أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين
أما حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهمالمذكور بعد هذا، ولفظه: (أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) فهوحديث ضعيف لا يثبت، كل طرقه واهية أوموضوعة كما يأتي:
فقد أخرجه الحاكم في (المستدرك) من طريقين ضعيفين جداً، وقد عقب الذهبي عليهما بقوله: (لم يصح، وساقه الحاكم بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب ضعيفين). قلت: أولهما (3/ 193) من طريق محمد بن حميد- الرازي- ثنا سلمة بن الفضل ثني أبوزيد الأحول عن عتاب بن ثعلبة- وفي الأصل: عقاب وهوتصحيف- عن أبي أيوب الأنصاري، وهذا واهٍ، محمد بن حميد الرازي على حفظه فهوضعيف متهم وقد كذّبه بعضهم، وشيخه سلمة بن الفضل ضعيف لسوء حفظه، قال البخاري: في حديثه بعض المناكير، وقال الحافظ في (التقريب): صدوق كثير الخطأ. فهذه علتان، والعلة الثالثة: أبوزيد الأحول هذا لا يعرف، ولم أجد أحداً ذكره.
وهناك علة رابعة وهي شيخه عتاب بن ثعلبة وهومجهول أيضا ذكره الذهبي في (الميزان) مع حديثه هذا وقال: (والإسناد مظلم، والمتن منكر).
أما الإسناد الثاني عند الحاكم (3/ 139 - 14) فهومن طريق محمد بن يونس القرشي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا عليّ بن غراب بن أبي فاطمة عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب. وهومثل سابقه أوأوهى منه، فمحمد بن يونس القرشي هذا هوالمعروف بالكديمي وحاله مثل حال محمد ابن حميد الرازي السابق تماماً، فمع حفظه الواسع فهومتهم بالكذب، وقد كذّبه صراحةً غير واحد كأبي داود- صاحب السنن- وموسىبن هارون والقاسم بن زكريا المطرز، هذه العلة الأولى. والعلة الثانية: عليّ بن غراب ابن أبي فاطمة، والصواب فيه: علي بن أبي فاطمة، وهوعلي بن الخزور وإنما قلنا هذا لأنه هوالذي له رواية عن الأصبغ بن نباتة أولاً وهوالذي جزم به في (تنزيه الشريعة) (1/ 387) ثانياً، وإذا كان كذلك، فهومتروك شديد التشيع، كما الحافظ. ويبعد أن يكون عليّ هذا هوابن غراب الفارازي الكوفي لتأخر طبقته عن الأول، وليس له رواية عن الأصبغ والله أعلم، وعلى فرض أنه هوفهوشيعي غالٍ مع صدقه في نفسه فلا يحتج به في مثل الحديث، وهوإلى ذلك مدلس وقد عنعنه ولم يصرح بالسماع.
العلة الثالثة: الأصبغ بن نباتة هذا متروك أيضا ورمي بالرفض وقد اتهم، وقد مر حاله في صفحة (489). ولحديث أبي أيوب هذا طريقين آخرين عند الحاكم في (الأربعين) وقد ساقهما الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/ 35 - 36)، ثانيهما هونفسه الطريق الأول المار في (المستدرك) (3/ 193)، أما الأول منهما، وهوالثالث هنا فهومن طريق محمد بن كثير عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن مخنف بن سليمان- كذا هو، وأظن الصواب مخنف بن سليم، والله أعلم- عن أبي أيوب. وهوواهٍ أيضا،. محمد بن كثير الراوي عن الحارث بن حصيرة هذا هوالقرشي الكوفي أبوإسحاق، قال الإمام أحمد: خرقنا حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبوحاتم: ضعيف الحديث، وفي (التقريب) أيضا: ضعيف. وشيخه الحارث بن حصيرة أيضا فيه ضعف مع ما عنده من الرفض المانع من قبول حديثه هذا بالخصوص، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ ورمي بالرفض). وهذا بالإضافة إلى شيخ الحاكم أبي الحسن عليّ بن حماد المعدل فلم أجد له ترجمة والله أعلم.
ثم وجدت الحديث وقد عزاه في (كنز العمال) (31721) لإبن جرير- يعني في (تهذيب الآثار- وقال فيه مخنف بن سليم، كما رجحناه، فالحمد لله ربّ العالمين.
ولحديث أبي أيوب هذا طريق آخر بسياق طويل، أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (13/ 186 - 187) من طريق أحمد بن محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن جعفرن المطيري، ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسرّ من رأى، ثنا المعلى بن عبد الرحمن - ببغداد-، ثنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش، ثنا إبراهيم عن علقمة والأسود قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري ... الحديث، وفيه قوله: ( ... وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع عليّ، بقتال الناكثين، والقاسطين، المارقين .. ) وفيه قوله أيضا: ( ... يا عمّار بن ياسر إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ فإنه لن يدليك في ردي، ولن يخرجك من هدى .. ) وهوالذي تقدم برقم (26) ووعدنا بالكلام عليه هنا فنقول: إنه حديث موضوع وكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى الصحابيّ الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ففي إسناده هذا كذّابان أومتهمان بالكذب ووضع الحديث، أولهما أحمد بن عبد الله المؤدب هوابن يزيد المعروف بالهشيمي، قال ابن عدي: (كان بسامرا يضع الحديث)، قال الذهبي: دجّال كذّاب، وقد تقدم حاله في صفحة (485)، والثاني هوشيخه المعلى بن عبد الرحمن وهوالواسطي، قال الدارقطني: (ضعيف كذّاب)، قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وقال الحافظ في (التقريب): (متهم بالوضع، وقد رمي بالرفض). وقد اكتفى ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/ 36) في إعلال الحديث بالمعلى هذا فقصّر إذ غفل عن الراوي عنه أحمد بن عبد الله المؤدب الكذّاب. ولا نريد أن نضيف إلى هذين الكذّابين علة ضعف أحمد بن محمد بن يوسف- ابن محمد بن دوست- لأنها دون كذبهما فاقتصرنا عليهما.
