مارايكم في قول أن لفظ (لم يبايع ستة أشهر) مدرج؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
وبعد
يرى الإمام البيقهي رحمة الله أن لفظ: (فلم يبايعه علي ستة أشهر) (أدرجه بعض الرواة في الحديث في قصة فاطمة رضي الله عنهم، وحفظه معمر بن راشد فرواه مفصلا وجعله من قول الزهري منقطعا من الحديث)
وهذا هولفظ معمر ولكن بالنظر لأخر اللفظ سنجد ما يخالف قول البيهقي رحمة الله:
(قالت عائشة: وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوه، فلما توفيت فاطمة، انصرفت وجوه الناس عنه، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفيت، قال معمر: فقال رجل للزهري: فلم يبايعه على ستة أشهر؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي، ....... فقام علي، فحمد الله وأثنى عليه بما هوأهله، ثم قال: أما بعد، يا أبا بكر فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكار لفضيلتك)
إننا نجد أن علي يقول لابوبكر رضي الله عنهما: (يا أبا بكر فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكار لفضيلتك)
وهذا بلا شك ليس بمدرج أولا مجال لان يدرج في كلام علي رضي الله عنة.
فعلي رضي الله عنة يقول قاصداً نفسة في المقام الأول (لم يمنعنا أن نبايعك) أي منذوا أن وليت الخلافة أي قبل ستة أشهر.
فهذه اللفظة تثبت أنة لم يبايع منذوا ستة أشهر مع ما جاء عن عقيل بن مسلم عند البخاري ومسلم
وشعيب بن أبي حمزة عند إبن حبان كليهما عن الزهري بلفظ: (ولم يكن بايع تلك الأشهر).
فالقول بأن علي لم يبايع إلا بعد موت فاطمة هوقول عائشة رضي الله عنهم وليس قولاً مدرجاً للزهري.
فما رأيكم؟
رد: مارايكم في قول أن لفظ (لم يبايع ستة أشهر) مدرج؟
بسم الله الرحمن الرحيم
افيدونا يرحمكم الله
تطرقتُ لهذه المسألة في كتابي «ترياق السموم لإبطال فرية الهجوم» وهوبحث حديثي يقع في 7.. صفحة تقريباً، ويتناول بالنقد العلمي روايات عن هجوم بعض الصحابة على بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها، ويزيف مزاعم الشيعة حول ذلك. ورغم إتمامه منذ سنوات لم تتجه همتي لنشره لكثرة الشواغل. فأكتفي هنا بنقل ما يتعلق بهذه المسألة منه ..
قلت فيه بشأن هذه المسألة:
«جعل معمر بن راشد في روايته جملة (ولم يكن بايع تلك الأشهر) من كلام الزهري، فكان سياقه للحديث كالتالي:
«وكان لعلي من الناس ـ حياة فاطمة ـ حبوة؛ فلما توفيت فاطمة [رضوان الله عليها] انصرفت وجوه الناس عنه [حتى أنكرهم]. فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثم توفيت.
قال معمر: فقال رجل للزهري: [أ] فَلَمْ يبايعه علي ستة أشهر؟! قال: لا، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي.
«فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه أسرع [عند ذلك] إلى مصالحة أبي بكر، فأرسل إلى أبي بكر .. »، وذكر بقية الحديث.
وعلق البيهقي على حديث معمر بقوله:
«وقول الزهري في قعود علي عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها: منقطع؛ وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مبايعته إياه حين بويع بيعة العامة بعد السقيفة أصح، ولعل الزهري أراد قعوده عنها بعد البيعة، ثم نهوضه إليها ثانياً، وقيامه بواجباتها، والله أعلم» انتهى.
فتضمن كلام البيهقي رحمة الله عليه أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بايع أبا بكر مرتين:
ـ يوم بيعة العامة، يعني في اليوم التالي لاجتماع السقيفة
ـ ومرة أخرى بعد وفاة فاطمة رضي الله تعالى عنها لتأكيد الأولى.
واستدل البيهقي لدعواه هذه بأمرين:
أحدهما: أن جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» في حديث عائشة هي من كلام الزهري، أدرجها الرواة في أصل الحديث. وقد جاء في رواية معمر ما يشير إلى أنها مرسلة، فلا حجة فيها.
والأمر الثاني: أن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مبايعة علي لأبي بكر يوم بيعة العامة بعد اجتماع السقيفة أصح من كلام الزهري في هذه المسألة.
وكأن البيهقي حين حكم على جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» بالإرسال، صرف نظره عن بقية حديث عائشة وألفاظه واستروح بحديث أبي سعيد!
فحكمه على جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» بالإرسال وإن كان صواباً باعتبار ذلك الموضع من المتن، إلا أن في أصل الحديث مواضع أخرى تدفع مجموعها بقوة في اتجاه التأكيد على نفي مبايعة علي لأبي بكر قبل وفاة فاطمة؛ وهي مواضع من صلب الحديث لم يقع عليها اختلافٌ من الرواة والنقلة:
أحدها: قول علي يخاطب أبا بكر:
«أما بعد يا أبا بكر، فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكار لفضيلتك، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك، ولكنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً، فاستبددتم به علينا».
وهذا لفظ معمر الذي احتج به البيهقي، وهوصريحٌ في أن علياً لم يكن بايع قبل ذلك.
الموضع الثاني: يؤكد هذا المعنى قول علي في رواية صالح بن كيسان:
« .. ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقول به علينا، فوجدنا في أنفسنا! وقد رأيتُ أن أبايع وأدخل فيما دخل فيه الناس».
وفي هذا الكلام دلالة على أن علياً قبل المصالحة لم يكن داخلاً «فيما دخل فيه الناس».
الموضع الثالث: سياق خطبة أبي بكر عشية يوم المصالحة، فقد جاء في رواية عقيل بن خالد وشعيب السابقة:
«فلما صلى أبوبكر صلاة الظهر، رقى على المنبر فتشهد، وذكر شأن علي [بن أبي طالب] وتخلفه عن البيعة، وعَذَرَه بالذي اعتذر إليه».
وهذا أيضاً صريح في أن علياً تخلف عن البيعة العامة، وأما قول البيهقي بأن الزهري إنما أراد بالتخلف قعوده عن القيام بواجبات البيعة: فبعيد، لأن العتاب كان سينصبُّ حينئذٍ على تلك الواجبات التي فاتت علياً، ولم يكن لذكر التخلف عن البيعة معنى!
الموضع الرابع: زاد صالح في روايته عقب حكاية المبايعة:
«فلا يُرى مثل ما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً، فقد أحسنتَ وأجملتَ، حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم! فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف».
وهذا يعني أنه قبل هذه البيعة لم يكن دخل بعد فيما دخل فيه الناس.
وخلاصة الكلام: أن هذه المواضع التي ذكرناها هي من أصل الحديث، ولم يقع عليها اختلافٌ من الرواة، صرف البيهقي نظره عنها، مع أنها كلها تؤكد ـ كما قلت ـ نفي مبايعة علي لأبي بكر قبل وفاة فاطمة. فهذا يعني أن جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» وإن كانت صورتها صورة المرسل إلا أن لها حكم الاتصال» انتهى.
أرجوأخي الكريم أن أكون في هذه السطور قد أجبتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه القضية تناولها عبد الفتاح سرور في كتابه «تسديد الملك لحكم أبي بكر في فدك»
وهومبحث لطيف في بيان «مرويات فدك»، وتسديد الله تعالى وتوفيقه لأبي بكر في تنفيذ حكم الله ورسوله، وفيه رد على ما اتخذه الروافض سلما للطعن في الصديق، وقد أورد فيه طرق الرواية وشواهدها، وصحح غلطا تاريخيا في وقت مبايعة علي، وكونه بايع في الوقت، ولم يتأخر عن بقية الصحابة.
وأقتطع منه هذا الجزء الخاص بالمبايعة -وذلك بعد إثبات إدراج قول القائل: ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر في الفصل السابق-:
الفصل الثاني: مبايعة علي للصديق.
المبحث الأول: متى بايع علي.
المبحث الثاني: روايات الهجوم على بيت فاطمة باختصار.
المبحث الثالث: مبايعة علي للصديق من كتبهم.
المبحث الرابع: الإجماع على خلافة الصديق.
ص 5.
المبحث الأول
متى بايع علي
الدليل على مبايعة علي مع الناس:
قد سبق في رواية الصحيحين ورود عبارات تفيد أن عليا تأخر مدة ستة أشهر حتى بايع، واعتبر عامة المتكلمين في هذه المسالة أن هذا القول من كلام عائشة لذا أخذوا به وحاولوا توجيه هذا الصنيع بما يتوائم ومكانة الصحابة فظن أهل السنة بعلي خيرا أما الشيعة فاعتبروه نوعا من رفض البيعة للصديق بل منهم من قال إنه لم يبايع قط ومنهم من قال إنه بايع مكرها ملببا -يعني والحبل في رقبته - ورووا في ذلك روايات متناقضة كعادتهم وقد وردت روايات صحيحة عن أبي سعيد الخدري وعمر ومرسل إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف تؤكد أن عليا باع راضيا مع الصحابة في أول الوقت ولم يتأخر، منها:
حدبث أبي سعيد الخدري قال: قبض رسول الله، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبوبكر، وعمر قال: فقام خطيب الأنصار، فقال: أتعلمون أن رسول الله كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لوقلتم على غير هذا لم نبايعكم، وأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم، فبايعوه، فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار. قال: فصعد أبوبكر المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا بالزبير، فجاء، فقال: قلت ابن عمة رسول الله وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه القوم، فلم ير عليا، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت ابن عم رسول الله، وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا
ص 51
المسلمين؟! قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه، هذا أومعناه.
قلت: هذا حديث جليل، أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4457)، وعنه البيهقي في «الكبرى» (8/ 143)، وفي «الاعتقاد» (ص 349)، وابن عساكر (3./ 277) من طرق عن وهيب ثنا داود بن أبي هند ثنا أبونضرة عن أبي سعيد الخدري قال: لما توفي. . . فذكره
واختلف فيه على داود بن أبي هند: فرواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1292) حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى نا داود بن أبي هند عن أبي نضرة قال: لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: ما لي لا أرى عليا. . .
هكذا مرسل بدون أبي سعيد، يعني اختلف وهيب، وعبد الأعلى، وكلاهما ثقة، ووهيب، وهوابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبوبكر البصري أوثق منه، ففي «تهذيب الكمال» (31/ 166) عن الفضل بن زياد، سألت أحمد بن حنبل عن وهيب وإسماعيل بن علية أيهما أحب إليك إذا اختلفا؟ قال: كان عبد الرحمن يختار وهيبا على إسماعيل.
قلت: في حفظه؟ قال: في كل شيء، وإسماعيل ثبت. وقال معاوية بن صالح: قلت ليحيى بن معين: من أثبت شيوخ البصريين؟ قال: وهيب بن خالد، مع جماعة سماهم.
وقال علي بن المديني عن عبد الرحمن بن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث، والرجال
وهوالرابع من حفاظ البصرة بعد شعبة وحماد بن سلمة. كما في "الجرح والتعديل" (9/ 34).
قلت: فلا شك أن روايته مقدمة علي عبد الأعلى.
ولك في هذا وجهان:
1 - إما اعتبارهما متساويين في الثقة ووهيب زاد، فزيادته مقبولة كما نص الحفاظ على قبول
زيادة الحافظ على الحافظ منهم مسلم والبخاري والرازيان والبزار وغيرهم
2 - الترجيح بينهما ولاشك في تقديم وهيب، لا سيما، وقد رواه علي بن عاصم
ص 52
نا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد موصولا كما في "تاريخ دمشق" (3./ 278)، فهذا مما يرجح الوصل دون شك، لذا قال ابن كثير في «البداية» (5/ 249): «وقد رواه على بن عاصم عن الجريري عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري، فذكر نحوما تقدم، وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب, أما في أول يوم , أوفي اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب، لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه».
ذكر من صحح الحديث:
1 - الإمام مسلم -وإن لم يخرجه-، فقد جاء في «سنن البيهقي الكبرى» (8/ 143) قال أبوعلي الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأت عليه فقال كهذا حديث يسوي بدنة فقلت يسوي بدنة بل هويسوي بدرة
2 - الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (5/ 249) وقد مضى كلامه
3 - ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (1/ 43): «ثم هذا الحديث فيه التصريح بتأخر بيعة علي إلى موت فاطمة فينافي ما تقدم عن أبي سعيد أن عليا والزبير بايعا من أول الأمر لكن هذا الذي مر عن أبي سعيد من تأخر بيعته هوالذي صححه ابن حبان وغيره
4 - الحافظ ابن حجر في «الفتح» (7/ 495) قال: وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري، لم يسنده. وأن الرواية الموصولة عن
ص 53
أبي سعيد أصح».
قلت: وقوله: «وقد صحح ابن حبان. . .». لعله سبق، فلم يخرجه ابن حبان، وهوالمقصود من هذا القول.
5 - الصالحي الشامي في «سبل الهدى والرشاد» قال: وروى البلاذري والبيهقي - بإسناد صحيح - من طريقين، عن أبي سعيد أن أبا بكر لما صعد المنبر. . .
وللحديث شواهد:
الأول: أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4422)، وعنه البيهقي في «الاعتقاد» (ص 35.) عن طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم قام أبوبكر, فخطب الناس واعتذر إليهم، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط، ولا كنت فيها راغبا، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرا عظيما ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم، فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به، قال علي رضي الله عنه والزبير: ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه وكبره، ولقد أمره رسول الله بالصلاة بالناس وهوحي»
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
وقال البيهقي: «وكذلك رواه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة، وكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي.
قلت: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من رجال الستة إلا الترمذي، وهوتابعي كبير ثقة له إدراك كما جاء في «تهذيب الكمال» (2/ 135) قال أحمد بن
ص 54
عبد الله العجلي: تابعي ثقة، وقال محمد بن عمر الواقدي: لا نعلم أحدا من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعا غيره، وكذلك قال يعقوب بن أبي شيبة، وزاد يعد في الطبقة الأولى من التابعين، وكان ثقة توفي سنة ست وقيل سنة خمس وتسعين، وهوبن خمس وسبعين، فالسند صحيح متصل.
وذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/ 364)، وابن كثير في"البداية والنهاية" (9/ 417):
((وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم، حدَّثني أبي: (أنَّ أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأنَّ محمد بن مسلمة كسَر سيفَ الزبير، ثمَّ خطب أبوبكر، واعتذر إلى الناس، وقال: والله! ما كنتُ حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة،. . .
