شبهة أنه لا يصح في فضل معاوية حديث
احاديث صحيحة والرد على من ضعفها
اضع بين يديكم بحث رائع جدا لاحد طلبة العلم وهو الشيخ محمد الامين رد فيه على كثير من شبهات الرافضة ردا علميا وافيا شافيا لكل منصف
قال مانصه:
الأحاديث النبوية في فضائل معاوية بن أبي سفيان
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين. أما بعد: الأحاديث في فضائل معاوية رضي الله عنه ومناقبه، كثيرة مشهورة بعضها في الصحيحين. نذكر من هذا الأحاديث:
اللهم اجعله هاديا مهديا
أخرج الإمام البخاري بسند صحيح في التاريخ الكبير (5|24): عن أبي مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن (الصحابي عبد الرحمن) بن أبي عميرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية: «اللهم اجعلهُ هادِياً مَهديّاً واهده واهدِ به». إنظر أيضاً مسند الشاميين (1|19) والآحاد والمثاني (2|358).
أبومسهر
قال عنه الخليلي: «ثقةٌ إمامٌ حافظٌ متفقٌ عليه» كما في تهذيب التهذيب (6|9).
سعيد
إمام ثقة ثبت مجمعٌ على توثيقه
قال عنه أحمد في المسند: «ليس بالشام رجل أصح حديثاً من سعيد بن عبد العزيز، هووالأوزاعي عندي سواء»، كما في سير أعلام النبلاء (8|34) وتهذيب الكمال (1|539). وكان إماماً فقيهاً زاهداً شديد الورع.
ربيعة بن يزيد
إمام ثقة مجمعٌ على توثيقه
قال ابن حبان عنه في الثقات: «كان من خيار أهل الشام» كما في تهذيب التهذيب (3|228)
يونس بن ميسرة
مجمعٌ على توثيقه كما في التهذيب (11|394)
وقال عنه أبوحاتم: «كان من خيار الناس».
وكذلك مروان بن محمد ثقة كما في التهذيب (1|86).
قال البخاري في التاريخ الكبير (5|24): «عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني، يعد في الشاميين. قال أبومسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن ابن أبي عميرة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به". وقال عبد الله عن مروان، عن سعيد عن ربيعة، سمع عبد الرحمن، سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله».
وهذا إسناد رجاله كله ثقات أثبات أخرج لهم الشيخان.
وقد توبع أبومسهر (بجماعة كالوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري، وعمر بن عبد الواحد، محمد بن سليمان الحراني) وكذلك ربيعة (توبع بيونس بن ميسرة).
وقد علمنا أنه لوكان الإسناد متصلاً ورجاله ثقات وخلى المتن من شذوذٍ وعلة، فإننا نحكم على الحديث بالصحة.
وقد وقع التصريح بالسماع في جميع طبقات الإسناد، وسنده صحيح، ورجاله ثقات أثبات.
وهذا الحديث صحيح بلا ريب على شرط مسلم.
فقد احتج مسلم برواية أبي مسهر ومروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، في حديث «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي». وهوالحديث الذي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: «هوأشرف حديثٍ لأهل الشام». وهوحديثٌ مجمعٌ على صحته. والحديث الذي نتكلم عليه، هوبنفس إسناد ذلك الحديث. وإنما اختلف الصحابي، وهذا لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول.
وقد حاول أحد المبتدعة المعاصرين جاهداً تضعيف الحديث، فجمع شبهات عليه هي أوهى من بيت العنكبوت:
1 - طعنه في الصحابي الجليل عبد الرحمان المزني (وليس الأزدي) رضي الله عنه.
************
وهو أخوالصحابي الجليل محمد بن أبي عميرة رضي الله عنهما (لم يختلف أحد في صِحَّة صُحبته). وقد ترجم له ابن عساكر بستة صفحات في تاريخ دمشق.
وجاء في علل ابن أبي حاتم (2|362): سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حليس عن عبد الرحمن بن عميرة الأزدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: -وذكر معاوية- فقال: «اللهم اجعله هادياً مهدياً واهدِ به». قال أبي: «روى مروان وأبومسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابن أبي عميرة عن معاوية: "قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم "». قلت لأبي: «فهوابن أبي عميرة، أوابن عميرة؟». قال: «لا. إنما هوابن أبي عميرة». فسمعت أبي يقول: «غلط الوليد، وإنما هوابن أبي عميرة، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث».
ومن هنا ظنّ ابن عبد البر أن المقصود عدم صحة صحبة إبن أبي عميرة رضي الله عنه. وقد ردّ عليه إبن حجر في الإصابة بما يثبت قطعاً سماعه وصحبته (علماً أن أبا حاتم نفسه قد ذكر أن لابن أبي عميرة صحبة، كما في الإصابة). وليس هذا مقصود أبي حاتم، وإنما المقصود هوأن هذا الحديث ليس فيه التصريح بالسماع، وفيه ترجيح لرواية أبي مسهر (الذي ذكرناها أعلاه) على رواية الوليد بن مسلم (التي فيها التصريح بالسماع) لأنه سُئل عن هاتين الروايتين فأجاب بهذا. فهوينص على أن ابن أبي عميرة لم يسمع هذا الحديث بالذات من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل سمعه من معاوية رضي الله عنه. وإلا فإن أبا حاتم الرازي ممن يثبتون صحبة ابن أبي عميرة رضي الله عنه. وعلى أية حال فقد روى الحديث (هاديا مهديا): أبوزرعة الشامي وعباس الترقفي عن أبي مسهر، وفيه التصريح بالسماع أيضاً. فهوإذاً المحفوظ. وأرى أن أبا حاتم -رحمه الله- قد وهم في ذكر معاوية في الإسناد، تبعاً للسؤال. ذلك لأنه لم نجد ذكر معاوية لا في طريق صحيح ولا سقيم لهذا الحديث.
وعبد الرحمن بن عميرة قد ذكره ابن حجر في القسم الأول من "الإصابة"، مما يعني أنه عنده ممن ثبتت له رؤية أوسماع.
وقد أثبت صحبته -كما في "الإصابة"- كل من:
أبي حاتم الرازي، وابن السكن، والبخاري (أمير المؤمنين في الحديث)، وابن سعد، ودُحيم (وهوالمرجع في تعديل وجرح الشاميين)، وسليمان بن عبد الحميد البهراني.
وكذلك أثبت صحبته ابن قانع
في معجم الصحابة (2|146)،
والذهبي
في تجريد أسماء الصحابة (3742) وفي تاريخ الإسلام (4|39) وفي غيرهما،
وبقي بن مخلد
في مقدمة مُسنده (#355)
والترمذي
في تسمية الصحابة (#388)
ويعقوب بن سفيان
في المعرفة (1|287)
وأبوالقاسم البغوي
في معجم الصحابة (4|489)
وابن أبي حاتم
في الجرح والتعديل (5|273)،
وابن حبان
في الثقات (3|252)
وأبوبكر بن البرقي في كتاب الصحابة، وأبوالحسن بن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة، وأبوبكر عبد الصمد بن سعيد الحمصي في "تسمية من نزل حمص من الصحابة"، وابن منده، وأبونعيم، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات (2|47)، والخطيب البغدادي في تالي تلخيص المتشابه (2|539)، والشيباني في الآحاد والمثاني (2|358)، والمِزِّي في تهذيب الكمال (17|321)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35|23)، وأبونصر الحافظ، وابن فتحون. هذا عدا الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي -راوي الحديث- وهوأدرى به، وكلامه معتمدٌ في جرح وتعديل الشاميين. بل أفرد له الإمام أحمد بن حنبل جزءً في مسنده. مما يدل على تحقق الإجماع (قبل ابن عبد البر) على صحة صحبة عبد الرحمن.
ولذلك شنّع الحافظ ابن حجر بشدة على ابن عبد البر في ذلك، وسرد عدداً من الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: «فما الذي يصحّح الصُّحبةَ زائداً على هذا؟!».
وابن عبد البر ذكره شيخ الإسلام بالتشيع في منهاج السنة (7|373). وهوواضح لمن قرأ كتبه وبخاصة تراجم بعض الصحابة بكتابه الاستيعاب. والعجيب أنه زعم أن من الرواة من أوقف الحديث. وهذا باطل لا شك في ذلك. وهناك من بحث طرق هذا الحديث بتوسع جداً مثل ابن عساكر وغيره، فما عثر أحد على من أوقف الحديث، ولا حتى من ذكر ذلك. ولهذا
قال ابن حجر عن ابن عبد البر (كما في الأربعون المتباينة 22):
«وجدنا له في "الاستيعاب" أوهاماً كثيرة، تتبع بعضها الحافظ ابن فتحون في مجلدة».
اقتباس:
إقتباس:
2 - زعم المبتدع أن إسناد الحديث مضطرب. وذلك لأنه روي عن سعيد عن ربيعة ويونس
*******
والجواب
أن كلا الطريقين محفوظ عن الوليد بن مسلم. فقد رواه أحمد في مسنده (4|216): «حدثنا علي بن بحر، حدثنا الوليد ابن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن به». وعلي بن بحر هذا ثقة، وسعيد التنوخي ثقةٌ ثبتٌ فضّله أبومسهر على الأوزاعي. فمن كانت هذه صفته، احتمل تعدد الأسانيد. وعلى فرض المخالفة فقد رجّح أبوحاتم الرواية الأولى التي رواها أيضاً أبومسهر ومروان. وكذلك فعل ابن عساكر (59|84). أما الرواية الثانية فلم يتفرّد بها الوليد، بل تابعه عليها عمر بن عبد الواحد (ثقة) عند ابن شاهين كما في الإصابة. فثبت أن كلا الطريقين محفوظين وليس هناك اضطراب في الحديث.
وقد أثبت ذلك الحافظ ابن حجر فقال في الإصابة (4|343) عن هذا الحديث: «ليست للحديث الأول علة الاضطراب، فإن رواته ثقات. فقد رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد عن سعيد بن عبد العزيز -فخالفا أبا مسهر في شيخه- قالا: سعيد عن يونس بن ميسرة عن عبد الرحمن بن أبي عميرة. أخرجه ابن شاهين من طريق محمود بن خالد عنهما. وكذا أخرجه ابن قانع من طريق زيد بن أبي الزرقاء عن الوليد بن مسلم».
اقتباس:
إقتباس:
3 - طعنه بالإمام التنوخي بحجة أنه اختلط.
****
قلت: أما إعلال الحديث باختلاط سعيد بن عبد العزيز فليس بسديد، وذلك لأنه لم يحدّث وقت اختلاطه، بنص من وصفه بالاختلاط وهوأبومسهر (وإليه المرجع في جرح وتعديل الشاميين). قال ابن معين في تاريخ الدوري (4|479): «قال أبومُسْهِر: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يُعرض عليه قبل أن يموت، وكان يقول: لا أجيزها!». ولذلك فقد احتج مسلم بحديثه من رواية أبي مسهر، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وهم نفسهم الذين رووا هذا الحديث عنه. وسعيد التنوخي، ثقة حجة، في مستوى الأوزاعي أويزيد، فكيف يضعف حديثه بعد ذلك؟!
فلم يُعِلَّ الحديث بهذا أحدٌ من الحفاظ، بل لا تجد مِن مُتقدِّميهم أحداً يُعل باختلاط سعيد أصلاً. فهوأثبتُ الشاميين وأصحُّهم حديثاً، كما قال الإمام أحمد وغيرُه. وما غمز فيه أحد، بل ساووه بالإمام مالك، وقدّموه على الأوزاعي، واحتج بروايته الشيخان وغيرُهما مطلقاً.
ومَن روى الحديث عنه هوأبومسهر: عالمٌ بالحديث يَقظٌ متثبّت، بل أثبت الشاميين في زمانه عموماً، وأثبتهم في سعيد خصوصاً. وكان سعيد يقدّمُه ويخصُّه. وقد رفع من أمره وإتقانه جداً الإمامان أحمد وابن معين. وأبومسهر عالم باختلاط شيخه، بل إن كشفَه لاختلاط شيخه من تثبّته، فيَبعُد أن يأخذَ عن شيخه ما يُحْذَرُ منه.
قال الشيخ الألباني في الصحيحة (4|616) بعد أن ذكر متابعة أربعة من الثقات لأبي مُسهر:
«فهذه خمسة طرق عن سعيد بن عبد العزيز، وكلهم من ثقات الشاميين. ويبعد عادة أن يكونوا جميعاً سمعوه منه بعد الاختلاط. وكأنه لذلك لم يُعله الحافظ بالاختلاط».
اقتباس:
إقتباس:
4 - زعمه أن الحديث مرسل. قال هذا المبتدع: «ولوثبت لابن أبي عميرة صحبة، فهذا الحديث بالذات نص أهل الشام على أنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في علل الحديث لابن أبي حاتم».
********
قلت: هذا من هراءه ومحاولته لتضعيف الحديث بأي طريقة كانت. فمرسل الصحابي حجة باتفاق علماء الحديث، عدا أننا قد سبق وأوضحنا أن أبا حاتم لم يقصد في كلامه ما أراده ذلك المبتدع. والحديث إسناده صحيح بلا ريب.
