عدد الأئمة
وأما قوله: ((ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين)) فهذا حق. وذلك أن الله تعالى قال: {َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم}، ولم يوقّتهم بعدد معين.
__________
(1) 1) الآية 59 من سورة النساء.
وكذلك قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الأحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقِّت ولاة الأمور في عدد معين. ففي الصحيحين عن أبي ذر قال: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدّع الأطراف)) (1).
(فصل)
وأما قوله عنهم ((كل من بايع قرشيا انعقدت إمامته ووجبت طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان على غاية من الفسق والكفر والنفاق)).
فجوابه من وجوه:
أحدها: أن هذا ليس من قول أهل السنة والجماعة، وليس مذهبهم أنه بمجرد مبايعة واحد قرشي تنعقد بيعته، ويجب على جميع الناس طاعته، وهذا وإن كان قد قاله بعض أهل الكلام، فليس هوقول أهل السنة والجماعة، بل قد قال عمر بن الخطاب (: ((من بايع رجلا بغير مشورة المسلمين، فلا يبايع هوولا الذي بايعه تغِرَّة أن يُقتلا)). الحديث رواه البخاري، وسيأتي بكماله إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني: أنهم لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوّزون طاعته في معصية الله وإن كان إماما عادلاً، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه: مثل ان يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله، والكافر والفاسق إذا أمر بما هوطاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق، فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم.
كما قال تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم} (2)
__________
(1) 2) مسلم ج1 ص 448 وج3 ص 1467 وأبوداود ج2 ص 955.
(2) 1) الآية 59 من سورة النساء.
فأمر بطاعة الله مطلقا، وأمر بطاعة الرسول لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله {َمنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله} (1) وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال: {وَأُوليِ الأَمْرِ مِنْكُم} ولم يذكر لهم طاعة ثالثة، لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة، إنما يطاع في المعروف.
كما قال النبي صلى الله تعالىعليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف)) (2) وقال: ((لا طاعة في معصية الله)) (3) و((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) (4) وقال: ((من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه)) (5).
وقال هؤلاء الرافضة المنسوبين إلى شيعة علي ّ (أنه تجب طاعة غير الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم مطلقا في كل ما أمر به، أفسد من قول من كان منسوبا إلى شيعة عثمان (من أهل الشام من أنه يجب طاعة ولي الأمر مطلقا، فإن أولئك كانوا يطيعون ذا السلطان وهوموجود، وهؤلاء يوجبون طاعة معصوم مفقود.
وأيضا فأولئك لم يكونوا يدّعون في أئمتهم العصمة التي تدعيها الرافضة، بل كانوا يجعلونهم كالخلفاء الراشدين وأئمة العدل الذين يقلدون فيما لا تعرف حقيقة أمره، أويقولون: إن الله يقبل منهم الحسنات ويتجاوز عن السيئات. وهذا أهون ممن يقول: أنهم معصومون ولا يخطئون.
فتبين ان هؤلاء المنسوبين إلى النصب من شيعة عثمان، وإن كان فيهم خروج عن بعض الحق والعدل، فخروج الإمامية عن الحق والعدل أكثر وأشد، فكيف بقول أئمة السنة الموافق للكتاب والسنة، وهوالأمر بطاعة ولي الأمر فيما يأمر به من طاعة الله، دون ما يأمر به من معصية الله.
__________
(1) 2) الآية 8. من سورة النساء.
(2) 3) المسند ج4 ص426، 427، 436.
(3) 4) المسند ج4 ص426، 427، 436.
(4) 5) المسند ج5 ص 66.
(5) 1) المسند ج3 ص67 وابن ماجة ج2 ص 955.