السفير عبد الله بشارة ..
مبتكرات إيرانية في الشرق الأوسطية الإسلامية
نشرت صحيفة الحياة في عددها الصادر يوم الاربعاء الثامن من يونيو الجاري، في تعليقها على زيارة مستشار الامن القومي الايراني السيد حسن روحاني الى الرياض ان هذه الزيارة تأتي في سياق التحرك الايراني للتحدث مع المسؤولين في المنطقة حول مشروع الشرق الاوسط الاسلامي كبديل عن مشروع الشرق الاوسط الكبير الامريكي، وكان السيد هاشمي شهرومردي قد زار البحرين منذ فترة قصيرة اكد خلالها أهمية التعاون بين دول المنطقة وزيادة تبادل الوفود لاحباط المؤامرات الاجنبية، كما دعا الى الوحدة والتضامن بين مسلمي العالم والانفتاح بين دول المنطقة والاستفادة فيما بينها تجاريا واقتصاديا وتكنولوجيا..
وكان السيد روحاني قد بدأ جولة ثلاثية خليجية استهلها في الكويت يوم الاحد الخامس من يونيو الجاري، قبل ان يتوجه الى السعودية ثم الامارات حيث اعلن أن ايران والامارات قد اتفقتا مبدئيا على التعاون في مكافحة الارهاب على غرار ما عملته ايران مع السعودية والكويت.
ويبدو ان النشاط الدبلوماسي الايراني يتخذ الآن ثلاثة محاور يحاول من خلالها النجاح في ان يبني لإيران شبكة من الصداقات والتفاهمات تبعد عنه شبح تحول البرنامج النووي الايراني الى مجلس الامن:
الاول: محور الخليج والسعي لبناء شراكة خليجية - ايرانية تستوعب الطرح الايراني حول برنامج طهران النووي، وفي هذا الصدد تجتهد ايران لابعاد موضوع الجزر الاماراتية عن هذه الشراكة متصورة أن هذا الموضوع قد حسم لصالح ايران، وان المبادرات الايرانية تعمل بمعزل عن هذا البند المزعج للعلاقات بين الطرفين.
ولا اتصور أن ايران قادرة على النجاح في هذا المسعى، فقد التزم قادة دول المجلس في علاقات دولهم مع ايران بعشرة مبادئ جاءت في قرارات القادة في قمة أبو ظبي 1986، وابرز هذه المبادئ حل موضوع الجزر بالتحكيم الدولي والتفاهم الدبلوماسي، مع حسن جوار صادق، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم اطلاق شعارات معادية مع تعايش هادئ وفق تبادلية المصالح.
ثانيا: وفي موازاة المسعى الخليجي، تجتهد ايران بتعميق علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، لضمان معارضتهما للسياسة الامريكية، وتأمين غطاء فيتو صيني - روسي اذا تشددت واشنطن بفرض عقوبات عن طريق مجلس الامن، مع ضمانات ايرانية لامداد نفطي مستمر ومضمون للصين، وعلاقات تجارية واسعة مع موسكو.
ثالثا: تضع ايران اهمية بالغة للموقف الاوروبي وفق استراتيجية ابعاد الاتحاد الاوروبي عن المواقف الامريكية، عبر استمرار الاتصالات مع اللجنة الثلاثية (المانيا، بريطانيا، فرنسا) واشغال هذه العواصم بتحركات مكثفة يقصد منها عدم قطع الاتصال لكي لا تجد واشنطن مبررا لتحويل الموضوع النووي الى مجلس الامن.
هل تنجح ايران في الشرق الاوسطية الاسلامية.. وما المقصود بها، وما هي اهدافها؟..
يمكن ابداء الملاحظات التالية:
اولا: لن تتخلى ايران عن برنامجها النووي، ولن توقف تخصيب المواد النووية، ولن تغريها عروض اللجنة الثلاثية الاوروبية، فقد اصبح المشروع النووي الايراني قطب الرحى في الكبرياء الوطني، وفي الرسم الاستراتيجي للمصالح الايرانية، وفيه الردع المؤمن لبقاء الثورة والواقي لشرعيتها..
ويأتي التحرك الايراني للحصول على هدوء دول الخليج وتطمينها لنوايا ايران، ويتضح ذلك من التصريحات التي ادلى بها السيد روحاني بعد لقاءاته مع مسؤولي الخليج، وكلها توحي بارتياح ايراني من مواقف دول الخليج في هدوئها تجاه البرنامج النووي الايراني.
ويمكن الاشارة الى مداخلة السفير الامريكي في الكويت في كلية مبارك العبدالله العسكرية التي دعا فيها دول الخليج ومنها الكويت لاتخاذ موقف من خطر البرنامج النووي الايراني، الامر الذي اعترض عليه رئيس البرلمان الكويتي السيد جاسم الخرافي طالبا من السفير عدم التدخل في الشأن الكويتي، بينما يؤكد السيد محمد الصقر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة وجود مخاوف وهواجس كويتية من النشاط النووي الايراني بيئيا.
وينهي روحاني جولته في الخليج في مدينة أبو ظبي معلنا أن دول الخليج ليست قلقة من برنامج ايران النووي بعد ان اشار الى ان مباحثاته في أبو ظبي تناولت آخر تطورات هذا الملف ونتائج المباحثات مع الجانب الاوروبي.
ثانيا: لا بد لدول مجلس التعاون ان تخرج من حالة الاسترخاء وتتخذ موقفا موحدا وحازما وواضحا، لأن الملف الايراني النووي سيدخل الخليج في مرحلة متوترة وخطرة ومهددة للأمن والاستقرار، وسيؤدي البرنامج الايراني الى انقلاب ميزان القوى بما في ذلك من افرازات هيمنة، وفرض امتيازات على حساب المصالح الخليجية العليا، وعلى حساب السيادة والاستقلال.
واذا كانت ايران قادرة الآن على بناء شبكة من العلاقات فإن هذه الشبكة لن تمنع ايران من الوصول الى مساءلة علنية في مجلس الامن تبدأ بانذارات وتحذير وتتطور الى عقوبات ومحاصرة بحرية وجوية وبرية ستدخل الخليج وموانئ بعض الدول داخل منطقة الحصار. وستجد دول مجلس التعاون نفسها في شبكة المواجهة واملاءاتها وتبعاتها..
ثالثا: المطلوب من دول المجلس الدعم القوي لجهود اللجنة الثلاثية الاوروبية وبقوة ووضوح بحيث تعرف ايران سياسات هذه الدول وربما يزيل انطباعات السيد روحاني الذي يصرح بأن دول الخليج غير قلقة من برنامج ايران، فالرسالة المتوقعة والتي ستدعم نشاطات اللجنة الثلاثية تتمثل في الصوت الخليجي الموحد الذي استغرب غيابه السفير الامريكي في الكويت، واستغرب شخصيا هدوءه وصمته.
وليس من الصعب الاستنتاج بأن مشروع الشرق الاوسط الاسلامي هو مجرد تحركات لعمل علاقات عامة فيها غطاء اعلامي وسياسي يبعد التهم عن نوايا ايران، خاصة خلال هذه الفترة بعد اجتماع السيد روحاني مع وزراء خارجية ألمانيا، بريطانيا، وفرنسا، الذي تم الاتفاق خلاله على ان تقدم اللجنة الثلاثية الاوروبية مقترحات تعالج الوضع وذلك في نهاية يوليو القادم.
وتستفيد ايران من هذه المهلة للتحرك القوي تجاه الدول الاسلامية تحت شعار شرق اوسطية مناهضة للمشروع الامريكي.
توجد منظمة الدول الاسلامية ومقرها جدة، والامين العام فيها رجل مستنير من مواطني تركيا، قادر على فك الالغاز حول الشرق اوسطية الاسلامية.
شاركت شخصيا منذ سنوات في ندوة نظمتها جامعة الكويت حول العلاقات الايرانية - الخليجية، جاءت من ايران مجموعة من المختصين السياسيين والاكاديميين، استمعت في تلك الندوة الى المداخلات الايرانية المقتنعة بحق ايران في السلاح النووي، فإيران اعرق من باكستان الدولة الحديثة الوهمية واكثر شرعية من الهند التي تمتلك السلاح النووي، وحقيقة تاريخية حضارية لا يمكن مقارنتها بإسرائيل التي تملك السلاح، وايران محاطة بشبكة قوية معادية تملك السلاح المدمر، الصين وروسيا والهند وباكستان واسرائيل والاسطول الامريكي.
كان ذلك منذ سنوات وفي بداية التخوف من الملف النووي الايراني..
ما جاء في مداخلات الوفد الايراني يترجم الهموم الايرانية ومخاوفها وسعيها لامتلاك الرادع المطلوب للترسانة العسكرية والترسانة التاريخية.
وتأكيدا على العزم الايراني للوصول الى السلاح النووي، اختبرت ايران منذ اسبوعين نسخة متطورة من صاروخ شهاب اربعة (شهاب - 4) الذي تجاوز مداه ألفين كم، وقادر على حمل رؤوس حربية بوزن اقصى الف كغ، بمساعدة من كوريا الشمالية، وتهدف ايران الى تأكيد قدرتها التكنولوجية لاصابة الخصوم بما فيها القواعد الامريكية في المنطقة..
لكن الهدف الاكبر هو السعي الحثيث الى التمكن من الوصول الى الهدف المعادي عبر صواريخ قادرة على حمل اسلحة الدمار الشامل للقضاء على ذلك الهدف.
مازال الموقف الايراني عاجزا عن التطابق مع ما يريده المجتمع الدولي ومستمرا في سياسة التخصيب والتجاهل، وآخر تصريح في نهج التجاهل وممارسة الشطارة للرئيس المرشح رفسنجاني الذي يدعو واشنطن الى بناء علاقات طيبة مع ايران باعتبارها الدولة الاهم في العالم، وايران الدولة الاهم في المنطقة، متحاشيا اللائحة المعقدة التي تفرض التباعد بين الجانبين..
___________________________
المصدر: الوطن الكويتية
13/06/2005