثبت في حق علي - رضي الله عنه - من الفضائل ليست هي من خصائصه، بل قد يشاركه فيها غيره من الصحابة، وذلك أن من أجل ما ثبت في حق علي من الفضائل:
حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم أنه قال وقد ذكر عنده علي بن أبي طالب: (أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خَلّفَه في بعض مغازيه، فقال له علي: يارسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} (1)، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي). (2)
فهذا الحديث مع ما فيه من المناقب العظيمة لعلي بن أبي طالب، إلا أنها ليست مما اختص به علي على غيره من الصحابة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية 61.
(2) أخرجه مسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب) 4/ 1871.
قال بعد أن ذكر الحديث: "فهذا حديث صحيح رواه مسلم في
صحيحه وفيه ثلاث فضائل لعلي لكن ليست من خصائص الأئمة، ولا من خصائص علي، فإن قوله وقد خلفه في بعض مغازية فقال له علي: يارسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ليس من خصائصه، فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره، ولهذا قال علي: اتخلفني مع النساء والصبيان ... فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضاضة فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده، وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبياً، وأنا لا نبي بعدي، وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني اسرائيل، والنبي صلى الله عليه وسلم استخلف علياً على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة، وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر، هذا بإبراهيم وعيسى، وهذا بنوح وموسى، فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه علي، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة، وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص.
وكذلك قوله: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا، فقال: ادعولي علياً، فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه، وهذا الحديث أصح ماروي
لعلي من الفضائل أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤن منه ولا يتولونه، ولايحبونه، بل قد يكفرونه أويفسقونه، كالخوارج فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ...
وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة، وحسن، وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال، ولابالذكور، ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي". (1)
وكذلك ما جاء في حق علي - رضي الله عنه - من فضائل في أحاديث أخرى لا يعني اختصاصه بها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (أنت مني وأنا منك) (2)، بل قد تثبت لغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/ 42 - 45، وانظر: أيضاً تقرير شيخ الإسلام لهذه المسألة في منهاج السنة 5/ 13 - 36، 8/ 419 - 421.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب عمرة القضاء)، فتح الباري 7/ 499، ح4251.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن قوله لعلي: (أنت مني وأنا منك) ليس من خصائصه، بل قال ذلك للأشعريين، وقاله لجليبيب وإذا لم يكن من خصائصه بل قد شاركه في ذلك غيره، من هودون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالاً على الأفضلية ولا على الإمامة". (1)
ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) (2) فهوليس من خصائصه لأنه ثبت أنه قال مثل هذا للأنصار، فعن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار: (لايحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله). (3)
قال أبونعيم بعد ذكر حديث: (لا يحبك إلا مؤمن ... ) قلنا: "هكذا نقول وهذه من أشهر الفضائل وأبين المناقب لا يبغضه إلا منافق ولا يحبه إلا مؤمن ولوأوجب هذا الخبر خلافة، لوجبت إذاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/ 3.، وقد ذكر شيخ الإسلام هذا الكلام مفصلاً مع ذكر الأدلة عليه المشار إليها هنا قبل ذلك، انظره: في الكتاب نفسه 5/ 28 - 29.
(2) أخرجه مسلم من حديث علي - رضي الله عنه -: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي - رضي الله عنه - من الإيمان) 1/ 86، ح78.
(3) أخرجه مسلم: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان) 1/ 85، ح75.
الخلافة للأنصار، لأنه قال مثله في الأنصار" (1) ثم ساق الحديث.
فهذه أعظم فضائل علي - رضي الله عنه - ومناقبه الثابتة في الأحاديث الصحيحة قد تبين عدم اختصاصه بها دون غيره، بل قد ثبت مثلها في حق من هودون أبي بكر في الفضل، في حين أن ما ثبت لأبي بكر من الفضائل لم يشاركه فيها أحد لا علي ولا من هوأفضل منه، على ما تقدم تقريره بالأدلة الصحيحة الصريحة، الدالة على بطلان دعوى الرافضي وظهور كذبه.
وأما ما نسبه الرافضي لأحمد -رحمه الله- أنه قال: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل كما جاء لعلي).
