آخر تحديث للموقع :

الأثنين 16 ذو القعدة 1444هـ الموافق:5 يونيو 2023م 11:06:02 بتوقيت مكة

جديد الموقع

بين الشورى والنص ..

بين الشورى والنص

قلتم: (قلتم: إنَّ أهل السنَّة يعتقدون أنَّ الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة أن تختار من تراه أهلاً لذلك ليحكمها بالقرآن والسنَّة ولا حرج في الاختلاف في الفهم) ثمَّ أخذت ترد على هذا القول وأوردت أقوالاً للعلماء في الخلافة وهي لا تخرج عن أحد قولين:

أنَّ الإمامة لا تنعقد إلاَّ بجمهور أهل الحل والعقد.

إن عقدها واحد من أهل الحل والعقد جاز.

ثمَّ قلتم: (هل هؤلاء من أهل السنَّة؟!: "فاعتبروا يا أولي الأبصار".

الجواب من وجوه:

أولاً: لا أدري ما مُرادك بالإنكار؟!

هل هذه الأقوال تختلف مع قولي؟!

فقد قلتُ: إنَّ "الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة أن تختار".

وهذه الأقوال مؤكدة لما قلت.

فإنَّه إذا بايع أهل الحل والعقد فلم ينكر عليهم وكان الإمام له شوكة يستطيع بها أن يحقق البيعة جازت ولم يقل أحد من علماء الأمَّة إنَّ البيعة تمضي لمن لا شوكة له.

فإنَّ الإمامة مسؤولية فإذا كان الإمام لا شوكة له فكيف يسمَّى إمامًا؟!

قال ابن تيمية: (بل الإمامة عندهم ـ أي أهل السنَّة ـ تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة فإنَّ المقصود من الإمامة إنَّما يحصل بالقدرة والسلطان) (1).

ثانيًا: قولي المذكور هوفي مقابلة قول الشيعة الذين يزعمون أنَّ الإمامة بالنص وليس مرادي أنَّ الأمَّة بكاملها يجب أن تجتمع في مكان واحد لتنتخب إمامًا ولم يقل بهذا أحد من علماء السنَّة.

ولكن أهل السنَّة أوغالبية أهل السنَّة يقولون بأنَّ الإمامة أمر شوري اصطلاحي ثمَّ يختلفون في من تنعقد بهم الإمامة وهل يجوز للإمام أن يستنيب أم لا؟ ونحوذلك من الاختلافات ولكنَّه لا يوجد فيهم شخص واحد يزعم أنَّ الإمامة من الله - عز وجل -.

ولكن بعضهم قد ذهب إلى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نصَّ على إمامة الصدِّيق والأدلة الصحيحة ترجحه.

__________

(1) مختصر منهاج السنة/1/ 69/

ثالثًا: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد شخصًا بعينه وإن كان أشار إلى الصدِّيق بأكثر من إشارة أهمها أمره بالصلاة بالمسلمين في عهده وصلَّى الجميع خلفه وهذا من أعظم الأدلة على تعيينه للخلافة لكنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم ينص، فترك الأمر شورى ولعلَّه تيقن عليه الصلاة والسلام أنَّهم لا يعدلون عن الصدِّيق لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه الوحي.

أمَّا أبوبكر - رضي الله عنه - فقد خشي أن تفترق الأمَّة ولا يعلم الغيب فرأى أنَّ مصلحة الأمَّة في التعيين وكان يعلم أنَّ خير الأمَّة وأفضلها وأحق بالخلافة بعده عُمر فعيَّنه.

وأمَّا عمر - رضي الله عنه - فرأى أنَّ الستة كلهم أهل للخلافة فجعل الخلافة فيهم.

والأصل في الخلافة أنَّها شورى، والصور الأخرى جائزة وهي لا تثبت إلاَّ بموافقة أهل الحل والعقد فرجع الأمر إلى الشورى إذ لولم يقر أهل الحل والعقد ذلك الاختيار لما نفذ والله أعلم.

