آخر تحديث للموقع :

الأحد 26 جمادى الأولى 1445هـ الموافق:10 ديسمبر 2023م 10:12:27 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الخلافة - تاج الفروض ..

الخلافة - تاج الفروض

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد . أما بعد :
فما ذكره الكاتب - وفقنا الله وإياه لكل خير, وأخذ بنواصينا جميعا إلى الحق - مِن أن : الخلافة هي تاج الفروض , غير صحيح . وفيه مشابهة لقول الرافضة : إن الإمامة هي أهم المطاب في أحكام
الدين .
وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية أبلغ رد , وحجزهم في أقماع السمسم .
ولنفاسة كلامه فإني أنقله هنا , لعل الله الكريم أن ينفع به .
قال المصنف الرافضي ابن المطهر الحلي :" أما بعد فهذه رسالة شريفة , ومقالة لطيفة ,اشتملت على أهم المطالب في أحكام الدين , وأشرف مسائل المسلمين : وهي مسألة الإمامة ,التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة . ".
فرد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ج1 ص 75 فقال:
" فيقال : الكلام على هذا من وجوه :
أحدها أن يقال : أولا: إن قول القائل :إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين , وأشرف مسائل المسلمين , كذب بإجماع المسلمين ,سنيهم وشيعيهم , بل هذا كفر .
فإن الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة ,وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ,فالكافر لا يصير مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ,وهذا هو الذي قاتل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الكفارَ أولا ,كما استفاض عنه في الصحاح وغيرها أنه قال : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله "وفي رواية "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة "
" فإذا فعلوا ذلك , فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ", وقد قال تعالى : " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " , فأمر بتخلية سبيلهم : إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة .
وكذلك قال لعلي لما بعثه إلى خيبر, وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في الكفار, فيحقن دماءهم بالتوبة من الكفر, لا يذكر لهم الإمامة بحال ,وقد قال تعالى بعد هذا " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " , فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , ولم يذكر الإمامة بحال .
ومن المتواتر أن الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام , ولم يذكر لهم الإمامة بحال , ولا نَقَلَ هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم ,لا نقلا خاصا, ولا عاما. بل نحن نعلم بالاضطرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يذكر للناس إذا أرادوا الدخول في دينه الإمامة ,لا مطلقا ولا معينا , فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين ؟!.
ومما يُبَينُ ذلك : أن الإمامة بتقدير الاحتياج إلى معرفتها ,لا يحتاج إليها من مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة . ولا يحتاج إلى التزام حكمها من عاش منهم إلى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم , فكيف يكون أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين لا يحتاج إليه أحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟! .
أو ليس الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته , واتبعوه باطنا وظاهرا , ولم يرتدوا ولم يبدلوا , هم أفضل الخلق باتفاق المسلمين , أهل السنة والشيعة ؟! . فكيف يكون أفضل المسلمين لا يحتاج إلى أهم المطالب في الدين , وأشرف مسائل المسلمين .
فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في حياته , وإنما يحتاج إلى الإمام بعد مماته , فلم تكن هذه المسألة أهمَ مسائل الدين في حياته , وإنما صارت أهم مسائل الدين بعد موته .
قيل : الجواب عن هذا من وجوه :
- أحدها : أنه بتقدير صحة ذلك , لا يجوز أن يقال : إنها أهم مسائل الدين مطلقا . بل في وقت دون وقت . وهي في خير الأوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين . ولا أشرف مسائل
المسلمين .
- الثاني : أن يقال : الإيمان بالله ورسوله : في كل زمان ومكان أعظم من مسألة الإمامة .
فلم تكن ( يعني شيخ الإسلام : الإمامة ) في وقت من الأوقات لا الأهم , ولا الأشرف .
-الثالث : أن يقال : فقد كان يجب بيانها من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته الباقين من
بعده , كما بين لهم أمور الصلاة , والزكاة , والصيام , والحج . وعين أمر الإيمان بالله , وتوحيده واليوم الآخر. ومن المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب والسنة كبيان هذه الأصول . فإن قيل : بل الإمامة في كل زمان هي الأهم , والنبي صلى الله عليه وسلم كان نبيا إماما , وهذا كان معلوما لمن آمن به أنه كان إمام ذلك الزمان .
قيل :الاعتذار بهذا باطل من وجوه :
أحدها : أن قول القائل : "الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين " :إما أن يريد به إمامة الاثنى عشر , أو إمام كل زمان بعينه في زمانه .بحيث يكون الأهم في زماننا :الإيمان بإمامة محمد المنتظر, والأهم في زمان الخلفاء الأربعة : الإيمان بإمامة علي عندهم ,والأهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم :الإيمان بإمامته . وإما أن يُراد به :الإيمان بأحكام الإمامة مطلقا غير معين. وإما أن يراد به معنى رابعا .
أما الأول : فقد عُلِمَ بالاضطرار أن هذا لم يكن معلوما شائعا بين الصحابة , ولا التابعين , بل الشيعة تقول : إن كل واحد إنما يعين بنص من قبله .فبطل أن يكون هذا أهم أمور الدين .
وأما الثاني : فعلي هذا التقدير يكون أهم المطالب في كل زمان : الإيمان بإمام ذلك
الزمان , ويكون الإيمان من سنة ستين ومائتين إلى هذا التاريخ : إنما هو الإيمان
بإمامة محمد بن الحسن . ويكون هذا أعظم من الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ومن الإيمان بالله ,وملائكته , وكتبه , ورسله , والبعث بعد الموت , ومن الإيمان بالصلاة , والزكاة والصيام , والحج , وسائر الواجبات . وهذا مع أنه معلوم فساده بالاضطرار من دين المسلمين , فليس هو مذهب الإمامية . فإن اهتمامهم بعلي وإمامته أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر , كما ذكره هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الشيعة .
وأيضا فإن كان هذا هو أهم المطالب في الدين : فالإمامية أخسر الناس صفقة في الدين , لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم , الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا . فلم يستفيدوا من أهم الأمور الدينية شيئا من منافع الدين ولا الدنيا .
فإن قالوا : إن المراد أن الإيمان بحكم الإمامة مطلقا هو أهم أمور الدين : كان هذا أيضا باطلا للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها .
وإن أريد معنى رابع فلا بد من بيانه لنتكلم عليه .
الوجه الثاني :أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تجب طاعته على الناس لكونه إماما , بل لكونه رسول الله إلى الناس , وهذا المعنى ثابت له حيا وميتا . فوجوب طاعته على من بعده كوجوب طاعته على أهل زمانه . وأهل زمانه فيهم الشاهد الذي يسمع أمره ونهيه وفيهم الغائب الذي بلغه الشاهدُ أمرَه ونهيَه . فكما يجب على الغائب عنه في حياته : طاعة أمره ونهيه , يجب ذلك على مَن يكون بعد موته .
وهو صلى الله عليه وسلم أمره شامل عام لكل مؤمن , شهده أو غاب عنه , في حياته وبعد موته . وليس هذا لأحد من الأئمة ولا يستفاد هذا بالإمامة . حتى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أمر ناسا معينين بأمور وحكم في أعيان معينة بأحكام : لم يكن حكمه وأمره مختصا بتلك المعينات , بل كان ثابتا في نظائرها وأمثاله إلى يوم القيامة . فقوله صلى الله عليه وسلم لمن شهده :" لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود" هو حكم ثابت لكل مأموم بإمام ,أن لا يسبقه بالركوع ولا بالسجود .وقوله لمن قال : لم أشعر فحلقت قبل أن أرمى , قال :" أرم ولا حرج " ,ولمن قال : نحرت قبل أن أحلق , قال :"احلق ولا حرج " أمر لمن كان مثله . وكذلك قوله لعائشة رضي الله عنها لما حاضت وهي معتمرة :" اصنعي ما يصنع الحاج ,غير أن لا تطوفي بالبيت " . وأمثال هذا كثير. بخلاف الإمام إذا أطيع .