فهذا إن ثبت عن الإمام أحمد فمحمول على مجموع ماروى من الصحيح والضعيف، وهذا لا يخالف ما هومقرر عندنا، وأما الصحيح فلا يمكن أن يكون كذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقول من قال: صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره كذب، لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث، لكن قد يقال: روى له مالم يرولغيره لكن أكثر ذلك من نقل من عُلم كذبه وخطؤه". (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرد على الرافضة ص244.
(2) منهاج السنة 8/ 421.
وكذلك ما نقله الرافضي عن باقي الأئمة كالقاضي إسماعيل والنسائي وأبي علي النيسابوري فهوكما قال شيخ الإسلام فإن كان المقصود بالمنقول الصحيح فلا يمكن أن يثبت ذلك عن الأئمة، لأن الواقع يشهد بخلاف هذا، وإن كان المقصود من ذلك مجموع المنقول من الصحيح وغيره فلذلك وجه.
والسبب والله أعلم في كثرة ما يروى من فضائل علي، سواء من الصحيح، أوالضعيف، أوالموضوع، يرجع إلى أمرين:
الأول: انتساب الرافضة لعلي - رضي الله عنه - ودعواهم محبته، ووضعهم كثيراً من الروايات الموضوعة في فضائله، على ما هومعلوم من كتبهم، وعلى ما صرح به العلماء المشتغلون بالحديث ونقده.
يقول ابن الجوزي: "وغلوالرافضة في حب علي - رضي الله عنه - حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله أكثرها تشينه وتؤذيه". (1)
الثاني: ما ذكره ابن حجر -رحمه الله- في الفتح بعد نقله الأثر المتقدم، المنسوب لأحمد ولبعض الأئمة حيث قال: "وكأن السبب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه، من كثرة من كان بينها من الصحابة، رداً على من خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جداً،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تلبيس إبليس ص136.
ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه، واتخذوا لعنه على المنابر سنة، ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه، مضموماً ذلك منهم إلى عثمان، فصار الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله، فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف في ذلك، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل، لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلاً". (1)
وأما قول الرافضي إن فضائل أبي بكر مروية عن ابنته عائشة وقد عرف موقفها من علي، أوعن ابن عمر وهومن البعيدين عن علي.
فهذا من أظهر الكذب وأوضحه: فإن فضائل أبي بكر قد نقلها كثير من الصحابة، ليست مقصورة على واحد أواثنين أوقريباً من ذلك، فضلاً أن يدعى أنها محصورة فيما نقلته عائشة أوابن عمر، وهذه كتب السنة وفي مقدمتها الصحيحان تشهد بصحة هذا، فما على طالب الحق إلا أن يرجع إليها ليقف على جلية الأمر بنفسه. ويكفي دلالة على هذا أن ما تقدم نقله من النصوص في فضل أبي بكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري 7/ 71.
والتي تضمنت أكثر من عشر مناقب هي من خصائص أبي بكر التي لم يشاركه فيها غيره ليست مقصورة في روايتها على من ذكر، بل لم تروعائشة منها إلا حديثاً واحداً وهوإرادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لأبي بكر كتاباً بالوصية له، والإشارة لاستخلاف أبي بكر ثابتة بأحاديث أخرى من غير طريق عائشة، كحديث جبير بن مطعم في قصة المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت: (يارسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر)، وهذا الحديث في الصحيحين (1) وكحديث حذيفة الذي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) (2)، وأما ابن عمر فقد روى حديثاً واحداً أيضاً في تقديم الصحابة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان (3)، وهذا ثابت دون ذكر عثمان، من طريق محمد بن الحنفية
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/ 17، ح3659، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/ 1856، ح2386.
(2) أخرجه الترمذي في: (كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر) 5/ 6.9، ح3662، وابن ماجه: (في المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) 1/ 37، ح97، والحاكم في المستدرك 3/ 79، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 233، رقم 1233، وفي صحيح ابن ماجه 1/ 23، ح8..
(3) تقدم تخريجه ص 488.
عن أبيه علي بن أبي طالب وأن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر ثم عمر. (1)
وأما بقية الأحاديث فقد رواها عدد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وأبوسعيد الخدري، وعمروبن العاص، وأبوالدرداء، وأنس بن مالك، وأبوموسى الأشعري على ما تقدم نقل أحاديثهم آنفاً، كما روى فضائل أبي بكر من غير هؤلاء جمع كبير من الصحابة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عمر بن الخطاب، والبراء ابن عازب، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعمار بن ياسر، وأبوهريرة، وعبدالله ابن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة، وعمروبن عنبسة، وأبوأمامة، وجابر بن عبد الله، وسفينة (مولى أم سلمة)، وأبوبكرة، وغيرهم ممن يصعب حصرهم (2) وإنما ذكرت هنا بعض ما يستدل به على كذب الرافضي في دعواه: أنه لم يروفضائل أبي بكر إلا عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 488.
(2) انظر: الأحاديث في فضائل أبي بكر بالإضافة إلى ما تقدم تخريجه في الصحيحين: في سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل، وباب الخلفاء) 5/ 24 - 31، وسنن الترمذي: (كتاب المناقب، باب مناقب
أبي بكر الصديق، وباب في مناقب أبي بكر وعمر) 5/ 6.6 - 617، والمستدرك للحاكم 3/ 64 - 86.
على أنه لواقتصرت فضائل أبي بكر على روايتهما فليسا متهمين في روايتهما، فكون عائشة ابنة أبي بكر ليس قادحاً في قبول ما تروي من فضائله، لأن عدالة الصحابة أمر مقطوع به، فكيف بأم المؤمنين عائشة على ما هي عليه من وفور العلم والدين، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهام هذا الأفاك الأثيم أم المؤمنين بوضع الأحاديث في فضائل أبيها، هذا من أعظم البهتان، الذي نسأل الله تعالى أن يجازيه به جزاء وفاقاً. وأما اتهامه ابن عمر بهذه التهمة أيضاً، مدعياً أنه كان من البعيدين عن علي فهذه فرية أخرى لا تقل عن سابقتها، ودعوى مجردة من أي دليل.
ولوأخذنا بمقياس الرافضي هذا في نقد الروايات، لكان هذا وارداً على ما يروى في فضل علي من الأحاديث التي نقلها أبناؤه وأهل بيته، ومن تدعى الرافضة تشيعهم له من الصحابة، بل ما يروي علي نفسه من فضائله كقوله: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) (1) فإن كانت عائشة -رضي الله عنها- متهمة في ماروته من فضائل أبيها -رضي الله عنهما- فالتهمة واردة هنا على علي، وأبنائه، وأهل بيته، ومن يُدعى تشيعهم له، فيما ينقلونه من فضائله، بل إن التهمة في الوضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 494.
لعلي أقوى من التهمة في الوضع لأبي بكر، ذلك أن أبا بكر لم تختلف الأمة عليه، ولم تفترق عنه، بل كانت مجتمعة عليه، ولم تشك في فضله، فما كان محتاجاً لهذا أصلا، بخلاف علي فإن الأمة افترقت في عهده، وقاتلته طائفة منها، وتنكرت له طوائف من أهل البدع ففسقه أقوام، وكفره آخرون فكان محتاجاً لما يجمع الناس عليه، وكان الدافع لدى محبيه وشيعته أقوى في الوضع له، من الدافع لأهل بيت أبي بكر في الوضع له بل إن الثاني منعدماً تماماً لعدم الحاجة إليه، ولهذا فإن الموضوع في فضل علي - رضي الله عنه - من الأحاديث أكثر بكثير مما وضع في فضل أبي بكر أوغيره من الصحابة، لكن هذا ليس من صنيع أحد من أهل بيته المعروفين بالعلم والعدالة، ناهيك أن ينسب شيء من ذلك له، أولأحد من أبنائه أوالموالين له من الصحابة، فإنهم أبعد الناس عن ذلك، بل هم الصادقون المصدقون في كل ما ينقلون وما يروون، فمن اعتقد فيهم غير ذلك فقد باء بالخسران وناله ما نال الرافضة من الإثم والبهتان. وأما أهل السنة فهم بحمد الله يعتقدون في الصحابة كلهم العدالة المطلقة، والصدق والأمانة فيما يخبرون به عن أنفسهم أوغيرهم، ولا يتطرق لديهم الشك في ما ينقل عن الصحابة من أخبار في الفضائل وغيرها إذا ما ثبتت النسبة إليهم، وأسندوها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أردت من هذا بيان فساد قول الرافضي، ودحض حجته، وكشف شبهته، والله تعالى من وراء القصد.
________________________________________
إنكار الإجماع على إمامة الصديق
قال الرافضي: ((الفصل السادس: في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر. احتجوا بوجوه: الإجماع. والجواب منع الإجماع؛ فإن جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك، وجماعة من أكابر الصحابة، كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار وحُذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن العاص وابن عباس.
حتى أن أباه أنكر ذلك، وقال: من استُخلف عليّ الناس؟ فقالوا: ابنك. قال: وما فعل المستضعفان؟ إشارة إلى عليّ والعبّاس. قالوا: اشتغلوا بتجهيز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأوا أن ابنك أكبر الصحابة سنًّا، فقال: أنا أكبر منه.
وبنوحنيفة كافة لم يحملوا الزكاة إليه، حتى سمّاهم أهل الردة، وقتلهم وسباهم، فأنكر عمر عليه، وردَّ السبايا أيام خلافته)).
والجواب: بعد أن يقال: الحمد لله الذي أظهر من أمر هؤلاء إخوان المرتدّين ما تحقق به عند الخاص والعام أنهم إخوان المرتدّين حقًّا، وكشف أسرارهم، وهتك أستارهم بألسنتهم؛ فإن الله لا يزال يطلع على خائنة منهم، تبيّن عداوتهم لله ورسوله، والخيار عباد الله وأوليائه المتّقين، ومن يُرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.
فنقول: من كان له أدنى علم بالسيرة، وسمع مثل هذا الكلام، جزم بأحد أمرين: إما بأن قاتله من أجهل الناس بأخبار الصحابة، وإما أنه من أجرأ الناس على الكذب. فظنّى أن هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الرافضة ينقلون ما في كتب سلفهم، من غير اعتبار منهم لذلك، ولا نظر في أخبار الإسلام، وفي الكتب المصنفة في ذلك، حتى يعرف أحوال الإسلام، فيبقى هذا وأمثاله في ظلمة الجهل بالمنقول والمعقول.
ولا ريب أن المفترين للكذب من شيوخ الرافضة كثيرون جدا وغالب القوم ذووهوىً أوجهل، فمن حدَّثهم بما يوافق هواهم صدّقوه، ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه، ومن حدّثهم بما يخالف أهواءهم كذّبوه، ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه. ولهم نصيب وافر من قوله تعالى: {{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ}} (1)، كما أن أهل العلم والدين لهم نصيب وافر من قوله تعالى: {{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}} (2).
ومن أعظم ما في هذا الكلام من الجهل والضلال جعله بني حنيفة من أهل الإجماع؛ فإنهم لمّا امتنعوا عن بيعته ولم يحملوا إليه الزكاة سمَّاهم أهل الردة، وقتلهم وسباهم. وقد تقدَّم مثل هذا في كلامه.
وبنوحنيفة قد علم الخاص والعام أنهم آمنوا بمسَيْلمة الكذّاب، الذي ادّعى النبوة باليمامة، وادّعى أنه شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرسالة، وادّعى النبوة في آخر حياة النبي- صلى الله عليه وسلم -.
وأمر مسَيْلمة وادّعاؤه النبوة واتّباع بني حنيفة له أشهر وأظهر من أن يخفى، إلا على من هوأبعد الناس عن المعرفة والعلم.
ومن أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة - أولهم وآخرهم - أنه قاتل المرتدّين. وأعظم الناس ردّة كان أبوحنيفة، ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة، بل قاتلهم على أنهم آمنوا بمسَيْلمة الكذاب. وكانوا فيما يُقال نحومائة ألف.
والحنفِية أم محمد بن الحنفية سَرِّيةُ عليّ كانت من بني حنيفة، وبهذا احتجّ من جَوَّز سبي المرتدّات إذا كانت المرتدّون محاربين، فإذا كانوا مسلمين معصومين، فكيف استجاز عليّ أن يسبى نساءهم، ويطأ من ذلك السبي؟
وأما قول الرافضي: أن عمر أنكر قتال أهل الردة.
