علي أول من أسلم
قلتم: (ومع الغض عن جميع ذلك فلا شك عند أهل العلم المنصفين بأنَّ عليّ بن أبي طالب أول من أسلم وتربَّى في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاش تحت كنفه قبل البعثة واشتد ساعده في حضنه وظلَّ معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يُفارقه لا في حضر ولا في سفر وهوابن عمه وزوج ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين وشهد المشاهد كلها سوى تبوك.
... الجواب من وجوه:
__________
(1) الفصل/4/ 136 - وقد روى أمره - صلى الله عليه وسلم - الصديق بالصلاة البخاري/ح/6/ 299في الأنبياء/ ومسلم/ح/42./
... أولاً: لا شكَّ أنَّ عليًّا - رضي الله عنه - هومِن أول مَن أسلم، ولكنَّه ليس الأول بإطلاق وقد لخَّص ابن الصلاح رحمه الله الأقوال في ذلك فقال: (اختلف السلف في أولهم إسلامًا، فقيل: أبوبكر الصدِّيق، رُوي ذلك عن ابن عباس، وحسان بن ثابت، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وقيل: عليّ أول من أسلم، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد، وغيرهم. وقال الحاكم أبوعبدالله: لا أعلم خلافًا بين أصحاب التواريخ أنَّ عليّ بن أبي طالب أولهم إسلامًا، واستُنكر هذا من الحاكم. وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة. وذكر معمر نحوذلك عن الزهري. وقيل: أول من أسلم خديجة أم المؤمنين، روي ذلك من وجوه عن الزهري، وهوقول قتادة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وجماعة. وروي أيضًا عن ابن عباس. وادعى الثعلبي المفسر فيما رويناه أوبلغنا عنه اتفاق العلماء على أنَّ أول من أسلم خديجة، وأنَّ اختلافهم إنَّما هوفي أول من أسلم بعدها.
... والأورع أن يُقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر، ومن الصبيان أوالأحداث عليّ، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم) (1).
... ثانيًا: اختلفت الرواية في سِن علي - رضي الله عنه - يوم أسلم، قيل كان ابن عشر سنين، وقيل خمس أوست عشرة سنة، وورد عن ابن عباس أنَّ عُمْرَ عليٍّ يوم بدر كان عشرين سنة، قال الذهبي بعده: (هذا نص في أنَّه أسلم وله أقل من عشر سنين بل نص في أنَّه أسلم وهوابن سبع سنين أوثمان وهوقول عروة) (2).
... إذن إسلام عليّ - رضي الله عنه - كان قبل سن التكليف.
... أمَّا إسلام أبي بكر - رضي الله عنه - فقد أسلم وهوابن أربعين أوأكثر (3) فكان إسلامه في سن التكليف.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح/269 - 27./
(2) هذه الأقوال أوردها الحاكم/3/ 111/وكذلك ابن سعد وزاد ابن تسع سنين/ الطبقات/3/ 21/
(3) طبقات ابن سعد/3/ 192 - 213/
... والمتتبع للسيرة النبوية يرى أنَّ إسلام أبي بكر كان أكثر نفعًا للإسلام والمسلمين من إسلام عليّ رضي الله عنهما وكلاهما نفع الله بهما الإسلام والمسلمين لكن الصدِّيق أكثر.
... قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ أمَن الناس عَلَيَّ في صُحبته وماله أبا بكر) (1).
... وقد كان مجاهدًا بلسانه ويده وهوأول من دعا إلى الله ـ كما سيأتي ـ وأول من أُوذي في الله بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من دافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) وهوالوحيد المشارك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هجرته.
... وكانت قريش تعظمه وتعظم عمر رضي الله عنهما وتعرف مكانهما وجهادهما ولم يسأل أبوسفيان يوم أُحد إلاَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر وعن عمر (3) وذلك لعلمهم بمكانتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
... وقد اشترى أبوبكر بِلالاً فأعتقه (4) وأعتق معه ستة أشخاص (5).
... قال ابن كثير: (وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر الصدِّيق وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدَّم ذكرهم إذ كان صدرًا معظمًا ورئيسًا في قريش مُكرمًا وصاحب مال وداعية إلى الإسلام وكان محببًا متألفًا يبذل المال في طاعة الله ورسوله) (6).
... أمَّا عليّ - رضي الله عنه - فقد كان صغيرًا عند إسلامه ولم يكن له أي دور ظاهر في مكة ما عدا نومه في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الهجرة ولا شكَّ أنَّه دور عظيم لكن لم يُذكر له عمل آخر.
... ثمَّ لم يكن له مال ينصر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان فقيرًا - رضي الله عنه -.
__________
(1) رواه البخاري/7/ 1./ومسلم/ح/2382/
(2) رواه البخاري/ح/3678/
(3) رواه البخاري/ح/4.43/
(4) رواه البخاري/7/ 99/
(5) مصنف ابن أبي شيبة/12/ 1./والحاكم/3/ 284/وصححه ووافقه الذهبي
(6) البداية/3/ 26/
... وبهذا يظهر أنَّ المرحلة المكية كان فيها فضل الصدِّيق على الإسلام والمسلمين واضحًا.
... قال ابن كثير إنَّ عليًّا - رضي الله عنه -: (صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة مقامه بمكة وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة أبيه لفقر حصل لأبيه) (1).
... وأمَّا أبوبكر - رضي الله عنه - فقد كان شيخًا كبيرًا له مكانته في قومه ممَّا مكَّنه من خدمة الإسلام.
... وروى ابن كثير عن محمد بن إسحاق أنَّه قال: (فلمَّا أسلم أبوبكر وأظهر إسلامه دعا إلى الله - عز وجل - وكان أبوبكر رجلاً مألفًا لقومه محبًا سهلاً وكان أنسب [قريش] لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر.
... وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحُسن مجالسته.
... فجعل يدعوإلى الإسلام من وثق به من قومه ممَّن يغشاه ويجلس إليه فأسلم على يديه فيما بلغني:
... الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عُبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن وف - رضي الله عنهم - فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعهم أبوبكر فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا بما جاء من عند الله) (2).
... وبعد الهجرة كان سبق أبي بكر - رضي الله عنه - واتصاله برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقربه منه ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وتقريبه إيَّاه ما لا يُنكر.
... ثمَّ قام بالخلافة من بعده فأطاعه المسلمون وسلَّموا له الأمر ولم يكن أحد يجرؤ على مخالفته احترامًا وتعظيمًا، ففتح الأرض ونشر الدين.
__________
(1) البداية/7/ 335/
(2) البداية/3/ 29/
... أمَّا علي - رضي الله عنه - فقد اختلفت عليه الأمَّة ولم تتفق عليه، بل حتَّى الذين كانوا معه لم يُطيعوه كما ينبغي وكان ذلك سببًا لتوقف الجهاد في سبيل الله وارتداد القتال بين المسلمين بعدما كان بين المسلمين والكفار.
... ولا شكَّ أنَّه لا ذنب لعليّ - رضي الله عنه - وقد كان هوالأقرب إلى الحق، بل هوكان على الحق لكن الكلام في بيان ما تحقق على يد كل واحد من هذين الإمامين رضي الله عنهما وأرضاهما.
... وبذلك يظهر جانب من جوانب فضل أبي بكر على عليّ وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - جميعًا.
... ثالثًا: وأمَّا قولكم: (شهد المشاهد كلها سوى تبوك) فهوحق والصدِّيق - رضي الله عنه - شاركه في كل ذلك وزاد بشهوده غزوة تبوك فقد تساويا في المشاهد ولكن الصدِّيق - رضي الله عنه - كان الأقرب في تلك المشاهد.
... فقبْل معركة بدر استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس فأول من تكلَّم هوأبوبكر - رضي الله عنه -، ثمَّ عمر ولم يقُم عليّ - رضي الله عنه - فدلَّ على أنَّ أبا بكر هوالأقرب منهما.
... حديث الاستشارة رواه الإمام أحمد (1) وقال ابن كثير: (وهذا إسناد ثلاثي صحيح) (2).
... وفي أثناء المعركة كان أبوبكر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في العريش وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوالله - عز وجل - حتَّى سقط رداؤه فلم يقترب منه إلاَّ الصدِّيق فأعاد رداءه والتزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنَّه سيُنجز لك ما وعدك) (3).
... وبعد المعركة استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأسارى أبا بكر وعمر ولم يستشر غيرهما (4).
... وهذا نموذج من قربه - رضي الله عنه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عليّ، وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرب ويستشير إلاَّ من يعلم كفاءته وفضله.
__________
(1) المسند/4/ 26/
(2) البداية/3/ 263/
(3) صحيح مسلم/ح/1763/
(4) صحيح مسلم/ح/1763/
... ونحن نستدل على ما نقول من كتب الصحاح أوبما صحَّ من المصادر الأصلية لا نلجأ إلى كتب التواريخ وكتب الأدب وأمثالها ممَّا لم يصح مع أنَّها مملوءة بعشرات ومئات الفضائل ولكنَّها لا تصح ولا نستبيح أن نستدل بها لأنَّا لا نرضى بالاستدلال بالضعيف لا لنا ولا علينا.
... فشهود المشاهد من علي - رضي الله عنه - حق لكن من كان الأقرب في تلك المشاهد والذي كان يُستشار ويُؤخذ رأيه؟! عليّ أم أبوبكر؟ رضي الله عنهما جميعًا وما كان لنا والله أن نعرض هذه المقارنة لولا ما ابتلي به - رضي الله عنه - من غلوودعاوى باطلة بأدلة ضعيفة أوموضوعة أدت إلى انتقاص إخوانه من الصحابة - رضي الله عنهم - جميعًا!!
علي بن أبي طالب أول من أسلم
قال الحافظ « رواه ابن شاهين في الصحابة وفي إسناده من لا يعرف» (2 /357).
قلت: ويعارضه ما حكاه في (موضح جمع الأوهام والتفريق2/363) عن الفرات بن السائب قال سألت ميمون بن مهران فقلت أكان علي أول الناس إسلاما أو أبو بكر فقال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كل قبل أن يولد علي».