وإضافة لهذه الشبهات، أضيف لها شبهات أخرى ذكرها أحد الزيدية. وهي شبهات أشد وهناً من الأولى لأن صاحبها يعتمد على أصول وقواعد الحديث عند الشيعة الزيدية وليس عند أهل السنة. وإليك هذه الشبهات والرد عليها:
اقتباس:
إقتباس:
5 - محاولته تعليل الحديث بروايات ومتابعات ضعيفة ساقطة لا تصح.
*****
والجواب
غالب هذه الروايات ذكرها ابن عساكر في تاريخ دمشق. هذا مع اعتراف هذا المبتدع بأن في أسانيد هذه الروايات الضعيفة كذابين. فكيف يعتمد على روايات كهذه في إعلال الأحاديث الصحيحة؟ لأنه كما قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: «الضعيف لا يُعَلُّ به الصحيح». وهذا من بديهيات علم الحديث عند أهل السنة. ولولا ذلك لما كاد يبقى حديثٌ في صحيحي البخاري ومسلم، إلا وأمكن تضعيفه برواية الضعفاء والكذابين. والاضطراب معناه تعارض الروايات بحيث يستحيل الترجيح، لا مجرد تعارض الصحيح مع الضعيف! وقد سبق نقلنا
قول الحافظ ابن حجر في الإصابة (4|343) عن هذا الحديث:
«ليست للحديث الأول علة الاضطراب، فإن رواته ثقات».
اقتباس:
إقتباس:
6 - محاولته الخلط بين ربيعة بن يزيد الدمشقي، وربيعة بن يزيد السَّلَمي.
*******
قلت: أجمع المحدثون كلهم على أن السلمي ليس له أي رواية، بل هورجل يكاد يكون مجهولاً. ولا نعرف عنه إلا أن الإمام البخاري جزم في تاريخه الكبير (3|28) بأن له صحبة. وقال ابن حبان في الثقات (3|129): «يقال إن له صحبة». وقال العسكري: «قال بعضهم إن له صحبة». ولم ينف ذلك إلا ابن عبد البر (وهومتأخر) إذ قال في الاستيعاب (2|495): «ربيعة بن يزيد السلمي: ذكره بعضهم في الصحابة، ونفاه أكثرهم (!!). وكان من النواصب يشتم علياً. قال أبوحاتم الرازي: لا يروى عنه ولا كرامة، ولا يذكر بخير. ومن ذكره في الصحابة لم يصنع شيئاً».
قلت: وهذا وهمٌ قبيحٌ من ابن عبد البر.
فما زعمه أن أكثرهم نفاه غير سديد، إذ لم ينف الصحبة عن ربيعة السلمي إلا هو(ابن عبد البر).
وما نسبه لأبي حاتم الرازي لا يصح. وليس عنده إسناد عنه، إنما هوصحيفة وجدها، كما اعترف في ترجمة ربيعة الجرشي. وقد ذكر ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل (3|472): «ربيعة بن يزيد السلمي: ليس بمشهور، ولا يُروى عنه الحديث. وقال بعض الناس له صحبة. سمعت أبي يقول ذلك». فثبت بطلان ما زعمه ابن عبد البر عن أبي حاتم، ولعله وهم في ترجمة شخص آخر إذ هويروي وجادةً قد يكثر فيها التصحيف، إن صحت نسبتها أصلاً!
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (2|477):
«وقد استدرك ابن فتحون، وأبوعلي الغساني، وابن معوز على أبي عمر (أي ابن عبد البر) اعتماداً على قول البخاري».
وهذا قول صحيح. فإن ابن عبد البر (ت 463هـ) من المتأخرين. ومثله لا يصح أن يتكلم في مسألة إثبات الصحبة إن لم يكن له سلف بها، فضلاً عن دليل يتكلم به. فكيف يرد واحد متأخر، بغير برهان ولا دليل على ما جزم به أمير المؤمنين بالحديث محمد بن إسماعيل البخاري؟!
وهذا كله على أية حال لا علاقة له بموضوعنا.
فقد أجمع العلماء أن السلمي هذا ليس له رواية حديث.
وإنما رواية الإمام التنوخي الدمشقي من طريق ابن بلده: ربيعة بن يزيد الدمشقي، وليس السَّلَمي. وهذا مما اعترف به المبتدع الزيدي المومئ إليه. بل إنه يتبجح بذلك ويقول بصراحة: «وهذا أيضاً مما لم أجد من نَبَّهَ عليه قبل، ولواحتمالاً». قلت: فاعرف قدرك إذاً أمام أئمة أهل السنة، فليس قولك بشيء أمام إجماعهم.
وفي كل الأحوال فإن ربيعة بن زيد الدمشقي لم يتفرد بهذا الحديث، بل تابعه عليه يونس بن ميسرة (كما أسلفنا)، وهوإمام ورِعٌ حافظٌ لا خلاف في توثيقه.
**
7 - وحاول إثبات ما زعمه بأن مناسبة الحديث كانت عندما عزل عثمان بن عفان لعمير بن سعد الأنصاري رضي الله عنهما من ولاية حمص وولاها معاوية رضي الله عنه. فقد أخرج الخلال في كتابه السنة (2|45): أخبرنا يعقوب بن سفيان أبويوسف (ثقة) قال ثنا محمود بن خالد الأزرق (السلمي، ثقة) قال ثنا عمر بن عبد الواحد (ثقة) قال ثنا سعيد بن عبد العزيز (ثقة) عن ربيعة عن يزيد (ثقة): «إن بعثاً من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد. وكان على حمص عمير بن سعد. فعزله عثمان وولى معاوية. فبلغ ذلك أهل حمص فشق عليهم. فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لمعاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به».
وزعم بأن ذلك كان عام 24هـ، وربيعة توفي بعد عام 12هـ. ثم حاول إيهام القارئ بوجود انقطاع بين ربيعة والصحابي الجليل عبد الرحمان رضي الله عنه، ثم اتهامه لربيعة بالتدليس! وقال: وهي العلة «عرفناها بالاستقراء. وإن لم ينبه لذلك أهل الحديث». قلت: لم ينبهوا عليها لأنه لا أساس لها أصلاً.
وليس هناك انقطاع أصلاً في السند ولا إرسال. لأنه ليس في القصة أن ربيعة الدمشقي كان حاضراً، وإنما هوسمعها عن الصحابي عبد الرحمان رضي الله عنهما فرواها عنه. والمعاصرة بينهما متحققة بلا شك. وفي الصحيح أمثلة كثيرة لأحاديث روى التابعي قصتها مرسلاً لكنهم صححوها لأنه روى المرفوع منها مسنداً، فحملوا أنه سمع القصة كذلك من الصحابي. ومثال ذلك حديث «هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم؟» الذي أخرجه البخاري في صحيحه. هذا بالإضافة إلى متابعة يونس بن ميسرة لربيعة. وإلى وقوع التحديث بين ربيعة الدمشقي وعبد الرحمان صلى الله عليه وآله وسلم في عدد من طرق الحديث.
يُذكر أن هذه القصة، فيها تصريح بسماع الصحابي عبد الرحمان رضي الله عنهما لهذا الحديث بالذات من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد أثبت الشيعي هذا الحديث. فكيف يطعن إذاً في صُحبة عبد الرحمان رضي الله عنه؟! فظهر أنه يحاول تضعيف الحديث بأي طريقة، حتى لوظهر فيها تناقضه الواضح. فنعوذ بالله من اتباع الهوى.
***
8 - محاولته الطعن برواة الحديث، فقد بحث كتب الرجال كلها، ولم يجد في إسناد الحديث مطعنٌ ولا مغمز. فإن كلهم قد انعقد الإجماع على توثيقهم والاحتجاج بهم. فلم يقدر إلا أن يأتي بحجج باردة سخيفة وهي: كونهم شاميون! وهذه عند الشيعة تهمة توجب رد حديثهم كله. وحاول جاهداً البحث في سيرتهم الشخصية ليطعن بهم بتهمة أنهم عاشوا في دمشق عاصمة الأمويين. أقول، فليقرأ القارئ المنصف تراجمهم في سير أعلام النبلاء، وما قاله علماء أهل السنة فيهم، ثم ليحكم عليهم بعدها. فإنهم كلهم متفقين على عدالتهم وضبطهم وزهدهم وعبادتهم وشدة ورعهم وسعة علمهم وفقههم. وكلهم من خيار أهل الشام.
وما زعمه من أن مجرد كون الرجل شامياً يعني أنه ناصبي، فهذا افتراء واضح. ولنا أن نقول عندئذٍ أن كل عراقي شيعي يجب علينا رد حديثه. فهل يقبل هذا الزيدي بهذا؟ وعلى أية حال فلا أهمية لرأيه أصلاً عندنا. إنما اعتمادنا على أقوال أئمتنا من أهل السنة. وأما مجرد كيل التهم بلا دليل، فهذا هوىً مرفوض لا يقبله أحد.
***
ثم وجدت أيضاً شبهات متهالكة ألقاها طلبة ناشئون في هذا العلم، وإليك إياها:
اقتباس:
إقتباس:
9 - قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1|275) بعد أن ساق الحديث من طريق الوليد بن سليمان، وطريق أبي مسهر: «هذان الحديثان لا يصحان ... ».
*******
وهذا من أعجب ما رأيت! فقد أخطأ أخطاء مركبة في تضعيفه. فذكر أن مدار الحديث على محمد بن إسحاق البلخي، وهوليس بثقة.
فرد عليه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية (225):
«وهذا جهل منه. فإنما محمد بن إسحاق هنا هوأبوبكر الصاغاني، ثقة».
ثم أبطل الذهبي نسبة التفرد له، وهذا واضح في سياق طرق الحديث.
ثم قال ابن الجوزي:
«إن في سنده الآخر إسماعيل بن محمد، وقد كذّبه الدارقطني.
فرد عليه الذهبي:
«وهذه بليّة أخرى! فإن إسماعيل هنا هوالصفار، ثقة، والذي كذبه الدارقطني هوالمزني، يروي عن أبي نعيم».
والحديث مروي من غير هذين الرجلين، وعيب ابن الجوزي تسرعه في الحكم من غير استيفاء الطرق.
***
1 - وقد ناقشت في هذا الحديث أحد أهل السنة المتشيعين. فبذل جهداً كبيراً في إيجاد علةٍ حقيقيةٍ (وفق نهج أهل السنة في علم الحديث)، فلم يعثر في الحديث على أية علة. فلم يجد طريقة لتضعيفه إلا بأن يزعم بأن في الحديث علة خفية لا يعرفها!
[قلت (الواثق): اخاف ان تقتلني هذه الشبهة من الضحك هههههههه ... ]
وهذا دليل على انقطاع حجته، وكلامه باطل لا يقبل عند أهل الصنعة. فإن قيل نرد الحديث في الموضع الذي نرى أنه باطل. قلنا هذا هوالتحكم بالباطل. فأين الدليل الذي ستعتمدون عليه في رد الخبر بلا حجة؟ ولوقال بذلك خصومكم، فما يكون جوابكم عليهم؟! فأنتم تريدون إخضاع السنة لأهوائكم، فكيف تريدون أن يتبعكم الناس وبأية حجة؟! وأين البرهان؟] قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [. أم أنه مجرد استحسانٌ بالرأي الشخصي؟
قال الإمام ابن حزم في الأحكام (1|134):
«فمن حَكَمَ في دينِ الله -عز وجل- بما استَحسَنَ وطابت نَفْسُه عليه دُون برهانٍ من نصِّ ثابتٍ أوإجماع، فلا أحَدَ أضَلُّ منه، وبالله تعالى نعوذ من الخِذلان».
ثم لا يمكن أن يأتينا حديث صحيح الظاهر لا نجد له أي علة، ثم يكون في واقع الأمر باطلاً موضوعاً.
قال ابن حزم (1|127):
«إننا قد أمنا -ولله الحمد- أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أونَدَب إليها، أوفَعَلها -عليه السلام-، فتضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته: إما بتَوَاتُرٍ، أوبنقلِ الثقةِ عن الثقة، حتى تَبْلغَ إليه صلى الله عليه وآله وسلم . وأمِنَّا أيضاً قطعاً أن يكون الله تعالى يُفرِدُ بنقلها من لا تقوم الحُجَّة بنقله من العُدول. وأمِنَّا أيضاً قطعاً أن تكون شريعةٌ يخطىء فيها راويها الثقة، ولا يأتي بيانٌ جليٌّ واضحٌ بصحة خَطَئِه فيه».
ثم إذا جاز للشيخ أن يفتي بمجرد رأيه وهواه، فلماذا لا يجوز لعلماء الفيزياء والرياضيات مثلاً أن يفتوا في أمور الدين؟ فإن قال "المتعقلون" لأن علماء الرياضيات لا يعرفون شيئاً عن أصول الفقه والحديث، قلنا لهم طالما أنكم تفتون دون استنادٍ إلى كتابٍ أوسُنة، فما فائدة أصول الفقه والحديث إذاً؟ فإذا كان عندكم رأي في الدين ليس عليه دليلٌ لا من الكتاب ولا من السنة، فكل رَجُل له آراء ليس لها دليل. فإن زعمتم أن كل إنسان يحق له أن يفتي بالدين بغير علم ولا دليل، صرتم أضل الناس كلهم بنص القرآن. قال الله تعالى:] فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [(القصص:5). وقال كذلك:] أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً؟ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [(الجاثية:23). وقد نهى الله أشدّ النهي عن اتباع من يتبع هواه، فقال:] وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [(الكهف: من الآية28).
