آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

إن الصحابة كانوا يرجعون إلى علي في أمهات المسائل ..

إن الصحابة كانوا يرجعون إلى علي في أمهات المسائل

ولا يرجع إلى واحد منهم، فقد رد شيخ الإسلام -رحمه الله- على هذه الدعوى حيث قال: «ما كان الصحابة يرجعون إليه، ولا إلى غيره وحده في شيء من دينه، لا واضحة ولا مشكله، بل كان إذا نزلت النازلة يشاورهم عمر -- رضي الله عنه --، فيشاور عثمان، وعلياً، وعبدالرحمن بن عوف، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، حتى يشاور ابن عباس، وكان أصغرهم سناً، وكان السائل يسأل علياً تارة، وأبي ابن كعب تارة، وعمر تارة، وقد سئل ابن عباس أكثر مما سئل علي، وأجاب عن المشكلات أكثر من علي، وما ذاك لأنه أعلم منه، بل علي أعلم منه لكن احتاج إليه من لم يدرك علياً.

... فأما أبوبكر -- رضي الله عنه -- فما ينقل عنه أحد أنه استفاد من علي شيئاً من العلم، والمنقول أن علياً هوالذي استفاد منه كحديث صلاة التوبة وغيره». - منهاج السنة 8/ 6 - 61.

... قلت: ولوثبت أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يشاورن علياً، فهذا ليس دليلاً على أنه أفضل منهم أوأعلم منهم، وهذا ظاهر فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستشير أصحابه: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وأهل الرأي منهم، استجابة لأمر ربه {وشاورهم في الأمر}  آل عمران من الآية 159،  ومعلوم أن هؤلاء الصحابة لا يقاسون قطعاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفضل والعلم، وكذلك كان أبوبكر يشاور عمر وبعض الصحابة، وهوأفضل منهم وأعلم، بل كان علي يشاور من هودونه في الفضل كابنه الحسن، وابن عباس وغيرهم، وهوأفضل وأعلم بالدين منهم.

... وقول الرافضي إن علياً ما كان يرجع إلى أحد منهم فإن كان يقصد أبا بكر وعمر وعثمان، فما كان علي مدة حياتهم من أهل الولاية حتى يحتاج إلى مشورتهم، بل كانوا هم الخلفاء الذين ينظرون في أمر الأمة، فهم الذين يستشيرون الناس ولا يستشارون.

... وأما إن كان يقصد: أن علياً ما كان يستشير أحداً من الصحابة مطلقاً، ولا يرجع إليهم، فهذا من أكبر الكذب عليه، فمشاورته بعض الصحابة في فترة خلافته مشهورة معروفة في كتب التأريخ، لا يمكن أن تنكر كمشاورته ابن عباس - رضي الله عنهما- في إقرار عمال الأمصار الذين كانوا قبله أوعزلهم، فأشار عليه ابن عباس أن يقرهم، وأشار عليه أبوبكرة أن يولي ابن عباس البصرة ففعل، واستشار الناس بعد موقعة الجمل هل يدخل الشام بمن معه من الجند؟ أم يبعث جنداً ولا يخرج بنفسه؟ فأشار عليه قوم بهذا، وآخرون بهذا، فخرج بنفسه في الجند (1)، وأمثله ذلك من سيرته كثيرة يصعب حصرها، وهي تدل على رجوع علي إلى من كان معه من الصحابة وغيرهم من أهل الرأي في المشورة.

... مما يدل على كذب الرافضي فيما ادعاه. على أنه لوثبت عدم مشاورته لأصحابه لماكان ذلك مدحاً في حقه، بل يعد عيباً ونقصاً، وذلك أن الرجوع لأهل الرأي ومشورتهم من الخصال الفاضلة الممدوح بها في الدين والعقل، وقد امتدح الله تعالى المؤمنين في قوله: {وأمرهم شورى بينهم} (2) واستشار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبوبكر، وعمر وعثمان، وهم أفضل من علي، فتبين أن هذا الرافضي يصف علياً -- رضي الله عنه -- بما يعيبه ويشينه ويقدح فيه من حيث يظن أنه يمدحه، وهذا من أكبر الأدلة على سخف عقول هؤلاء الرافضة وبلادة أفهامهم.

... أما ما نسبه الرافضي لأبي بكر من أنه قال: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبوالحسن) فلا يعرف في شئ من كتب الحديث وإنما أحاله على الاستيعاب والرياض النضرة ومناقب الخوارزمي ولم أجده في المصدرين الأولين مع أن وجوده في هذه الكتب لايدل على ثبوته لكون أصحابها لم يلتزموا الصحة في كل ما يوردون فيها، بل قد يأتي في هذه الكتب كثير من الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة الشاذة على ما هومعلوم عند كل مطلع عليها من أهل العلم مما يقطع بعدم صحة كل ما فيها من أخبار، لكن هذا الكلام جاء في الاستيعاب وفي الرياض النضرة منسوباً لعمر-- رضي الله عنه -- من طريق سعيد بن المسيب أنه قال: (كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبوالحسن) (3) ولم يذكر المصدران لهذا الأثر سنداً يعرف به مدى صحة نسبته لعمر.

... ومن تأمل سيرة الشيخين عرف مخالفة هذا الكلام للواقع وبعده عن الحقيقة، وذلك أنه ثبت للأمة بالنصوص الصحيحة والأخبار المتواترة فضل الشيخين على علي وغيره من الصحابة، وقيامهما بأمر الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقدرتهما على حل المعضلات سواء ما يتعلق منها بالعلم أوبما تعرضت له الأمة من الأحوال العصيبة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يحتاجا لعلي -- رضي الله عنه -- في ذلك، أكثر من احتياجهما لأقرانه من كبار الصحابة، ولهذا اجتمعت عليهما الأمة ما لم تجتمع على عليّ -- رضي الله عنه -- وحصل في عهدهما من نشر العلم، وعز الإسلام، وجهاد الكفار، والأخذ على أيدي المبتدعة والفسقة، مالم يحصل مثله لعلي، وواجه أبوبكر من المعضلات العظيمة كالفتنة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتداد كثير من قبائل العرب، والاختلاف في أمر الخلافة، وغيرها من المعضلات التي كان حلها على يد أبي بكر بالعلم والقوة في الحق، مالم يواجه عليا -- رضي الله عنه -- مثلها، فكيف يتصور بعد هذا أن يدعوأبوبكر أوعمر بهذا الدعاء والحال من أمرهما وأمره ما ذكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)... انظر: البداية والنهاية لابن كثير 7/ 239 - 256 - 265.
(2)... سورة الشورى آيه 38.
(3)... الاستيعاب لابن عبدالبر المطبوع مع الإصابة 8/ 157، والرياض النضرة... للمحب الطبري 2/ 161.

عدد مرات القراءة:
1852
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :