لولا علي لهلك عمر
قلتم: (ورابعًا: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبوحسن (1) وقال: لولا عليّ لهلك عمر (2).
... أولاً: الأثر رواه ابن سعد وفي سنده: "مؤمل بن إسماعيل" قال ابن حجر: (وثقه ابن معين وقال البخاري: (منكر الحديث)) (3).
... ثانيًا: قد ورد مثلها عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ابنه عبيدالله قال: (كان عمر بن الخطاب إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس: يا أبا العباس قد طرأت علينا أقضية عضل وأنت لها ولأمثالها ثمَّ يأخذ برأيه) وفيه: (وما كان يدعولذلك أحدًا سواه إذا كانت العضل) (4).
... ثالثًا: إن صحت الرواية فإنَّها تدل على شدة خوف عُمر - رضي الله عنه - من الله - عز وجل - أن يحكم في قضية لم يتضح له الحكم الشرعي فيها فهل مثل هذا يمكن أن يتجرأ على خيانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في: "الوصية"؟! من كان لا يحكم في قضية لم يتضح له فيها الحكم ويعترف بذلك فيدعولها من يثق فيه لا يظن به أن يقدم على منع حق شرعه الله - عز وجل -.
... رابعًا: دعاؤه عليًّا للقضية أليس إقرارًا لفضله فكيف ينازعه الخلافة أمام الناس ثمَّ يدعوه ليحكم في قضية من قضايا جزئية في الدين؟!
... خامسًا: هذا يدل على أنَّه لم يكن بينهما إلاَّ الود وأنَّهما أخوان يكمل بعضهما الآخر.
... سادسًا: لِمَ لم يقل عليّ: تمنعني من الإمامة وتغتصبها ثمَّ تستفتيني في قضية جزئية لوكان هناك وصية؟!
... سابعًا: كيف يُعِين عليّ - رضي الله عنه - الإمامَ المغتصبَ ويشاركه في الفتوى وهوحاكم ظالم_حسب زعمكم_ وأحكامه لا تنفذ؟!
__________
(1) تهذيب التهذيب/7/ 337/الطبقات الكبرى/2/ 339/
(2) تأويل مختلف الحديث/1/ 162/
(3) لسان الميزان/7/ 472/
(4) فضائل الصحابة/2/ 973/
لولا علي لهلك عمر
ضعيف: فيه مؤمل بن إسماعيل كما رواه في الاستيعاب (3/ 11.3).
ويروى بلا إسناد في حق غير علي هكذا " عجزت النساء أن تلد مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر". وفيه مجاهيل في السند "عن أشياخ" من هم هؤلاء الأشياخ؟ ولهذا شكك البيهقي في السند قائلا " وهذا إن ثبت" (سنن البيهقي7/ 443). ومع ذلك حرفه الشيعة فحذفوا إسم معاذ ووضعوا مكانه اسم علي رضي الله عنهما (مسند زيد بن علي ص335).
ويأتي كذاب آخر وهومحمد هادي الأميني فيقول في معرض تحقيقه لكتاب (خصائص الأمة ما يلي " هذا الحديث من القضايا التي أجمعت عليها العامة (يعني السنة) والخاصة (يعني الرافضة) على صحته وجاء في كتب الفريقين مما يثبت جهل عمر وقصوره في العلم إلى جانب اعترافه بفضل سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام" (خصائص الأئمة ص85).
قلت هذا يدل على كذب الرافضة الرخيص. أين قال أهل السنة بصحة هذا الحديث؟
وقد كذب محققوكتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الرافضي الذي ذكر الرواية هكذا (لولا علي لهلك عمر) فقالوا " رواه ابن حجر في الإصابة (دلائل الإمامة ص22) وهم كذابون أفاكون فإن الرواية في الإصابة هكذا (لولا معاذ لهلك عمر).
كذاب آخر وهومحمد الباقر البهبودي محقق كتاب الصراط المستقيم3/ 15) يقول " رواه البخاري" فالمؤلف خلط بين قصة رجم المجنونة وألصق به القول المزعوم (لولا علي لهلك عمر) ثم يأتي البهبودي الكذاب ويجاريه على هذه الأكذوبة ويقول رواه البخاري. ويسرد مصادر أخرى. وهذا البهبودي الكذاب هومحقق كتاب الكافي فكيف وثق الشيعة بتحقيق كذاب زعم لهم أنه سوف يستخرج الصحيح من كتاب الكافي وهوكذاب؟
ويأتي كذاب آخر وهوعبد الزهراء العلوي فيقول في تحقيقه لبحار الأنوار (3./ 679) " قولة عمر لولا علي لهلك عمر جاءت بألفاظ متعددة وموارد كثيرة" وذكر من هذه المصادر سنن أبي داود وسنن البيهقي. مع أنه في سنن البيهقي بلفظ (لولا معاذ لهلك عمر). وهوفي ذلك كذاب أشر كصاحبه البهبودي
فانظر إلى الرافضة وكذبهم.
لولا علي لهلك عمر
... فهذا القول: إنما نقله عن عمر -- رضي الله عنه -- بعض المؤرخين في قصة المرأة المجنونة التي زنت فأراد عمر رجمها فقال له علي: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل. فترك عمر رجمها. وجاء في بعض كتب التأريخ: فكان عمر يقول: (لولا عليّ لهلك عمر). (1)
... وهذه الزيادة وهي قوله: (لولا علي لهلك عمر) ليست معروفة في الحديث، ولم يذكرها المحدثون الذي رووا هذا الحديث، فإن هذا الحديث أخرجه جمع من المحدثين من عدة طرق
عن علي -- رضي الله عنه -- كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)... انظر: الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع مع الإصابة 8/ 157.