وخلفاؤه بعده في تنفيذ أمره ونهيه كخلفائه في حياته . فكل آمر بأمر يجب طاعته فيه إنما هو منفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .لأن الله أرسله إلى الناس , وفرض عليهم طاعته ,لا لأجل كونه إماما له شوكة وأعوان ,أو لأجل أن غيره عهد إليه بالإمامة ,أو غير ذلك .
فطاعته لا تقف على ما تقف عليه طاعة الأئمة من عهد من قبله ,أو موافقة ذوي الشوكة ,أو غير ذلك . بل تجب طاعته صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن معه أحد ,وإن كذبه جميع الناس .
وكانت طاعته واجبة بمكة , قبل أن يصير له أنصار وأعوان يقاتلون معه . فهو كما قال سبحانه فيه :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " . بَيَنَ سبحانه وتعالى أنه ليس بموته ولا قتله ينتقض حكم رسالته , كما ينتقض حكم الإمامة بموت الأئمة وقتلهم , وأنه ليس من شرطه أن يكون خالدا لا يموت . فإنه ليس هو ربا , وإنما هو رسول الله قد خلت من قبله الرسل . وقد بلغ الرسالة , وأدى الأمانة ,ونصح الأمة ,وجاهد في الله حق جهاده , وعَبَدَاللهَ حتى أتاه اليقين من ربه. فطاعته واجبة بعد مماته . وجوبها في حياته أوكد , لأن الدين كَمُلَ واستقر بموته . فلم يبق فيه نسخ ولهذا جمع القرآن بعد موته , لكماله واستقراره بموته ."
إلى أن قال رحمه الله ج1ص98
" وأيضا فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين , وأهم المطالب في الدين ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها , وبيان الرسول لها أولى من بيان غيرها .
والقرآن مملوء بذكر توحيد الله وذكر أسمائه وصفاته وآياته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقصص والأمر والنهي والحدود والفرائض . بخلاف الإمامة . فكيف يكون القرآن مملوءا بغير الأهم الأشرف ؟!
وأيضا فإن الله تعالى قد علق السعادة بما لا ذكر فيه للإمامة , فقال :" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ". وقال :" تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " .
فقد بين الله في القرآن أن من أطاع الله ورسوله كان سعيدا في الآخرة , ومن عصى الله ورسوله وتعدى حدوده كان معذبا . فهذا هو الفرق بين السعداء والأشقياء . ولم يذكر الإمامة . فإن قال قائل : إن الإمامة داخلة في طاعة الله ورسوله.
قيل : غايتها أن تكون كبعض الوجبات , كالصلاة والزكاة والصيام والحج , وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله . فكيف تكون هي وحدها أشرف مسائل المسلمين , وأهم مطالب الدين. ثم قال رحمه الله ج1ص107
" الوجه الخامس : قوله : وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان .
فيقال له : مَن جعل هذا من الإيمان إلا أهل الجهل والبهتان . وسنتكلم إن شاء الله على ما ذكره من ذلك ز والله تعالى وصف المؤمنين وأحوالهم , والنبي صلى الله عليه وسلم قد فسر الإيمان وذكر شعبه ولم يذكر الله ولا رسوله الإمامة في أركان الإيمان . ففي الحديث الصحيح حديث جبريل لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان قال له :طالإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت" . قال : " والإيمان أنتؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره " ولم يذكر الإمامة . قال " والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا الحديث متفق على صحته, متلقى بالقبول أجمع أهل العلم بالنقل على صحته .وقد أخرجه أصحاب الصحيح من غير وجه فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وفي أفراد مسلم من حديث عمر.
وهؤلاء وإن كانوا لا يقرون بصحة هذه الأحاديث فالمصنف قد احتج بأحاديث موضوعة كذب باتفاق أهل المعرفة فإما أن نحتج بما يقوم الدليل على صحته ونحن وهم أو لا نحتج بشيء من ذلك لا نحن ولا هم فإن تركوا الرواية رأسا أمكن أن نترك الرواية وأما إذا رووا هم فلا بد من معارضة الرواية بالرواية والاعتماد على ما تقوم به الحجة ونحن نبين الدلائل الدالة على كذب ما يعارضون به أهل السنة من الروايات الباطلة والدلائل الدالة على صحة ما نقله أهل العلم بالحديث وصححوه . وهب أن لا نحتج بالحديث , فقد قال الله تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ". فشهد لهؤلاء بالايمان من غيرذكر للإمامة . وقال تعالى " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة . وقال تعالى " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " لم يذكر الإمامة. وقال تعالى "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " فجعلهم مهتدين مفلحين ولم يذكر الإمامة.