***
اللهم علم معاوية الحساب وقه العذاب
وأخرج البخاري أيضاً بإسناد صحيح في تاريخه الكبير (5|24) والطبراني في مسند الشاميين (1|19): قال أبومسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن النبي قال: «اللهم علم معاوية الحساب وقِهِ العذاب». وزيادة «وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم » عند الطبراني هي قول سعيد التنوخي كما يظهر في تالي تلخيص المتشابه (2|539). وهذا الإسناد الصحيح سبق الكلام عنه آنفاً. وهوحديث مشهور له طرق وشواهد كثيرة مرسلة أومتصلة تقويه وتثبت أنه ليس فيه تفرد، منها:
الشاهد الأول:
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4|127) والطبراني في معجمه الكبير (18|251) وغيرهم من طرق عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم السمعي عن العرباض بن سارية رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهويدعونا إلى السحور في شهر رمضان: «هلموا إلى الغذاء المبارك». ثم سمعته يقول «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب». وقد أخرج الجزء الأول منه أبوداود (2|33) والنسائي (2|79). والحديث كاملاً قد صححه إمام الأئمة إبن خزيمة (3|214) وابن حبان (16|191).
معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي:
وثقه أكثرهم كأحمد والنسائي والعجلي وابن معين وابن مهدي وأبي زرعة.
التهذيب (1|189).
**
ويونس بن سيف:
ثقة بلا خلاف.
تهذيب الكمال (32|51) وتهذيب التهذيب (11|387).
**
والحارث بن زياد
ذكره ابن حبان في الثقات.
التهذيب (2|123).
**
وأبورهم السمعي هوأحزاب بن أسيد:
ثقة مخضرم.
قال الخلال في العلل (141): قال مُهنّا، سألتُ أبا عبد الله (أحمد بن حنبل) عن حديث معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رُهم، عن العرباض بن سارية، قال: دعانا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغَداء المبارك، وسمعتُه يقول: "اللهم علّمه -يعني معاوية- الكتاب والحساب، وقِهِ العذاب". فقال (أحمد بن حنبل): «نعم، حدّثناه عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح». قلتُ: «إن الكوفيين لا يذكرون هذا: "علّمه الكتاب والحساب وقِهِ العذاب"، قَطَعوا منه؟». قال أحمد: «كان عبد الرحمن لا يذكُره. ولم يذكُرْه إلا فيما بيني وبينَه». أقول: وهذا نص عزيز، فيه بيان موقف العراقيين من التحديث بمثل هذا، ومحاولتهم كتمان الحديث لمجرد أن فيه بيان فضل لمعاوية رضي الله عنه.
الشاهد الثاني:
أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2|915) والطبراني في معجمه الكبير (19|439) وغيرهم عن جماعة عن أبي هلال حدثنا جبلة بن عطية عن مسلمة بن مخلد -أوعن رجل عن مسلمة بن مخلد- أنه رأى معاوية يأكل فقال لعمروبن العاص: إن ابن عمك هذا المخضد. ما إني أقول ذا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب».
أبوهلال الراسبي اسمه محمد بن سليم البصري: صدوق فيه لين. التهذيب (9|173). وهوحديث مرسل لأن جبلة بن عطية لم يلق مسلمة بن مخلد، بل بينهما رجل مجهول نسي اسمه أبوهلال. قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (3|125) عن هذا الحديث: «فيه رجل مجهول. وجاء نحوه من مراسيل الزهري ومراسيل عُروة بن رُوَيْم وحريز بن عثمان».
ورواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2|913) بسند صحيح عن شُريح بن عُبيد مرسلاً.
قال الألباني:
«وهذا إسناد شامي مرسل صحيح، رجاله ثقات».
ورواه الحسن بن عرفة في جزئه (66) ومن طريقه ابن عساكر (59|79) بسند صحيح عن حَرِيز بن عثمان الرَّحَبي مرسلاً.
قال الألباني:
«وهذا أيضا إسناد شامي مرسل صحيح».
ورواه ابن عساكر (59|85) بسند صحيح عن يُونُس بن مَيْسَرة بن حَلْبَس مرسلاً.
قلت: وقد علمنا من شرط الإمام الشافعي في قبول المرسل (كما نص في الرسالة ص461) أنه لوجاء من وجه آخر دون أن يأتي ما يعارضه، فهوصحيح. فكيف وقد جاءنا هنا مُسنداً عن صحابيَّين؟
الشاهد الثالث:
أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2|914): حدثنا أبوالمغيرة ثنا صفوان قال حدثني شريح بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا لمعاوية بن أبي سفيان: «اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب».
هذا حديث مرسل قوي:
شريح بن عبيد
تابعي متفق على توثيقه، سمع من معاوية كما نص البخاري.
التهذيب (4|288).
**
صفوان بن عمروبن هرم
متفق على توثيقه.
التهذيب (4|376).
**
أبوالمغيرة هوعبد القدوس بن الحجاج
ثقة كذلك
(6|329).
***
لا أشبع الله بطنه
وروى مسلم من حديث ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ فتواريت خلف باب. فجاء فحطأني حطأة وقال: «اذهب وادع لي معاوية». قال: فجئت فقلت هويأكل. قال: ثم قال ل: «اذهب فادع لي معاوية». قال: فجئت فقلت: هويأكل، فقال: «لا اشبع الله بطنه». وفي الحديث تأكيد لصحبة معاوية رضي الله عنهما وبأنه من كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وليس في الحديث ما يثبت أن ابن العباس رضي الله عنهما- وقد كان طفلاً آنذاك- قد أخبر معاوية رضي الله عنهما بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريده، بل يُفهم من ظاهر الحديث أنه شاهده يأكل فعاد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخبره. فأين الذم هنا كما يزعم المتشدِّقون؟! وفي الحديث إشارة إلى البركة التي سينالها معاوية من إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم . إذ فيها تكثير الأموال والخيرات له رضي الله عنه. فلا أشبع الله بطنك، تتضمن أن الله سيرزقك رزقاً طيباً مباركاً يزيد عمّا يشبع البطن مهما أكلت منه. وقد كانت تأتيه -رضي الله عنه- في خلافته صنوف الطيبات التي أغدقت على الأمة كما ذكر إبن عساكر في تاريخ دمشق.
هذا مع العلم أن الحديث هذا فيه ضعف في إسناده. إذ تفرد به عمران بن أبي عطاء الأسدي أبوحمزة القصاب الواسطي وهوضعيف. قال أبوزرعة: «بصري لين». وقال أبوحاتم والنسائي: «ليس بالقوي». وقال الأجري عن أبي داود: «يقال له عمران الحلاب: ليس بذاك، وهوضعيف». (التهذيب 8|12). فهذا حديث لا تقوم به حجة، حتى لوأخرجه مسلم، فقد أخرج عن عكرمة بن عمار حديثاً فيه غلط فاحش عن فضائل أبي سفيان صلى الله عليه وآله وسلم . وعكرمة أحسن من القصاب هذا. ولست أول من ضعف هذا الحديث، فقد قال العقيلي في ضعفائه (3|299) عن حديث القصاب هذا: «لا يتابع على حديثه، ولا يُعرف إلا به».
*
وعلى أية حال فلمعاوية صلى الله عليه وآله وسلم فضائل أخرى غير هذا الحديث، وفي الصحيح ما يغني عن الضعيف. وفي أي حال فهذا لا ينفي أن معاوية رضي الله عنهما كان من كتاب الوحي، بل أثبت ذلك إمام الحديث أحمد بن حنبل وأمر بهجر من يجحد بتلك الحقيقة. ولذلك لمّا سأل رجلٌ الإمام أحمد بن حنبل: «ما تقول -رحمك الله- فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول أنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسَّيف غصْباً؟». قال الإمام أحمد: «هذا قول سوءٍ رديء. يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبيِّن أمرهم للناس». السنة للخلال (2|434).
إسناده صحيح.
ومن المعلوم أيضاً أن الإمام أحمد لم ينفرد بأي قول من الأقوال أوالاعتقادات دون من سبقه، كيف وهوالقائل «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام»؟!.
***
أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا
أخرج البخاري -رحمه الله- في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: «أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة». قالت: فادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت من الأولين». فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. البخاري مع الفتح (6|22).
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله:
«قوله: " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة .. " يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة».
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا». قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: «أنت فيهم». ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر (أي القسطنطينية) مغفور لهم». فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: «لا». البخاري مع الفتح (6|22). ومسلم (13|57).
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6|121). قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435هـ) معلقاً على هذا الحديث: «في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر». انظر الفتح (6|12). قلت ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزوالبحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4|258) وتاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص317). وكذلك غزوالقسطنطنية كان في منتصف عهده.
قال إبن كثير:
«وقد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية في سنة تسعٍ وأربعين في قول يعقوب بن سفيان، وقال خليفة بن خياط سنة خمسين. ثمّ حجّ بالناس في تلك السنة بعد مرجعه من هذه الغزوة من أرض الروم. وقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أول جيش يغزومدينة قيصر مغفور لهم". وهوالجيش الثاني الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه عند أمِّ حِرَام فقالت: "ادع الله أن يجعلني منهم". فقال: "أنت من الأوّلين"، يعنى جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها في سنة سبع وعشرين أيام عثمان بن عفان. وكانت معهم أم حرام فماتت هنالك بقبرص. ثم كان أمير الجيش الثاني ابنه يزيد بن معاوية، ولم تُدرِك أمَّ حَرَامٍ جيش يزيد هذا، وهذا من أعظم دلائل النبوة».
إن وليت أمراً فاتق الله واعدل
أخرج أبويعلى في مسنده (13|37): حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عمروبن يحيى بن سعيد عن جده سعيد بن عمروبن العاص عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « توضؤوا». قال فلما توضأ نظر إلي فقال: «يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق الله واعدل». قال فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ولِّيت».
قال الحافظ إبن حجر في الإصابة: «سويد بن سعيد فيه مقال، وقد أخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر». قلت سويد بن سعيد ثقة شيخ مسلم، لكنه عمي فقبل التلقين فحدث بالمناكير. لكنه قد توبع من عدة وجوه، مما يثبت أنه حدث قبل أن يعمى أوأنه ثبت في هذا الحديث.
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده (4|11): حدثنا روح قال ثنا أبوأمية عمروبن يحيى بن سعيد قال سمعت جدي يحدث أن معاوية أخذ الإداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها، واشتكى أبوهريرة. فبينا هويوضئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رفع رأسه إليه مرة أومرتين فقال: «يا معاوية، إن وليت أمراً فاتق الله عز وجل واعدل». قال: «فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى ابتليت».
هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
عمروبن يحيى بن سعيد بن عمروبن سعيد بن العاص الأموي:
وثقه الدارقطني وغيره، وروى عنه البخاري، ولم يجرحه أحد.
تهذيب التهذيب (8|14).
**
وجدّه
وثقه أبوحاتم وأبوزرعة والنسائي.
تهذيب التهذيب (4|6).
**
روح بن عبادة:
ثقة كثير الحديث.
التهذيب (3|253).
شبهة أن المحدثين الأوئل ضعفوا هذه الأحاديث
من الأخطاء التي وقع بها عدد من العلماء، توهمهم أن المتقدمين لم يصححوا شيئاً من هذه الأحاديث. وهذا خطأ بين واضح. وقد سبق وذكرنا عدد من المتقدمين ممن صححوا عددا كبيرا من الأحاديث في فضائل معاوية. ولعل سبب خطأهم هذا توهمهم أن جمعاً من أئمة السلف -رحمهم الله- لم يصححوا تلك الأحاديث. وسنرد على هذه الشبهات بالتفصيل فيما يأتي بعون الله:
اقتباس:
إقتباس:
1 - وأما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل معاوية شيء».
********
الجواب
فهذا القول عن ابن راهويه باطل ولم يثبت عنه. فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3|132) والفوائد المجموعة للشوكاني (ص 47) عن الأصم -أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم- حدثنا أبي، سمعت ابن راهويه فذكره. وفي الفوائد: سقطت «حدثنا أبي»، والأصم (ولد عام 247هـ) لم يسمع من ابن راهويه (توفي عام 238هـ). فيكون الأثر منقطعاً إن لم تكن ثابتة.
ويعقوب بن يوسف بن معقل أبوالفضل النيسابوري -والد الأصم- لم يوثقه أحد! فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14|286) فما زاد على قوله: «7582 يعقوب بن يوسف بن معقل أبوالفضل النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه روى عنه محمد بن مخلد». ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير (15|453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً، وذكر في الرواة عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، ولم أجده في الجرح والتعديل، ولا في الثقات لابن حبان.
وبهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهويه رحمه الله. وحاشى الإمام إسحاق من ذلك القول.
ولنفرض جدلاً أن والد الأصم كان ثقة (مع أنه ليس فيه توثيق)، فما قوة هذا القول؟ وما المقصود منه؟ فعندما نقل الإمام الترمذي عن شيخه الإمام البخاري إنكاره على من يرفض الاستشهاد بعمروبن شعيب عن أبيه عن جده، فإن الحافظ الذهبي نسب الإمام الترمذي للوهم ورفض تلك المقولة. علماً أن الترمذي ينقل عن شيخه الذي لازمه مدة طويلة، والترمذي هوما عليه من الحفظ والفهم والنباهة. فما قيمة عبارة باطلة ينقلها رجل مجهول الحال كوالد الأصم؟
اقتباس:
إقتباس:
2 - وأما الشبهة الثانية وهي ما يشاع أن الإمام البخاري لم يجد في فضائل معاوية شيء
********
الجواب
فقد أجاب عنها ابن حجر بقوله: «إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه -أي شرط البخاري- فأكثر الصحابة كذلك». انظر: تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان (ص 11). ولكنه أخرج في صحيحه وتاريخه أحاديث صحيحة في فضائل معاوية رضي الله عنه.
وأما أن الإمام البخاري عبّر في ترجمة معاوية رضي الله عنهما بقوله: «باب ذكر معاوية رضي الله عنه»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة. فإن الإمام البخاري كذلك عبّر في ترجمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بقوله: «باب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة. علماً أنه أخرج فيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اللهم علمه الحكمة». وهذا لا يختلف عاقل أنه فضيلة عظيمة لإبن عباس رضي الله عنه. فهل يفهم أحد من ذلك أن عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم جميعاً- ليس لهم فضائل؟! هذا والله عين التهور.
**
3 - والشبهة الثالثة زعمهم أن النسائي -رحمه الله- ضعَّفَ كل الأحاديث التي في فضل معاوية. ونقول لهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. وقد بينا في كلامنا عن تشيع النسائي أن هذا خطأ.
**
4 - وشبهتهم الرابعة هي أن الحاكم لم يخرج في مستدركه شيئاً في فضائل معاوية مع ما عرف عنه تساهله في التصحيح. ونقول هاتوا برهانكم أن الحاكم يضعّف الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضائل معاوية رضي الله عنه.
فهل ترك الحاكم لحديث يعني ضعف ذلك الحديث؟
وقد بينا في كلامنا عن تشيع الحاكم أن هذا خطأ. فهولم يضعّف الحديث، لكن قلبه لم يطاوعه بسبب تشيعه، فآثر السكوت عن معاوية رضي الله عنه. لكنه روى الحديث عنه وصححه على شرط الشيخان وترضى عنه.
**
5 - ولعل أطرف شبهاتهم هي المقولة المنسوبة للإمام أحمد بن حنبل. فقد أخرج ابن الجوزي من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فاطرق ثم قال: «اعلم أن علياً كان كثير الأعداء. ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا. فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي».
قلت هذه قصة عجيبة لم أقع على إسنادها. وابن الجوزي صاحب أوهام كثيرة. فهويحتج بروايات موضوعة، وربما ينسب إلى الوضع أحاديث صحيحة ربما أخرجها البخاري ومسلم. وقد ذكرنا في ترجمته أقوال العلماء فيه وأنه لا يعتد كثيراً بنقله.
والقصة على أية حال ليس لها علاقة بموضوعنا، بل إن حشرها هنا من الطرف فعلاً. فإن الإمام أحمد -على فرض صحة القصة- قد أشار إلى أن أعداء علي رضي الله عنهما قد وضعوا أحاديث في فضائل معاوية رضي الله عنه. وهذا شيء معروفٌ مسلّمٌ به، بل والعكس صحيح كذلك. فقد وضع شيعة علي الكثير من الأحاديث في ذم معاوية، وكلها موضوعة. ووضعوا الكثير الكثير في فضائل علي أكثر بأضعاف مما وضع النواصب في فضائل معاوية.
قال الحافظ أبويعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" (1|42):
«قال بعض الحفاظ: تأمّلتُ ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته، فزاد على ثلاثمئة ألف».
وعلق على هذا الإمامُ ابن القيم في المنار المنيف (ص161):
«ولا تستبعد هذا. فإنك لوتتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال».
قلت ولعل العدد أكبر من هذا، لوراجعنا كتبهم. فكان ماذا؟ هل نقول أنه لم يصح في فضائل علي رضي الله عنهما شيء لأن أكثر ما يروى في ذلك موضوع؟ سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم. ولوكان أحمد يعتقد أن تلك الأحاديث موضوعة لما أخرجها في مسنده.
أما عقيدة إمام أهل السنة والجماعة في عصره أحمد بن حنبل فقد كانت واضحة جداً في الترضي عن معاوية رضي الله عنهما والإنكار على من يذمه.
قال الخلال في كتابه السنة (2|46):
أخبرنا أبوبكر المروذي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهويعقوب، فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟ فقال أبوعبد الله:
«ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين».
إسناده صحيح.
وقال الخلال في "السنة" (#654): أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (ثقة فقيه) قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي؟». قال: بلى! قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: «نعم، له صهر ونسب»، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية!».
**
وقد ذكر إبن عساكر لطيفةً أحب أن أذكرها هنا،
وهوأن العبد الصالح عمر بن عبد العزيز قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- أي في الرّؤيا-، وأبوبكر وعمر جالسان عنده، فسلَّمت وجلست. فقال لي: «إذا وُلِّيْتَ من أمور الناس، فاعمل بعمل هذين: أبي بكر وعمر». فبينا أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية، فأدخلا بيتاً وأجيف عليهم الباب، وأنا أنظر. فما كان بأسرع أن خرج علي وهويقول: «قُضِيَ لي وربُّ الكعبة يا رسول الله». ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهويقول: «غُُفِرَ لي وربُّ الكعبة يا رسول الله!». القصة أخرجها ابن عساكر في تاريخه (59|14) بسندين إلى ابن أبي عروبة، وهوثقة حافظ. وقد جمعت الروايتين في قصة واحدة. كما وأن ابن أبي الدنيا أورد الرواية الثانية في المنامات (رقم 124).
وبسبب ثبوت هذه الفضائل وغيرها عن السلف، فقد نهونهياً شديداً عن التكلم في معاوية رضي الله عنهما وبقية الصحابة، وعدوا ذلك من الكبائر. قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «معاوية عندنا مِحْنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزَراً اتهمناه على القوم»، يعني الصحابة. انظر البداية والنهاية لابن كثير (8|139). وقال الربيع بن نافع الحلبي (241هـ) رحمه الله: «معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه». البداية والنهاية (8|139).
وقد صدقوا في ذلك، فإنه ما من رجل يتجرأ ويطعن في معاوية رضي الله عنه إلا تجرأ على غيره من الصحابة رضوان الله عليهم. وانظر هذا في أحوال الزيدية: فإنهم طعنوا في معاوية رضي الله عنهما ثم تجرءوا على عثمان رضي الله عنه، ثم تكلموا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهحتى صرح بكفرهما بعض الزيدية. والسبب في ذلك أنه إذا تجرأ على معاوية رضي الله عنهما فإنه يكون قد أزال هيبة الصحابة من قلبه فيقع فيهم، لأنه لا يعلل كلامه في معاوية بشيء إلا ويلزمه مثل هذا في غيره. فإن كان الذي يتكلم في الصحابة يشتم معاوية رضي الله عنهما ويتنقصه،
فيقال له:
ما حملك على ذلك؟
فإن قال:
قتاله لعلي.
فيقال له:
فيلزمك أن تشتم الزبير وطلحة وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما وغيرهم من الصحابة لأنهم قاتلوا علياً.
فإن قال:
ولكن أولئك اجتهدوا في الأخذ بثأر عثمان.
فيقال له:
ومعاوية ومن معه كذلك.
فإن قال:
ولكن الزبير وطلحة وعائشة ونحوهم لهم سوابق تدل على فضلهم.
فيقال له:
ولمعاوية سوابق تدل على فضله:
فقد صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد له بالصحبة والفقه ابن عباس -كما في صحيح البخاري- الذي قاتل مع علي ضده. وشهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً والطائف وتبوك. وكتب الوحي. ودعا له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيحي إبن خزيمة وإبن حبان وتاريخ البخاري. وصح أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا» وكان هذا الغزوبقيادة معاوية رضي الله عنه. وقد ولاه عمر وعثمان رضي الله عنهما الشام. وقد رضي الحسن بن علي رضي الله عنهما أن يتنازل له عن الخلافة، وأثنى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على فعله ذلك بقوله «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»، كما في صحيح البخاري. وإذا كان معاوية رضي الله عنهما ليس عدلاً، فهذا قدح في الحسن رضي الله عنهما الذي رضي أن يتولى الأمة غير عدل!! وفتحت كثير من الأمصار في وقته. وتولى الخلافة عشرين سنة كان فيها ملكه ملك رحمة وعدل. وقد أطلنا في الكتاب الذهبي في بيان اتفاق الأئمة الأعلام والمؤرخين من السنة على ذلك.
فإن قال:
ولكن معاوية ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يتكلمون فيه.
فيقال له:
فيلزمك على هذا أن تتكلم في كثير من الصحابة: فقد تكلم عمار في عثمان رضي الله عنهما، وتكلم العباس في علي رضي الله عنهما، وتكلم سعد بن عبادة في عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وتكلم عمر في حاطب رضي الله عنهما، وتكلم أسيد بن حضير في سعد بن عبادة رضي الله عنهما، وكل هؤلاء من السابقين الأولين رضي الله عنهم، فإن كان كلام أحدهم في الآخر يبيح أن يتكلم فيه الآخرون جاز الوقوع فيهم كلهم كما هودين الروافض قبحهم الله.
فإن قال:
ولكن معاوية ثبت عنه بعض الأخطاء.
فيقال له:
وثبت عن غيره من الصحابة أيضاً بعض الأخطاء، فإن كان الوقوع في الخطأ مبيحاً للشتم فاشتم من وقع منهم في الخطأ.
فإن قال:
ولكن أخطاء أولئك مغفورة بجانب سبقهم وفضلهم وجهادهم.
فيقال له:
وأخطاء معاوية مغفورة بجانب سبقه وفضله وجهاده. وهكذا، فإذا تجرأ أحد على معاوية رضي الله عنهما هان عليه غيره من الصحابة، وبدأ يتكلم في الواحد منهم تلوالآخر لطرد مذهبه الباطل.
**
ومن هنا نقول كما قال السلف -رحمهم الله- أنه لا يجوز في معاوية إلا ذكر محاسنه وفضائله والكف عن مساويه.
ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه الترمذي وأبوداود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
«اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم».
***
وقد اقتصرنا في هذه الرسالة على المرفوع.
ولوكتبنا الحديث الموقوف في فضائل معاوية من أقوال الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام لاضطررنا إلى تأليف كتاب كامل عنه.
ففي الباب لعن الحسن لمن يلعن معاوية.
وثناء علي على معاوية وإمارته.
ووصف إبن عباس وأبي الدرداء له بالفقه.
وقول إبن عمر أن معاوية أسود من عمر بن الخطاب نفسه.
وجلد عمر بن عبد العزيز لمن تكلم على معاوية.
وتفضيل الأعمش له على عمر بن عبد العزيز في عدله،
وكذلك قريباً منه إبن المبارك.
وتفضيل إبن العباس له على إبن الزبير في أخلاقه.
وقول قتادة عنه أنه المهدي.
وقول الزهري أن معاوية قد عمل سنين بسيرة عمر بن الخطاب.
بل وثناء عمر بن الخطاب عنه في عدة مواضع.
وأمر أحمد بن حنبل للرجُل بقطع رحمه وهجر خاله لمجرد أنه انتقص معاوية.
ومن لم يكفه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن يكفيه شيء بعده.
**
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أصحابه أجمعين.
التوقيع
…
دُرر
رد: الرد على ادعاء الرافضة [لايصح في فضل معاوية حديث] ..
السلام عليكم ورحمته الله وبركاته
غريب ما نراه هل يعقل ان الطليق وابن الطلقاء معاويه يكون هاديا مهديا عجيب واذا كان كذلك فكيف يقتل الصحابه امثال حجر ابن عدي وعمار ابن ياسر رضي الله عنهم والرسول يقول ياعمار تقتلك الفئه الباغيه تدعوهم الى الجنه ويدعونك الى النار ومعاويه هوقائد الفئه الباغيه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه واله وكيف يكون هاديا وقد شتم الامام علي ثمانين سنه على المنابر ولكن لا عجب على بني اميه ان يزوروتاريخ المسلمين وانا سوف ادعولك دعاء اللهم احشره مع معاويه وابوسفيان وهند ااكلت الاكباد امين رب العالمين
…
اسعد سالم
رد: الرد على ادعاء الرافضة [لايصح في فضل معاوية حديث] ..
مجهود رائع جدا يادرروفقك الله وسدد خطاك وجعله في ميزان حسناتك
ام الرافضي الذي يتهم خليفة المسلمين ومن سماه الرسول هاديا معاوية
فنقول له اضرب رأسك بالحائط واذا كان عندك دليل فرد على الاخ درر
لكن؟ هي فيكم فاغرة تريدون بها تسقيط الصحابة الكرام (رضي الله عنهم وارضاهم)
لكن شئتم ام ابيتم هم اصحاب وابرار ورغم انوفكم هم اهل الخق
…
قاسم الانباري
فضل معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما
لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قدوتنا في ديننا وهم حملة الكتاب الإلهي والسنة المحمدية، الذين حملوا عنهم أماناتهم حتى وصلت إلينا، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرتهم كل ما ألصق بهم من إفك ظلماً وعدوانا .. حتى تكون صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليها، فنحسن القدوة بهم وتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم ..
وقد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعنٌ في الدين الذي هم ورائه. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1/ 1.
وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها وتشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة.
قلت: يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه ويعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أومتناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم ومن قعد .. ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. انظر حول عدالة الصحابة: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 19) وفتح المغيث (3/ 1.3) وشرح الألفية للعراقي (3/ 13 - 14) والإصابة (1/ 9) ومقدمة ابن الصلاح (ص 147) والباعث الحثيث (ص 181 - 182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/ 149) والتقريب للنووي (2/ 214) والمستصفى للغزالي (ص 189 - 19.) وفي غيرها من الكتب.
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 231) وابن القيم في زاد المعاد (2/ 126) أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح، أي أنه أسلم سنة (8هـ)، في حين ذكر أبونعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/ 2496) والذهبي كما في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 3.8) أنه أسلم قبيل الفتح.
وقال قوّام السنة في سير السلف الصالحين (2/ 663) رواية عن معاوية رضي الله عنه أنه يقول فيها: أسلمت عام القضية، لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبل إسلامي، وعام القضية هوالعام الذي صُد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت (عام 6 هـ). وانظر هذا الخبر في تاريخ الطبري (5/ 328) والبداية والنهاية لابن كثير (8/ 21) والاستيعاب لابن عبد البر (3/ 395).
وقال الإمام أبونعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (5/ 2496) في ترجمة معاوية رضي الله عنه: كان من الكتبة الحسبة الفصحة، أسلم قبيل الفتح، وقيل عام القضية وهوابن ثمان عشرة، وعده ابن عباس من الفقهاء، قال: كان فقيهاً ..
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى كون معاوية كان يخفي إسلامه، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/ 131)، وهوما جزم به الذهبي، حيث قال: أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء - أي في سنة (7هـ) - وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه .. وأظهر إسلامه عام الفتح. انظر: تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 3.8).
وبعد هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح - وليس في ذلك مطعن - وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته رضي الله عنه؟!
وفضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً وخصوصاً، فبالإضافة إلى ما تم ذكره من الفضائل العامة، أورد شيئاً من فضائله الخاصة ..
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا كيف يتولى معاوية وفي الناس من هوخير مثل الحسن والحسين. قال عمير وهوأحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به. رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 216) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 236) وقال في الصحيحة (4/ 615) بعد أن ذكر طرقه: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فكان حقه أن يصحح .. وقال: وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة على قوة، وزاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/ 2436 - 2437) لفظة: (ولا تعذبه).
وقد اعتبر ابن حجر الهيتمي هذا الحديث من غرر فضل معاوية وأظهرها، ثم قال: ومن جمع الله له بين هاتين المرتبتين كيف يتخيل فيه ما تقوّله المبطلون ووصمه به المعاندون. تطهير اللسان (ص 14).
وأخرج الإمام أحمد، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويدعونا إلى السحور في شهر رمضان، قال: (هلموا إلى الغداء المبارك)، ثم سمعته يقول: (اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب). فضائل الصحابة (2/ 913) إسناده حسن لغيره.
وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطأة وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت هويأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هويأكل، فقال: لا اشبع الله بطنه.
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/ 699): لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أوشتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/ 156): قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له.
قلت: وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أوسبه أودعا عليه، وليس هوأهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة.
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأسرة ..
أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: (أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة)، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (أنت من الأولين)، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. البخاري مع الفتح (6/ 22).
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة .. ) يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: (أنت فيهم). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر - أي القسطنطينية - مغفور لهم)، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: (لا). البخاري مع الفتح (6/ 22). ومسلم (13/ 57).
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6/ 121).
قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435هـ) معلقاً على هذا الحديث: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر. انظر الفتح (6/ 12.).
ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزوالبحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4/ 258) وتاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص 317).
ومن فضائله: ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي)؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: مالهم ولمعاوية، نسأل الله العافية. السنة للخلال برقم (654) وإسناد الحديث حسن.
وقد عد ابن حجر الهيتمي ذلك من أبرز فضائله فقال في تطهير الجنان (ص 17 - 18): ومنه فوزه بمصاهرته صلى الله عليه وسلم، فإن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أخته .. فلعلك تنكف أوتكف غيرك عن الخوض في عرض أحد ممن اصطفاهم الله لمصاهرة رسوله.
كما وأن اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والأمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام، لهوأكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا؟ !!
وأما عن ثناء الصحابة رضوان الله عليهم على معاوية رضي الله عنه ..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تذكروا معاوية إلا بخير. البداية والنهاية لابن كثير (8/ 125).
وذكر الطبري في تاريخه (5/ 331) والبلاذري في أنساب الأشراف (4/ 147) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام، فرأى معاوية في موكب يتلقاه، فقال له عمر: يا معاوية، تروح في موكب وتغدوفي مثله؛ وبلغني أنك تصبح في منزلك وذووالحاجات ببابك! قال: يا أمير المؤمنين، إن العدوبها قريب منا، ولهم عيون وجواسيس، فاردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً؛ فقال له عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب، أوخدعة رجل أريب، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، مرني بما شئت أصر إليه؛ قال: ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك!.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لوفقدتموها، رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل. ابن كثير في البداية (8/ 134).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود - من السيادة - من معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه. الخلال في السنة (1/ 443) والذهبي في السير (3/ 152) وابن كثير في البداية (8/ 137).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، ولم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 2.985) بسند صحيح. وابن كثير في البداية (8/ 137).
وفي صحيح البخاري برقم (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لله در ابن هند - يعني معاوية رضي الله عنه - إنا كنا لَنَفْرَقه - من الفَرَق: وهوالخوف والفزع - وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخادعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه، فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتعنا به مادام في هذا الجبل حَجَر، وأشار إلى أبي قبيس. أورده ابن كثير في البداية (8/ 138).
يتبع ان شاء الله
المصدر: شبكة الزهراء الإسلامية
من فضائل معاوية رضي الله عنه في القرآن الكريم:
*
- قال الله تعالى: (ثمَّ أنزلَ سَكينَتَهُ على رسولِه وعلى المؤمنين، وأنزَلَ جُنوداً لم تَرَوها، وعذَّبَ الّذين كفروا، وذلك جَزاءُ الكافرين) [التوبة: 26]
ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حُنين المقصودة في الآيات، وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينتَه عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
*
- وقال جلَّ وعلا: (لا يَستَوي مِنكم مَن أَنفقَ مِن قَبلِ الفتحِ وقاتَل، أولئكَ أعظَمُ درَجةً مِنَ الذينَ أنفقوا مِن بَعدُ وقاتَلوا، وكُلاً وَعَدَ اللهُ الحُسنى، واللهُ بما تَعملون خَبير) [الحديد: 1.]
قلت: ومعاوية رضي الله عنه لا يخلوأن يكون على حالَين: أن يكون قد أسلم قبل فتح مكة كما رجّح وصحّح الحافظُ ابنُ حَجَر فيما يأتي، أويكون بعد ذلك، وقد أنفق وقاتل في حُنين والطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهوممن وعَدَهم الله الحُسنى بنص الآية، والحُسنى: الجنّة، كما قال تعالى: (إنَّ الَّذينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الحُسْنَى أولئكَ عَنْها مُبْعَدون، لا يَسْمَعون حَسِيسَها وهُمْ فيما اشْتَهَتْ أَنْفُسُهم خالِدُون) [الأنبياء: 1.1]
*
- وقال تعالى: (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ والمُهاجِرينَ والأنْصارِ الَّذينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهم ثُمَّ تابَ عَلَيْهِم، إنَّهُ بِهِم رَؤوفٌ رَحيمٌ) [التوبة: 117]
وساعةُ العُسرة هي غزوةُ تَبُوك، وقد شَهِدَها مُعاوية رضي الله عنه [6].
*
- وقال تعالى: (يومَ لا يُخْزِيْ اللهُ النَّبيَّ والذينَ آمَنوا مَعه، نُورُهُمْ يَسعى بينَ أيديْهم وبأيْمانِهم) [التحريم: 8]
قال الإمام الآجُرِّي في الشريعة (5/ 2432) عن معاوية رضي الله عنه: "فقد ضمن الله الكريم بأن لا يُخزيه، لأنه ممَّنْ آمَنَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم".
*
وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 458 - 465)
*
من فضائل معاوية رضي الله عنه ثبوت كونه كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكتابته الوحي:
*
- روى مسلم في صحيحه (رقم 25.1 أو16/ 62 مع شرح النووي) من حديث ابن عباس: أن أبا سفيان قال: يا نبيَّ الله، ثلاثٌ أَعطِنيهنّ. قال: نعم. قال: عندي أحسنُ العربِ وأجملُه أمُّ حَبيبة بنت أبي سفيان؛ أُزوّجُكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعلُه كاتبا بين يديك. قال: نعم. قال: وتؤمّرني حتى أقاتل الكفار كما كنتُ أقاتلُ المسلمين؟ قال: نعم. [7]
*
- روى الطيالسي (4/ 465) وأحمد (1/ 291 و335) والآجري (1937) والبيهقي في الدلائل (6/ 243) وغيرهم بسند جيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اذهب فادعُ لي معاوية"، قال ابن عباس: وكان كاتِبَه.
وصححه ابن عساكر (59/ 1.6) والذهبي في تاريخ الإسلام (4/ 3.9)، وأصلُه في صحيح مسلم (26.4)
*
- وعن عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما قال: إن معاوية كان يكتبُ بين يَدَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبوعوانة (البداية والنهاية 11/ 4.3) والبزار (زوائده 3/ 267 رقم 2722) والآجري (1936) من طريق الأعمش، عن عمروبن مُرَّة، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي كَثير الزُّبَيدي، عن عبد الله به.
قال الهيثمي في المجمع (9/ 357): "رواه الطبراني، وإسنادُه حسن".
قلت: أبوكثير اختُلف في اسمه، وهوثقة، والإسناد كما قال الهيثمي أوأعلى.
*
- وعن سَهْلِ بن الحَنْظَلِيَّة الأنصاري رضي الله عنه: أن عُيَيْنَةَ والأَقْرَعَ سألا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأمرَ معاويةَ أن يكتُبَ به لهما، ففعلَ، وختَمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَمَر بدفعه إليهما .. الحديث.
رواه أبوداود (1629) وأحمد (4/ 18.) وابن شبّة في أخبار المدينة (911) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 1.4) وابن حبان (2/ 3.3 و8/ 187) والطبراني (6/ 97 رقم 5619) والآجري (1939) وأبونعيم في معرفة الصحابة (3/ 131.) والبيهقي (7/ 25) وابن عساكر (67/ 157 وفيه سقط)
كلهم من طريق ربيعة بن يزيد، حدثني أبوكَبشة السَّلُولي، أنه سمع سهلَ به.
وسنده صحيح، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. (صحيح سنن أبي داود الكبير 5/ 332)
*
- وغير ذلك من الأخبار، وأمرُ كتابةِ معاوية للوحْيِ؛ وائتمانِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عليهِ مشهور، وفي السِّيَر والمغازي والتواريخ معروفٌ ومسطور [8].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (4/ 439): "استَكْتَبَه النبي صلى الله عليه وسلم لخِبْرَتِه وأمانته".
ومن فضائل معاوية رضي الله عنه كونه خال المؤمنين:
*
فهوأخوأمِّ المؤمنين؛ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ أمِّ حَبيبة رَمْلة بنت أبي سفيان رضي الله عنهم، ولذلك قال الإمام أحمد: أقول: معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين. رواه الخلال في السنة (2/ 433) بسند صحيح. [9]
*
وروى العجلي في الثقات (1/ 314) ومن طريقه ابن عساكر (15/ 8 وابن العديم (6/ 2897) بسند صحيح أن رجلا سأل الحكم بن هشام الكوفي: ما تقول في معاوية؟ قال: ذاك خالُ كلِّ مؤمن.
*
- وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "كل سَبَبٍ ونَسب مُنقطعٌ يوم القيامة غيرَ سَبَبي ونَسَبي"، وفي رواية: "غير نسبي وصِهري".