... 148) قلتم: (وثانيًا: لوكانت الإمامة أمرًا شوريًا للأمَّة أن تختار من تراه أهلاً، لماذا لم يفعل بذلك أبوبكر ولم يفوض الأمر إلى الأمَّة بل عيَّن عمر بن الخطاب، مع ما ورد من اعتراض الصحابة عليه كما روى ابن أبي شيبة أنَّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظًا غليظًا ولوكان قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ قال أبوبكر: أَبِرَبِّي تخوفونني؟ أقول: اللهم استخلفت عليهم خير خلقك، ثم أرسل إلى عمر فقال: إنِّي أوصيك بوصية .... الحديث (1)).

... الجواب من وجوه:

__________

(1) المصنف/8/ 574/

... أولاً: أبوبكر - رضي الله عنه - هوأعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منَّا فقد مرَّ معنا أنَّه كان أقرب الصحابة إليه - صلى الله عليه وسلم - وأعلم به وبدينه وقد علم أنَّ الأمر فيه سعة وأنَّ الاستخلاف ممَّا يجوز ولم يرد فيه منع وأقرَّه الصحابة من حيث الأصل ـ أي لم ينكر على أصل الاستخلاف أحد وهذا يُسمَّى: " إجماعًا ".

... ثانيًا: زعمك بأنَّ بعض الصحابة اعترض فليس شرطًا أن يرضى جميع أفراد المجتمع، إذا رضي أهل الحل والعقد الذين يصير الإمام بهم إمامًا فإنَّ عليًا - رضي الله عنه - لم يرضَ بإمامته أضعاف أضعاف من لم يرض بإمامة عمر ولم ينقض ذلك إمامته عند أهل السنَّة.

... ثالثًا: قد روى ابن أبي شيبة وابن عساكر رواية ـ عند الأول ـ وروايات عند الثاني تدل على رضى علي - رضي الله عنه - بولاية عمر ولوكان رضى الجميع شرطًا لكان هذا طعنًا في قبول علي إمامة عمر.

... فقد روى ابن أبي شيبة بسنده أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - لمَّا ثقل اطلع رأسه إلى الناس من كوة فقال: يا أيها الناس إنِّي قد عهدت عهدًا أفترضون؟ فقام الناس فقالوا: قد رضينا فقام علي فقال: لا نرضى إلاَّ أن يكون عمر بن الخطاب فكان عمر) (1).

... رابعًا: قد أصبح عمل أبي بكر - رضي الله عنه - هذا عند المسلمين أحد الطرق الجائزة إذا خشي الإمام فتنة أواختلافًا جاز له أن يستخلف.

... قال الماوردي: (والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما: باختيار أهل الحل والعقد والثاني: بعهد الإمام من قبل) (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

__________

(1) المصنف/ح/32.2./ورواه ابن عساكر/47/ 35/وذكر غيرها كذلك

(2) الأحكام السلطانية/33/

... 149) قلتم: (وهكذا قال الإمام محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي المتوفي 763هـ: لما استخلف أبوبكر عمر رضي الله عنهما قال لمعيقيب الدوسي: مايقول الناس في استخلاف عمر؟ قال: كرهه قوم ورضيه آخرون. قال الذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه؟ قال: بل الذين كرهوه .. (1)

... فمع علمه بأنَّ أكثرية الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم ولم يمنحهم الحرية في انتخاب من شاءوا لرئاسة الحكم وكان الأجدر به أن يستجيب لعواطف الأكثرية الساحقة من المسلمين فلا يولي عليهم أحدًا إلاَّ بعد أخذ رضاهم واتفاق الكلمة عليه أويستشير أهل الحل والعقد عملاً بقاعدة الشورى).

... قلت الجواب من وجوه:

... أولا: ابن مفلح عاش في القرن الثامن فأين المصدر وأين السند؟!

... نحن لانقبل أي أثر بدون سند وإذا ورد له سند لابد من صحته فكيف وهذا أثر لا سند له ولا يُدرى من أين نُقل؟!