وأيضا فنحن نعلم بالإضطرار من دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: كانوا إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفا على معرفة الإمامة . ولم يذكر لهم شيئا من ذلك . وما كان أحد أركان الإيمان : لا بد أن يبينه الرسول لأهل الإيمان , ليحصل لهم به الإيمان . فإذا علم بالاضطرار أن هذا مما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان علم أن اشتراطه في الإيمان من أقوال أهل البهتان .
فإن قيل : قد دخلت في عموم النصوص . أو هي من باب مالا يتم الواجب إلا به .أو دل عليها نص آخر .
قيل :هذا كله لو صح لكان غايته أن تكون من بعض فروع الدين لا تكون من أركان الإيمان .فإن ركن الإيمان مالا يحصل الإيمان إلا به كالشهادتين .فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .فلو كانت الإمامة ركنا في الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا به لوجب أن يبين ذلك الرسول بيانا عاما قاطعا للعذر كما بين الشهادتين والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر فكيف ونحن نعلم بالاضطرار من دينه أن الناس الذين دخلوا في دينه أفواجا لم يشترط على أحد منهم في الإيمان الإيمان بالإمامة لا مطلقا ولا معينا "
ثم قال رحمه الله ج1ص119
" فإن قال أنا أردت بقولي إنها أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين المطالب التي تنازعت الأمة فيها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذه هي مسألة الإمامة .
قيل له : فلا لفظ فصيح ولا معنى صحيح فإن ما ذكرته لا يدل على هذا المعنى بل مفهوم اللفظ ومقتضاه أنها أهم المطالب في الدين مطلقا وأشرف مسائل المسلمين مطلقا.
وبتقدير أن يكون هذا مرادك فهو معنى باطل فإن المسلمين تنازعوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل أشرف من هذه وبتقدير أن تكون هي الأشرف فالذي ذكرته فيها أبطل المذاهب وأفسد المطالب وذلك أن النزاع في الإمامة لم يظهر إلا في خلافة علي رضي الله عنه وأما على عهد الخلفاء الثلاثة فلم يظهر نزاع إلا ما جرى يوم السقيفة وما انفصلوا حتى اتفقوا .ومثل هذا لا يعد نزاعا ولو قدر أن النزاع فيها كان عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم فليس كل ما تنوزع فيه عقب موته صلى الله عليه وسلم يكون أشرف مما تنوزع فيه بعد موته بدهر طويل .
وإذا كان كذلك فمعلوم أن مسائل القدر والتعديل والتجوير والتحسين والتقبيح والتوحيد والصفات والإثبات والتنزيه أهم وأشرف من مسائل الإمامة .
ومسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد والعفو والشفاعة والتخليد أهم من مسائل الإمامة . ولهذا كل من صنف في أصول الدين يذكر مسائل الإمامة في الآخر. حتى الإمامية يذكرون مسائل التوحيد والعدل والنبوة قبل مسائل الإمامة . وكذلك المعتزلة يذكرون أصولهم الخمس التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والخامس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه تتعلق مسائل الإمامة." انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله .
نعم , إذا كان هناك بلد مسلم ليس له إمام , فينبغي نصب إمام لهم له شوكة وقوة . أما أن
نجعلها " تاج الفروض" فغير صحيح .
وهنا مسألة أخرى :إذا تعدد الأئمة , وتعذر الاجتماع على إمام واحد - كما هو الحال منذ عهد الدولة العباسية - , فإن كل إمام مِنَ المسلمين ينفذ حُكمهُ على مَن تحته , والله عز وجل يقول " فاتقوا الله ما استطعتم ".
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب " الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الاشياء . ولولا هذا ما استقامت الدنيا .
لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد, ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلابالإمام الأعظم ". الدررالسنية7-239
وقال الشوكاني :" وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته, وتباعد أطرافه , فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان , وفي القطر الآخر كذلك . ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطرالآخر, وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة السلاطين , ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه , وكذلك صاحب القطر الآخر" السيل الجرار4-512
وقال ابن الازرق قاضي القدس :" إن شرط وحدة الإمام , بحيث لايكون هناك غيره: لا يلزم مع تعذر الإمكان " بدئع السلك 1-76
أوصي نفسي وإخواني بالدعاء الذي روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول :" اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " . رواه مسلم .
والله الهادي إلى سواء السبيل .ابو طارق الحارثي
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في صحيح مسلم بشرح النووي
باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ القّزّازِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ. فَسَمِعْتُهُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلّمَا هَلَكَ نَبِيّ خَلَفَهُ نَبِيّ، وَإنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي. وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوّلِ فَالأَوّلِ. وَأَعْطُوهُمْ حَقّهُمْ. فَإنّ اللّهَ سَائِلُهُمْ عَمّا اسْتَرْعَاهُمْ».
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشَ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدّونَ الْحَقّ الّذِي عَلَيْكُمْ. وَتَسْأَلُونَ اللّهَ الّذِي لَكُمْ».
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلّ الْكَعْبَةِ. وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ. فَأَتَيْتُهُمْ. فَجَلَسْتُ إلَيْهِ. فَقَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً. فَمِنّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ. وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ. إِذْ نَادَىَ مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: الصّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «إنّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إلاّ كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلّ أُمّتَهُ عَلَىَ خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ. وَإنّ أُمّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوّلِهَا. وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا.
وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِن: هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمّ تَنْكَشِفُ. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ. وَلْيَأْتِ إلَىَ النّاسِ الّذِي يُحِبّ أَنْ يُؤْتَىَ إلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ. فَإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الاَخَرِ». فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَهْوَىَ إلَىَ أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ. وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ. وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا. وَاللّهُ يَقُولُ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهِ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (4 النساء الاَية: ). قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمّ قَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللّهِ. وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّفَرِ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَةِ الصّائِدِيّ قَالَ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي» أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه، وفي هذا الحديث جواز قول هلك فلان إذا مات، وقد كثرت الأحاديث به، وجاء في القرآن العزيز قوله تعالى: {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً}. قوله صلى الله عليه وسلم: «وتكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوابيعة الأول فالأول» قوله فتكثر بالثاء المثلثة من الكثرة هذا هو الصواب المعروف، قال القاضي: وضبطه بعضهم فتكبر بالباء الموحدة كأنه من إكبار قبيح أفعالهم وهذا تصحيف، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والاَخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل تكون لمن عقدت له في بلد الإمام، وقيل يقرع بينهم وهذان فاسدان. واتفق العلماء على
أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا. وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا لا يجوز عقدها شخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال قال وهو خارج من القواطع. وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل وأراد به إمام الحرمين وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» هذا من معجزات النبوة، وقد وقع هذا الإخبار متكرراً ووجد مخبره متكرراً، وفيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه، وتقدم قريباً ذكر اللغات الثلاث في الأثرة وتفسيرها، والمراد بها هنا استئثار الأمراء بأموال بيت المال والله أعلم.