__________
(1) الآية 32 من سورة الزمر.
(2) الآية 33 من سورة الزمر.
فمن أعظم الكذب والافتراء على عمر، بل الصحابة كانوا متفقين على قتال مسيلمة وأصحابه ولكن كانت طائفة أخرى مقرين بالإسلام، وامتنعوا عن أداء الزكاة، فهؤلاء حصل لعمر أولاً شبهة في قتالهم حتى ناظره الصدِّيق، وبيّن وجوب قتالهم، فرجع إليه والقصة في ذلك مشهورة.
فإن جاز أن يطعن في الصديق والفاروق أنهما قاتلا لأخذ المال فالطعن في غيرهما أوجه، فإذا وجب الذب عن عثمان وعليّ فهوعن أبي بكر وعمر أوجب.
وعليّ يقاتل ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال فكيف يجعل هذا قتالا على الدِّين؟ وأبوبكر يقاتل من ارتدّ عن الإسلام ومن ترك ما فرض الله، ليطيع الله ورسوله فقط، ولا يكون هذا قتالاً على الدين؟
وأما الذين عدّهم هذا الرافضي أنهم تخلّفوا عن بيعة الصدّيق من أكابر الصحابة، فذلك كذب عليهم، إلاّ على سعد بن عبادة، فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر وعمر أشهر من أن تنكر، وهذا مما اتفق عليه أهل العلم بالحديث والسير والمقولات، وسائر أصناف أهل العلم، خلفاً عن سلف.
وأسامة بن زيد ما خرج في السريّة حتى بايعه، ولهذا يقول له: ((يا خليفة رسول الله)).
وكذلك جميع من ذكره بايعه. لكن خالد بن سعيد كان نائباً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا أكون نائباً لغيره)) فترك الولاية، وإلا فهومن المقرِّين بخلافة الصدِّيق. وقد عُلم بالتواتر أنه لم يتخلّف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.
وأما عليّ وبنوهاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس، لم يمت أحدٌ منهم إلا وهومبايعٌ له.
لكن قيل: عليٌّ تأخرت بيعته ستة أشهر. وقيل: بل بايعه ثاني يوم. وبكل حال فقد بايعوه من غير إكراه.
ثم جميع الناس بايعوا عمر، إلاّ سعداً، ولم يتخلّّف عن بيعة عمر أحدٌ: لا بنوهاشم ولا غيرهم.
وأما بيعة عثمان فاتفق الناس كلهم عليها.
وما ذكره عن أبي قحافة فمن الكذب المتفق عليه، ولكن أبوقحافة كان بمكة، وكان شيخاً كبيراً أسلم عام الفتح. أَتَى به أبوبكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأسه ولحيته مثل الثغامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لوأقررت الشيخ مكانه لأتيناه)) (1) إكراما لأبي بكر.
وقوله: ((إنهم قالوا لأبي قحافة: إن ابنك أكبر الصحابة سنًّا)) كذب ظاهر. وفي الصحابة خلق كثير أسنُّ من أبي بكر، مثل العبّاس، فإن العبّاس كان أسنّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أسنَّ من أبي بكر.
وحينئذ فالجواب عن منعه الإجماع من وجوه:
أحدها: أن هؤلاء الذين ذكرهم لم يتخلّف منهم إلا سعد بن عبادة، وإلاّ فالبقية كلهم بايعوه باتفاق أهل النقل. وطائفة من بني هاشم قد قيل: إنها تخلّفت عن مبايعته أولا، ثم بايعته بعد ستة أشهر، من غير رهبة ولا رغبة.
ولا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضرّ فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة، فإنه لواعتبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع عَلَى إمامة، فإن الإمامة أمر معيّن، فقد يتخلّف الرجل لهوىً لا يُعلم، كتخلّف سعد، فإنه كان قد استشرف إلى أن يكون هوأميراً من جهة الأنصار، فلم يحصل له ذلك، فبقي في نفسه بقية هوىً. ومن ترك الشيء لهوىً، لم يؤثر تركه.
الثاني: أنه لوفرض خلاف هؤلاء الذين ذكرهم، وبقدرهم مرتين لم يقدح في ثبوت الخلافة، فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر، بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة)) (2).