... ثانيًا: إنَّ الصدِّيق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوأعلم الناس بدين الله - عز وجل - وبه يُقتدى في العمل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد زكاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرات الأحاديث وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يُعظِّمونه ويُحبُّونه.

... ثالثًا: قد ورد آثار تُؤكد أنَّه استشار - رضي الله عنه - في توليته لعُمر.

... فقد روى ابن سعد والطبري وغيرهما بأسانيد عدة: (أنَّ أبا بكر الصدِّيق لمَّا استُعز به دعا عبدالرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال: ما تسألني عن أمر إلاَّ وأنت أعلم به منِّي؟ فقال أبوبكر: وإنْ. فقال عبدالرحمن: هووالله أفضل من رأيك فيه.

... ثمَّ دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عُمر. فقال: أنت أخبَرنا به. فقال: على ذلك يا أبا عبدلله. فقال عثمان: اللهم علمي به أنَّ سريرته خير من علانيته وأنَّه ليس فينا مثله.

__________

(1) الآداب الشرعية/1/ 71/

... فقال أبوبكر: يرحمك الله، والله لوتركته ما عدوتك.

... وشاور سعيد بن زيد أبا الأعور وأُسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار.

... فقال أُسيد: اللهم الخيرة بعدك يرضى للرضى ويسخط للسخط الذي يُسِرُ خير من الذي يُعلِن ولم يلِ هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.

... وسمع بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بدخول عبدالرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربِّك إذا سألك عن استخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته؟

... فقال أبوبكر: أجلسوني أبِالله تخوفوني؟ خاب من تزوَّد من أمركم بظلم.

... أقول: اللهم استخلفتُ عليهم خير أهلك.

... أبلغ عني ما قلتُ لك مَن وراءك ..

... وفي آخر الأثر قال الراوي: (فأقرُّوا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا).

... ثمَّ دعا أبوبكر عُمر خاليًا فأوصاه بما أوصاه ثمَّ خرج من عنده فرفع أبوبكر يديه مدا فقال: اللهم إنِّي لم أرد بذلك إلاَّ إصلاحهم وخفتُ عليهم الفتنة فعملتُ بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأي .. ) ثمًَّ دعا له بالصلاح والتوفيق (1).

... إذن دعوى عدم المشورة غير صحيحة.

... رابعًا: قلتم: (أكثرية الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم؟!).

... تَبيَّن قبل خلاف هذا.

... ثمَّ لماذا يا تُرى الأكثرية غير راضية ثمَّ أطاعوه ولم يطيعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ حسب زعمكم ـ في تولية علي بن أبي طالب؟!!! ...

... أكان الناس يُعظمون أبا بكر ويُجلُّونه ويطيعون أمره وهومن أتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يُطيعون الرسول الذي هوسبب هدايتهم وإسلامهم وطاعته فرض عليهم؟!

__________

(1) طبقات ابن سعد/3/ 199/وروى الطبري إلى نهاية مشورة عثمان/3/ 428/

... أليس هذا دليلاً على أنَّه ليس هناك أمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! إذ لوكان لأطاعوه أشد من طاعتهم لأبي بكر خاصة وأنَّ عليًّا ليس كعُمر في شدته؟!

... ثمَّ أيُعقَل أنَّ الأكثرية غير راضين ولم يتحركوا لمنع ما لا يرضون؟!

... خامسًا: هؤلاء الذين أنكروا على أبي بكر أيُعقَل أن ينكروا عليه توليته لعُمر وهم يعلمون أنَّ عليًّا هوالولي ولا يتكلمون بذلك ولا ينادون بإعطاء عليّ حقه ليَسلموا على أقل تقدير من عُمر كما يزعمون؟!

... أليس في هذا دليل على أنَّه ليس عند القوم علم ولا أثر بهذه الدعاوى التي تولَّدت بعد في عليّ - رضي الله عنه -؟!