وقال ابن كثير (5/ 25..): «إسناد جيّد».
ومغازي موسى أصح المغازي، كما قال أحمد، والخطيب.
=الشاهد الثاني:
رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (37.45)، والقطيعي في «زوائده على فضائل الصحابة 532) عن محمد بن بشر، نا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله، كان علي، والزبير، يدخلان على فاطمة بنت رسول الله، فيشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: «يا بنت رسول الله، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي، إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ; أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت»، قال: فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله، ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم، ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر».
ص55
قلت: وهذه الرواية يرويها الروافض فيزيدون عليها ما يشهد القلب، والعقل ببطلانه، وهذا سند رجاله ثقات، وظاهره الإرسال لكن يحمل على تلقي أسلم مولى عمر هذا منه، وإن كان يمكن القدح فيه فلعنعنة زيد ابنه؛ فإنه مدلس.
وفي "شرح نهج البلاغة" (12/ 266): وقال -يعني أبوعلي المعتزلي-: ولا يمتنع ان يقول ذلك على طريق التهديد، وإن بعد عنده ان يقدموا عليه، كما قال تعالى: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] {الزُّمر: 65}، وفي "شرح نهج البلاغة" (2./ 35) وأما ما ذكره - يعني المرتضى -من الهجوم على دار فاطمة وجمع الحطب لتحريقها فهوخبر واحد غير موثوق به، ولا معول عليه في حق الصحابة، بل ولا في حق أحد من المسلمين ممن ظهرت عدالته.
ومن الروايات الضعيفة لهذه القصة:
1 - رواية البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي في «أنساب الأشراف» (1/ 586،): في ضمن بحث مفصل عن أمر السقيفة: أبوالحسن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، وعن ابن عون: أن أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع, فجاء عمر، ومعه قبس فتلقته فاطمةُ على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. .!! وجاء علي، فبايع وقال: كنتُ عزمتُ أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن».
قلت: هذا سند شدبد الإعضال، ابن عون، هوعبدالله بن عون، توفي سنة 15. أو151 سليمان بن طرخان التيمي أبوالمعتمر، توفي سنة 143هـ، ومسلمة بن محارب مجهول، والمدائني أخباري تالف.
وتلمح في المتن أثر الروايات الشيعية وذلك في قول الراوي: «كنتُ عزمتُ أن لا أخرج من
منزلي حتى أجمع القرآن». وهذا كذب قد روجوا له.
2 - رواية للطبري في "تاريخه" (2/ 233) بسند ضعيف، قال: حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب، منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: واللّه
ص 56
لأحرقنّ عليكم، أولتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف، فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه، فأخذوه.
قلت: ابن حميد اسمه محمد هوالرازي، يكثر عنه الطبري، وهوضعيف على أحسن أحواله
، ومغيرة مدلس، وزياد بن كليب لم يدرك عمر بل هومن أتباع التابعين لذا جعله الحافظ في «التقريب» (2.96) من السادسة ومات سنة تسع عشرة أوعشرين يعني ومائة.
وفي «تاريخ الطبري» أيضا (2/ 236) حدثنا عبيدالله بن سعد قال أخبرني عمي قال أخبرني سيف عن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان علي في بيته إذ أتي فقيل له قد جلس أبوبكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه، ثم جلس إليه، وبعث إلى ثوبه، فأتاه، فتجلله، ولزم مجلسه.
قلت: سيف هوابن عمر الإخباري التالف. وحبيب لم يسمع من علي، لكن للمتن شواهد بها يصح.
من هنا يظهر خطأ من قال: علي والعباس، والزبير، تخلفوا عن البيعة، مثل ابن عبد ربه شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفّى عام 463هـ) في «العقد الفريد»، حيث عقد فصلاً لما جرى في سقيفة بني ساعدة، وقال: تحت عنوان «الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر»: «علي والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليُخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أوتدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة».
قلت: هكذا زاد من كيسه في الرواية بلا سند، ولا مستند، وكتاب «العقد الفريد»، كتاب أدبي، لا حجة فيه، وأكثره بلا أسانيد.
المبحث الثاني
روايات الهجوم على بيت فاطمة باختصار:
1 - رواية أبي الأسود -وهومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد -:
مخرجة في «السقيفة وفدك» للجوهري، وعنه ابن أبي الحديد (6/ 47.) حدثني أبوزيد عمر بن شبة، قال: حدثني ابراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي، والزبير، فدخلا بيت فاطمة،. . . وفيه: ثم قام أبوبكر، فخطب الناس، فاعتذر إليهم، وقال: أن بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها، وخشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط، ولا سألتها الله في سر، ولا علانية قط، ولقد قلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يدان، ولقد وددت أن أقوى الناس عليه مكاني. فقبل المهاجرون، وقال على والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة، وأنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة، وهوحى.
قلت: وهذا سند لا حجة فيه، ابن لهيعة، الراجح من حاله أنه ضعيف، وفوق ذلك، فقد رمي بالتدليس.
وأبوالأسود، هومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي المدني، يتيم عروة، وهوثقة، لكن لا يصح له سماع من الصحابة لذا جعله الحافظ من السادسة مات بعد سنة 13.، فسنده معضل.
2 - مرسل ابن شهاب الزهري:
في "شرح نهج البلاغة" (6/ 48) قال أبوبكر الجوهري في «السقيفة»
ص 58
: وذ كر ابن شهاب أن ثابت بن قيس بن شماس أخا بنى الحارث من الخزرج، كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة. قال: وروى سعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم، وأن محمد بن مسلمة كان معهم، وأنه هوالذى كسر سيف الزبير.
قلت: وهذا مع إرساله، فهومعلق.
3 - رواية رجال مجاهيل، جاءت في «السقيفة»:
قال أبوبكر: وحدثني أبوزيد عمر بن شبة، عن رجاله، قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الانصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذى نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أولاحرقن البيت عليكم. فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاعتنقه زياد بن لبيد الانصاري ورجل آخر، فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر، فكسر، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا، حتى بايعوا أبا بكر.
قلت: وهذا معلق من جهة، ومرسل من حهة أخرى
4 - رواية من مراسيل الشعبي:
قال أبوبكر في السقيفة: وأخبرني أبوبكر الباهلى، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبى، قال: قال أبوبكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هوهذا، فقال: انطلقا إليهما - يعنى عليا والزبير - فأتيانى بهما، فانطلقا،. . . وفيه: قال: فلما بايع على والزبير، وهدأت تلك الفورة، مشى إليها أبوبكر بعد ذلك فشفع لعمر، وطلب إليها، فرضيت عنه.
قلت: سنده ضعيف، إسماعيل بن مجالد، قال الحافظ في «تقريب التهذيب» (476): «صدوق يخطىء». والشعبي لا بصح له إدراك للقصة، ولا لرواتها.
ص 59
وقال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» (2/ 59.): «وأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرساله قنفد إلى بيت فاطمة، وأنه ضربها بالسوط، فصار في عضدها كالدملج، وبقي أثره إلى أن ماتت، وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار، فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، وألقت جنينا ميتا، وجعل في عنق علي حبل يقاد به، وهويعتل وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور، وابناه حسن وحسين معهما يبكيان، وأن عليا لما أحضر سألوه البيعة فامتنع فتهدد بالقتل فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله فقالوا: أما عبد الله فنعم، وأما أخورسوله فلا، وأنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق. ولتنظر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها وأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، فكله لا أصل له عند أصحابنا ولا يثبته أحد منهم ولا رواه أحد ولا نعرفه، وإنما هوشئ تنفرد الشيعة بنقله».
ص 6.
المبحث الثالث
مبايعة علي من كتبهم:
كما قلنا من قبل إن القوم يريدون صنع التاريخ في معاملهم الخاصة، فيزيدون فيه ما يوافق مشربهم، ويحذفون منه ما لا يتوائم معهم، ويختلقون أشخاصا، ويميتون أحياء، ويجعلون المتواتر آحادا، والآحاد متواترا، وهذا من معجزات القوم التي يعجزعن عمل عشرها عباقرة أهل السنة، واستمرارا على منهجهم في التناقض، فقد زعموا تواتر عدم مبايعة علي، وبني هاشم، مع أنهم يررون روايات متضافرة متظافرة في مبايعته، لكن مكرها والحبل في عنقه، وذلك في مروياتهم في الهجوم على بيت فاطمة وإحراقه وكسر ضلعها وإسقاط جنينها. . . الخ هذه الأباطيل.
-فزعم مرتضى العسكري في كتابه «معالم المدرستين» (1/ 125) قال: وقد تواتر حديث تخلّف عليّ ومن معه عن بيعة أبي بكر وتحصّنهم بدار فاطمة في كتب السير، والتواريخ، والصِّحاح والمسانيد، والأدب، والكلام، والتراجم،
وجاء في «الدرجات الرفيعة» (ص 197): «وروى غير واحد أن عليا وسائر بنى هاشم، لم يبايعوا أبا بكر ستة أشهر حتى بايع على مكرها، فبايع بنوهاشم، وذكروا أن اثني عشر صحابيا لم يبايعوا، وأنكروا على أبي بكر جلوسه في كرسي الخلافة، فقالوا: لقد تواتر حديث تخلّف علي رضي الله عنه ومن معه عن بيعة أبي بكر، وتحصّنهم بدار فاطمة عليها السلام في كتب السير والتواريخ والصّحاح والمسانيد والأَدب والكلام والتراجم، غير أنّهم لمّا كرهوا ما جرى بين المتحصّنين والحزب الظافر لم يفصحوا ببيان حوادثها إلاّ ما ورد ذكره عفواً. وذكر المؤرخون في عداد من تخلّف عن بيعة أبي بكر وتحصّن بدار فاطمة عليها السلام مع علي رضي الله عنه والزبير كل من:
ص61
1 ـ العباس بن عبدالمطلب.
2 ـ عتبة بن أبي لهب.
3 ـ سلمان الفارسي.
4 ـ أبوذر الغفاري.
5 ـ عمار بن ياسر.
6 ـ المقداد بن الاَسود.
7 ـ البراء بن عازب.
8 ـ أُبيّ بن كعب.
9 ـ سعد بن أبي وقاص.
1. ـ طلحة بن عبيدالله.
وجماعة من بني هاشم، مع جمعٍ من المهاجرين والأنصار.
قلت: وهؤلاء المذكورة أسماؤهم اعتمادا على رواية باطلة لهم:
أخرجها الصدوق في «الخصال» (2/ 465) تحت عنوان الذين أنكروا على أبى بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي ابن أبى طالب رضي الله عنه اثناعشر:
4 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني النهيكي قال، حدثنا أبومحمد خلف بن سالم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه اثنى عشر رجلا من المهاجرين والانصار وكان من المهاجرين خالد بن سعيد ابن العاص، والمقداد بن الاسود وابي بن كعب وعمار بن ياسر وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود وبريدة الاسلمي وكان من الانصار خزيمة بن - ثابت ذوالشهادتين وسهل
. . .
قلت: وهذا سند لا يصح محمد بن جعفر هوغندر وشيخه شعبة كلاهما من
ص 62
العامة، -كما في «معجم الخوئي» (5728) شعبة بن الحجاج: ابن الورد أبوبسطام الأزدي العتكي الواسطي: أسند عنه، من أصحاب الصادق رضي الله عنه، رجال الشيخ (17).
عثمان بن المغيرة، لم أجده، وخلف بن سالم، لم أجده كذلك، وعبدالله بن محمد النهيكي:
قال النجاشي: ثقة، قليل الحديث، فظهر أن هذا من الأكاذيب الكبرى في المسألة والتناقضات الرهيبة التي مقتضاها الحكم بكذب ما رووه من إكراهه على المبايعة وجره اليها والحبل في عنقه، ومع ذلك تروي كتب الشيعة أن المذكورين قد بايعوا ولكن مكرهين كما يفترون
= وجاء في حديث قنفذ الذي يرويه سليم بن قيس في عدة صفحات وذكره الطبرسي في «الاحتجاج» (ص 111) قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا في عنقي حتى تركوه كالسلعة، ثم أخذوا يدي، فبايعت مكرها، ثم بايع أبوذر والمقداد مكرهين، وما من أحد من الأمة بايع مكرها غير علي وأربعتنا، ولم يكن منا أشد قولا أحد من الزبير؛ فإنه لما بايع قال: يا ابن صهاك أما، والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول، فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟،
».
وجاء في «البحار» (71/ 252)، وفي «الاختصاص» (185) وصدر السند في (ص 16. و144)، وفي «تفسير العياشى» (2/ 67) من طريقين عن عمروبن أبى المقدام عن أبيه، عن جده قال: ما أتى على علي رضي الله عنه يوم قط أعظم من يومين أتياه فأما أول يوم فيوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأما اليوم الثاني فوالله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه قال: فأخرجوه من منزله ملببا ومروا به على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فسمعته يقول: " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني وجلس أبوبكر في سقيفة بنى ساعدة، وقدم علي رضي الله عنه، فقال له عمر: بايع، فقال له علي
ص 63
رضي الله عنه: فإن أنا لم أفعل فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب والله عنقك، فقال له على: إذا والله أكون عبد الله المقتول، وأخا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عمر: أما عبد الله المقتول، فنعم، وأما أخورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا، حتى قالها ثلاثا، فبلغ ذلك العباس بن عبد - المطلب، فأقبل مسرعا يهرول، فسمعته يقول: ارفقوا بابن أخي، ولكم علي أن يبايعكم فأقبل العباس وأخذ بيد علي رضي الله عنه فمسحها على يد أبي بكر، ثم خلوه مغضبا».
قلت: عَمْرُوبن أبُي المِقْدام، جاء في «الرجال» لابْنِ الغَضائِري (22) عَمْرُوبنُ ثابِت بن هُرْمُز، أبُوالمِقْدام، الحَدّاد، مولى بني عِجْل كُوْفيٌّ. روى عن عليّ بن الحُسَيْن، وأبي جَعْفَر، وأبي عَبْداللَّه (ع) ضَعِيْفٌ جِدّاً، لكن في «رجال ابن داود» (11.9) عمروبن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحذاء مولى بني عجل ممدوح، وروي أن أبا عبد الله رضي الله عنه شهد له بأنه من الحاج.
وذكره مرة أخرى (362.): عمرو، بالواو، كذا بخط الشيخ رحمه الله، ابن أبي المقدام ثابت بن هرمز، بالراء والزاي العجلي مولاهم طعنوا عليه من جهة وليس عندي كمازعموا، وهوعندي ثقة
- وأبوه جاء في «رجال ابن داود» (283) ثابت بن هرمز أبوالمقدام الفارسي الحدادى مهمل وفيه غمز ذكر لاجله في الضعفاء.
وفي موضع آخر زاد: زيدي بتري
وفي «معجم الخوئي» (4/ 3.6) وذكره الكشي، عند تعرصه للبترتة، بعد ترجمة أبي الضبار (1.8) رواية عن الصادق رضي الله عنه، أنه قال رضي الله عنه: " لوأن البترتة صف واحد بين المشرق والمغرب، ما أعز الله بهم دنيا (دينا) ".
- وجاء في «البحار» (71/ 39.) وروى إبراهيم بن سعيد الثقفى عن أحمد بن عمروالبجلي، عن أحمد بن حبيب العامري، عن حمران بن أعين عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته».
ص 64
- وقال المفيد في «الجمل» (1/ 4.) وجاءت الأخبار متظافرة بإنكار الزبير بن العوام لبيعة أبي بكر وخروجه بالسيف مصلتا للقتال، فتكاثر القوم عليه حتى أخذوه من يده، وضربوه بالأحجار، فكسروه، وجاءوا به ملببا لأبي بكر حتى بايع مكرها على غير اختيار.
ويقرر بحر العلوم في «الفوئد» ذلك أيضا (3/ 328) حتى بلغه وفاة رسول الله، فترك ما في يده، وأتى المدينة، ولزم عليا - رضي الله عنه. - ولم يبايع أبا بكر حتى أكره أمير المؤمنين - رضي الله عنه - على البيعة، فبايع مكرها.
قلت: ولا يهمنا ما يختلقونه من كونه بايع مكرها؛ فإنهم ينكرون أنه بايع في الوقت، ولم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة، وهذه الروايات، وأقوال علمائهم تكذبهم، بل يقرر المفيد كما سبق أن الأخبار في ذلك متظافرة، وقال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» (2/ 21): "اختلفت الروايات في قصة السقيفة، فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدثين بعضه، ورووا كثيراً منه - أن علياً رضي الله عنه امتنع من البيعة حتى أخرج كرهاً،. . . وقيل: إنهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه. وقد روى أبوجعفر محمد بن جرير الطبري كثيراً من هذا. فأما حديث التحريق، وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال إنهم أخذوا علياً رضي الله عنه، يقاد بعمامته والناس حوله؛ فأمر بعيد والشيعة تنفرد به».
وفي «الكافى» (8/ 295)، وعنه «البحار» (28/ 255/ 454) عن غير واحد، عن أبان، عن الفضيل، عن زرارة، عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبابكر لم يمنع أمير المؤمنين رضي الله عنه من أن يدعوإلى نفسه إلا نظرا للناس، وتخوفا عليهم أن يرتدوا عن الاسلام،. . . وفيه: وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا.
ص 65
المبحث الرابع
الإجماع على خلافة الصديق:
وقد ورد الإجماع على بيعة أبي بكر عن كافة علماء أهل السنة، وذكره الصحابي عبد الله بن مسعود:
أخرجه أحمد (36..)، والبزار (1816)، والطبراني (8582) وفي «الأوسط» (36.2)، وابن الأعرابي في «المعجم» (86.)، والحاكم (3/ 78)، والقطيعي في «زوائد فضائل الصحابة» (541)، والبيهقي كلهم من طريق أبي بكر بن عياش ثنا عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا، فهوعند الله حسن، وما رأوا سيئا، فهوعند الله سيء. وقد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر».
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وحسنه الحافظ في «الأمالي المطلقة» (ص 65) وقال: ولابن عيينة فيه إسناد آخر، أخرجه البيهقي في «المدخل» من روايته عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود، وقد وقع فيه اختلاف في رفعه ووقفه ذكره الدارقطني في "العلل" (5/ 66، 67)، لكنه لم يفصل فيه، وذكره ابن كثير في"البداية والنهاية" (1./ 328) وقال: إسناد صحيح».
قلت: وهذا الأثر فيه حكاية إجماع عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعود، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وقد قال أحمد حين اجتاز بحمص، وقد حمل إلى المأمون في زمن المحنة ودخل عليه عمروبن عثمان الحمصي، فقال له: ما تقول في الخلافة؟ فقال: أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن قدم عليا على عثمان، فقد أزرى بأصحاب الشورى؛ لأنهم قدموا عثمان رضي الله عنه.
ص66
وفي «الرياض النضرة في مناقب العشرة» (1/ 227) قال المحب الطبري: «وعلى الجملة لا خلاف بين طوائف المسلمين أن أبا بكر توفي يوم توفي ولا مخالف عليه من أهل الإسلام طوعاً أوكرهاً كما أن رسول الله توفي يوم توفي، وقد قامت حجة التبليغ وبلغ ذلك القاصي والداني.
- وقال أبوبكر الباقلاني في «تمهيد الأوائل» (1/ 482) قال: وليس يجوز لمسلم اتقى الله أن يضيف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير بن العوام التأخر عن بيعته بأخبار آحاد واهية مجيئها من ناحية متهومة لأن تأخرهم عن البيعة مع ما وصفناه من صحة وثبوتها ضرب من الإثم والعصيان وليس يمكن إضافة معصية إلى الصحابة بمثل هذا الطريق لا سيما إذا رووا مع ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه كان يدعوهم إلى الطاعة ولزوم الجماعة ويحرم عليهم تأخرهم ولا يسوغهم ذلك وكذلك يجب أن ينفى عن عبد الله بن مسعود إخراجه المعوذتين من المصحف ومخالفته الجماعة وكل أمر روي عن الصحابة فيه تأثيم وقذف بعصيان فيجب أن نبطله وننفيه إذا ورد ورود الآحاد لأن من ثبت إيمانه وبره وعدالته لا يفسق بأخبار الآحاد
وعلى أن نعلم بواضح النظر كذب من ادعى تأخر علي والعباس والزبير؛ لأن مثل هذا الخطب الجسيم في مثل هذا الأمر العظيم يجب إشهاره وظهوره وأن ينقل نقل مثله فكيف حفظت الأمة بأسرها وعلمت مخالفة علي لأبي بكر وغيره من الصحابة في حكم أم الولد والتوريث الذي، إنما تعلمه الخاصة، وذهب عنها علم تأخره، وتأخر الزبير عن البيعة حتى لا يرد إلا وردا شاذا ضعيفا وتكون الأخبار الكثيرة في معارضته ومناقضته. . . على أنه لا نعرف أحدا روى تأخر علي والزبير عن البيعة أياما إلا وقد روي عنه في هذه القصة رجوعهما إلى بيعته ودخولهما في صالح ما دخل فيه المسلمون وأنهما قالا: لا تثريب يا خليفة رسول الله ما تأخرنا عن البيعة إلا أنا كرهنا ألا ندخل في المشورة، وأنهما وصفا من فضله، وسابقته، وأنه صاحب الغار…. في كلام طويل.
حتى سعد بن عبادة- كما ورد في «كنز العمال» (5/ 856 / 14123) عن حميد بن عبد
ص 67
الرحمن الحميري قال: توفي رسول الله، وأبوبكر في طائفة من المدينة فجاء فكشف عن وجهه فقال: فدى لك أبي وأمي!! ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد ورب الكعبة وانطلق أبوبكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم، فتكلم أبوبكر، فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله في شأنهم إلا ذكره وقال: لقد علمتم أن رسول الله قال: لوسلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم. فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
ونقل عن ابن المنذر قال: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن
بن عوف لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أوغيره من الصحابة وهذا كان مشهورا بينهم, ورواه أحمد (18) به.
إلى الأخ الفاضل عبد الفتاح محمود ...
أعجبتني همتك في سبيل إثراء الموضوع وإفادة المشتغلين بالحديث في هذه المسألة التاريخية حين قرَّبْتَ لنا البعيد، وأحضرت لنا نصاً طويلاً من بحثٍ مطبوع لم نقف عليه، وأتعبتَ نفسك في كتابته لنا حتى نطلع عليه، فجزاك الله خيراً على ذلك كله.
إلا أنني لما نظرت فيما سطره صاحب «تسديد الملك لحكم أبي بكر في فدك» واستدلاله بحديث أبي سعيد الخدري بشأن تعيين زمن مبايعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة، وجدتُ أن تصحيحه لهذا الخبر فيه تسرع، وأن كلامه عليه يعوزه الدقة والتحرير. كيف وقد نصب الخلاف في إسناده بين وهيب بن خالد وعبدالأعلى بن عبدالأعلى، وكأن المروي عن وهيب ثابت كالجبال لم يختلف عليه أصحابه؟!
وحتى لا يبقى كلامي اعتراضاً مجرداً عار عن الدليل، رأيتُ أن أثبت لك هنا وجهة نظري في تحقيق الكلام على هذا الحديث، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية باختصار:
أولاً: قصة السقيفة في حديث أبي سعيد الخدري تنتهي عند مقالة أبي بكر في حق الأنصار. وأما قصة مبايعة علي والزبير لأبي بكر فهي من كلام أبي نضرة، ذكرها على سبيل التكملة لرواية أبي سعيد.
وأبونضرة العبدي قال خليفة بن خياط في «الطبقات» (ص 2.9):
«اسمه المنذر بن مالك بن قُطَعَة، مات زمن خالد، صلى عليه الحسن بن أبي الحسن، مات سنة ثمان ومائة» انتهى.
قلت: فأبونضرة لم يدرك اجتماع السقيفة وما واكبه من أحداث، ومن ثَمَّ كانت قصته منقطعة، والمنقطع من قسم الضعيف، كما هومقرر في أصول الحديث.
ثانياً: أن قصة بيعة علي لأبي بكر رواها الجريري وداود بن أبي هند عن أبي نضرة من كلامه.
ثالثاً: أن داود بن أبي هند سمع من أبي نضرة قصة السقيفة الموقوفة على أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، كما سمع منه قصة بيعة علي لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما التي هي من كلام أبي نضرة كما قلنا، وروى دواد بن أبي هند القصتين جميعاً وبسبب ذلك وقع الالتباس حين تلقاهما عنه أصحابه، فروى عنه:
1 ـ عبدالأعلى بن عبدالأعلى السامي قصة بيعة علي لأبي بكر المقطوعة مفردة.
2 ـ وروى عنه زهير بن إسحاق السلولي ووهيب بن خالد قصة أبي سعيد الموقوفة في السقيفة مفردة؛ لكن اختلف أصحاب وهيب في روايتهم عنه:
أ ـ فذكر أبوهشام المخزومي حديث السقيفة وأدرج فيه قصة مبايعة علي والزبير لأبي بكر، وجعل القصتين حديثاً واحداً عن أبي سعيد الخدري، وهوخطأ منه.
ب ـ وخالف أبا هشام المخزومي في روايته: أبوداود الطيالسي وعفان، واقتصرا في حديث أبي سعيد على قصة السقيفة، ولم يعرجا على قصة أبي نضرة، وهوالصواب لمكانتهما في الحفظ والضبط واتفاقهما ومعرفتهما بحديث أهل البصرة.
ج ـ والحديث رواه جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ عن عفان على الوجهين:
ـ مرة مع الزيادة المتعلقة ببيعة علي لأبي بكر، كما رواه عنه أبوالعباس الأصم.
ـ ومرة بدونها، كما رواه عنه أبوبكر محمد بن منير بن صَغِير السَّامَرِّي. وقد وافق الصائغ على هذا الوجه بقية أصحاب عفان: كمحمد بن سعد، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والبلاذري، والحافظ الثقة أحمد بن القاسم بن مساور الجواهري، وأبي الصقر الوراق، والشطوي. فهذا الوجه الأخير أولى بالقبول والتقديم.
وأما استشهاد صاحب «تسديد الملك» بذلك السيل من المناكير لتقوية حديث أبي سعيد، فإنما يدل على اغتراره بظواهر الأسانيد، وأنه لم يوف البحث حقه، فأرجوأن يعيد النظر فيه، والله المستعان.
وتخريج كل هذه الطرق وتفصيل الكلام عليها موضعه كتابي المشار إليه يسر الله تعالى لي السبيل إلى نشره، بينت فيه أن ترجيح البيهقي لحديث أبي سعيد على حديث عائشة ينبغي أن لا يعول عليه النقاد. ومن المؤسف حقاً أن جماعة من المتأخرين قلدوا البيهقي في حكمه وترجيحه من غير تمحيص.
وعليه، فبيعة علي لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما إنما وقعت مرة واحدة، خلافاً لمن زعم تكررها استناداً إلى خبر أبي سعيد هذا، وأنها كانت بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. وقد سبق أن بينت في مداخلتي الأولى أن دعوى إدراج هذه الجملة في حديث عائشة المذكور، هي دعوى مردودة.
ومرة أخرى جزاك الله خيراً على ما بذلته من جهد ووقت لنسخ ما نقلته لنا من كتاب «تسديد الملك»، حفظك الله ورعاك، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الأخ الكريم العمراني , ائت بدليل علمي على كلامك , فقد نقل الأخ عبد الفتاح من الكتاب المشار إليه أن الحديث صححه الإمام مسلم واحتج بمعناه الحافظ ابن كثير , وابن حجر وغيرهم, وأنت تعله بالإدراج وهذا لا يثبت إلا بدليل؛ لأن الأصل عدمه , وتطعن في ثبوته إلى وهيب.
أخي الفاضل عبد الغني إبراهيم ...
أنا لم أدع أن في حديث أبي سعيد الخدري إدراجاً أصلاً! وإنما أشرتُ إلى إن قصة السقيفة فيه تنتهي عند مقالة أبي بكر في حق الأنصار. وأما قصة مبايعة علي والزبير لأبي بكر فهي غير محفوظة فيه، وأن الصواب فيها أنها من كلام أبي نضرة، واستدللتُ على ذلك بما يلي:
أولاً: أن قصة مبايعة علي والزبير لأبي بكر رواها:
1 ـ حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة من كلامه. وهذا إسناد بصري غاية في الصحة، وسماع حماد من الجريري قديم كما هومعلوم.
2 ـ ورواها عبدالأعلى بن عبدالأعلى السامي، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة من كلامه. وهذا صحيح أيضاً.
ثانياً: أن قصة السقيفة اقتصر عليها زهير بن إسحاق السلولي دون قصة مبايعة علي لأبي بكر، رواه كذلك عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
وزهير بن إسحاق في حفظه مقال؛ لكن يتأيد حديثه بما رواه أبوداود الطيالسي وعفان بن مسلم، عن وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فاقتصرا على قصة السقيفة، ولم يعرجا على قصة أبي نضرة.
وخالفهما أبوهشام المخزومي، فرواه عن وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد بقصة السقيفة، وقصة مبايعة علي والزبير معاً، فساقهما مساقاً واحداً. وهذا هوالوجه الذي جنح البيهقي إلى تصحيحه، وتابعه عليه ابن كثير وغيره من المتأخرين. علماً بأن الذهبي رحمه الله تعالى بحسه النقدي الرفيع نبه على ما في الحديث من نكارة، حين قال عنه:
«ومع جودة سنده فيه أشياء تنكر، فتدبره!»
وأثير الانتباه إلى أنه لم يثبت عن الإمام مسلم بن الحجاج التصريح بتصحيح حديث أبي سعيد الخدري، خلافاً لصاحب «تسديد الملك». وإنما حكى الحافظ أبوعلي النيسابوري، عن ابن خزيمة قال:
جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأتها عليه، فقال: هذا حديث يسوي بدنة! فقلت: يسوي بدنة .. بل هويسوي بدرة!
وهذه الحكاية ليست صريحة في تصحيح الحديث عن مسلم. وإنما فيها إبراز لأهمية هذه الرواية باعتبار ما تضمنت من معلومات حول بيعة الناس لأبي بكر، وباعتبار كونها مروية بإسناد عراقي متصل في الظاهر، ومن هنا جاء اعتناء مسلم بكتابتها.
والحكاية عندي تشبه إلى حد ما قصة الحديث المشهور في كتب أصول الحديث: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجداً فصلى ركعتين واستغفر الله، غفر الله له»؛ الذي وقع لشعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى في بداية الأمر بإسناد ظاهر الصحة، لكن بعد تحققه من ضعفه قال:
«لوصح لي مثل هذا الحديث كان أحب إلي من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين!»
فالظاهر أن هذا كان اعتقاده بشأن هذا الحديث قبل أن تنكشف له علته، فتأمل.
ثم لوكانت الحكاية المذكورة يُستفاد منها تصحيح مسلم لحديث أبي سعيد، لنسبه إليه الحافظ ابن كثير، ولحكاه عنه الحافظ ابن حجر قبل ذكر تصحيح ابن حبان وغيره! لكن لم يوجد نسبة هذا الحكم لمسلم في كلامهما بسبب أن الحكاية لا تفيد ذلك.
فدعوى تصحيح مسلم لحديث أبي سعيد غير مسلمة عندي، والله أعلم.
أرجوأن يكون كلامي واضحاً هذه المرة، وجزاك الله خيراً على اهتمامك بالموضوع. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الأخ الكريم العمراني
أحمد إليك نقاشك العلمي المستنير الذي ينم عن علم , واسمح لي بمناقشة بعض ما ورد في كلامك.
= قولك: «حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة من كلامه. وهذا إسناد بصري غاية في الصحة، وسماع حماد من الجريري قديم كما هومعلوم».
= غير صحيح , فقد قال الإمام مسلم في «التمييز» (ص: 217): «وحماد- يعني ابن سلمة- يعد عندهم اذا حدث عن غير ثابت, كحديثه عن قتادة وأيوب ويونس وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمروبن دينار وأشباههم فإنه يخطىء في حديثهم كثيرا وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم كحماد بن زيد وعبد الوارث ويزيد بن زريع وابن علية».
والمعروف أن حمادا يخطيء في حديث الصعغار - يعني من شيوخه- والجريري منهم.
قولك: «وأثير الانتباه إلى أنه لم يثبت عن الإمام مسلم بن الحجاج التصريح بتصحيح حديث أبي سعيد الخدري، خلافاً لصاحب «تسديد الملك». وإنما حكى الحافظ أبوعلي النيسابوري، عن ابن خزيمة قال:
جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأتها عليه، فقال: هذا حديث يسوي بدنة! فقلت: يسوي بدنة .. بل هويسوي بدرة!
وهذه الحكاية ليست صريحة في تصحيح الحديث عن مسلم. وإنما فيها إبراز لأهمية هذه الرواية باعتبار ما تضمنت من معلومات حول بيعة الناس لأبي بكر، وباعتبار كونها مروية بإسناد عراقي متصل في الظاهر، ومن هنا جاء اعتناء مسلم بكتابتها.
= فيه نظر , بل يدل على ثبوته عنده وكلامك يتضمن سكوت مسلم على علته الخفية , ففيه تنقيص من قدر هذا الجبل.
فهذه العبارة تدل على الصحة كما قال شعبة في حديث الجنابة ثلث رأس مالي
وغيره من العبارات الموحية بالصحة
فقد روي عن عبد الله بن سلمة قال دخلت على علي بن أبي طالب فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء فيقضي الحاجة ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن ولا يحجبه وربما قال الخبز واللحم عن القرآن شيء إلا الجنابة.
أخرجه ابن ماجه (594) وغيره.
وخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2.8) , وقال عقبه بسنده قال شعبة: هذا الحديث ثلث رأس مالي. متقويا بتصحيح الحديث.
واعتبره العلامة أحمد شاكر تصحيحا للحديث وهوالمتبادر للذهن
وروى الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 121) قال: قال لي شعبة: «ليس أحدث بحديث أجود من هذا»
وروى الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 121) , وابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (1/ 16.) عن سعيد بن الربيع عن شعبة بحديث أبي مسعود: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله» قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي , وحديث عبد الله بن دينار: «نهى عن بيع الولاء وعن هبته». قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي، وحديث عمروبن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي: «لا يحجبه عن قراءة القرآن إلا الجنابة».
قال شعبة: «وهذا ثلث رأس مالي»
وانظرمسند ابن الجعد (ص: 134)
ومن ذلك الباب , اعتبر قول أحمد لابنه اكتب عن فلان من قبيل التوثيق
=أما ما نسبته للذهبي في قولك: «: «علماً بأن الذهبي رحمه الله تعالى بحسه النقدي الرفيع نبه على ما في الحديث من نكارة، حين قال عنه: «ومع جودة سنده فيه أشياء تنكر، فتدبره!»
= فأين؟ , والثابت عنه خلافه , فقد ذكره الذهبي عن وهيب: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار
, ثم قال في «تاريخ الإسلام» (3/ 11) , وفي «سير أعلام النبلاء» (2/ 369): «روى منه أحمد في "مسنده" إلى قوله: "لما صالحناكم" عن عفان، عن وهيب, ورواه بتمامه ثقة، عن عفان».
وأشار لضعف القول القائل بتأخير علي عن المبايعة , فقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (2/ 371): «وقد قيل: إن عليا -رضي الله عنه- تمادى عن المبايعة مدة، فقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد وفاة أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا ...
ولعل الشبهة القائمة عندك هي في كون ترجيح تأخر مبايعة علي , فيحجزك عن تصحيح حديث أبي سعيد
وذلك فيه نظر بين فقد بين صاحب «التسديد» أن قصة المصالحة أصلا مرسلة , وأن الحديث المرفوع فقط هوفي قوله: «لا نورث, ما تركنا صدقة».
وهونفس ما تقول به في تعليل رواية أبي سعيد أن الحديث انتهى عند المصالحة
ومع ذلك فقد ذكر صاحب «التسديد» شواهد لم تتكلم عليها تلك التي وصفتها بسيل من المناكير وهوتعبير غير موفق؛ فإنها أسانيد صحيحة يحتج بها وما جئت أصلا بحجة تثبت قولك
ويحتج عليك بمثل ما تحتج به على خصمك , فإن مدعي تأخر علي عن المبايعة حجته تلك القصة , وقد أثبت صاحب «التسديد» في كتابه أنها مرسلة من كلام الزهري.
ويعارضها -على التسليم -مرسل أبي نضرة فاستويا في الرتبة ويرجح الثاني أمور:
منها كونه مثبتا ,ومعه زيادة علم غير منافية لكلام الزهري
ومنها متابعات صحيحة عن إبراهيم بن عبد الرحمن , وأسلم مولى عمر.
قولك في مشاركتك الأولى: «فحكمه على جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» بالإرسال وإن كان صواباً باعتبار ذلك الموضع من المتن، إلا أن في أصل الحديث مواضع أخرى تدفع مجموعها بقوة في اتجاه التأكيد على نفي مبايعة علي لأبي بكر قبل وفاة فاطمة؛ وهي مواضع من صلب الحديث لم يقع عليها اختلافٌ من الرواة والنقلة:
أحدها: قول علي يخاطب أبا بكر:
«أما بعد يا أبا بكر، فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكار لفضيلتك، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك، ولكنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً، فاستبددتم به علينا».
وهذا لفظ معمر الذي احتج به البيهقي، وهوصريحٌ في أن علياً لم يكن بايع قبل ذلك.
الموضع الثاني: يؤكد هذا المعنى قول علي في رواية صالح بن كيسان:
« .. ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقول به علينا، فوجدنا في أنفسنا! وقد رأيتُ أن أبايع وأدخل فيما دخل فيه الناس».
وفي هذا الكلام دلالة على أن علياً قبل المصالحة لم يكن داخلاً «فيما دخل فيه الناس».
الموضع الثالث: سياق خطبة أبي بكر عشية يوم المصالحة، فقد جاء في رواية عقيل بن خالد وشعيب السابقة:
«فلما صلى أبوبكر صلاة الظهر، رقى على المنبر فتشهد، وذكر شأن علي [بن أبي طالب] وتخلفه عن البيعة، وعَذَرَه بالذي اعتذر إليه».
وهذا أيضاً صريح في أن علياً تخلف عن البيعة العامة، وأما قول البيهقي بأن الزهري إنما أراد بالتخلف قعوده عن القيام بواجبات البيعة: فبعيد، لأن العتاب كان سينصبُّ حينئذٍ على تلك الواجبات التي فاتت علياً، ولم يكن لذكر التخلف عن البيعة معنى!
الموضع الرابع: زاد صالح في روايته عقب حكاية المبايعة:
«فلا يُرى مثل ما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً، فقد أحسنتَ وأجملتَ، حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم! فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف».
وهذا يعني أنه قبل هذه البيعة لم يكن دخل بعد فيما دخل فيه الناس.
وخلاصة الكلام: أن هذه المواضع التي ذكرناها هي من أصل الحديث، ولم يقع عليها اختلافٌ من الرواة، صرف البيهقي نظره عنها، مع أنها كلها تؤكد ـ كما قلت ـ نفي مبايعة علي لأبي بكر قبل وفاة فاطمة. فهذا يعني أن جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» وإن كانت صورتها صورة المرسل إلا أن لها حكم الاتصال» انتهى.
= قد بين صاحب «التسديد» في كتابه في الفصل الأول أن كل هذا الحكي - يعني في رواية صالح بن كيسان , وعقيل بن خالد وشعيب , مدرج والصواب فيه الإرسال.
وعليه فلا حجة فيه في إثبات التناقض , أوتأخر علي كل هذه المدة عن المبايعة.
وقولك: «فهذا يعني أن جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» وإن كانت صورتها صورة المرسل إلا أن لها حكم الاتصال» انتهى.
= لم أستوعب ذلك , ولا يمكن.
وقولك: «ثم لوكانت الحكاية المذكورة يُستفاد منها تصحيح مسلم لحديث أبي سعيد، لنسبه إليه الحافظ ابن كثير، ولحكاه عنه الحافظ ابن حجر قبل ذكر تصحيح ابن حبان وغيره! لكن لم يوجد نسبة هذا الحكم لمسلم في كلامهما بسبب أن الحكاية لا تفيد ذلك.
=فغفلة , فقد احتج به الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/ 91).
ولعل هذا الحديث قد خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه , ولم يصلنا ضمن الجزء المفقود منه
وقولك: «وخالفهما أبوهشام المخزومي، فرواه عن وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد بقصة السقيفة، وقصة مبايعة علي والزبير معاً، فساقهما مساقاً واحداً. وهذا هوالوجه الذي جنح البيهقي إلى تصحيحه، وتابعه عليه ابن كثير وغيره من المتأخرين.
= فلم يتفرد به المخزومي فقد توبع عليه مما يبعد عنه الوهم:
انظر: «الاعتقاد» للبيهقي (ص: 349) , فقد أخرجه عن محمد بن يعقوب، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر , ثنا عفان بن مسلم , ثنا وهيب , ثنا داود بن أبي هند , ثنا أبونضرة , عن أبي سعيد الخدري،
َوجعفر بن محمد بن شاكر ثقة عارف بالحديث, قَال الحافظ أَبُوبكر الخطيب في «تاريخه» (7/ 186): كَانَ عابدا زاهدا، ثقة، صادقا متقنا، ضابطا. وهومن رجال التهذيب , انظر: تهذيب الكمال (5/ 1.5)
وأبوهشام المخزومى, واسمه المغيرة بن سلمة القرشى، البصرى, قال الذهبي: ثقة متعبد كبير القدر, وقال ابن حجر: ثقة ثبت , وروايته في «الاعتقاد» للبيهقي (ص: 35.) عن أبي علي الحسن بن علي الحافظ، ثنا أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب قالا: حدثنا بندار بن بشار، ثنا أبوهشام المخزومي، ثنا وهيب فذكره بإسناده ومعناه
فلا يشك من له أدنى دراية بالحديث في ثبوت السند لوهيب
حالة مشابهة:
وهذا كما روى مسلم حديثا مختصرا , وروي بنفس السند نفس المتن لكن بزيادة وهي صحيحة كأصل الحديث
فقد روى مسلم (342) (79) حدثنا شيبان بن فروخ، وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، قالا: حدثنا مهدي وهوابن ميمون، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه. فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس «وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، هدف أوحائش نخل»
وله سياق أتم: عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن على, عن عبد الله بن جعفر قال: أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلى حديثا لا أحدث به أحدا من الناس, وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أوحائش نخل, قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل, فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه, فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت, فقال: من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لى يا رسول الله فقال: أفلا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها فإنه شكى إلى أنك تجيعه وتدئبه."
واللفظ لأبي داود.
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (32415) , وأحمد (1/ 2.4) , وأبوداود (2549) , وابن خزيمة (53)، ومن طريقه ابن حبان (1411) , وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (437) , والطحاوي في مشكل الآثار (5112) وأبويعلى (6787 و6788) وأبوعوانة في "المستخرج " (1/ 272/ 373) , وابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 9) والضياء في" المختارة" (3/ 423/ 134 - 136) , والبيهقي في الكبرى (1/ 94) و(8/ 13) وغيرهم عن مهدي بن ميمون.
وأخرجه أحمد (1/ 2.5) , وابن حبان (1412) عن جرير بن حازم.
كلاهما (مهدي بن ميمون، وجرير بن حازم)
عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، فذكره.
وذكر النووي في " رياض الصالحين " (ص 378) أن البرقاني رواه بإسناد مسلم بتمامه وكأنه لهذا قال ابن عساكر عقبه: " رواه مسلم ". يعني أصله لا بتمامه.
وقال ابن الملقن في "تحفة المحتاج" (2/ 439): "رواه أحمد والبيهقي والبرقاني وسنده في مسلم واستدركه الحاكم وقال هذا صحيح الإسناد وفي روايته أن الجمل حن إليه".
وقال الإمام الذهبي في " تاريخ الإسلام " (1/ 348): "خرج مسلم منه إلى قوله حائش نخل وباقيه على شرط مسلم.
وبالعودة إلى حديث الباب نجده قد رواه ثقتان عن وهيب والطريق إليهما صحيح , فما المانع من قبوله , كأنه حديث مستقل.
عبدالفتاح محمود
أخي الكريم عبد الفتاح محمود ...
كما هومعلوم لديك فإن الحقائق العلمية لا تظهر ناصعة ولا ينكشف أمرها جلياً إلا بالمناقشة والأخذ والرد خصوصاً إذا اتسم ذلك كله بأوصاف، منها: الإخلاص، والإنصاف، والروية، وسعة العطن. هذا ما يلمسه الباحث المتتبع للمساجلات العلمية في سلف هذه الأمة، حتى قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في «السير» (12/ 5.. - 5.1):
«وما زال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف، وبمثل ذلك يتفقه العالم، وتتبرهن له المشكلات. ولكن في زماننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته، ولطلبه للظهور والتكثر، فيقوم عليه قضاة وأضداد، نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل».
فإذا كان هذا حال العالم وانتفاعه بالمناقشة والرد، فكيف صغار طلبة العلم أمثالنا؟!
وهذا الموضوع الذي نتباحثه لا أزعم أني أمتلك زمام الحق والصواب فيه، بل يشهد الله أني سأكون من أسعد الناس إذا صح حديث أبي سعيد الخدري، لما فيه من فائدة زائدة في مبايعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة، ينسد معها باب القيل والقال حول تأخر زمن البيعة المذكورة إلى ما بعد وفاة السيدة فاطمة. ولن أتردد إن شاء الله تعالى في قبول هذا الخبر لوصح، فلأن أكون ذيلاً في الحق خير لي من أن أكون رأساً في الباطل.
لكني تأملتُ مجموع كلامك ملياً، فلم أجد فيه ما يجعلني أعدل عن حكمي عليه أولاً بأن القصة المذكورة ليست محفوظة فيه. وقد تتبعت كلماتك المسطرة، فوجدتُ فيها بعض الأمور التي يحسن أن نقف عندها معاً، للمناقشة وإبداء الرأي لعل في ذلك ما يدفع بالبحث في الاتجاه السليم، سائلا من المولى سبحانه أن يجعل في قلبي وقلبك من رحابة الصدر ما يسع لقبول الحق والإذعان له ...
أولاً: حديث حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة.
قلتُ بشأنه على سبيل التأكيد على صحته: إنه غاية في الصحة، وسماع حماد بن سلمة من الجريري قديم.
فاعترضتَ عليَّ بما قاله الإمام مسلم في كتاب «التمييز».
وهذه المقالة أذعن لها، وأتراجع عن قولي أن الإسناد غاية في الصحة، وأقر بالخطأ في هذا، وأستغفر الله منه.
لكن لم تُبين لي ما حكمك على هذا الحديث؟ هل هوصالحٌ للاعتبار؟ أم ضعيف عندك؟ أم منكر؟ أم ماذا؟ فإن مقالة الإمام مسلم واردة على ما تفرد به حماد عن الجريري كما لا يخفى، ولهذا علق الحافظ ابن رجب على مقالة الإمام مسلم بقوله في «شرح علل الترمذي» (2/ 623):
«ومع هذا فقد أخرج مسلم في «صحيحه» لحماد بن سلمة عن أيوب، وقتادة، وداود بن أبي هند، والجريري، ويحيى بن سعيد الأنصاري. ولم يخرج حديثه عن عمروبن دينار، ولكن إنما خرج حديثه عن هؤلاء فيما تابعه عليه غيره من الثقات ووافقوه عليه. لم يخرج له عن أحد عنهم شيئاً تفرد به ... » اهـ.
وليس لحماد عن الجريري عند مسلم إلا حديث واحد أخرجه في باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه، حيث بدأ أولاً بحديث سليمان بن المغيرة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر: أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس ... الحديث.
ثم أتبعه مسلم رحمه الله تعالى بحديث عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، بهذا الإسناد، عن عمر بن الخطاب، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم».
فواقع كتاب «الصحيح» يؤيد ما علقه ابن رجب على مقالة مسلم. إذا عُلم هذا، فإن حديث الجريري هنا لم ينفرد به حماد، فله متابعة قاصرة، وهي ما أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب «السنة» (2/ 554/رقم 1292)، قال:
حدثني عبيدالله بن عمر القواريري، نا عبدالأعلى بن عبدالأعلى، نا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، قال:
لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال:
«ما لي لا أرى علياً؟»
قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به، فقال له:
«يا علي، قلتَ ابن عم رسول الله وختن رسول الله؟!»
فقال علي رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله! ابسط يدك.
فبسط يده فبايعه. ثم قال أبوبكر:
«ما لي لا أرى الزبير؟»
قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به، فقال:
«يا زبير، قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله؟!»
قال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله! ابسط يدك.
فبسط يده فبايعه.
قلت: وعبدالأعلى بن عبدالأعلى هوالسامي البصري؛ ثقة من رجال الشيخين، احتجَّ به الأئمة كلهم كما قال الحافظ في «مقدمة الفتح» (ص 416)، وقال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (رقم 1268):
«من أهل الإتقان في الحديث والضبط له».
وزاد في «الثقات» (7/ 13. - 131) بأن عبد الأعلى كان:
«قدرياً غير داعية إليه».
فحديث حماد هنا حسن بلا شك، وروايته مع رواية عبدالأعلى تعدان قرينة قوية على كون قصة مبايعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة مقطوعة من كلام أبي نضرة، وليست موقوفة على أبي سعيد، والله تعالى أعلم.
ثانياً: دعوى تصحيح مسلم لحديث وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري
1 ـ قلتُ: إن حكاية أبي علي الحافظ ليست صريحة في تصحيح الحديث عن مسلم. وإنما فيها إبراز لأهمية هذه الرواية باعتبار ما تضمنت من معلومات حول بيعة الناس لأبي بكر، وباعتبار كونها مروية بإسناد عراقي متصل في الظاهر، ومن هنا جاء اعتناء مسلم بكتابتها.
فأنا لا أفهم من القصة أنه صحح الحديث، وأنت فهمتَ العكس تماماً، فعلقتَ على هذا الكلام بقولك: «فيه نظر! بل يدل على ثبوته عنده (!)»
أقول: ألا يكفيك اختلافنا هذا دليلاً على كون القصة غير صريحة في المدعى؟!
2 ـ وقلتَ بعد ذلك: وكلامك يتضمن سكوت مسلم عن علته الخفية, ففيه تنقيص من قدر هذا الجبل (!!)
أقول: ذهب فهمك يا أخي بعيداً، ولم يخطر على بالي ما ذكرتَ ألبتة! وإنما قصدي أن مسلماً رحمه الله تعالى كان إماماً ناقداً، وأمثال هؤلاء النقاد كما كانوا يتتبعون الصحاح وغيرها للرواية لها والعمل بها كانوا يتتبعون إلى جانب ذلك الغرائب ويعتنون بتقييدها للمعرفة والاطلاع، وللوقوف على العلل الغامضة وتحذير الأمة منها، قال ابن عدي في «الكامل»:
حُدِّثْنَا عن حميد بن زنجويه قال: قلتُ لعلي بن المديني:
«إنك تطلب الغرائب، فائت عبدالله بن صالح واكتب كتاب معاوية بن صالح تستفيد مائتي حديث» اهـ.
ومسلمٌ لا يخرج عن سيرة هؤلاء كما لا يخفى عليك. ومن هنا جاء اعتناؤه بكتابة هذا الحديث.
وعلى فرض أن يكون مسلم صحح هذا الحديث كما تبادر إلى فهمك، متى كان الاعتراض على تصحيحه لحديث خارج صحيحه ومناقشته في ذلك تنقصاً لهذا الإمام؟! علماً بأن جماعة من أهل الحديث قد انتقدوه عبر التاريخ في بعض ما صححه في كتابه «الصحيح» ـ وهيبته معروفة لدى العام قبل الخاص ـ، فما كان ذلك عند العلماء تنقيصاً لقدر مسلم ولا عيباً في منتقديه!
3 ـ وأما العبارات التي وصفتها بكونها موحية للصحة، فقد تفيد أحياناً الثبوت وقد لا تفيده. فلا قاعدة مطردة لها، ولم أر ـ ربما لقلة اطلاعي ـ مَن تطرق لضبطها ودراستها.
ثالثاً: انتقاد الذهبي لحديث أبي سعيد الخدري
قلتُ: الذهبي رحمه الله تعالى بحسه النقدي الرفيع نبه على ما في الحديث من نكارة، حين قال عنه: «ومع جودة سنده فيه أشياء تنكر، فتدبره!»
فاعترضتَ عليَّ بقولك: «أين؟! والثابت عنه خلافه ... »
والجواب: هذه جرأة! فقد ذكره الذهبي رحمه الله تعالى ذلك في «المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي» (6/ 3239 - 324./رقم 12838). فارجع إليه لتتأكد.
رابعاً: المانع من تصحيح حديث أبي سعيد الخدري
قلتَ: «ولعل الشبهة القائمة عندك هي في كون ترجيح تأخر مبايعة علي, فيحجزك عن تصحيح حديث أبي سعيد وذلك فيه نظر بين. فقد بين صاحب «التسديد» أن قصة المصالحة أصلاً مرسلة , وأن الحديث المرفوع فقط هوفي قوله: «لا نورث, ما تركنا صدقة» .. ».
والجواب: أن المانع الوحيد من تصحيحه الاختلاف الموجود في متنه من رواته، وأنه حديثٌ معلول، وأن المحفوظ منه: أول المتن فحسب دون قصة مبايعة علي لأبي بكر، فإنها من حكاية أبي نضرة الذي لم يكن حاضراً يوم البيعة العامة. وعليه، فليس المانع من التصحيح تعذر الجمع في فهمي بين حديث أبي سعيد وحديث عائشة. فليس لهذه الشبهة أصل عندي.
نعم، يبدولي من خلال كلامك أنك تستعظم تخطئة أبي هشام المخزومي مهما أقمنا لك من أدلة على ذلك، مع أنه ليس من حد الثقة أن لا يخطئ!
وأما قولك: فقد بين صاحب «التسديد» أن قصة المصالحة أصلاً مرسلة, وأن الحديث المرفوع فقط هوفي قوله: «لا نورث, ما تركنا صدقة» ...
فجوابه: أن هذا غريب جداً، إذ المعروف أن القدر الذي حكم البيهقي بإرساله في حديث عائشة هوجملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» فحسب، لا قصة المصالحة بتمامها. وعلى أية حال، فأنا لم أقف على نص كلام صاحب «التسديد»، فلوتكرمت علي بعرضه في هذا الملتقى أكون لك من الشاكرين.
خامساً: نقد شواهد مبايعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة
قلتَ: «ومع ذلك فقد ذكر صاحب «التسديد» شواهد لم تتكلم عليها، تلك التي وصفتها بسيل من المناكير، وهوتعبير غير موفق؛ فإنها أسانيد صحيحة يحتج بها، وما جئت أصلاً بحجة تثبت قولك».
والجواب: أن صاحب «التسديد» حسب ما نقلتَه ذكر شاهدين، ولشهرة نكارتهما في هذا الملتقى وغيره لم أتعرض للكلام عليهما .. لكن بما أنك تطالبني بذلك فسأشير إلى خلاصة ذلك:
1 ـ أما خبر حديث أسلم فله علل:
الأولى: الانقطاع، فإن أسلم العدوي لم يكن حاضراً في المدينة عند انعقاد اجتماع السقيفة؛ لأن عمر ابتاعه بعد موسم الحج من سنة إحدى عشر على الراجح الصحيح. بينما كانت وفاة فاطمة في رمضان من نفس السنة!
الثانية النكارة: ولها قرائن:
1 ـ شدة الفردية
2 ـ أخطاء محمد بن بشر في روايته عن عبيدالله بن عمر
3 ـ سماع عبيدالله بن عمر من زيد أسلم غير معروف عند المحدثين وما جاء عنه بهذا الإسناد هي مناكير نادرة.
4 ـ المخالفة: فإن الحديث معروف من غير طريق محمد بن بشر، عن محمد بن عمروبن علقمة، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن مرسلاً.
العلة الثالثة: النكارة في متنه، وأعني بها مواضع غير ما جاء في آخره من مبايعة علي لأبي بكر.
2 ـ وأما حديث إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فلا يصح، وله علتان:
الأولى: الانقطاع، وذلك في موضعين:
أحدهما: إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف؛ لم يحضر القصة ولا كان وقتها من أهل الرواية.
والثاني: بين موسى بن عقبة وسعد بن إبراهيم.
والعلة الثانية: أن موسى بن عقبة ليس معروفاً بالرواية عن سعد، وليس له إلا هذا الخبر اليتيم عنه. وقد تفرد عنه دون بقية أصحابه العراقيين.
فهذه إشارات فقط إلى ما ذكرتُ دون الدخول في التفاصيل، وعناوين عريضة يندرج تحتها كلام طويل الذيل. فإذا كنتَ تجزم بصحة الخبرين، فبين لي حجتك فيما ذهبت إليه لننظر فيها معاً.
سادساً: حكم جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر»
قلتَ: وقولك: «فهذا يعني أن جملة «ولم يكن بايع تلك الأشهر» وإن كانت صورتها صورة المرسل إلا أن لها حكم الاتصال» انتهى.
= لم أستوعب ذلك, ولا يمكن.
الجواب: أن تلك الجملة هي مقطوعة من كلام الزهري لفظاً لكن حكمها أنها موقوفة من كلام عائشة، لأن الزهري إنما أخذ معناها من كلام عائشة السابق واللاحق، وهي مواضع في أصل الحديث لم يقع عليها اختلاف من الرواة كما أشرتُ إليه، فتأمله.
سابعاً: دعوى حكاية ابن كثير لتصحيح مسلم
قلتَ: وقولك: «ثم لوكانت الحكاية المذكورة يُستفاد منها تصحيح مسلم لحديث أبي سعيد، لنسبه إليه الحافظ ابن كثير، ولحكاه عنه الحافظ ابن حجر قبل ذكر تصحيح ابن حبان وغيره! لكن لم يوجد نسبة هذا الحكم لمسلم في كلامهما بسبب أن الحكاية لا تفيد ذلك»
=فغفلة، فقد احتج به الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/ 91).
والجواب: مرة أخرى هذه جرأة! فابن كثير فيما وقفت عليه في موضعين من كتابه لا يزيد على أن ينقل الحديث عن البيهقي ويذيل عليه بحكاية أبي علي الحافظ، تماماً كما فعل البيهقي:
1 ـ قال في الموضع الأول عقبها (8/ 91 - 92):
«وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن مسلم، عن وهيب به؛ ولكن ذكر أن الصديق هوالقائل لخطيب الأنصار بدل عمر. وفيه: أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر، فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا فلما قعد أبوبكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فسأله عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به فذكر نحوما تقدم، ثم ذكر قصة الزبير بعد علي، فالله أعلم.
وقد رواه علي بن عاصم، عن الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري فذكر نحوما تقدم.
وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أوفي اليوم الثاني من الوفاة» انتهى.
2 ـ وقال ابن كثير في الموضع الثاني عقب حكاية أبي علي (9/ 416 - 417):
«وقد رواه الإمام أحمد عن الثقة عن وهيب مختصراً، وأخرجه الحاكم في مستدركه من طريق عفان بن مسلم عن وهيب مطولا كنحوما تقدم» انتهى.
فابن كثير لم يصرح في الموضعين كما ترى بنسبة تصحيح الحديث لمسلم كما جاء في صنيع صاحب «التسديد»، أي لا يقول (صححه مسلم)، وهذا هوموضع الحجة في كون حكاية أبي علي لم يفهم منها ابن كثير جزم مسلم بصحة الحديث. فلا غفلة!
ثامناً: الكلام على متابعة عفان لحديث أبي هشام المخزومي
بسطتُ لك ما في حديث أبي سعيد من الاختلاف، ولم تُعقب إلا على حديث أبي هشام المخزومي، وقلتَ: إنه لم يتفرد به، بل تابعه عفان بن مسلم عند البيهقي في الاعتقاد! فلننظر معاً في إسناد هذه المتابعة ...
قال الحاكم في «المستدرك»:
حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان بن مسلم، ثنا وهيب، ثنا داود بن أبي هند، ثنا أبونضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قام خطباء الأنصار، فجعل الرجل منهم يقول:
- يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان: أحدهما منكم والآخر منا!
قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال:
- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإن الإمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فقام أبوبكر رضي الله عنه، فقال:
- جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم! ثم قال: أما لوفعلتم غير ذلك لما صالحناكم! ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر، فقال: هذا صاحبكم، فبايعوه!
(ثم انطلقوا، فلما قعد أبوبكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فسأل عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبوبكر:
- ابن عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وختنه، أردتَ أن تشق عصا المسلمين .. ؟!
فقال:
- لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم!
فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام فسأل عنه حتى جاءوا به، فقال:
- ابن عمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين .. ؟!
فقال مثل قوله:
- لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فبايعاه).
وقال الحاكم عقبه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه».
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»، وفي «الاعتقاد»، فقال:
حدثنا أبوعبدالله الحافظ إملاءً وأبومحمد بن أبى حامد المقرئ قراءة عليه، قالا: ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب .. (وذكره).
قلت: أنا لا أسلم بأن قصة مبايعة علي لأبي بكر محفوظة في هذا المتابعة، فقد تفرد بها أبوالعباس الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، مع أن الحديث رواه غيره عن الصائغ فلم يذكرها. قال ابن عدي في «الكامل» (3/ 224):
وثنا محمد بن منير بن صغير، ثنا جعفر الصايغ، ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال:
لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فذكر نحوه.
ثم قال ابن عدي:
«ولم يقل: وإنا أنصار رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وإن الإمام إنما يكون من المهاجرين».
قلت: وقول ابن عدي (فذكر نحوه)، أي نحولفظ حديث زهير بن إسحاق السلولي السابق، وحديث هذا الأخير ليس فيه الزيادة المذكورة كما نص عليه ابن عدي في ذلك الموضع، فارجع إلى هذا المصدر لتتأكد بنفسك.
ومحمد بن منير بن صَغِير هوأبوبكر السَّامَرِّي، له ترجمة في «تاريخ بغداد» (4/ 497 - 498) وثقه فيها الخطيب، ونقل عن أبي بكر البرقاني عن عمر بن نوح البجلي أنه قال في حق هذا الراوي:
«وكان من الحفاظ»، وقال البرقاني: «أثنى عليه جداً».
فظهر من هذا أن جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ روى الحديث على الوجهين:
ـ مرة مع الزيادة المتعلقة ببيعة علي لأبي بكر، كما رواه عنه أبوالعباس الأصم.
ـ ومرة بدونها، كما رواه عنه أبوبكر محمد بن منير بن صَغِير السَّامَرِّي.
لكن وافق الصائغ على هذا الوجه الأخير بقية أصحاب عفان: كمحمد بن سعد في «الطبقات» (3/ 194)، وأبي بكر ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/ 462)، وأحمد بن حنبل في «مسنده» (35/ 489)، والبلاذري، والحافظ الثقة أحمد بن القاسم بن مساور الجواهري عند الطبراني في «الكبير» (5/ 114)، وأبي الصقر الوراق عند ابن عدي في «الكامل» (3/ 224)، وأبي جعفر محمد بن يحيى بن محمد بن مرداس الشطوي عند ابن أخي ميمي في «فوائده» (رقم 292).
الأمر الذي يؤكد لنا أن قصة مبايعة علي لأبي بكر ليست محفوظة في حديث عفان بن مسلم، وأن الراوي عنه جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ كان يتردد فيها! تارة يصلها بالحديث، وتارة يسكت عنها. فالراجح في هذا كما هوواضح: رواية الجماعة من أصحابه خصوصاً وأن فيهم من كان يتقيد بالألفاظ ويحرص على ضبطها والإتيان بها على الوجه كالإمام أحمد رحمه الله تعالى.
فظهر من هذا أن قصة مبايعة علي لأبي بكر ليست محفوظة في حديث جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ الذي رواه الحاكم ومن بعده. وأن تصحيح القصة في هذا الخبر مبني على الاكتفاء بظاهر الإسناد، وهوتقصير من صاحبه!
وعليه، فهذه المتابعة التي ذكرتَها ـ يا أخي ـ هي بمنزلة العدم، لأنها خطأ محض كما علمتَ.
هذا، وقد بقي في كلامك أشياء، لم أنشط لتتبعها حتى لا يفضي بنا ذلك إلى الخروج عن الموضوع: كبعض الأمثلة التي ذكرتها والافتراضات. وربما ذهلت عن غير ذلك، فإني أكتب في حالة تضييق، فرج الله عني وعن إخواني المسلمين.
أخي الكريم ..
أرجومنك أن تتبع طرق حديث أبي سعيد في دواوين الحديث المختلفة، وتعيد تخريجه باستقلال ودون تقليد لأحد، وأنا على يقين أنك إن فعلتَ ذلك ستتوقف عن إرسال الحكم عليه بالصحة. وأقدر تنبهك إلى مقالة مسلم بشأن حديث حماد بن سلمة عن الجريري، فقد ساعدتني على وضع هذا الخبر في مرتبته اللائقة كما تقتضيه قواعد هذا العلم، ولهذا قبلتُ نقدك برحابة صدر. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. كما أشكرك على اعتنائك بالموضوع واهتمامك به. وأخيراً أرجوأن تلبي ما طلبته منك آنفاً خدمةً للعلم وطلبته. وشكراً.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
اقتباس:
إذا عُلم هذا، فإن حديث الجريري هنا لم ينفرد به حماد، فله متابعة قاصرة
هوسبق قلم مني أستغفر الله منه، والصواب: (فله متابعة ناقصة).
أخي الكريم العمراني
سأتوقف معك في تضعيفك للأثرين وبهذا لا أرى نفسي ناشطا لاستكمال الحوار والسبب سيتبين من خلال المناقشة
خامساً: نقد شواهد مبايعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة
قلتَ: «أن صاحب «التسديد» حسب ما نقلتَه ذكر شاهدين، ولشهرة نكارتهما في هذا الملتقى وغيره لم أتعرض للكلام عليهما .. لكن بما أنك تطالبني بذلك فسأشير إلى خلاصة ذلك:
1 ـ أما خبر حديث أسلم فله علل:
الأولى: الانقطاع، فإن أسلم العدوي لم يكن حاضراً في المدينة عند انعقاد اجتماع السقيفة؛ لأن عمر ابتاعه بعد موسم الحج من سنة إحدى عشر على الراجح الصحيح. بينما كانت وفاة فاطمة في رمضان من نفس السنة!
الثانية النكارة: ولها قرائن:
1 ـ شدة الفردية
2 ـ أخطاء محمد بن بشر في روايته عن عبيدالله بن عمر
3 ـ سماع عبيدالله بن عمر من زيد أسلم غير معروف عند المحدثين وما جاء عنه بهذا الإسناد هي مناكير نادرة.
4 ـ المخالفة: فإن الحديث معروف من غير طريق محمد بن بشر، عن محمد بن عمروبن علقمة، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن مرسلاً.
العلة الثالثة: النكارة في متنه، وأعني بها مواضع غير ما جاء في آخره من مبايعة علي لأبي بكر.
قولك: أن صاحب «التسديد» حسب ما نقلتَه ذكر شاهدين، ولشهرة نكارتهما في هذا الملتقى وغيره لم أتعرض للكلام عليهم.
أين هذه الشهرة , بل أين النكارة وقد صححهما علماء محدثون مؤرخون فقهاء
أخي الكريم؛ إن طريقتك في التعليل عجيبة, ولم أر أحدا ينهج هذا النهج في هدم الأخبار , والعجب من كونها على غير أصل معروف, ولا مستعمل عند نقاد الأثر , وما كان هذا سبيله لا يعتد به , فأنت تتلمس عللا ليست بعلل أصلا , ولا يكفيك حكم الأئمة , سواء ما كان صريحا أوضمنيا فهذا ليس بنقد معمول به لا قديما ولا حديثا.
وها أنا ذا أناقش هذه الأوهام:
1 ـ شدة الفردية
لا معنى لها , ويغتفر ذلك في حق الحفاظ والمكثرين , وللزهري تسعون حرفا لم يشركه فيها أحد ومع ذلك لم يطعن أحد فيها.
2 ـ أخطاء محمد بن بشر في روايته عن عبيدالله بن عمر
فكلام لوتنزهت عنه كان أحرى
من قال هذا؟! , ومحمد بن بشر- هوابن الفرافصة - لم يجرح أصلا , قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (9/ 265) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُوعَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وقال في «الكاشف»: الثبت، قال أبوداود: هوأحفظ من كان بالكوفة.
وَقَال أَبُوعُبَيد الآجُرِّيّ: سألت أَبَا دَاوُد عَنْ سماع مُحَمَّد بْن بشر من سَعِيد بْن أَبي عَرُوبَة فَقَالَ: هُوَ أحفظ من كَانَ بالكوفة. تهذيب الكمال (24/ 523).
وقال ابن حجر قي «التقريب»: ثقة حافظ.
أما التعليل بالانقطاع فمن الأعاجيب , فالسند مسلسل بالسماع هكذا: عن محمد بن بشر، نا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم ... ».
وأسلم العدوي , مولى عمر, وصحيح سماعه منه, ومثل هذا يخرجه البخاري من رواية عروة يحكي عن عائشة أمورا ليس هوحاضرها , ولكن حملها المحققون على الاتصال وعلى تلقيه إياها منها , كما يقول ابن عبد البر العبرة باللقاء والمجالسة.
3 ـ سماع عبيدالله بن عمر من زيد أسلم غير معروف عند المحدثين وما جاء عنه بهذا الإسناد هي مناكير نادرة.
لم أعرف هذا , ومردود على قائله , ومتناقض فكيف تقول: «غير معروف» ثم تدعي أنه يروى به مناكير نادرة» كلام عير متوائم معنى ولغة.
4 ـ المخالفة: فإن الحديث معروف من غير طريق محمد بن بشر، عن محمد بن عمروبن علقمة، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن مرسلاً.
المعروف عند من؟ وهذا سند صحيح وذاك سند آخر يتعاضدان , لا يتهاتران
وما رجحته أنت غير حجة , فإن ابن علقمة نفسه منهم من لا يحتج به , بل هومضعف في شيخه هنا وهوأبوسلمة.
العلة الثالثة: النكارة في متنه، وأعني بها مواضع غير ما جاء في آخره من مبايعة علي لأبي بكر.
لا محل لها , حيث إن السند في أعلى درجات الصحة وتزول النكارة به , وبما حفه من الشواهد
2 ـ وأما حديث إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فلا يصح، وله علتان:
الأولى: الانقطاع، وذلك في موضعين:
أحدهما: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف؛ لم يحضر القصة ولا كان وقتها من أهل الرواية.
قلت: يكفي أن تعرف قول العلائي في «جامع التحصيل (ص: 14.): «إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر في كتب الصحابة لذلك ولا رؤية له بل هوتابعي يروي عن أبيه وعمر رضي الله عنهما».
وليس هوبمدلس , فكيف يحكم عليه بالانقطاع ,
والثاني: بين موسى بن عقبة وسعد بن إبراهيم.
دون ذلك خرط القتاد!!
والعلة الثانية: أن موسى بن عقبة ليس معروفاً بالرواية عن سعد، وليس له إلا هذا الخبر اليتيم عنه. وقد تفرد عنه دون بقية أصحابه العراقيين.
قلت: هذا ليس بعلة أصلا وقد ذكره المزي في الرواة عن سعد , ولا يعرف موسى بتدليس
قال المزي في «تهذيب الكمال» (1./ 243) في الرواة عن سعد: «ومنصور بْن المعتمر، وموسى بْن عقبة، وأبوعوانة الوضاح بْن عَبد اللَّهِ اليشكري (م س)».
وقولك: «وقد تفرد عنه دون بقية أصحابه العراقيين». شنشنة نعرفها من أخزم
ثم إن يرويها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عبد الرحمن بن عوف وهذا السند على شرط الشيخين , فكيف تطعن فيه؟
والأثر من مغازي موسى , وهي أصح المغازي ورواه فتعليك معلول!!
وقد قواه البيهقي بقوله: «وكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي».
فبهذا يتبين غلط تعليلك لسند رجاله في أعلى درجات التوثيق , ولوذهبنا نعل الأخبار بمثل هذا لكان حريا بنا أن نغلق الباب ونستريح.
والحاصل أن السندين صحيحان في الغاية من الصحة , كالشمس في الضحى , وهما وحدهما يؤكدان مبايعة علي في الوقت هووبنوهاشم , وهوما عليه المحققون.
أخي الكريم عبد الفتاح محمود ...
قد قلتُ لك فيما سبق بشأن ما ذكرتُه من الأمور المعلة لخبر زيد بن أسلم وخبر إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف بأنها مجرد إشارات فقط دون الدخول في التفاصيل، وعناوين عريضة يندرج تحتها كلام طويل الذيل.
فبادرتَ إلى إنكارها كلما لم يصل إليها علمك ولم يبلغها فهمك. فأرعدتَ وأبرقت! وكان أحرى بك أن تستفهم وتتثبت قبل أن تصدر أحكامك التي لا تقبل النقض والمراجعة! علماً بأن هذا الأسلوب كما هومعلوم طالما سدَّ أبواب الفائدة على طلبة العلم.
لهذا، لن أخوض معك هذه المرة في الكلام على العلل الخفية، لأن الكلام فيها كان قديماً ضرباً من الكهانة، فكيف في هذا العصر المزمن؟! وإنما سأقتصر على علة من العلل الظاهرة، وهي الانقطاع، حتى تعلم أني لم أنطلق من فراغ في نقد تلك المناكير. واختياري لهذه العلة بالذات لسببين:
أحدهما: أنها علة ظاهرة، فسيسهل عليك معرفة مدى موافقتها للقواعد العلمية برجوعك إلى المصنفات في علم أصول الحديث. فإذا كانت مخالفة لها فاضرب بكلامي عرض الحائط! وقس عليها بقية العلل!
والسبب الثاني: أنها ستختصر لنا الوقت، فإذا أثبتنا أنها علة حقيقية وليست وهمية كما تخيلتَ، فهي كافية للقدح والتوهين! وهوالمطلوب إثباته.
فأقول: الراوي في خَبَرِهِ تارة يصرح بالسماع أوالتحديث أوالإخبار، وتارة يقول: (عن فلان) ولا يصرح بشيء من ذلك، وتارة يقول: (قال فلان كذا)، وتارة يقول: (أن فلاناً فعل كذا). والذي يهمنا هنا هوهذا القسم الأخير، هل هومحمولٌ على الاتصال أم لا؟
قال حافظ المغرب أبوعمر يوسف بن عبدالبر القرطبي:
«فجمهور أهل العلم على أن ?عن? و?أن? سواءٌ، وأن الاعتبار ليس بالحروف، وإنما هوباللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة، فإذا كان سماع بعضهم من بعضٍ صحيحاً، كان حديث بعضهم عن بعض أبداً بأي لفظٍ ورد محمولاً على الاتصال، حتى تتبين علة الانقطاع».
واقتصرتَ على هذا القول في كلامك يا أخي وكأنه القول الوحيد في هذه المسألة! مع أن فيها قولين آخرين: فقد حكى ابن عبدالبر بعد ذلك عن البرديجي خلاف ذلك، أي أن هذا النوع من الإسناد المعنعن محمولٌ عنده على الانقطاع، إلا أن يُعلم اتصال الخبر من وجه آخر.
والتحقيق في هذه المسألة القول الثالث: التفصيل؛ وهوأن التابعي مثلاً إذا روى خبراً تضمن قصة أوواقعة، يُنظرُ فيها - بعد سلامة الإسناد من التدليس - من جهة الإدراك:
1 ـ فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصةً وقعت بين صحابي وبين غيره من الصحابة - والراوي لذلك تابعي حضر تلك الواقعة وشاهدها - فهي محكومٌ لها بالاتصال.
2 ـ وإن لم يدرك وقوعها ولا أسند حكايته إلى الصحابي كانت منقطعة.
3 ـ وإن لم يُدركها وأسندها إلى الصحابي كانت متصلة.
هذا ليس كلامي، وإنما أحيلك على ما ذكره الحافظ زين الدين العراقي حولها في «نكته على ابن الصلاح»، في تفريعات المعضل. وقد نص عليه في «الألفية» وهومن زوائده فيها على كتاب ابن الصلاح حين قال في مبحث العنعنة:
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَا * رَوَاهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمَا
يُحْكَمْ لَهُ بِالْوَصْلِ كَيْفَ مَا رَوَى * بِـ «قَالَ» أَوْ «عَنْ» أَوْ بِـ «أَنَّ» فَسَوَا
قال الشيخ زكريا الأنصاري في «فتح الباقي» (1/ 214):
«وهذه قاعدة يُعمل بها».
قلت: وهي قاعدة في غاية الأهمية، وعليها العمل لدى جهابذة المحدثين ونقاد الأخبار، وممن حكى اتفاق أهل الحديث عليها: الحافظ الناقد أبوعبدالله ابن الْمَوَّاق ـ وليس هوشارح «المختصر» وإنما هوتلميذ أبي الحسن ابن القطان الفاسي ـ في كتابه النفيس «بغية النقاد» [مخطوطة مكتبة دير الإسكوريال: ق 1/أ ـ ب]؛ فقد ذكر حديثاً أخرجه أبوداود في «سننه» (رقم 4232) من رواية عبدالرحمن بن طرفة:
«أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلاَبِ، فَاتَّخَذَ أَنْفاً مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ؛ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفاً مِنْ ذَهَبٍ».
وعبدالرحمن بن طرفة تابعي أدرك جده عرفجة بن أسعد وسمع منه، إلا أنه كما قال أبوعبدالله ابن المواق:
«تابعي لم يُشاهد القصة، ولم يَذكر مَن حدَّثه، فبقي الحديث مرسلاً».
ثم أضاف رحمه الله تعالى معلقاً على الحديث:
«وهوأمرٌ بَيِّنٌ! لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما يُروى كذلك وإرساله إذا عُلِمَ أن الراوي لم يُدرك زمان القصة .. ».
وقوله: (إذا عُلِمَ أن الراوي لم يُدرك) أي إذا قامت قرينة فيها دلالة بينة على عدم إدراكه لزمان القصة، كأن يثبت أن الراوي تابعي صغير، بينما هويروي لنا حادثة وقعت زمنَ الجاهلية مثلاً.
كما أن الحكم بالانقطاع ينسحب أيضاً على التابعي ـ فمن دونه ـ إذا تغيب عن مكان القصة، فهووإن كان عاصر زمنها، إلا أن روايته لها ليست عن حضور ومشاهدة.
وما نحن فيه تطبيقٌ لهذه القاعدة كما لا يخفى:
1 ـ فحديث إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف لم يسند فيه القصة عن أبيه أوعن عمر، وإنما حكى حكاية. ثم هولم يحضر القصة ولا كان وقتها من أهل الرواية، فأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه، ذكر المفسرون وأصحاب السير والمغازي وأهل الأنساب أنها أقامت بمكة إلى أن صالح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كفار قريش سنة سبع بالحديبية، ثم هاجرت فجاء أخواها يطلبانها، فأنزل الله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنت مهجرات) الآية، فلم يسلمها إليهما، وتزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها بمؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، فتزوجها الزبير ابن العوام فولدت له زينب، ثم طلقها فتزوجها عبدالرحمن بن عوف، فولدت له إبراهيم وحميداً وغيرهما؛ فإن كان قد ولد إبراهيم في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيكون في آخر أيامه، والله أعلم. فالإسناد منقطع بناء على القاعدة السابقة. وقد صححه الحاكم وتابعه ابن كثير، وهوذهولٌ منهما عن هذه القاعدة.
2 ـ وأما حديث زيد بن أسلم فقد قال أبونعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 255/رقم 868):
حدثنا أبوعلي محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا أبوشعيب الحراني، ثنا أبوجعفر النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال:
«بعث أبوبكر الصديق رضي الله عنه ـ كما حدثني نافع، عن عبدالله بن عمر ـ عمرَ ابن الخطاب سنة إحدى عشرة إلى الحج، فأقام للناس الحج، وابتاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تلك السنة مولاه أسلم من أناسٍ من الأشعريين».
إذا عُلم هذا، فحادثة السقيفة واستخلاف أبي بكر كانا عقب الوفاة النبوية، أي في شهر الربيع الأول من السنة الحادية عشرة! وكانت وفاة السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها في شهر رمضان من السنة نفسها على ما ذكره أهل السير!
فهذا مما يُبين لك أن أسلم مولى عمر لم يكن حاضراً في المدينة أثناء عملية الاستخلاف وما واكبها من أحداث، بل تأخر مجيئه إلى ما بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها. وبما أنه لم يسند الحكاية عن عمر، فالإسناد منقطع!
وهذا الخبر لم يصححه أحد من المحدثين خلافاً لما زعمت، اللهم إلا إن كنت تقصد ولي الله الدهلوي من المتأخرين، فنعم.
أكتفي بهذه العلة فقط لتضعيف الخبرين اللذين زعمتَ صحتهما، بل زعمتَ أنهما في الغاية من الصحة، وأنهما كالشمس في الضحى (!) فكيف إذا فصلنا لك الكلام على بقية عللهما؟!
أما اعتراضاتك على ما سطرناه إجمالاً من ذلك: فالظاهر أنها غابت عنك أشياء كثيرة بسبب أنك لم توف البحث حقه من حيث تتبع الطرق والوقوف ملياً عند أقوال أئمة الجرح والتعديل وأئمة العلل. وأما اتهامك لي بأنني أنهج نهج هدم الأخبار، فتسرع منك؛ عفا الله عنا وعنك.
وأخيراً أخي الكريم ..
مثلي مثلك، لا أنشط للاستمرار في حوار يكثر فيه القفز من موضوع لآخر دون خروج بنتيجة، والمبادرة إلى الإنكار من غير سماع لحجة والجرأة في ذلك، وعدم الاعتراف بالخطأ، وعدم الإقرار بالتراجع عنه. جُزيت. والسلام عليكم.
الأخ الكريم
البعد عن هذا الأسلوب الاستعلائي كان أحرى بك , وإنما يدل هذا على غرور وإفلاس, وعلى سقوط الميزان الصحيح من يدك , واعلم أن منهجك شاذ في هدم الأخبار, وبهذه الطريقة تستطيع في «عشر ثوان» هدم نصف الأحاديث الصحيحة!! وطريقتك هذه شبيهة بمنهج المبتدع الهدام حسان عبد المنان , حيث استطاع بهذه الطريقة العرجاء الهتماء أن يضعف نصف أحاديث رياض الصالحين , والتهجم على الصحيحين , بشكوك وأوهام ومخترعات جهلية حديثة
ومع ذلك , فلن أفوت الفرصة لكشف مدى مخالفتك لمنهج النقد الحديثي , وسآتيك بالخبر اليقين الذي يبين شذوذك واختراعك في هدم الصحاح, وفي نهاية الكلام سوفيتبين للقراء مدى مجافاة طريقتك للعلم:
مدخل:
قد تعرض الحفاظ لمثل هذه المسألة -وهي رواية الراوي حدثا لم يحضره - ورجح ابن حجر أن مرسل الراوي في هذه الحالة سواء كان صحابيا أوتابعيا محمول على الاتصال بشروط , منها: تنزهه عن التدليس.
ومنها: معرفة علاقته بمن يروي عنه الحدث , وكونه سمع منه.
فإذا توفرا حكم بالاتصال, ولابد لكنه يسمونه مرسلا لغة, وليس من قبيل المرسل الاصطلاحي الذي يراد به الانقطاع المفضي للتعليل
بل قد قبل العلماء بعض المنقطعات المتيقن انقطاعها وذلك لقرائن , منها: معرفة الراوي بمن يرسل عنه , خصوصيته بشيخه , كأن يكون أباه.
فهذا هوروح النظر في الأسانيد , أما من يعمد للكتب فيرى فلانا أرسل عن فلان , وفلان لم يسمع من فلان , وفلان يدلس عن فلان , ثم يخرج من ذلك بقاعدة كلية في تعليل الأخبار , فسكوته أستر لحاله.
فأما الصنف الأول: وهورواية الراوي حدثا لم يحضره:
فهذه بعض الأمثلة المبينة لمنهجهم الواضح:
1 - قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 548) (قوله باب الشعر في المسجد): «وفي الإسناد نظر من وجه آخر وهوعلى شرط التتبع أيضا وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هوخير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله الحديث.
ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة؛ لأنه لم يدرك زمن المرور, ولكنه يحمل على أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أومن حسان أووقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد, ويقويه سياق حديث الباب فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة وأبوسلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد فدل على تعدد الاستشهاد ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنما وقع متأخرا لأن ثم لا تدل على الفورية, والأصل عدم التعدد, وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور , ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة وهوالمقصود لأنه المرفوع وهوموصول بلا تردد والله أعلم»
2 - وقد تكلم الحافظ في كلام بديع عن مساواة مرسل الصحابي , ومرسل التابعي حكما , وأن القرائن مفتاح لمعرفة اتصال هذا المرسل:
حيث قال في «فتح الباري» (8/ 716/ 4953) باب حدثنا يحيى بن بكير على حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة , قال النووي: «هذا من مراسيل الصحابة؛ لأن عائشة, لم تدرك هذه القصة, فتكون سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم, أومن صحابي, وتعقبه من لم يفهم مراده, فقال: إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم, فكيف يجزم بأنها من المراسيل؟!. والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة بل يحمل على أنه سمعها أوحضرها ولولم يصرح بذلك, ولا يختص هذا بمرسل الصحابي بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة, ولوجاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة, وأما الأمور التي يدركها, فيحمل على أنه سمعها, أوحضرها, لكن بشرط أن يكون سالما من التدليس والله أعلم.
ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولها في أثناء هذا الحديث فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ قال فأخذني إلى آخره فقوله قال فأخذني فغطني ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك فتحمل بقية الحديث عليه.
3 - قال الحافظ في "الفتح" (1/ 258) (1/ 375) (1/ 492): «الليث عن يزيد هوبن أبي حبيب عن عراك هوبن مالك عن عروة هوبن الزبير وهوتابعي وحديثه هذا صورته صورة المرسل وسيأتي أنه محمول على أنه سمعه من عائشة
4 - "الفتح" (6/ 88) على الحديث [2896] عن طلحة، عن مصعب بن سعد، قال: رأى سعد رضي الله عنه، أن له فضلا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم»
قال الحافظ: «عن طلحة أي بن مصرف وهووالد محمد بن طلحة الراوي عنه ومصعب بن سعد أي بن أبي وقاص وقوله رأى سعد أي بن أبي وقاص وهووالد مصعب الراوي عنه ثم إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول لكن هومحمول على أنه سمع ذلك من أبيه وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله
وقال البدر العيني في "عمدة القاري" (14/ 179): «قوله: (رأى سعد) هوابن أبي وقاص، وهووالد مصعب الراوي عنه، وصورة هذا مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول. لكنه محمول على أنه سمع ذلك عن أبيه».
5 - قال الحافظ في "الفتح" (8/ 1.) قوله: «وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة هومكان معروف بالقرب من مقبرة مكة قال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية
وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فإنه لا صحبة له ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أوفي خلافة عثمان ويحتمل أن يكون التقدير سمعت العباس يقول قلت للزبير إلخ فحذفت قلت.
قوله: «قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل ذلك هوعروة وهومن بقية الخبر وهوظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير, وأما باقيه, فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه, أوعن العباس؛ فإنه أدركه, وهوصغير, أوجمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة, وهوالراجح».
6 - قال الحافظ في "الفتح" (8/ 583)
(قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر)
هذا السياق صورته الإرسال لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه قال عمر فحركت بعيري إلخ وإلى ذلك أشار القابسي
7 - قال الحافظ في "الفتح" (9/ 533) [5388] قوله هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان هشام هوبن عروة حمل هذا الحديث عن أبيه وعن وهب بن كيسان وأخرجه أبونعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه عن هشام عن وهب بن كيسان فقط وتقدم أصل هذا الحديث في باب الهجرة
طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه وعن امرأته فاطمة بنت المنذر كلاهما عن أسماء وهومحمول على أن هشاما حمله عن أبيه وعن امرأته وعن وهب بن كيسان ولعل عنده عن بعضهم ما ليس عند الآخر فإن الرواية التي تقدمت ليس فيها قوله يعيرون وهوبالعين المهملة من العار وبن الزبير هوعبد الله
8 - قال الحافظ في "الفتح" (13/ 3.8) [7328] قوله وعن هشام عن أبيه هوموصول بالسند الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي أسامة موصولا أن عمر أرسل إلى عائشة هذا صورته الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن إرسال عمر إلى عائشة لكنه محمول على أنه حمله عن عائشة فيكون موصولا».
9 - قال البدر العيني في "عمدة القاري" (17/ 28.) قوله قال عروة وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم إلى قوله وأمر هذا السياق يوهم أن نافعا أحضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فإنه لا صحبة له ولكنه محمول على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أوفي خلافة عثمان
وقد أصل البدر العيني القاعدة , حيث قال في "عمدة القاري" (4/ 167): «واختلفوا فيما إذا قال حدثنا فلان أن فلانا قال كذا أوفعل كذا فقال الإمام أحمد وجماعة يكون منقطعا حتى يتبين السماع وقال الجمهور هوكعن محمول على السماع بشرط أن يكون الراوي غير مدلس وبشرط ثبوت اللقاء على الأصح».
وقال ابن التركماني , ولخصه الألباني في "صحيح أبي داود" (4/ 85): «وجمهور أهل الحديث: على أن من أدرك شخصاً فروى عنه؛ كانت روايته محمولة على الاتصال؛ سواءً كانت بلفظ: (قال) أو: (عن) أوغيرهما».
وانظر كلام ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 6.1) وما بعدها في بحث «السند المؤنن: وهوقول الراوي: أن فلان قال:».
وقال في ابن رجب في (2/ 6.3): «والحفاظ كثيراً ما يذكرون مثل هذا، ويعدونه اختلافاً في إرسال الحديث واتصاله، وهوموجود كثيراً في كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطني وغيرهم من الأئمة.
ومن الناس من يقول: هما سواء، كما ذكر ذلك لأحمد.
وهذا إنما يكون فيمن اشتهر بالرواية عن المحكي قصته، كعروة مع عائشة، أما من لم يعرف له سماع منه، فلا ينبغي أن يحمل على الاتصال، ولا (عند من يكتفي) بإمكان اللقى.
والبخاري قد يخرج من هذا القسم في صحيحه، كحديث عكرمة "أن عائشة قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قصة امرأة رفاعة، وقد ذكرناه في كتاب النكاح، هذا على تقدير أن يكون عكرمة سمع من عائشة.
وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين هاتين العبارتين، وكذلك ذكر أحمد أيضاً أنهم كانوا يتساهلون في ذلك، مع قوله: إنهما ليسا سواء، وان حكمهما مختلف، لكن كان يقع ذلك منهم أحياناً على وجه التسامح، وعدم التحرير.
=وهذا صنيع النبهاء من المعاصرين , فقد قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2/ 32): «سليمان بن يسار ثقة جليل، أحد الفقهاء السبعة، ولم يعرف بتدليس، وقد أدرك أم سلمة حتماً؛ فحديثه عنها محمول على الاتصال».
وجعلها من الأصول , فقال في (3/ 5): «وليس في هذه الرواية ما ينفي أن يكون سهيلٌ سمع الحديث من أبيه؛ فإنه ثقة كثير الرواية عن أبيه، وهولم يعرف بالتدليس، فروايته محمولة على الاتصال- كما هومقرر في الأصول-،».
وقال الألباني في (2/ 112): «عكرمة- وهوأبوعبد الله المدني البربري؛ مولى ابن عباس- تابعي مات سنة (1.7)؛ وهوغير معروف بالتدليس، فروايته محمولة على السماع إلا إذا وجد ما يدل على الانقطاع؛ وليس لدينا شيء من ذلك.
وقال في (2/ 242) القعقاع لم يسمع من عائشة ". قلت: وقد رجعت إلى ترجمة القعقاع من "التهذيب "؛ فإذا به يقول: " روى عن أبي هريرة- وقيل: لم يلقه-، وجا بر، وعائشة، وابن عمر، وعلي بن الحسين ... " إلخ. فلم ينفِ سماعه منها، والقعقاع لم يعرف بتدليس، فروايته محمولة على الاتصال.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (3/ 71) لكن قد ذكر أيضا أن أبا رزين هذا كان غلاماً على عهد عمر، وأن ابن أم مكتوم مات في آخر خلافة عمر. ومعنى هذا أن أبا رزين قد أدرك ابن أم مكتوم وهوغلام يعقل؛ فروايته عنه محمولة على الاتصال عند الجمهور؛ فإنكار ابن القطان لسماعه منه؛ لا ندري ما وجهه؟
فأما الصنف الثاني: وهورواية الراوي عمن لم يسمع منه: فليس من النقد السليم اعتبارها ضعيفة في كل الأحوال , وتغييب النظر الخاص لكل رواية.
وقد كفانا الكلام فيه الشيخ عبد العزيز الطريفي في «التحجيل» (ص: 28) فقال: «
وأبوعبيدة هوابن عبد الله بن مسعود ولم يسمع من أبيه. وحديثه عن أبيه محمول على الاتصال قبله - وما في حكمه - الحفاظ كعلي بن المديني والنسائي والدارقطني، وأبوعبيدة وإن لم يسمع من أبيه إلا أنه من أعلم الناس بحديث أبيه، فهويأخذ حديث أبيه من أهل بيته، وكبار أصحاب ابن مسعود، وعلى هذا جماعة من المحققين كابن تيمية كما في "الفتاوى": (6/ 4.4) وابن رجب في "الفتح": (6/ 14).
وثبوت الانقطاع وعدم اللقي عند الأئمة لا يلزم منه الضعف، وإن كان الضعف هوالغالب، فهم يثبتون الانقطاع في رواية أبي عبيدة عن أبيه، وسعيد عن عمر، والنخعي عن ابن مسعود وغيرها ويصححونها لقرائن لا تقاومها علة الانقطاع.
قال ابن تيمية في "فتاويه": (6/ 4.4): «ويقال أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هوعالم بحال أبيه متلق لآثاره من أكابر أصحاب أبيه، وهذه حال متكررة من عبد الله رضي الله عنه فتكون مشهورة عند أصحابه فيكثر المتحدث بها، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يتهم عليه حتى يخاف أن يكون هوالواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل أنه لم يسمع من أبيه».
قال ابن رجب في "شرح الصحيح": (7/ 342): (وأبوعبيدة وإن لم يسمع من أبيه إلا أن أحاديثه عنه صحيحة تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث ابيه قاله ابن المديني وغيره) انتهى.
وقد قال الطحاوي قبل ذلك في "شرح معني الآثار": (1/ 95): (فإن قال قائل: الآثار الأول أولى من هذا لأنها متصلة وهذا منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، قيل له: ليس من هذه الجهة احتججنا بكلام أبي عبيدة، إنما احتججنا به لأن مثله على تقدمه في العلم وموضعه من عبد الله وخلطته لخاصته من بعده لا يخفى عليه مثل هذا من أمور فجعلنا قوله ذلك حجة) انتهى.
وانظر: «التحجيل» (ص: 559)
وقال في «التحجيل» (ص: 297) أما أثر عمر: أخرجه الإمام أحمد وغيرهم من طرق عن إبراهيم بن ميسرة سمع سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه ورث جدة رجل من ثقيف مع ابنها السدس.
ورجاله ثقات؛ إلا أن سعيداً لم يسمع من عمر، ومثل هذا يحمل على الاتصال والصحة، إذ أن ابن المسيب من أعلم الناس بأقضية عمر وفقهه، بل كان عبد الله بن عمر يبعث إلى سعيد إن أشكل عليه شيء من أقضية أبيه.
وسعيد وإن لم يكن سمع من عمر كل ما رواه عنه بالاتفاق، إلا أنني لا أعلم أحداً ممن تقدم من الحفاظ أطلق القول برد روايته عن عمر رضي الله عنه.
وأسند ابن أبي حاتم قي "الجرح والتعديل": (4/ 6.) عن أبي طالب قال:
(قلت لأحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب؟ فقال: ومن مثل سعيد ابن المسيب ثقة من أهل الخير. قلت: سعيد عن عمر حجة؟ قال: هوعندنا حجة، وقد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!) انتهى.
خاتمة المطاف:
حتى لا يتوه المتابع ويتحير , فقد آن الأوان لحط الرحال
فقد وجدت نظيرين للسندين محل الجدال عند أمير المحدثين, وبهذا ينقطع الكلام فيهما إلى يوم الدين , وإلا من طعن فيهما يكن قد طعن في سندي البخاري
1 - فأما الأثر الأول: وهو: «طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب ... ».
فقد روى مثله البخاري (1275 - 4.45) عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أتي بطعام وكان صائما، فقال: " قتل مصعب بن عمير وهوخير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه، بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه - وأراه قال: وقتل حمزة وهوخير مني - ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أوقال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام ".
قال الحافظ في "الفتح" (7/ 353): «قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف».
2 - وأما الأثر الثاني: وهو: «عن محمد بن بشر، نا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم أنه حين أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان علي، والزبير، يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: «يا بنت رسول الله ... ».
أقول: قد روى البخاري (4177) (4833) (5.12) عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، وقال عمر بن الخطاب: ثكلتك أمك يا عمر، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين ... الحديث.
قال الحافظ في "الفتح" (8/ 583): «قوله: «عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ... هذا السياق صورته الإرسال؛ لأن أسلم, لم يدرك زمان هذه القصة, لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه قال عمر فحركت بعيري إلخ وإلى ذلك أشار القابسي ... ».
وقال البدر العيني في "عمدة القاري" (19/ 175): «هذا صورته صورة الإرسال لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة، لكنه محمول على أنه سمع من عمر بدليل قوله في أثناء الحديث: (فحركت بعيري)».
قلت: ومنه تعلم أن احتمال تلقي أسلم قصة المبايعة عن مولاه عمر هوأقرب الاحتمالات , ولا يستلزم ذلك حضوره الواقعة , وذلك لوجود عمر في القصة بل كل من حضر القصة من الصحابة المذكورين أبي بكرووالزبيرومحمدبن سلمة ممن عاصرهم أسلم , فلا يبعد تلقيه القصة عن أحدهم , وإن كان الأقرب عمر
ومن هنا قبل العلماء مراسيل صغار الصحابة وهم على يقين من عدم حضورهم للقصة , وذلك لبعد تلقيهم ما يروونه عن أصغر منهم من التابعين
كذلك هنا يبعد أن يتلقى أسلم هذه القصة عن التابعين وهومجالس لكبار الصحابة
لكن على المنهج الغرناطي فهومرسل , فأسلم يقينا لم يحضر الواقعة؛ لأنه ليس صحابيا!!
وبهذا يتضح أن هذين السندين على رسم السندين المنتقدين الذين وصفهما المعترض بسيل من المناكير!!.
ومع ذلك , فلوحضر الفهم لرأى أن هذا أثر موقوف , وهذه مرفوعات, وديدن فقهاء المحدثين التفريق في الحكم بين هذا وذاك.
وتكميلا للفائدة , فأود أن أشير لحسن العلاقة بين الصديق أبي بكر , وبين فاطمة رضي الله عنها -بضعة النبي - , وذلك من خلال أثر يشبه ما نحن فيه من ناحية الصناعة الحديثية:
فقد روى ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/ 27) في ترجمة أبي بكر، والبيهقي (6/ 3.1) عن الشعبي أنه قال: «لما مرضت فاطمة أتاها أبوبكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يافاطمة هذا أبوبكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا إبتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت».
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (5/ 253) -: «وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي، أوممن سمعه من علي»
وقال ابن حجر في «الفتح» (6/ 2.2): «وهووإن كان مرسلاً؛ فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر. . . فإن ثبت حديث الشعبي، أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك، لما علم من وفور عقلها ودينها، عليها السلام»
فانظر إلى صنيع هذين الحافظين , فالأول قواه بناء على علوطبقة الشعبي وكونه إما تلقاه من علي نفسه , أوممن سمعه منه من تلك الطبقة القريبة للحدث, أما الحافظ , فقد احتج به على حاله مرسلا , وقواه بالقرائن, وهذا هوالنقد الحديثي المرجو تفهمه.