__________
(1) انظر المسند ج3 ص 16..
(2) انظر سنن الترمذي ج3 ص 316.
الثالث: أن يُقال: إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كان أعظم من اجتماعهم على مبايعة عليّ؛ فإن ثلث الأمة - أوأقل أوأكثر - لم يبايعوا عليًّا؛ بل قاتلوه. والثلث الآخر لم يقاتلوا معه، وفيهم من لم يبايعه أيضا. والذين لم يبايعوه منهم من قاتلهم، ومنهم من لم يقاتلهم. فإن جاز القدح في الإمامة بتخلّف بعض الأمة عن البيعة، كان القدح في إمامة عليّ أولى بكثير.
فلا طريق يثبت بها كون عليّ مستحقاً للإمامة، إلا وتلك الطريق يثبت بها أن أبا بكر مستحق للإمامة، وأنه أحق للإمامة من عليّ وغيره. وحينئذ فالإجماع لا يُحتاج إليه في الأولى (1) ولا في الثانية، وإن كان الإجماع حاصلاً.
(فصل)
قال الرافضي: ((وأيضاً الإجماع ليس أصلا في الدلالة، بل لا بد أن يستند المجمعون إلى دليل على الحكم حتى يجتمعوا عليه، وإلا كان خطأً، وذلك الدليل إما عقلي، وليس في العقل دلالة على إمامته، وإما نقلي، وعندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات من غير وصية، ولا نصّ على إمام، والقرآن خالٍ منه، فلوكان الإجماع متحققا كان خطأً فتنتفى دلالته)).
والجواب من وجوه: أحدها: أن قوله: ((الإجماع ليس أصلاً في الدلالة)).
إن أراد به أن أمر المجتمعين لا تجب طاعته لنفسه، وإنما تجب لكونه دليلا على أمر الله ورسوله، فهذا صحيح. ولكن هذا لا يضر؛ فإن أمر الرسول كذلك لم تجب طاعته لذاته، بل لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله. ففي الحقيقة لا يطاع أحد لذاته إلا الله. له الخلق والأمر، وله الحكم، وليس الحكم إلا لله. وإنما وجبت طاعة الرسول لأن طاعته طاعة الله، ووجبت طاعة المؤمنين المجتمعين، لأن طاعتهم طاعة الله والرسول، ووجب تحكيم الرسول، لأن حكمه حكم الله. وكذلك تحكيم الأمة، لأن حكمها حكم الله.
__________
(1) يعني وجود خلافته ووقوعها.
وإن أراد به أنه قد يكون موافقاً للحق، وقد يكون مخالفا له، وهذا هوالذي أراده. فهذا قدح في كون الإجماع حجة، ودعوى أن الأمة قد تجتمع على الضلالة والخطأ. كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة الموافقين للنّظام.
وحينئذ فيُقال: كون عليّ إماما ومعصوما وغير ذلك من الأصول، الإمامية أثبتوه بالإجماع، إذ عمدتهم في أصول دينهم علَى ما يذكرونه من العقليات وعلى الإجماع، وعلى ما ينقلونه. فهم يقولون: عُلم بالعقل لأنه لا بد للناس من إمام معصوم وإمام منصوص عليه، وغير عليّ ليس معصوما ولا منصوصا عليه بالإجماع، فيكون المعصوم هوعليًّا، وغير ذلك من مقدمات حججهم.
فيقال لهم: إن لم يكن الإجماع حجة، فقد بطلت تلك الحجج، فبطل ما بنوه على الإجماع من أصولهم، فبطل قولهم. وإذا بطل ثبت مذهب أهل السنّة.
وإن كان الإجماع حقًّا، فقد ثبت أيضا مذهب أهل السنّة، فقد تبين بطلان قولهم سواء قالوا: الإجماع حجة أم لم يقولوا، وإذا بطل قولهم ثبت مذهب أهل السنّة وهوالمطلوب.
وإن قالوا: نحن لم ندع الإجماع ولا نحتج به في شيء من أصولنا، وإنما عمدتنا العقل والنقل عن الأئمة المعصومين.
قيل لهم: إذا لم تحتجوا بالإجماع لم يبق معكم حجة سمعية غير النقل المعلوم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ما ينقلونه عن عليّ وغيره من الأئمة لا يكون حجة حتى نعلم عصمة الواحد من هؤلاء، وعصمة الواحد من هؤلاء لا تثبت إلا بنقل عمّن عُلم عصمته، والمعلوم عصمته هوالرسول، فما لم يثبت نقل معلوم عن الرسول بما يقولونه، لم يكن معهم حجة سمعية أصلا: لا في أصول الدين ولا في فروعه، وحينئذ فيرجع الأمر إلى دعوى خلافة عليّ بالنص، فإن أثبتم النصّ بالإجماع فهوباطل، لنفيكم كون الإجماع حجة، وإن لم تثبتوه إلا بالنقل الخاص الذي يذكره بعضكم، فقد تبيّن بطلانه من وجوه، وتبين أن ما ينقله الجمهور وأكثر الشيعة مما يناقض هذا القول يُوجب علماً يقينيا بأن هذا كذب.
(فصل)
قال الرافضي: ((وأيضا الإجماع إما أن يُعتبر فيه قول كل الأمة، ومعلوم أنه لم يحصل، بل ولا أجماع أهل المدينة أوبعضهم. وقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان)).
والجواب: أن يُقال: أما الإجماع على الإمامة: فإن أريد به الإجماع الذي تنعقد به الإمامة، فهذا يعتبر فيه موافقة أهل الشوكة، بحيث يكون متمكنا بهم من تنفيذ مقاصد الإمامة، حتى إذا كان رؤوس الشوكة عدداً قليلاً، ومن سواهم موافق لهم، حصلت الإمامة بمبايعتهم له. هذا هوالصواب الذي عليه أهل السنّة، وهومذهب الأئمة، كأحمد وغيره.
وأما أهل الكلام فقدّرها كل منهم بعدد، وهي تقديرات باطلة.
وإن أريد به الإجماع على الاستحقاق والأولوية، فهذا يُعتبر فيه: إما الجميع، وإما الجمهور. وهذه الثلاثة حاصلة في خلافة أبي بكر.
وأما عثمان فلم يتفق على قتله إلا طائفة قليلة، لا يبلغون نصف عُشر عُشر عشر الأمة.
(فصل)
قال الرافضي: ((وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ، فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع؟)).
والجواب: أن يُقال: من المعلوم أن الإجماع إذا حصَل، حصل له من الصفات ما ليس للآحاد، لم يجز أن يُجعل حكم الواحد حكم الاجتماع؛ فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب، فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط.
وأيضا فإن كان الإجماع قد يكون خطأً، لم يثبت أن عليًّا معصوم كما زعموا؛ فإنه إنما عُلمت عصمته بالإجماع على أنه لا معصوم سواه، فإذا جاز كون الإجماع أخطأ، أمكن أن يكون في الأمة معصوم غيره، وحينئذ فلا يُعلم أنه هوالمعصوم.
فتبين أن قدحهم في الإجماع يُبطل الأصل الذي اعتمدوا عليه في إمامة المعصوم، وإذا بطل أنه معصوم بطل أصل مذهب الرافضة. فتبين أنهم إن قدحوا في الإجماع بطل أصل مذهبهم، وإن سلّموا أنه حجة بطل مذهبهم، فتبين بطلان مذهبهم على التقديرين.
(فصل)
قال الرافضي: ((وقد بيّنا ثبوت النصّ الدالّ على إمامة أمير المؤمنين، فلوأجمعوا على خلافه لكان خطأ، لأن الإجماع الواقع على خلاف النص يكون عندهم خطأ)).
والجواب من وجوه: أحدها: أنه قد تقدّم بيان بطلان كل ما دل على أنه إمام قبل الثلاثة.
الثاني: أن النصوص إنما دلت على خلافة الثلاثة قبله.
الثالث: أن يُقال: الإجماع المعلوم حجة قطعية لا سمعية، لا سيما مع النصوص الكثيرة الموافقة له. فلوقدِّر ورود خبر يخالف الإجماع كان باطلا: إما لكون الرسول لم يقله، وإما لكونه لا دلالة فيه.
الرابع: أنه يمتنع تعارض النص المعلوم والإجماع المعلوم، فإن كليهما حجة قطعية، والقطعيات لا يجوز تعارضها، لوجوب وجود مدلولاتها، فلوتعارضت لزم الجمع بين النقيضين.
وقد دل الإجماع المعلوم والنص المعلوم على خلافة الصدّيق رضي الله عنه وبطلان غيرهما. ونصّ الرافضة مما نحن نعلم كذبه بالاضطرار، وعلى كذبه أدلة كثيرة.
اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر
قال الرافضي: ((الثاني: ما رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. والجواب: المنع من الرواية، ومن دلالتها على الإمامة؛ فإن الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة. وأيضا فإن أبا بكر وعمر قد اختلفا في كثير من الأحكام فلا يمكن الاقتداء بهما. وأيضا فإنه معارض لما رووه من قوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم)).
والجواب من وجوه: أحدها: أن يُقال: هذا الحديث بإجماع أهل العلم بالحديث أقوى من النص الذي يروونه في إمامة عليّ؛ فإن هذا أمر معروف في كتب أهل الحديث المعتمدة، ورواه أبوداود في سننه، والترمذي في جامعه (1).
وأما النص على عليّ فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة، وأجمع أهل الحديث على بطلانه، حتى قال أبومحمد بن حزم: ((ما وجدنا قط رواية عن أحدٍ في هذا النصّ المدّعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء، لا نعرف من هوفي الخلق)) (2).
فيمتنع أن يُقدح في هذا الحديث مع تصحيح النص عَلَى عليّ.
وأما الدلالة، فالحجة في قوله: ((باللذين من بعدي)) أخبر أنهما من بعده، وأمر بالاقتداء بهما. فلوكانا ظالمَيْن أوكافرين في كونهما بعده لم يأمر بالاقتداء بهما، فإنه لا يأمر بالاقتداء بالظالم، فإن الظالم لا يكون قدوة يؤتم به. بدليل قوله: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3)، فدل على أن الظالم لا يؤتم به، والائتمام هوالاقتداء، فلما أمر بالاقتداء بمن بعده، والاقتداء هوالائتمام، مع إخبراره أنهما يكونان بعده، دلّ على أنهما إمامان قد أمر بالائتمام بهما بعده، وهذا هوالمطلوب.
__________
(1) انظر سنن الترمذي ج5 ص 271 - 272 وابن ماجة ج1 ص 37 ومسند الإمام أحمد ج5 ص 382 - 399 - 4.2.
(2) انظر المفصل ج4 ص 161 - 162.
(3) الآية 124 من سورة البقرة.
وأما قوله: ((اختلفا في كثير من الأحكام)) فليس الأمر كذلك، بل لا يكاد يعرف اختلاف أبي بكر وعمر إلا في الشيء اليسير، والغالب أن يكون عن أحدهما فيه روايتان، كالجد مع الإخوة، فإن عمر عنه فيه روايتان أحداهما كقول أبي بكر.
وأما قوله: أصحابي كالنجوم. الخ .. فهذا الحديث ضعيف، ضعفه أهل الحديث، قال البزار: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس هوفي كتب الحديث المعتمدة، وأيضا فليس فيه لفظ بعدي، والحجة هناك قوله: بعدي، وأيضا ليس فيه الأمر بالاقتداء بهم، وهذا فيه الأمر بالاقتداء بهم.
________________________________________
قوله أن الإجماع على أبي بكر باطل بسبب عدم مبايعة عليّ
نقول أنه حتى ولو لم يبايع علي فذلك لا يقدح في خلاقة أبي بكر , ويمكن الجمع بين رواية أن علي لم يبايع إلا بعد ستة أشهر على أن علي بايع بيعتين، بيعة في أول الأمر وبيعة بعد ستة أشهر أمام الناس فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (( عن أبي نضرة قال: لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: مالي لا أرى علياً؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال له: يا علي: قلت ابن عم رسول الله وختن رسول الله؟ فقال علي رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال أبو بكر: مالي لا أرى الزبير؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال: يا زبير قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله، فقال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله.. ابسط يدك فبسط يده فبايعه )) كتاب السنة جـ2 رقم (1292) وقال المحقق: إسناده صحيح.