... بلى والله؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

... 15.) قلتم: (ولماذا حصرها عمر في ستة وجعل شروطًا ينتهي الأمر إلى عثمان؟ وهل يُطلق عليه شورى الأمَّة؟).

... قلت الجواب من وجوه:

... أولاً: تقدَّم أنَّه لا يوجد نص ينهى عن الاستخلاف أويأمر به، وأبوبكر وعمر رضي الله عنهما هما أعلم الصحابة بدين الله - عز وجل - ولولم يعتقد صحته ما فعله ثم لارتفع الإنكار من بقية الصحابة، فهُم ممَّن لا تأخذهم في الله لومة لائم قد جرَّدوا سيوفهم لنُصرة دين الله - عز وجل - وقت الذلة والخوف أفيجبنون وقت الأمن والقوة؟!

... ثانيًا: إنَّ صنيع عمر - رضي الله عنه - من أعظم الأعمال النافعة وهوالمحدَّثُ الملهم وقد وَكَّل الأمر إليهم لأنَّهم أفضل مَن بقي من العشرة المبشرين بالجنَّة وإن كان بعضهم أولى من بعض.

... لكن ربَّما لولم يجعلها فيهم ورشَّح واحدًا منهم ربَّما لا يُطاع، فرأى أن يجعلها في الستة وهم لا شكَّ أعلم بأنفسهم من غيرهم.

... ثالثًا: لوكان هناك أدنى شبهة في أنَّ عليًّا وصي من الله - عز وجل - لارتفع بذلك صوت بعض الصحابة أوصوت عليّ - رضي الله عنه - ولما رضي أن يدخل مع غيره في المفاضلة ولقال: كفاكم اغتصاب حقي مدة ثلاث عشرة سنة والآن تريدون أن تنزعوها منِّي، لا أدخل في هذه الشورى!

... لكنَّه لم يقل ورضي في الدخول مع إخوانه، فدلَّ على أنَّه ليس لديه ولا لدى غيره علم بهذه الدعاوى الحادثة في شأن الوصية.

... رابعًا: قولك: (وجعل شروطًا ينتهي الأمر إلى عثمان لا غيره)

... قلت: الجواب من وجوه:

... أولاً: هذه دعوى غريبة تدل على عدم التثبت.

... ثانيًا: من أين عرفت هذه الشروط؟! وفي أي كتاب؟! أنَّ عُمر وضعها لينتهي الأمر إلى عثمان وأنت قد قدمت في أول رسالتك كلامًا تنادي فيه بالتحقق؟!

... فهذه هي وصية عمر - رضي الله عنه - في أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل -.

... (فقد روى البخاري قصة قتل عُمر عن عمروبن ميمون وكيف قُتِل وما كان عليه من الدين واستئذانه أن يُدفن مع صاحبيه: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، ثمَّ قال الراوي: (واستأذن الرجال .. فقالوا: أوصِ يا أمير المؤمنين؟ استخلف. قال: "ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أوالرهط ـ الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهوعنهم راضٍ فسمَّى: عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبدالرحمن بن عوف. وقال: يشهدكم عبدالله بن عمر وليس له من الأمر شيء ـ كهيئة التعزية له ـ فإن أصابت الإمرة سعدًا فهوذاك وإلاَّ فليستعن به أيُّكم ما أُمِّر فإنِّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة.

... وقال: أُوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين .. ) ثمَّ أوصى بالمهاجرين والأنصار وغيرهم والوفاء بذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -) (1).

... فأين الشروط يا سعادة الأستاذ؟!

... أليس هذا قولاً بلا دليل؟!

__________

(1) صحيح البخاري/ح/37../

... ثالثًا: إنَّ الشورى المقصود بها: الشورى بين أهل الحل والعقد وهؤلاء هم أفضل من بَقي بعد عُمر - رضي الله عنه - وليس القصد بالشورى جميع الناس، فهذا لا يتحقق أبدًا فإذا تحملها عِلية القوم كفوا من سواهم.

... رابعًا: لوأراد عمر - رضي الله عنه - أن ينتهى الأمر إلى عثمان مالذي يمنعه أن يعينه باسمه مباشرة، ولوفعل لما اختلف فيه اثنان كما حدث في استخلاف أبي بكر - رضي الله عنه - لعُمر - رضي الله عنه -، فلمَّا عدل عن ذلك عرفنا أنَّه لا غرض له في أحدهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

... 151) قلتم: (وثالثًا: قولكم بأنَّ أهل السنَّة يعتقدون أنَّ الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة) مخالف لما روى مسلم وغيره عن حفصة بأنَّها قالت لابن عمر: أَعلِمت أنَّ أباك غير مُستخلف؟ .. إلى أن دخل على أبيه وقال: إنِّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنَّك غير مستخلف وأنَّه لوكان لك راعي إبل أوراعي غنم ثمَّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيَّع فرعاية الناس أشد) (1).

... وهكذا ما أوردته عن الإمامة والسياسة بمعناه (2).

... الجواب:

... أولاً: هذا القول إذا وُضِع مقابل قول الشيعة كان المراد منه واضحًا ولكن لأهل السنَّة أقوال فيما بينهم لا علاقة للشيعة بها.

... فالشيعة تتحدَّث عن إمامة بالنص وقولي هذا للرد عليه.

... أمَّا أقوال السنَّة فيما بينهم فهذا له تفصيل آخر.

... ثانيًا: تكملة الحديث: (فوافقه قولي فوضع رأسه ثمَّ رفعه إليَّ فقال: إنَّ الله - عز وجل - يحفظ دينه وإنِّي لئن أستخلف فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف وإن استخلف فإنَّ أبا بكر قد استَخلف.

__________

(1) صحيح مسلم/6/ 5ر3/ 1823/

(2) الإمامة والسياسة 1/ 42/

... قال فوالله ما هوإلاَّ أن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر فعلمت أنَّه لم يكن ليعدل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا وأنَّه غير مُستخلَف) (1).

... أرأيت كيف أنَّ ابنه يشهد أنَّ أباه لم يكن ليعدل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا ثمَّ لم ينكر على أبي بكر - رضي الله عنه -؟!

... ثالثًا: أمَّا مذهب أهل السنَّة والجماعة فقد لخَّصه النووي فقال: (إنَّ المسلمين أجمعوا على أنَّ الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه.

... فإن تركه فقد اقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا وإلاَّ فقد اقتدى بأبي بكر.

... وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها لعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة.

... وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عُمر) (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

... 152) قلتم: (ورابعًا: إذا كانت الإمامة شورى عند أهل السنَّة فماذا يقولون فيما ذكره ابن حبان وابن كثير وغيرهما بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا ليس له نصيب في تعيين الإمامة بل هي بيد الله فقط.

... نقرأ معًا ما ذكر في هذه القضية .. ثمَّ أَتى أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بني عامر بن صعصعة في منازلهم فدعاهم إلى الله فقال قائل منهم: إن اتبعناك وصدَّقناك فنصرك الله ثمَّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟

... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء.

... فقالوا: أنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر في غيرنا؟!

... لا حاجة لنا في هذا من أمرك) (3).

... الجواب من وجوه:

__________

(1) رواه مسلم/ح/1823/

(2) شرح مسلم/12/ 446 - 447/

(3) الثقات لابن حبان/1/ 89/البداية/3/ 171/

... أولاً: ابن حبان لم يذكر لهذه القصة سندًا وقد ذكرها ابن إسحاق في السيرة بسند منقطع (1).

... ثانيًا: أنتم تزعمون أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بني عبدالمطلب قبل هذا التاريخ كما سيأتي قريبًا ـ أي قبل عرض نفسه صلوات الله وسلامه عليه على القبائل ـ وأنَّه قد عرض عليهم نُصرته وأن يكون الناصر خليفة من بعده وأنَّ عليًّا قد استعدَّ بذلك فأصبح خليفة من ذلك التاريخ وهذا يعني أحد أمرين:

أنَّ الخليفة قد تعيَّن ولا شكَّ أنَّ هذا ينتشر فكيف يطلبون أن يكون لهم أمر قد تعيَّن صاحبه؟!