قوله: (ومنا من ينتضل) هو من المناضلة وهي المراماة بالنشاب. قوله: (ومنا من هو في جشره) هو بفتح الجيم والشين وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. قوله: «الصلاة جامعة» هو بنصب الصلاة على الإغراء وجامعة على الحال. قوله صلى الله عليه وسلم: «وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً» هذه اللفظة رويت على أوجه: أحدها وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة يرقق بضم الياء وفتح الراء وبقافين أي يصير بضعها رقيقاً أي خفيفاً لعظم ما بعده فالثاني يجعل الأول رقيقاً، وقيل معناه يشبه بعضها بعضاً، وقيل يدور بعضها في بعض ويذهب ويجيء، وقيل معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والوجه الثاني فيرفق بفتح الياء وإسكان الراء وبعدها فاء مضمومة. والثالث فيدفق بالدال المهملة الساكنة وبالفاء المكسورة أي يدفع ويصب والدفق الصب. قوله صلى الله عليه وسلم: «وليأت إلى الناس الذي يجب أن يؤتى إليه» هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يجب أن يفعلوه معه. قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاَخر» معناه ادفعوا الثاني
فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله. قوله: (فقلت له هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله تعالى يقول: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} إلى آخره) المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته علياً رضي الله عنه وكانت قد سبقت بيعة علي فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل ومن قتل النفس لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالاً في مقاتلته. قوله: (أطعه في طاعة الله وأعصه في معصية الله) هذا فيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد. قوله: (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي) هكذا هو في جميع النسخ بالصاد والدال المهملة، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع النسخ قال وهو غلط وصوابه العائذي بالعين والذاب المعجمة قاله ابن الحباب والنسابة، هذا كلام القاضي. وقد
ذكره البخاري في تاريخه والسمعاني في الأنساب فقالا: هو الصائدي ولم يذكرا غير ذلك، فقد اجتمع مسلم والبخاري والسمعاني على الصائدي، قال السمعاني: هو منسوب إلى صائد بطن من همدان، قال: وصائد اسم كعب بن شرحبيل بن شراحبيل بن عمرو بن حشم بن حاسد بن حشيم بن حوان بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن سهلان بن سلمة بن ربيعة بن أحبار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
وجاء ايضا:
باب الامارة
وحدّثني وَهْبُ بْنُ بَقِيّةَ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الاَخَرَ مِنْهُمَا».
قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاَخر منهما» هذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بقتله، وقد سبق إيضاح هذا في الأبواب السابقة، وفيه أنه لا يجوز عقدها لخليفتين، وقد سبق قريباً نقل الإجماع فيه واحتمال إمام الحرمين.
وجاء في كشف الخفاء للإمام العجلوني
إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.
رواه مسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري عن علي والعباس معا، قال الدميري في شرح منهاج النووي ولا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد الإقليمان بهما،
وحكى أبو القاسم الأنصاري في الغنية عن الأستاذ أبي إسحاق أنه يجوز نصبهما في إقليمين لأنه قد يحتاج إلى ذلك وهو اختيار الإمام وإذا عقدت البيعة لاثنين معا فالبيعتان باطلتان وإن ترتبتا بطلت الثانية لما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الآخر منهما - بالتاء المثناة من فوق من القتل، ومعناه أبطلوا دعوته واجعلوه كمن مات، وروي بالياء المثناة من تحت أي لا تطيعوه.
وجاء في مغني المحتاج للخطيب الشربيني
نعم الكافر إذا تغلب لا تنعقد إمامته لقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " وقول الشيخ عز الدين ولو استولى الكفار على إقليم فولوا القضاء رجلا مسلما فالذي يظهر انعقاده ليس بظاهر فإنه قال لو ابتلى الناس بولاية صبي مميز يرجع للعقلاء أو امرأة هل ينفذ تصرفها العام فيما يوافق الحق كتولية القضاء والولاة فيه وقفة اه "
فإذا كان عنده وقفة في ذلك فالكافر أولى.
وهناك فروع تجب طاعة الإمامة وإن كان جائرا فيما يجوز من أمره ونهيه لخبر اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف ولأن المقصود من نصبه اتحاد الكلمة ولا يحصل ذلك إلا بوجوب الطاعة وتجب نصيحته للرعية بحسب قدرته ولا يجوز عقدها لإمامين فأكثر ولو بأقاليم ولو تباعدت لما في ذلك من اختلاف الرأي وتفرق الشمل فإن عقدت لاثنين معا بطلتا أو مرتبا انعقدت للسابق كما في النكاح على امرأة ويعزر الثاني ومبايعوه إن علموا ببيعة السابق لارتكابهم محرما.
هذا فيض من غيض، قال عز من قائل ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىعَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{7} يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8}
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)).

عدد مرات القراءة:
2873
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :