خروج معاوية على الحاكم
· قالت الرافضة: معاوية خرج عن الحاكم وقاتل عليا يريد أن يستأثر بالخلافة وأن قتاله لعلي كفر وقد قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمار " تقتله الفئة الباغية ":
الجواب: الرد على ذلك من عدة وجوه:
أولاً: إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هوالأصل، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هوالكف والإمساك عما شجر بين الصحابة، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في العقيدة، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة لابن أبي عاصم، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني، والإبانة لابن بطة، والطحاوية، وغيرها.
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه الالتباس والتشويش والفتنة، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله، لصغر سنه أولحداثة عهده بالدين. . . لحقيقة ما حصل بين الصحابة، واختلاف اجتهادهم في ذلك، فيقع في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم.
وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف، وهي إلا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه عقولهم.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا. وقال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله.
وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك: وفيه دليل على ان المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم.
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم وقاتلهم لهم وكلاهما في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كلما تحوي صدورهم من الأضغان
قال عبد الله بن الإمام أحمد: " حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال:" هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين ".
قال ابن تيمية: " وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته، ومراسيله من أصح المراسيل ". منهاج السنة 6/ 236.
ثانياً: الخلاف بين علي ومعاوية هومقتل عثمان وليس من أجل الخلافة، كما يدعي الرافضة:
لما انتهى علي - رضي الله عنه - من أهل الجمل فقال: لا بد أن يبايع الآن معاوية، وجهز الجيش لمقاتلة معاوية أويبايع، وكان معاوية قد رفض البيعة.
فخرج علي بجيش قوامه 1.. ألف في صفين.
ومعاوية لم يطالب الحكم، فعن أبي مسلم الخولاني:" أنه دخل على معاوية فقال له: أنت تنازع علياً أأنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل وأحق ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً؟ وأنا ابن عمه وأنا أطلب بدمه فأتوا علياً فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأُسلِّم له الأمور، فَأَتوا عليا فكلموه فأبى عليهم ولم يدفع القتلة ". وهذه الرواية إسنادها صحيح كما في تاريخ الإسلام للذهبي.
فهذا يؤكد على أن الخلاف بين علي ومعاوية هومقتل عثمان وليس من أجل الخلافة، كما يدعي الرافضة، والقضية اجتهادية، فلم يقل معاوية إنه خليفة ولم ينازع عليا الخلافة أبداً.
ثانياً: معاوية كان متأولاً وقد استند إلى النصوص الشرعية، والتي تظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين، وهوما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" يا عثمان ! إن ولاك الله هذا الأمر يوما، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه - قالها ثلاث مرات -:" وكان معاوية يقول إن ابن عمي قتل ظلماً وأنا كفيله والله يقول {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}.
ثالثاً: المتأول المخطئ مغفور له بالكتاب وبالسنة، قال تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أوأخطأنا} وثبت في الصحيح أن الله عز وجل
قال:" قد فعلت " مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان " رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
رابعاً: تناقض الرافضة فهم يعظمون من قاتل مع علي - رضي الله عنه -، ويمدحون من قتل عثمان، مع أن الذم والإثم لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليا، فإن عثمان كان خليفة اجتمع الناس عليه، ولم يقتل مسلما.
خامساً: كان الصواب أن لا يكون فتالاً، وكان ترك القتال خير للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي - رضي الله عنه - كان أقرب للصواب إلى الحق من معاوية، والقتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين، ومع أن علياً كان أولى بالحق، وهذا القول هوقول الإمام أحمد وأكثر أهل الحديث وأئمة الفقهاء، وهوقول أكابر الصحابة - كما نقل ذلك شيخ الإسلام في المنهاج - وهوقول عمران بن حصين - رضي الله عنه - وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال، ويقول:" هوبيع السلاح في الفتنة " وهوقول أسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -.
سادساً: لذلك كان مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة، فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم، وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان، ومنه ما تاب صاحبه منه، ومنه ما يكون مفغورا، فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما، ويكون هوفي ذلك مخطئا بل عاصيا فيضر نفسه.
سابعاً: هذا القتال قتال فتنة، قال الزهري - رحمه الله -:" وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أومال أوفرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر ".
ثامناً: الكتاب والسنة دلت على أن الطائفتين مسلمون، وأن ترك القتال كان خيراً من وجوده قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فسماهم الله مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي.
- يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار:
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير فضلاً عن معاوية وغيره. المنهاج 4/ 358.
- وقال رحمه الله عند الكلام على حديث " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ". حديث صحيح متفق عليه واللفظ للبخاري.
- قال: " وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وإن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، وأن الداعي إلى مقاتلته داع إلى النار، وهودليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أوباغ بلا تأويل وهوأصح القولين لأصحابنا، وهوالحكم بتخطئة من قاتل علياً وهومذهب الأئمة والفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين ". مجموع الفتاوى 4/ 437.
- وقال رحمه الله:" ثبت بالكتاب والسنة إجماع السلف