والإمام أحمد (1) ولم ترد هذه الزيادة في شيء من طرق الحديث، هذا وقد جمع ابن حجر طرق الحديث (2)، وكذا الشيخ الألباني (3) فذكرا طرقاً أخرى منقولة عن بعض كتب السنة الأخرى، فلم أعثر فيها لهذه الزيادة على ذكر.
... وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رده على ابن المطهر الرافضي عند ذكره لهذا الأثر المنسوب لعمر فقال: «إن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث». (4)
... ومما يشهد لضعف هذه الزيادة أن عمر -- رضي الله عنه -- عندما أراد رجم تلك المرأة كان مجتهداً، فلوأخطأ لم يكن آثاماً فكيف يكون هالكاً.
... بل قد نبه شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الخطأ في مثل هذه المسألة لا يقدح في علم عمر، ولا دينه، قال بعد كلامه السابق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)... انظر: سنن أبي داود: (كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق... )... 4/ 558 - 56، وسنن الترمذي، (كتاب الحدود، باب من لا يجب عليه... الحد) 4/ 32، وسنن ابن ماجه: (كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه... والصغير والنائم) 1/ 658 - 659، والمسند للإمام أحمد 1/ 116،118،... 14،155،158.
(2)... انظر: فتح الباري 12/ 121.
(3)... انظر: إرواء الغليل 2/ 4 - 7، ح297.
(4)... منهاج السنة 6/ 45، وانظر الكتاب نفسه: 8/ 62.
«ورجم المجنونة لا يخلوإما أن يكون لم يعلم بجنونها فلا يقدح ذلك في علمه بالأحكام، أوكان ذاهلاً عن ذلك فذُكّر، أويظن الظان أن العقوبات لدفع الضرر في الدنيا، والمجنون قد يعاقب لدفع عدوانه على غيره من العقلاء والمجانين، والزنا هومن العدوان فيعاقب على ذلك حتى يتبين له أن هذا من باب حدود الله تعالى، التي لا تقام إلا على المكلف...
... ففي الجملة قتل غير المكلف: كالصبي، والمجنون، والبهيمة، لدفع عدوانهم جائز بالنص، والإتفاق، إلا في بعض المواضع كقتلهم في الإغارة، والبيات، وبالمنجنيق، وقتلهم لدفع صيالهم، وحديث (رفع القلم عن ثلاثة) إنما يدل على رفع الإثم، لايدل على منع الحد إلا بمقدمة أخرى، وهوأن يقال: من لا قلم عليه لا حد عليه، وهذه المقدمة فيها خفاء، فإن من لا قلم عليه قد يعاقب أحياناً، ولا يعاقب أحياناً والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي». (1)
... وأما نسبة المؤلف لابن عباس أنه قال: (ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر: فلم يعزه لمصدر وإنما قال في الحاشية: «لقد أجمعت صحاح أهل السنة وكتبهم عل أفضلية علي وتقدمه في العلم على كل الصحابة، راجع على سبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)... منهاج السنة 6/ 45 - 46.
المثال ماجاء في الاستيعاب من أقول الصحابة أنفسهم فيه وتقديمهم له». (1)
... وهذا من أكبر التلبيس ليوهم القارئ أن هذا الأثر الذي نسبه لابن عباس في كتاب الاستيعاب، مع أنه لا يوجد فيه، ولعله أخذه من كتب الرافضة فأراد أن يدعمه بما ادعى من إجماع صحاح أهل السنة على أن علياً كان أفضل الصحابة وأعلمهم، وهذا لوثبت لما كان فيه أي دلالة على صحة نسبة هذا الأثر لابن عباس، فنسبة الأثر
لابن عباس شيء، وما ادعى من أن علياً كان أعلم الصحابة شيء آخر.
... والناظر في معنى هذا الأثر يعلم فساده وبطلان نسبته لابن عباس دون النظر في سنده، فإن معناه باطل قطعاً، وفيه من الغلوما يخرج علياً -- رضي الله عنه -- عن طبيعته البشرية إلى مضاهاة الخالق في علمه، بل لوقيل هذا الأثر في نبي من الأنبياء لكان هذا غلواً ظاهراً فكيف بعلي!! فإن هذا التفاوت العظيم في نسبة العلم لا يكون بين المخلوقين، وهذا شبيه جداً بما ثبت في قصة الخضر مع موسى في الصحيحين وفيها: (فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أونقرتين، قال له الخضر: ياموسى ما نقص علمي وعلمك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)... ثم اهتديت ص173.
من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر) (1)، والرافضة كثيراً ما يعمدون لصفات الله تعالى ويثبتونها لعلي، كما هومعلوم من كتبهم، وكما في هذا الأثر المنسوب لابن عباس - رضي الله عنهما- زوراً وبهتاناً والذي يأباه الدين والعقل، وتظهر عليه آثار الوضع، وأما ما ادعاه من إجماع صحاح أهل السنة على أن علياً كان أفضل الصحابة وأعلمهم، فكذب صريح وافتراء عظيم على أهل السنة، فإن أهل السنة متفقون على أن أبا بكر الصديق كان أعلم الصحابة وأفضلهم، ثم من بعده عمر وقد تقدم تقرير ذلك بنقل الآثار في ذلك عن الصحابة، وأقوال أهل العلم من بعدهم، مما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (2)