لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه
ثم ساق هذا الموسوي في الهامش (1/ 183 - 184) حديثين، الأول نقله من (كنز العمال) ولفظه: (لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال الغنم. فقال أبوبكر: أنا هويا رسول الله؟ قال: لا، قال له عمر: أنا هويا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، قال وفي كف عليّ نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم) إ. ه. ومع أن هذا الحديث لا تعلق بينه وبين هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه ... } الآية ومع أنّه لا دليل فيه على أفضلية عليّ رضي الله عنه وتميّزه بل فيه فضل له، كان لغيره الكثير مثله أوفوقه، مع كل هذا فالحديث ضعيف لا يثبت، وقد عزاه هذا الموسوي في هامشه إلى كثير من أصحاب السنن، وهوكذب لا يخفى، وهولا يستحي منه فلم يروه سوى الخطيب في (تاريخ بغداد) (8/ 433) - وإليه فقط عزاه صاحب الكنز (36373) - من طريق أحمد بن كامل القاضي حدثني أبويحيى بن مروان الناقد حدثنا محمد بن جعفر الفيدي حدثنا محمد بن فضيل عن الأجلج قال: حدثني قيس بن مسلم وأبوكلثوم عن ربعي بن حراش عن عليّ. وهذا إسنادٌ واهٍ، وعلامات التشيع والمغالاة فيه واضحة عليه وعلى متن الحديث أيضا، ففيه علل:
الأولى: أحمد بن كامل القاضي، روى الخطيب في تاريخه (4/ 358) عن الدارقطني أنه قال عنه: (كان متساهلاً وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه) وأشار إلى تضعيف الدارقطني له أيضا الذهبي في (الميزان).
وقال عنه أيضا: (كان يعتمد على حفظه فيهم). فهوإذن عنده أوهام مع تساهله.
الثانية: محمد بن جعفر الفيدي، فيه كلام يسير، قال الحافظ في ترجمته في (التهذيب): (له أحاديث خولف فيها) وقد بين الحافظ هناك عدم ثبوت رواية البخاري عنه، وانظر كذلك (فتح الباري) (5/ 286).
وشيخه محمد بن فضيل بن غزوان، وإن كان ثقة في نفسه إلاّ أ، ه عند تشيع، فيتوقف فيه عند حديثنا هذا، انظر ترجمته من (الميزان) و(التهذيب) وكذلك (هدي الساري) (ص616).
الثالثة: الأجلح هذا هوابن عبد الله الكندي وهوشيعي، وقد تقدم ذكره مع ما عنده من ضعف في (ص431) وبسبب تشيعه وضعفه هذا كانت عنده مناكير، قال الإمام أحمد: (قد روى الأجلح غير حديث منكر) فلأجل هذا لا يحتج به في شيء من فضائل عليّ رضي الله عنه وأهل البيت، كما قرره ابن كثير وغيره من الحفاظ فيما تقدم.
الرابعة: قيس بن مسلم هذا الصواب فيه قيس بن أبي مسلم، ذكره الحافظ في (تعجيل المنفعة) ولم ينقل توثيقه عن أحد سوى ابن حبان، وعنهمابن خلفون، وابن حبان متساهل جداً في التوثيق حتى أن من قاعدته أن يوثق المجهولين ومنهم الذين يصرح هونفسه أنه لا يدري من هوولا من أبوه، كما نقل ذلك عنهمابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) (ص93) فالجهالة عند ابن حبّان ليست جرحاً- كما بينه الشيخ الألباني في (الضعيفة) (2/ 328 - 239) -، ومن هنا فإن توثيق ابن حبّان لوحده لا يخرج ذلك الراوي عن حد الجهالة عند المحققين. وقيس هذا روى عنهمالأجلح الكندي- كما في إسنادنا هذا- ومسلم بن مسلم الصغير، كما قال ابن حبّان، ولم يرد فيه توثيق معتبر كما قلنا، فهوإذن مجهول الحال وفقاً للقاعدة التي بينها الحافظ في مقدمة (التقريب) فقال: (السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ، مستور أومجهول الحال) إ. ه. ولا يصح الاعتراض هنا بتوثيق ابن حبّان لما قدمنا من مذهبه في عدم اعتبار الجهالة جرحاً فلا يصبح توثيقه شرطاً منفصلاً هنا كما هوواضح. وأما قرين قيس بن مسلم- أوابن أبي مسلم- في إسنادنا هذا، وهوأبوكثلوم فلم أجد له ترجمة ويبقى هومجهول العين، وهي أشد من جهالة الحال أوالوصف.
فهذه حال إسناد هذا الحديث ينتقل من مجهول إلى ضعيف متشيع إلى صاحب أوهام وتساهل فأنّى له الصحة؟ بل هوضعيف مردود.
والحديث الثاني الذي ساقه في الهامش، حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله) فاستشرفنا وفينا أبوبكر وعمر، فقال: (لا، ولكنه خاصف النعل) أخرجه الإمام أحمد (3/ 33، 82)، والحاكم (3/ 122 - 123)، ومن طريقه البيهقي في (دلائل النبوة) (6/ 435، 436)، وأخرجه أيضا أبويعلى- (البداية والنهاية) (7/ 36)، (مجمع الزوائد) (5/ 186) - وذكره أيضا في (كنز العمال) (32967) ونحوه عند ابن أبي شيبة (12/ 64) وفي (الكنز) (36351). وهوحديث صحيح ثابت وقد أشار إلى طرقه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/ 361)، وفيه فضل عظيم لعليّ رضي الله عنه، لكن لا علاقة له بالآية أبداً ولا بقتال المرتدين، فإن الآية هذه: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت الله بقومٍ يحبهم ويحبونه ... }. الآية تتحدث عن قتال المرتدين لا غيرهم كما هوواضح وعليّ رضي الله عنه لم يتفق له قتال المرتدين، وقد قدمنا في (ص142 - 143) بطلان القول بأن كل من نازعه الإمامة كان مرتداً، من وجهين فإنه رضي الله عنه قد نص على إيمان من خالفه في الإمامة وتصديقهم للرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما نقلناه هناك من (نهج البلاغة) نفسه.
واسم المرتد يتناول من كان خارجاً عن دين الإسلام بعد أن كان مسلماً، وليس في ذلك أبداً منازعة الإمام- علياً أوغيره- في إمامته، بل هذا ما تقوله الشّيعة، ثم أنهم خصوا ذلك بعليّ، فمن نازع أبا بكر وعمر وعثمان في إمامتهم لم يجعلوه مرتداً، كما جعلوا من نازع عليّاً، بل جعلوه مسلماً مؤمناً محقاً وهذا من تناقضهم القبيح الذي يبين اتباعهم الهوى حتى إذا خالفوا قواعد وأصولاً ابتدعوها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإذا كانت الآية لا تخص علياً بشيء ولا تشير له أدنى إشارة، فكذلك الحديث لا تعلق له بالآية كما زعمه هذا الموسوي، بل فيه الإشارة والبشارة لعليّ رضي الله عنه في قتاله الخوارج- قبحه الله- فإنهم هم الذين تأولوا القرآن، فقد أوتوا من سوء فهمهم، ولم يقصدوا معارضة القرآن بل قصدوا اتباعه وكانوا يحتجون به على مطلوبهم مما فهموه وتأولوه. ولهذا لما حاججهم ابن عباس رضي الله عنهما رجع منهم خلق كثير. والخوارج لم يكفرهم عليّ رضي الله عنه ولا يصحّ تكفيرهم فتمتنع تسميتهم مرتدين لذلك.
فصح بهذا أن قتال عليّ رضي الله عنه على تأويل القرآن هوقتاله الخوارج لا غيرهم، وهوأقل فضلاً ومنزلةً من قتال أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه للمرتدين بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه هوالذي تنطبق عليه الآية {يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم الله ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. وقد بينا ذلك في صفحة (142 - 144)، وسيأتي في صفحة (54 - 549) الكلام بالتفصيل على هذا الحديث.
ثم زعم هذا الموسوي في الفقرة الثانية من هذه المراجعة بأن منزلة العترة كمنزلة القرآن الكريم من ابطل الباطلات، وقد سبقت دعوى هذا الموسوي في بداية كتابه، وفصلنا الرد عليه وعلى ما احتج به عليها في صفحة (42 - 53) فراجعه ففيه القول الفصل إن شاء الله، مع التنبيه هنا على ضعف دلالة الاقتران وسقوطها عن الاعتبار عند أئمة الأصول، وهي التي عوّل عليها هذا الموسوي في الاحتجاج بهذا الحديث.