وللحديث طرقٌ كثيرة، جوَّدَ بعضَها ابنُ كثير في مسند الفاروق (1/ 388)، وصححه ابن السَّكَن، والحاكم، والضياء، والذهبي، والألباني، وغيرُهم، وانظر الصحيحة (2.36) ومختصر استدراك الذهبي على الحاكم (3/ 1521) والروض البسام (1487)
ولا شك أن معاوية داخلٌ في هذا الفضل.
*
روى الخلال في السنة (2/ 433) واللالكائي (8/ 1445) عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلُّ صِهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي؟ قال: بلى. قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم! له صهر ونسب.
إسناده صحيح، ويستفادُ منه تثبيتُ الإمام أحمد للحديث.
ومن فضائل معاوية:
*
روى البخاري في صحيحه (6/ 1.2 رقم 2924 مع الفتح) عن أم حَرَام الأنصارية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أولُ جيشٍ من أُمَّتي يَغزون البحر قد أَوجَبوا". قالت أم حَرَام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: "أنتِ فيهم". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولُ جَيشٍ من أُمَّتي يَغزون مدينة قَيصرَ مغفورٌ لهم". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا".
ونقل ابنُ حجر والبدر العيني في شرحهما عن المُهلَّب بن أبي صُفْرَة الأندلسي (ت 435) أنه قال: "في هذا الحديث منقبةٌ لمعاوية، لأنه أول من غزا البحر، ومنقبةٌ لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينةَ قيصر".
قلت: أرسل معاويةُ ابنَه يَزيد أميراً على الجيش سنة ثنتين وخمسين [1.]، حتى وصل أسوار القسطنطينية، ومعه عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، ومنهم أبوأيوب الأنصاري، وقد توفي هناك، ودُفن عند سورها كما أوصى يزيدَ بذلك.
قال ابنُ حجر وغيرُه: معنى أَوجَبوا: أي فعلوا فِعلاً وَجَبَتْ لهم به الجنّة.
*
وقال الفِريابي: وكان أول من غزا [يعني البحر] معاويةُ في زمن عثمان بن عفان. (الشريعة للآجري 5/ 2441 رقم 1922)
وعلى ذلك المؤرِّخون، وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 242): "لم يختَلفْ أهلُ السِّيَر فيما عَلمتُ أن غَزاةَ معاوية هذه المذكورةُ في حديثِ هذا الباب إذْ غَزَتْ معه أمُّ حَرَام كانت في خِلافة عُثمان".
وقال ابنُ حَجَر إنَّ أصحَّ الأقوال في غزوة معاوية أنها كانت سنة ثمان وعشرين. (فتح الباري 11/ 75 - 76)
*
فضيلة أخرى تتصل بسابقتها:
*
روى البخاري (6282 و6283) ومسلم (1912) عن أنس رضي الله عنه، عن أم حَرَام -وهي خالة أنس، قالت:
أتانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوما فَقَالَ عندَنا، فاستيقظَ وهويَضحكُ، فقلت: ما يُضحككَ يا رسولَ الله؛ بأبي أنتَ وأمّي؟ قال: "أُريتُ قوما من أمّتي يَركبون ظهرَ البحر كالمُلوكِ على الأَسِرَّة". فقلت: ادعُ اللهَ أن يجعلَني منهم. قال: "فإنَّكِ منهم". قالت: ثمَّ نام، فاستيقظَ أيضاً وهويَضحك، فسألتُه، فقال مثل مقالته، فقلتُ: ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: "أنتِ من الأوّلين".
قال: فتزوّجَها عُبادَة بن الصامِت بعدُ، فغَزَا في البحر؛ فحَمَلَها مَعَه، فلمّا أن جاءت قَرَّبَت لها بغلة فركبَتها، فصَرَعَتْها؛ فانْدَقَّتْ عُنُقُها".
*
قال ابنُ حجر في الفتح (11/ 74): "قال ابنُ عبد البر [التمهيد 1/ 232]: أرادَ -واللهُ أعلم- أنَّه رأى الغُزاةَ في البحرِ مِن أُمَّته مُلوكا على الأَسِّرة في الجنّة، ورُؤياهُ وَحْيٌ، وقد قال الله تعالى في صِفةِ أهلِ الجنَّة: (على سُرُرٍ مُتقابِلين)، وقال: (على الأَرائِكِ مُتَّكِئون)، والأرائكُ: السُّرُرُ في الحِجال. [انتهى كلام ابن عبد البر]
وقال عِياض: هذا مُحتَمل، ويُحتَمَلُ أيضا أن يَكونَ خَبَرا عَن حَالِهم في الغَزْومِن سَعَةِ أَحوالهم، وقوامِ أَمْرِهم، وكَثرةِ عَدَدهم، وجَودة عُددهم، فكأنهم الملوكُ على الأَسِرّة.
*قلت: وفي هذا الاحتمال بُعدٌ، والأولُ أَظهرُ، لكنّ الإتيانَ بالتمثيلِ في مُعظَمِ طُرُقِه يَدُلُّ على أنّهُ رأى ما يؤولُ إليه أمرُهم، لا أنهم نالوا ذلك في تِلكَ الحالة، أوموقعُ التشبيه أنهم فيما هم من النّعيم الذي أُثيبُوا به على جهادهم مثلُ ملوك الدنيا على أَسِرَّتهم، والتشبيهُ بالمحسوسات أبلَغُ في نفسِ السامع".
*
فإذا تبيَّن هذا الفضلُ العظيم، كان معاوية من أولى الناس به، إذ أنه أميرُ تلك الغزاة بالاتفاق؛ كما تقدَّم قريبا، وقد قال ابنُ عبد البر عن هذا الحديث في التمهيد (1/ 235): "وفيه فضلٌ لمعاوية رحمه الله، إذ جَعَلَ مَن غَزا تحتَ رايَتِه مِن الأوَّلين".
وعدّه الآجري (5/ 2441) واللالكائي (8/ 1438) وغيرهما من فضائل معاوية رضي الله عنه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضائل معاوية رضي الله عنه
لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قدوتنا في ديننا وهم حملة الكتاب الإلهي والسنة المحمدية، الذين حملوا عنهم أماناتهم حتى وصلت إلينا، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرتهم كل ما ألصق بهم من إفك ظلماً وعدوانا.. حتى تكون صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليها، فنحسن القدوة بهم وتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم..
وقد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعنٌ في الدين الذي هم ورائه. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1/ 18).
وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها وتشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة.
قلت: يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور.. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه ويعرضه على ميزان الجرح والتعديل.. ناسياً أومتناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم ومن قعد.. ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. انظر حول عدالة الصحابة: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 19) وفتح المغيث (3/ 103) وشرح الألفية للعراقي (3/ 13 - 14) والإصابة (1/ 9) ومقدمة ابن الصلاح (ص 147) والباعث الحثيث (ص 181 - 182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/ 149) والتقريب للنووي (2/ 214) والمستصفى للغزالي (ص 189 - 190) وفي غيرها من الكتب.
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 231) وابن القيم في زاد المعاد (2/ 126) أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح، أي أنه أسلم سنة (8هـ)، في حين ذكر أبونعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/ 2496) والذهبي كما في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح.
وقال قوّام السنة في سير السلف الصالحين (2/ 663) رواية عن معاوية رضي الله عنه أنه يقول فيها: أسلمت عام القضية، لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبل إسلامي، وعام القضية هوالعام الذي صُد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت (عام 6 هـ). وانظر هذا الخبر في تاريخ الطبري (5/ 328) والبداية والنهاية لابن كثير (8/ 21) والاستيعاب لابن عبد البر (3/ 395).
وقال الإمام أبونعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (5/ 2496) في ترجمة معاوية رضي الله عنه: كان من الكتبة الحسبة الفصحة، أسلم قبيل الفتح، وقيل عام القضية وهوابن ثمان عشرة، وعده ابن عباس من الفقهاء، قال: كان فقيهاً..
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى كون معاوية كان يخفي إسلامه، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/ 131)، وهوما جزم به الذهبي، حيث قال: أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء - أي في سنة (7هـ) - وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه.. وأظهر إسلامه عام الفتح. انظر: تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 308).
وبعد هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح - وليس في ذلك مطعن - وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته رضي الله عنه؟!
وفضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً وخصوصاً، فبالإضافة إلى ما تم ذكره من الفضائل العامة، أورد شيئاً من فضائله الخاصة..
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا كيف يتولى معاوية وفي الناس من هوخير مثل الحسن والحسين. قال عمير وهوأحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به. رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 216) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 236) وقال في الصحيحة (4/ 615) بعد أن ذكر طرقه: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فكان حقه أن يصحح.. وقال: وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة على قوة، وزاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/ 2436 - 2437) لفظة: (ولا تعذبه).
وقد اعتبر ابن حجر الهيتمي هذا الحديث من غرر فضل معاوية وأظهرها، ثم قال: ومن جمع الله له بين هاتين المرتبتين كيف يتخيل فيه ما تقوّله المبطلون ووصمه به المعاندون. تطهير اللسان (ص 14).
وأخرج الإمام أحمد، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويدعونا إلى السحور في شهر رمضان، قال: (هلموا إلى الغداء المبارك)، ثم سمعته يقول: (اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب). فضائل الصحابة (2/ 913) إسناده حسن لغيره.
وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطأة وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت هويأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هويأكل، فقال: لا اشبع الله بطنه.
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/ 699): لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أوشتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/ 156): قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له.
قلت: وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أوسبه أودعا عليه، وليس هوأهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة.
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأسرة..
أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: (أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة)، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (أنت من الأولين)، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. البخاري مع الفتح (6/ 22).
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة.. ) يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: (أنت فيهم). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر - أي القسطنطينية - مغفور لهم)، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: (لا). البخاري مع الفتح (6/ 22). ومسلم (13/ 57).
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6/ 121).
قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435هـ) معلقاً على هذا الحديث: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر. انظر الفتح (6/ 120).
ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزوالبحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4/ 258) وتاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص 317).
ومن فضائله: ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي)؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: مالهم ولمعاوية، نسأل الله العافية. السنة للخلال برقم (654) وإسناد الحديث حسن.
وقد عد ابن حجر الهيتمي ذلك من أبرز فضائله فقال في تطهير الجنان (ص 17 - 18): ومنه فوزه بمصاهرته صلى الله عليه وسلم، فإن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أخته.. فلعلك تنكف أوتكف غيرك عن الخوض في عرض أحد ممن اصطفاهم الله لمصاهرة رسوله.
كما وأن اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والأمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام، لهوأكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة.. فأي فضل بعد هذا؟ !!
وأما عن ثناء الصحابة رضوان الله عليهم على معاوية رضي الله عنه..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تذكروا معاوية إلا بخير. البداية والنهاية لابن كثير (8/ 125).
وذكر الطبري في تاريخه (5/ 331) والبلاذري في أنساب الأشراف (4/ 147) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام، فرأى معاوية في موكب يتلقاه، فقال له عمر: يا معاوية، تروح في موكب وتغدوفي مثله؛ وبلغني أنك تصبح في منزلك وذووالحاجات ببابك! قال: يا أمير المؤمنين، إن العدوبها قريب منا، ولهم عيون وجواسيس، فاردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً؛ فقال له عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب، أوخدعة رجل أريب، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، مرني بما شئت أصر إليه؛ قال: ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك!.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لوفقدتموها، رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل. ابن كثير في البداية (8/ 134).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود - من السيادة - من معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه. الخلال في السنة (1/ 443) والذهبي في السير (3/ 152) وابن كثير في البداية (8/ 137).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، ولم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح. وابن كثير في البداية (8/ 137).
وفي صحيح البخاري برقم (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لله در ابن هند - يعني معاوية رضي الله عنه - إنا كنا لَنَفْرَقه - من الفَرَق: وهوالخوف والفزع - وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخادعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه، فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتعنا به مادام في هذا الجبل حَجَر، وأشار إلى أبي قبيس. أورده ابن كثير في البداية (8/ 138).
إلى غيرها من الفضائل..
وأما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن إسحاق بن راهوية أنه قال: (لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء).
قلت: لهم الويل.. وبفيهم الحجر.. فهذا القول عن ابن راهوية باطل ولم يثبت عنه..
فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3/ 132) والفوائد المجموعة للشوكاني (ص 407) عن الأصم - أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم - حدثنا أبي، سمعت ابن راهوية فذكره. وفي الفوائد: سقطت (حدثنا أبي)، وهي ثابتة فالأصم لم يسمع من ابن راهوية.
قلت: يعقوب بن يوسف بن معقل أبوالفضل النيسابوري - والد الأصم - مجهول الحال، فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14/ 286) فما زاد على قوله: قدم بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهوية، روى عنه محمد بن مخلد.
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير (15/ 453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً، وذكر في الرواة عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، ولم أجده في الجرح والتعديل، ولا في الثقات لابن حبان. وبهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهوية رحمه الله. بتصرف من كتاب: لا دفاعاً عن الألباني لعمروعبد المنعم (ص 181 - 182).
وأما الشبهة الثانية وهي قول الإمام البخاري: بأنه لم يجد في فضائل معاوية شيء، فقد أجاب عنها ابن حجر رحمه الله بقوله: إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه - أي شرط البخاري - فأكثر الصحابة كذلك. انظر: تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان (ص 11 - 12).
وعلى كل حال فقد كان البخاري رحمه الله يترضى عن معاوية كلما ذكر اسمه، ثم إنه قد ثبت عند البخاري صحبة معاوية رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم، وثبت فقهه أيضاً كما نص عليه ابن عباس، وقد تقدم الحديث.. وكفى بهذا الثناء من حبر الأمة من فضيلة ومنقبة..
كما وأن البخاري رحمه الله أخرج الحديث الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بأن يجعله هادياً مهدياً ويهدي به في كتابه التاريخ الكبير كما حكى ذلك شيخنا الألباني رحمه الله انظر: السلسلة الصحيحة (4/ 9691).
سئل عبد الله بن المبارك، أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا؟. وفيات الأعيان، لابن خلكان (3/ 33)، وبلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/ 2466).
وأخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال: سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال: يا أبا مسعود؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟! فرأيته غضب غضباً شديداً وقال: لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل. كتاب الشريعة للآجري (5/ 2466 - 2467) شرح السنة لللالكائي، برقم (2785). بسند صحيح.
وسئل المعافى بن عمران، معاوية أفضل أوعمر بن عبد العزيز؟ فقال: كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز. السنة للخلال (2/ 435).
وكذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبوأسامة، قيل له: أيهما أفضل معاوية أوعمر بن عبد العزيز؟
فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد. كتاب الشريعة (5/ 2465 - 2466) بسند صحيح، وكذلك أخرج نحوه الخلال في السنة، برقم (666).
وروى الخلال في السنة بسند صحيح (660) أخبرنا أبوبكر المروذي قال: قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل: معاوية أوعمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني الذي بعثت فيهم.
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال: فكيف لوأدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله. السنة للخلال (1/ 437).
وعن قتادة قال: لوأصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي. السنة للخلال (1/ 438).
وعن مجاهد أنه قال: لورأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. المصدر نفسه، وأورده ابن كثير في البداية (8/ 137).
وعن الزهري قال: عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً. السنة للخلال (1/ 444) وقال المحقق إسناده صحيح.
وقد أثنى عليه قبيصة بن جابر الأسدي بقوله: ألا أخبركم من صحبت؟ صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلاً أفقه فقهاً ولا أحسن مدارسة منه، ثم صحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل من غير مسألة منه؛ ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحب رفيقاً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه.. انظر تاريخ الطبري (5/ 337) وأورد هذا الخبر البخاري في التاريخ الكير (7/ 175).
وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. البداية والنهاية (8/ 138).
وإن الجمع الذي بايع معاوية رضي الله عنه بالخلافة خير من الجمع الذي بايع عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقد بايع لمعاوية جم غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله كما في الفصل (5/ 6): فبويع الحسن، ثم سلم الأمر إلى معاوية، وفي بقايا الصحابة من هوأفضل منهما بخلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل، فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته.
وقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم، يعني الصحابة. انظر البداية والنهاية لابن كثير (8/ 139).
وسئل الإمام أحمد: ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً؟ قال أبوعبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس. انظر: السنة للخلال (2/ 434) بسند صحيح.
وقد سئل رجل الإمام أحمد عن خال له ينتقص معاوية رضي الله عنه، وأنه - أي الرجل - ربما أكل مع خاله، فقال له الإمام أحمد مبادراً: لا تأكل معه. السنة للخلال (2/ 448).
وقال الربيع بن نافع الحلبي (ت 241هـ) رحمه الله: معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه. البداية والنهاية (8/ 139).
يقول ابن قدامة المقدسي: ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، وأحد خلفاء المسلمين رضي الله تعالى عنهم. لمعة الاعتقاد (ص 33).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهوأول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة. مجموع الفتاوى (4/ 478).
وقال أيضاً:.. فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي صلى الله عليه وسلم كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وما اتهمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الوحي.. وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال، وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه، ولم يتهمه في ولايته. الفتاوى (4/ 472).
وقال: فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية. منهاج السنة (6/ 232).
وقال ابن كثير في ترجمة معاوية رضي الله عنه: وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين.. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدوقائم وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو. البداية والنهاية (8/ 119).
وقال: كان حليماً وقوراً رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً. البداية (8/ 118).
وقال أيضاً: كان جيد السيرة حسن التجاوز جميل العفوكثير الستر رحمه الله تعالى. المصدر السابق (8/ 126).
وقال ابن أبي العز الحنفي: وأول ملوك المسلمين معاوية وهوخير ملوك المسلمين. شرح العقيدة الطحاوية (ص 722).
وقال الذهبي في ترجمته: أمير المؤمنين ملك الإسلام. السير (3/ 120).
وقال: ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم. المصدر نفسه (3/ 159).
وأورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال: إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخبارهم، فهوتاليهم في الفضل والعدالة والصحبة. انظر هذا القول في العواصم من القواصم (ص213)
قال محب الدين الخطيب رحمه الله: سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية؟ فقلت له: ومن أنا حتى أسأل عن عظيم من عظماء هذه الأمة، وصاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، إنه مصباح من مصابيح الإسلام، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره. حاشية محب الدين الخطيب على كتاب العواصم من القواصم (ص95).
إلى غيرها من الأقوال والآراء في هذا الصحابي الجليل..
هل صح في معاوية حديث
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قد ورد في فضائل معاوية احاديث كثيرة , ولكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد , وبذلك جزم اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهنا. [415]
الحافظ الكبير إسحاق بن راهويه: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل معاوية بن أبي سفيان بشيئ. [416]
ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وطائفة وضعوا لمعاوية فضائل , ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك كلها كذب. [417]
يقول العيني في عمدة القاريء: فان قلت: ورد في فضيلة أحاديث كثيرة. قلت نعم , ولكن ليس فيها حديث يصح من طريق الإسناد , نص عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما , فلذلك قال [418] ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولا منقبة. [419]
الرد:
بخصوص النصوص التي استشهد بها فهي كما هو متعود من الرافضة اما مبتورة وغير كاملة اوغير مفهومة ولها نصوص اخرى تبينها وتوضح المقصد منها
سأبدأ بالرد على اشكالالته واحدا تلوالاخر ان شاء الله
وسأبدأ بهذا:
1ـ قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
((اعلم انه قد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثير ولكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما)) [1]
الجواب هنا ان صاحب التحفة لم يعمم وإنما ذكر بعض الفضائل التي لم تصح
وإلا لماذا لم كل أوجميع فضائل معاوية بن ابي سفيان - رضي الله عنه - لم تصح؟ ?!
جاء في كتاب الأحاديث النبوية في فضائل معاوية لمحمد أمين الشنقيطي
ولعل أطرف شبهاتهم هي المقولة المنسوبة للإمام أحمد بن حنبل. فقد أخرج ابن الجوزي من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فاطرق ثم قال: «اعلم أن علياً كان كثير الأعداء. ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا. فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي». قلت هذه قصة عجيبة لم أقع على إسنادها. وابن الجوزي صاحب أوهام كثيرة. فهويحتج بروايات موضوعة، وربما ينسب إلى الوضع أحاديث صحيحة ربما أخرجها البخاري ومسلم. وقد ذكرنا في ترجمته أقوال العلماء فيه وأنه لا يعتد كثيراً بنقله.
والقصة على أية حال ليس لها علاقة بموضوعنا، بل إن حشرها هنا من الطرف فعلاً. فإن الإمام أحمد -على فرض صحة القصة- قد أشار إلى أن أعداء علي رضي الله عنه قد وضعوا أحاديث في فضائل معاوية رضي الله عنه. وهذا شيء معروفٌ مسلّمٌ به، بل والعكس صحيح كذلك. فقد وضع شيعة علي الكثير من الأحاديث في ذم معاوية، وكلها موضوعة. ووضعوا الكثير الكثير في فضائل علي أكثر بأضعاف مما وضع النواصب في فضائل معاوية. قال الحافظ أبويعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" (1|42.): «قال بعض الحفاظ: تأمّلتُ ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته، فزاد على ثلاثمئة ألف». وعلق على هذا الإمامُ ابن القيم في المنار المنيف (ص161): «ولا تستبعد هذا. فإنك لوتتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال». قلت ولعل العدد أكبر من هذا، لوراجعنا كتبهم. فكان ماذا؟ هل نقول أنه لم يصح في فضائل علي رضي الله عنه شيء لأن أكثر ما يروى في ذلك موضوع؟ سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم. ولوكان أحمد يعتقد أن تلك الأحاديث موضوعة لما أخرجها في مسنده.
أما عقيدة إمام أهل السنة والجماعة في عصره أحمد بن حنبل فقد كانت واضحة جداً في الترضي عن معاوية رضي الله عنه والإنكار على من يذمه. قال الخلال في كتابه السنة (2|46.): أخبرنا أبوبكر المروذي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهويعقوب، فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟ فقال أبوعبد الله: «ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين». إسناده صحيح. وقال الخلال في "السنة" (#654): أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (ثقة فقيه) قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي؟». قال: بلى! قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: «نعم، له صهر ونسب»، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية!».
وبهذا تلاحظون انحطاط ملالي المجوس وكذبهم وتلبيسهم وبترهم للنصوص
كلمة أخيرة لجاهل أبيه
لاحظ لما جئت بروايات مكذوبة ردناها ومسحنا بك وبمركز الدياثة الأرض
***************************
وبخصوص ما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
فللأسف هو مبتور كالعادة
لأن شيخ الاسلام إنما نقل لنا بعض أفعال الغلاة من المروانيين الذين خالفوا اهل السنة وفاضلوا بين معاوية وعلي رضي الله عنهما ورجحوا معاوية على علي!! وهذا ما لم يقله أحد من أهل السنة
وبالتالي فقد خالفوا الإجماع
وإليكم النص كما ورد:
"وعلى أن عليا أفضل من جماهير هؤلاء لم يقدم عليه أحد غير الثلاثة فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أوتقديم معاوية عليه نعم مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم كالذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم يقولون إنه كان في قتلاه على الحق مجتهدا مصيبا وأن عليا ومن معه كانوا إما ظالمين وإما مجتهدين مخطئين وقد صنف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ وطائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كلها كذب ولهم في ذلك حجج طويلة ليس هذا موضعها ولكن هؤلاء عند أهل السنة مخطئون في ذلك وإن كان خطأ الرافضة أعظم من خطئهم ولا يمكن الرافضة أن ترد على هؤلاء بحجة صحيحة مع اعتقادهم مذهب الإمامية فإن حجج الإمامية متناقضة يحتجون بالحجج التي ينقضونها في موضع اخر ويحتجون بالحجة العقلية أوالسمعية مع دفعهم لما هوأعظم منها بخلاف أهل السنة فإن حججهم صحيحة مطردة كالمسلمين مع النصارى وغيرهم من أهل الكتاب فيمكن لأهل السنة الانتصار لعلي ممن يذمه ويسبه أويقول إن الذين قاتلوه كانوا أولى بالحق منه كما يمكن المسلمين أن ينصروا المسيح ممن كذبه من الهود وغيرهم بخلاف النصارى
(منهاج السنة النبوية جـ2 صـ 228)
**********************
اما عن هذا:
3ـوقال العجلوني في كشف الخفاء:
((باب فضائل معاوية: ليس فيه حديث صحيح)) [3]
أقول:
والعجيب أن العجلوني ترضى عن معاوية رضي الله عنه في كتابه بل نقل لنا هذه
أنا ابنُ الذبيحَيْنِ.
كذا في الكشاف، قال الزيلعي وابن حجر في تخريج أحاديثه لم نجده بهذا اللفظ، وقال في المقاصد حديث ابن الذبيحين رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من حديث عبيد الله بن محمد العتبي قال حدثنا عبد الله بن سعيد عن الصنابجي قال حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابنَيْء إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فقال بعضهم الذبيح إسماعيل، وقال بعضهم بل إسحاق؟ فقال معاوية سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي يشكوجدب أرضه يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه، فقلنا لمعاوية من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم وأسهم بينهم، فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم، وقالوا له أرْضِ ربَّك، وافْدِ ابنك، ففداه بمائة ناقة فهوالذبيح، وإسماعيل الثاني، انتهى مع زيادة،
من هوالخبير بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟
أما عن هذا:
4ـ وقال العينيفي عمدة القاري:
((فان قلت: ورد في فضلته احاديث كثيرة
قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث يصح من طريق الاسناد، نصّ عليه اسحاق ابن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال: باب ذكر معاوية ولم يقل: فضيلة ولا منقبة
)) [4]
اقول:
انه الجهل المركب للرافضة
يستشهدون علينا باقوال الأشاعرة الذين طالما طبلوا وزمروا بهم وأنهم هم اهل السنة الحقيقيون ودونهم الباطل والكفر!
لكن الان صاروا وتحولوا في رمشة عين الى وهابية!!!
انظروا إلى الجهلة كيف بتروا النص في ماخور العقائد الذي ينهلون منه (وبخاصة حضرة صاحب السؤال الذي نسخ السؤال من هذا الموقع الكذاااب المدلس)؟
ورد في هذا الموقع الرافضي الكذااااب:
وقال ابن خلكان قال محمد بن إسحاق الأصبهاني سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك وكان يتشيع فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وداسوه!!!
لاحظتم الكذب والتناقض؟
هؤلاء هم معمموك مزورون مدلسون لا يملكون إلا التدليس والكذب للدفاع عن دينهم
حتى انهم لجؤوا الى الاستشهاد علينا بصوفية عقائدهم قريبة من عقائدهم.. !!
فضائل معاوية
أبوعبدالعزيز سعود الزمانان
الحمد لله الواحد القهار مكورِ الليلِ على النهار، الذي أوجب علينا تعظيم أصحاب نبيه المصطفيْن الأخيار، برأهم الله من كل وصمة وعار، وسقطة وعثار.
وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له، الكريم الغفار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله النبي المختار، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً متلازمين ما تعاقب الليل والنهار.
فله الحمد على أن هدانا للإسلام، شرح صدورنا للإيمان، وجعل قلوبنا مملوءة حبا وتقديرا وإجلالا وتعظيماً لصحابة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم}.
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لوأن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ".
وروى الإمام أحمد في الفضائل عن عبد الله بن عمر:" لا تسبوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلمقام أحدهم ساعة - يعني مع النبي - خير من عمل أحدكم أربعين سنة ".
وفي صحيح مسلم عن جابر قال:" قيل لعائشة أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أبا بكر وعمر قالت: وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر ".
- قال أبوزرعة:" إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق "
وقال الإمام أحمد:" إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام "
قال الطحاوي: " ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحدهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان "
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم وقاتلهم لهم وكلاهما في الحشر مرحومان والله يوم الحشر ينزع كلما تحوي صدورهم من الأضغان
أما بعد فهذه كلمات في فضل سيدنا أبي عبد الرحمن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الأموي - رضي الله عنه وأرضاه -، في مناقبه وحروبه، وفي الجوانب عن بعض الشبه التي استباح بسببها كثير من أهل البدع والأهواء، جهلا واستهتارا بما جاء عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في التحذير عن سب أوانتقاص أحد من أصحابه، لا سيما أصهاره وكتاب وحيه ومن بشّره بأنه سيملك أمته، ودعا له أن يكون هاديا مهديا.
ولا شك ولا ريب أن معاوية من أكابر الصحابة نسبا وقرباً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلماً وحلماً، فاجتمع لمعاوية شرف الصحبة وشرف النسب، وشرف مصاهرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وشرف العلم والحلم والإمارة، ثم الخلافة، وبواحدة مما ذكرنا تتأكد المحبة لأجلها فكيف إذا اجتمعت؟ وهذا كاف لمن في قلبه أدنى إصغاء للحق، وإذعان للصدق.
وقبل أن نتكلم عن هذا الموضوع ينبغي الإشارة إلى أن المبتدعة وخاصة الروافض يجادلون في المتشابه من القرآن أوالسنة، فإنهم هم أهل الزيغ، فهم يتركون الفضائل الثابتة في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأخذون بالمتشابه، وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {هوالذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوالألباب} قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " ح (2665).
قال الإمام النووي في شرح الحديث:" وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع، ومن يتبع المشكلات للفتنة، فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه، وجوابه واجب، وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صَبِيغ بن عَسْل حين كان يتبع المتشابه ".
فهؤلاء المبتدعة الكلام معهم لغوفأعرض عنهم أيها السني، وابذل جهدك فيما ينفعك الله به في الدنيا والآخرة.
- الأدلة على عدالة الصحابة من القرآن:
- {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كمثل زرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}.
- {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.
- {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}
- {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}.
- {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون).
- {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آمنوا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم}.
- {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوبُ فريقٍ منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم}.
- {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
- {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}
هومعاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أبوعبد الرحمن خال المؤمنين وكاتب وحي رسول رب العالمين.
وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
أسلم معاوية عام الفتح.
قال ابن كثير رحمه الله:" كان أبوه من سادات قريش، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم بعد ذلك حسن إسلامه، وكان له مواقف شريفة، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده، وصحب معاوية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب، وروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين " (8/ 55).
دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية:
صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاوية:" اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به ".
كان أحد من كتبوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -
أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم:" يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم "
في عهده فتحت قبرص وقاتل المسلمون أهل القسطنطينية:
أخرج البخاري في صحيحه:" أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا ".
قال سعيد بن عبد العزيز:" لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزوحتى اجتمعوا على معاوية، فأغزاهم مرات، ثم أغزى ابنه في جماعة من الصحابة براً وبحراً حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل " سير أعلام النبلاء 3/ 15.
شهادة ابن عباس له بالفقه:
في صحيح البخاري:" قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال إنه فقيه ".
وكان ابن عباس - رضي الله عنه - من فضلاء الصحابة، ومن آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويلقب: (البحر)، لسعة علمه، ويلقب (بحبر الأمة) و(بترجمان القرآن)، وقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعلم والحكمة والتأويل فاستجيب له، فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد فقيه، فلا ريب أنها شهادة لا تضاهيها شهادة،
قال ابن حجر:" هذه شهادة من حبر الأمة بفضله ".
ثناء ابن عمر - رضي الله عنه - على معاوية:
قال ابن عمر - رضي الله عنه:" ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية، قيل: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيراً منه، وكان هوأسود من عمر " رواه الخلال في السنة بسند صحيح. ومعنى أسود قيل: أسخى وأعطى للمال، وقيل: أحكم منه.
وذكر القاضي عياض - رحمه الله -: " أن رجلا قال: للمعافى بن عمران، عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية، فغضب وقال: لا يقاس أحد بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل ".
حرصه على اتباع السنة وكان يأمر الناس بالحديث وينهاهم عن مخالفته:
- قال ابن حجر - رحمه الله -:" كان إذا أتى المدينة وأُسمع من فقهائها شيئاً يخالف السنة، قال لأهل المدينة: أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كذا أورأيته يفعل كذا ".
- وأخرج البخاري عنه قال:" إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها يعني الركعتين بعد العصر "
- وأخرج مسلم عن عمروبن عطاء قال: " إن نافع بن جبير أرسله إلى السائب يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة فقال: نعم صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاة حتى تتكلم أوتخرج ".
من فضائله استخلاف عمر - رضي الله عنه - معاوية على الشام:
إن استخلاف عمر معاوية رضي الله عنهما على الشام، لاشك منقبة لمعاوية، لأن عمر كان شديد التحري في اختيار واصطفاء الأمراء الصالحين، وأقره على استخلافه عثمان بن عفان - رضي الله عنهم - فلم ينزله ولم يعزله.
قال الذهبي:" وقال خليفة: ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية، وأقره عثمان. قلت: حسبك بمن يُؤمِّره عمر، ثم عثمان على إقليم - وهوثغر - فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه... فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه... ، وكان محببا إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق، وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك " سير أعلام النبلاء 3/ 133.
من فضائله تسليم الحسن بن علي الخلافة إليه:
مما لا شك فيه أن تسليم الحسن بن علي الخلافة إليه مع أن أكثر من أربعين ألفاً بايعوا الحسن على الموت، فلم يكن أهلاً لها لمّا سلمها السبط الطيب إليه، ولحاربه كما حاربه أبوه - رضي الله عنهم أجمعين - وعن أولادهم.
حلمه وسؤدده:
عندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات، وكانت رعيته تحبه ويحبهم، قال قبيصة بن جابر:" ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية "
وقال بعضهم:" أسمع رجلٌ معاويةَ كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لوسطوت عليه، فقال إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد رعيتي ".
الشبه التي أثارها المبتدعة في حق معاوية:
· قالت الرافضة: معاوية خرج عن الحاكم وقاتل عليا يريد أن يستأثر بالخلافة وأن قتاله لعلي كفر وقد قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمار " تقتله الفئة الباغية ":
الجواب: الرد على ذلك من عدة وجوه:
أولاً: إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هوالأصل، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هوالكف والإمساك عما شجر بين الصحابة، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في العقيدة، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة لابن أبي عاصم، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني، والإبانة لابن بطة، والطحاوية، وغيرها.
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه الالتباس والتشويش والفتنة، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله، لصغر سنه أولحداثة عهده بالدين... لحقيقة ما حصل بين الصحابة، واختلاف اجتهادهم في ذلك، فيقع في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم.
وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف، وهي إلا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه عقولهم.
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا)). وقال علي رضي الله عنه: ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)).
وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك: ((وفيه دليل على ان المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة). (رواه مسلم).
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى…بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم وقاتلهم لهم وكلاهما…في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كلما…تحوي صدورهم من الأضغان
قال عبد الله بن الإمام أحمد: " حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال:" هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين ".
قال ابن تيمية: " وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته، ومراسيله من أصح المراسيل ". (منهاج السنة 6/ 236).
ثانياً: الخلاف بين علي ومعاوية هومقتل عثمان وليس من أجل الخلافة، كما يدعي الرافضة:
لما انتهى علي - رضي الله عنه - من أهل الجمل فقال: لا بد أن يبايع الآن معاوية، وجهز الجيش لمقاتلة معاوية أويبايع، وكان معاوية قد رفض البيعة.
فخرج علي بجيش قوامه 1.. ألف في صفين.
ومعاوية لم يطالب الحكم، فعن أبي مسلم الخولاني:" أنه دخل على معاوية فقال له: أنت تنازع علياً أأنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل وأحق ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً؟ وأنا ابن عمه وأنا أطلب بدمه فأتوا علياً فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأُسلِّم له الأمور، فَأَتوا عليا فكلموه فأبى عليهم ولم يدفع القتلة ". (وهذه الرواية إسنادها صحيح كما في تاريخ الإسلام للذهبي).
فهذا يؤكد على أن الخلاف بين علي ومعاوية هومقتل عثمان وليس من أجل الخلافة، كما يدعي الرافضة، والقضية اجتهادية، فلم يقل معاوية إنه خليفة ولم ينازع عليا الخلافة أبداً.
ثانياً: معاوية كان متأولاً وقد استند إلى النصوص الشرعية، والتي تظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين، وهوما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" يا عثمان ! إن ولاك الله هذا الأمر يوما، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه - قالها ثلاث مرات -:" وكان معاوية يقول إن ابن عمي قتل ظلماً وأنا كفيله والله يقول {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}.
ثالثاً: المتأول المخطئ مغفور له بالكتاب وبالسنة، قال تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أوأخطأنا} وثبت في الصحيح أن الله عز وجل
قال:" قد فعلت " (مسلم).وقال - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان " رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
رابعاً: تناقض الرافضة فهم يعظمون من قاتل مع علي - رضي الله عنه -، ويمدحون من قتل عثمان، مع أن الذم والإثم لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليا، فإن عثمان كان خليفة اجتمع الناس عليه، ولم يقتل مسلما.
خامساً: كان الصواب أن لا يكون فتالاً، وكان ترك القتال خير للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي - رضي الله عنه - كان أقرب للصواب إلى الحق من معاوية، والقتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين، ومع أن علياً كان أولى بالحق، وهذا القول هوقول الإمام أحمد وأكثر أهل الحديث وأئمة الفقهاء، وهوقول أكابر الصحابة - كما نقل ذلك شيخ الإسلام في المنهاج - وهوقول عمران بن حصين - رضي الله عنه - وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال، ويقول:" هوبيع السلاح في الفتنة " وهوقول أسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -.
سادساً: لذلك كان مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة، فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم، وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان، ومنه ما تاب صاحبه منه، ومنه ما يكون مفغورا، فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما، ويكون هوفي ذلك مخطئا بل عاصيا فيضر نفسه.
سابعاً: هذا القتال قتال فتنة، قال الزهري - رحمه الله -:" وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أومال أوفرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر ".
ثامناً: الكتاب والسنة دلت على أن الطائفتين مسلمون، وأن ترك القتال كان خيراً من وجوده قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فسماهم الله مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي.
- (يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار):
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير فضلاً عن معاوية وغيره. المنهاج (4/ 358).
- وقال رحمه الله عند الكلام على حديث " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ". حديث صحيح متفق عليه واللفظ للبخاري.
- قال: " وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وإن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، وأن الداعي إلى مقاتلته داع إلى النار، وهودليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أوباغ بلا تأويل وهوأصح القولين لأصحابنا، وهوالحكم بتخطئة من قاتل علياً وهومذهب الأئمة والفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين ". مجموع الفتاوى 4/ 437.
- وقال رحمه الله:" ثبت بالكتاب والسنة إجماع السلف.