هذه حال طرق الحديث- وهي أربعة- عن أبي أيوب الأنصاري لا تقوم بأي منها حجة، بل فيها ما يبيّن ضعفه وكذبه. ولهذا الحديث أيضا طرق أخرى عن غيره من الصحابة، وهي ساقطة كلها لا تقوم بها حجة، وغير صالحة للتعاضد لشدة وهنها كما سنذكره إجمالاً، وقد صرح بضعف هذا الحديث بكل طرقه الحفظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/ 34) فقال: ( .. فإنه حديث غريب ومنكر، على أنه قد روي من طرق عن عليّ وعن غيره ولا تخلوواحدة منها عن ضعف) إ. ه. ومثله قول العقيلي، كما في (تنزيه الشريعة) (1/ 387). ولا حاجة بنا إلى تفصيل بيان ضعف أسانيده هذه، بل سنقتصر في كل طريق بذكر علة واحدة أوأكثر من علله التي تكفي لإسقاطه بالكلية، ولتفصيل ذلك موضع آخر، أما الأن فنقول: قد روي هذا الحديث عن عليّ نفسه، وله عنه ستة طرق:
الأول: عند الخطيب (8/ 34 - 341) وفيه أبان بن أبي عياش وهومتروك وقد اتهم بالكذب، إضافة إلى ما في السند من الإنقطاع من الرواة المجاهيل. والثاني: عند أبي يعلى وأبي بكر بن المقرئ- كما في (البداية والنهاية (7/ 34)، وانظر كذلك (مجمع الزوائد) (5/ 186) - وفي السند الربيع بن سهل الفزاري وهوضعيف بالإتفاق، ضعفه الدارقطني وغيره وقال ابن معين: ليس بشيء. الثالث: عند ابن عدي- كما في (البداية والنهاية) (7/ 34) وساق بعض إسناده الذهبي في (الميزان) (1/ 584) - وفي الإسناد حكيم بن جبير وهوضعيف ورمي بالتشيع، وكذلك شيخ ابن عدي أحمد بن حفص صاحب مناكير وقد اتهم، وفي الإسناد أيضا بعض المجهولين. الرابع: عند الحاكم في (الأربعين) - (البداية والنهاية) (7/ 35) - بإسناد مسلسل بالضعفاء، محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي وأبيه وعمه عمروبن عطية. الخامس: عند ابن عساكر- (البداية) (7/ 35) - من طريق مجاهيل لا يعرفون، أنس بن عمروعن أبيه عمرو، وغيرهم. السادس: عند ابن عساكر أيضا- (البداية) (7/ 35) - وفي إسناده أبوالجارود، وهوزياد بن المنذر صاحب الجارودية، وهوكذّاب، كذّبه يحيى ابن معين وأبوداود وغيرهما، وتركه الباقون، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث.
ورُوِيَ الحديث أيضا عن عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان:
الأول: عند الحاكم في (الأربعين) - (البداية والنهاية) (7/ 35) - وفي إسناده إسماعيل بن عبّاد، وهومتروك، إضافة إلى ما فيه من الضعفاء والمجاهيل الآخرين. والثاني: عند الطبراني في (الأوسط) - (مجمع الزوائد) (7/ 238) - وفي الإسناد مسلم بن كيسان الملائي، قال النسائي وغيره: متروك، وقد ضعفه غير واحد، وبه أعلّ الحديث الهيثمي.
ورُوِيَ أيضا من حديث أبي سعيد الخدري عند الحاكم في (الأربعين) - (البداية والنهاية) (7/ 35) - من طريق أبي هارون العبدي، وهومتروك ومنهم من كذّبه، وهوشيعي أيضا، إضافةً إلى ضعفاء آخرين فيه.
ومن حديث عمار بن ياسر عند الطبراني أيضا- (مجمع الزوائد) (7/ 238 - 239) - من رواية أبي سعيد التيمي وهوعقيصاء، وهوشيعي متروك، تركه الدارقطني وغيره.
ومع كل هذه الطرق- الأربعة عشر- لهذا الحديث فإنه لا يصح ولا يثبت وحتى لوصح فما فيه أكثر مما تقدم في حديث أبي سعيد الماضي في قتال الخوارج المتأولين للقرآن، والحمد لله ربّ العالمين.
وأما حديث عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يا عليّ ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني)، فقد ذكره في (كنز العمال) (3297) وعزاه لإبن عساكر، ومنهنقله هذا الارفضي عبد الحسين دون معرفة إسناده ومخرجه وهوالأمر الذي لا يلتفت إليه طالما أن الحديث يوافق هواه. وما دمنا لم نتمكن من معرفة إسناده فلا يصح عندنا هذا الحديث ولا يثبت، على أن هناك ما يبيّن ضعفه، وهوما نقلناه في صفحة (382) عن المتقي الهندي صاحب (الكنز) من مقدمة كتابه (1/ 1) بإكتفائه في الحكم على الحديث بالضعف بعزوه إلى ابن عساكر أوآخرين ذكرهم هناك، وهذا الأمر المتحقق هنا بحمد الله، لكن طرف الحديث الأول صحيح ثابت في أحاديث أخرى، وهودليل لمذهب أهل السنة في جعل الحق مع عليّ في حربه مع معاوية رضي الله عنه أجمعين، واعتبار معاوية وأصحابه هم الباغين، لكن هذا لا يوجب فسقهم ولا كفرهم كما يزعمه هؤلاء الرافضة الضالين، وقد فصّلنا ذلك وبيّناه في صفحة (377).