لم يقل لهم إنَّ الخليفة قد تعيَّن من الله!! فأحد الأمرين عندكم كاذب ـ وعندنا كلاهما ـ.

ثمَّ ما عرضه على بني عبدالمطلب قد استعدَّ به هؤلاء فلماذا لم يعطهم؟!!

نحمد الله على نعمة العقل!!

ثالثًا: لا يصح نص في ذكر الإمامة بل هي أمر متروك كما تقدَّم للأمَّة على الصور الثلاث أوما يجد من صور تحقق مقاصدها.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

... 153) قلتم: (وقولكم: (وأمَّا أهل التشيع فإنَّه يُفهَم من عقيدتهم أنَّه يجب على الله أن ينصب إمامًا وأنَّ هذا الإمام هو: عليّ - رضي الله عنه - مع أنَّه لم يرد في القرآن ولا في السنَّة أي لفظ في ذكر الإمامة والوصاية وإنَّما هي عمومات قابلة للتأويل على أوجه).

... فنقول: وأمَّا ورود قضية إمامة عليّ بن أبي طالب في السنَّة فمن راجع:

حديث: "الدار يوم الإنذار"، وحديث: "المنزلة"، وحديث: "الغدير"، وحديث: "الثقلين"، وحديث: "السفينة"، وحديث: "وهوولي كل مؤمن بعدي"، وحديث: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وحديث: "المؤاخاة"، وحديث: "تبليغ سورة براءة"، وحديث: "سد الأبواب"، وحديث: "باب حطة"، وحديث: " الراية"، وغيرها من عشرات بل مئات النصوص في ذلك يتيقن بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إمامة: عليّ بن أبي طالب.

__________

(1) السيرة النبوية لابن هشام/1/ 63 - 64/

وقد صرَّح في بعضها على كونه خليفة من بعده كحديث الدار الذي قال عليّ - عليه السلام - فأخذ برقبتي ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) (1).

قلت هنا وقفات:

... الأولى: الحمد لله أنَّك لم تقل: "إنَّها أحاديث صحاح" وهذا الظن بك، لأنَّها جميعها لا تصح ما عدا روايات لا علاقة لها بالإمامة.

... الثانية: قلتم: (وغيرها عشرات بل مئات النصوص) قلت: بل آلاف، لأنَّ ما وُضِع في هذه المسألة لا يُحصى بشهادة صاحبكم ابن أبي الحديد شارح: "نهج البلاغة" حيث يقول بعد الإشارة إلى ما وضعه الشيعة في ذم الصحابة قال: (وهكذا أسرف غلاة الشيعة الرافضة في وضع الأحاديث بما يتفق مع أهوائهم والتي بلغت من الكثرة حدًّا مزعجًا حتَّى قال الخليلي في الإرشاد: "وضعت الرافضة في فضائل عليّ وأهل بيته نحوثلاثمائة ألف حديث") (2).

... الثالثة: قد صرَّح إمامكم الخميني أنَّ أمر الإمامة لم يبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (وواضح بأنَّ النبي لوكان بلَّغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه) (3).

... فالخميني يعترف ويتَّهم:

... يعترف بأنَّ الإمامة لم تبين.

... ويتَّهم نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أتقى الناس وأعرف الناس بربه صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه لم يُبلِّغ كما أمر الله - عز وجل -.

... ونحن لا ندري كيف عرف الخميني أنَّ الله أمره بذلك، لأنَّ ذلك لا يُعرف إلاَّ بالنقل ولم يُنقل إلينا، إذن الخميني اطلع على اللوح المحفوظ أوجاءه الوحي!!!

... كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاَّ كذبًا.

__________

(1) تاريخ الطبري/2/ 62/

(2) شرح نهج البلاغة/1/ 135/الإرشاد/12/

(3) كشف الأسرار/155/

عدد مرات القراءة:
1913
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :