(3) انظر البخاري: مع الفتح ج6 ص446و471،ومسلم: ج4 ص1886.
وهم الصديقون والشهداء الصالحون
قوله: (وهم الصديقون والشهداء الصالحون) وقال في الهامش (41/ 69): (اخرج ابن النجار- كما في الحديث 3 مما أشرنا اليه من الصواعق- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون. وحبيب النجار صاحب ياسين وعلي بن ابي طالب، واخرج ابونعيم وابن عساكر- كما في الحديث31 مما أشرنا اليه في الصواعق- عن ابن ابي ليلى ان رسول الله قال: الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون قال اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وعلي بن ابي طالب وهوأفضلهم إ. ه. والصحاح في سبقه وكونه الصديق الاكبر والفاروق الاعظم متواترة) إ. ه.
قلت: استدلاله بهذه الآية لا يقل حماقة عن استدلاله بالسابقة، قال الله عزّ وجلّ في هذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً} فشملت الآية جميع عباد الله المؤمنين وبين الله تعالى الشرط في ذلك وهوطاعة الله ورسوله فقط ولم يذكر أهل البيت ولا ولايتهم ولا حتى طاعتهم فاستدلاله بالولاية هواستدلال اصحاب الجهل والاهواء.
واما الحديث الذي ذكره فهوحديث موضوع مكذوب باطل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر وقد ذكر هذا الحديث، وبيّن وجه رده اسناداً ومتناً. اما اسناده فقد بينه شيخ الإسلام- كما في (مختصر المنهاج) (452) - بانه من رواية القطيعي عن الكديمي حدثنا الحسن ابن محمّد الانصاري حدثنا عمروبن جميع حدثنا ابن ابي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه مرفوعاً، واكد اسناده هذا الالباني في (الضعيفة) (1/ 359) بقوله: (ثم وجدت الحديث رواه ابونعيم أيضاً في (جزء الكديمي) (31/ 2) وسنده هكذا: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الانصاري ثنا عمروبن جميع عن ابن أبي ليلى عن اخيه عيسى عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن ابيه مرفوعاً) إ. ه. وحكم عليه الألباني أيضاً بالوضع، وهوحريّ به، فالكديمي المذكور هومحمّد بن يونس بن موسى الكديمي القرشي السامي، نقل الذهبي في (الميزان) عن ابن حبّان ان الكديمي لعله قد وضع اكثر من الف حديث. وعمروبن جميع قال عنهمالذهبي في (الميزان) أيضاً: كذبه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث وقال الدارقطني وجماعة: متروك. قلت: وقد اتهمه بالوضع الحافظ ابن عدي. وابن ابي ليلى الأول هومحمّد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى، وهوسيء الحفظ جداً كما قال الحافظ وغيره فهذا حال اسناده فيه كذابان وسيء الحفظ جداً، فسقط بذلك الحديث وهوالثاني الذي أشار اليه في هامشه وعزاه لابي نعيم وابن عساكر. واما الأول الذي عزاه لابن النجار عن ابن عباس- وهوينقل كل ذلك من الصواعق وليس لهفضل في ذكره- فلا اظنه احسن حالاً من الآخر، وحتى وان كان من طريق آخر فقد بينه لنا السيوطي في (الجامع الصغير) (5148) وقال: حديث ضعيف، مع قلة عنايته بذلك. واكرر هنا ان السيوطي متساهل في التصحيح فربما يصحّح الضعيف، وهذا يفيدنا هنا انه اذا حكم على حديث بالضعف فيجعلنا متيقنين من ضعفه وربما يكون موضوعا- كما هوالغالب هنا- وهويقول ضعيف
لتساهله.
وعلى كل فالحديث لا يثبت من جميع طرقه فهوموضوع، كما قال أهل العلم، هذا من جهة اسناده، وما من جهة متنه فان لفظه يقتضي ان الصّدّيقين هم ثلاثة فقط كما هوواضح، وهذا مردود بثبوت تسمية غير هؤلاء صدّيقين، كما بينه شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص474) - فقد سمى الله سبحانه النبيين كذلك فقال {انه كان صدّيقاً نبياً} لغير واحد منهم، وقال عن مريم ام عيسى أيضاً {وأمّه صدّيقة} وقال: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّديقون} فهذا يقتضي ان كل من آمن بالله ورسله فهوصدّيق، ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً) - البخاري (234)، مسلّم (267) - وأحق الامة بهذا الاسم هوأبوبكر رضي الله عنه فقد ثبت تسميته بذلك دون حصره به، لكنّه أولى الامة به ففي الصحيحين ان النبي صلّى الله عليه وسلّم صعد احد ومعه أبوبكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (اثبت أُحُد فما عليك الا نبي وصدِّيق وشهيدان)، وحادثة تسميته بالصّدّيق عقب الاسراء والمعراج معروفةٌ مشهورة، ثم ان الحديث لا يدل على مطلوبه أيضاً من تسمية آل البيت صدّيقين فليس فيه الا ذكر علي فمن أين ألحق به باقي أهل البيت؟
وأولى الامة بالتشبيه بمؤمن آل فرعون هوابوبكر الصديق رضي الله عنه. وليس عليا، كما ثبت عن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرواخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن ابي معيط فاخذ بمنكب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل ابوبكر رضي الله عنه فاخذبمنكبيه ودفعه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: {أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} - اخرجه البخاري في (صحيحه) (6/ 159) - وهذا قول مؤمن آل فرعون تمثل به ابوبكر رضي الله، بل ان ابا بكر أفضل منه كما قال ذلك علي رضي الله عنه نفسه فيما اخرجه البزار وابونعيم في (فضائل الصحابة) - (الدر المنثور) (7/ 285 - 286) - عن علي رضي الله عنهمانه قال: (أيها الناس أخبروني بأشجع الناس، قالوا: أنت، قال: لا! قالوا: فمن؟ قال: أبوبكر رضي الله عنه، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واخذته قريش هذا يحثه وهذا يبلبله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً، قال: فوالله ما دنا منّا أحدٌ إلا أبوبكر رضي الله يضرب هذا ويجاهد هذا، وهويقول: (ويكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) ثم رفع علي رضي الله عنه بردة كأنت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته، ثم قال: انشدكم بالله أمؤمن آل فرعون خيرٌ أم أبوبكر رضي الله عنه خير من مؤمن آل فرعون؟ ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) إ. ه.
بقي من قوله في الهامش (والصحاح في سبقه وكونه الصّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم متواترة). قلت: وهذه دعوى لا تختلف عن سابقاتها في المبالغة والكذب، فليس فيها شرط التواتر حتى من جهة العدد فضلاً عن عدم صحتها، فقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/ 345) حديثا عن ابن عباس في تسمية علي بالصديق الأكبر والفاروق الاعظمم وحكم عليه بالوضع، وتابعه السيوطي كذلك في (اللالئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة) (1/ 324 - 325) وكذلك ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) (1/ 353).
وروى أيضاً من حديث أبي ذر رضي الله عنهمان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: (أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت صدّيقي الأكبر، وأنت الفاروق تفرّق بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار) اخرجه البزار كما في (تنزيه الشريعة) (1/ 352) لكنّه لا يثبت، في إسناده محمّد بن عبيد الله بن ابي رافع، قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جداً ذاهب. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن معين: ليس بشيء. وعدّه الكناني في (تنزيه الشريعة) آفة هذا الحديث. وفي إسناده أيضاً عبّاد بن يعقوب، وهووان كان صدوقاً لكنّه غالٍ في التشيع فمثله لا يُقبل خبره في شيء من فضائل علي رضي الله عنه، ومن غلوّه انه كان يقول ان الذي حفر البحر علي بن ابي طالب والذي اجراه الحسين بن علي كما في ترجمته من (تهذيب التهذيب) و(الميزان)، فهذه علتان في اسناده تكفي كل واحدة منهما لرد اي حديث هي فيه، واخرج هذا الحديث أيضاً من نفس الطريق ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/ 344).
ورواه أيضاً الطبراني في (الكبير) (6184). وقال: حدثنا علي بن اسحاق الوزير الاصبهاني حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ثنا عمر بن سعيد عن فضيلبن مرزوق عن ابي سخيلة عن ابي ذر وسلّمان قالا ... الحديث، وهذا إسناد مطعون في جميع رجاله سوى شيخ الطبراني علي بن اسحاق فلم اجد له ترجمه والله اعلم بحاله، وإسماعيل السّدّي يخطئ ورُمي بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب)، وشيخه عمر بن سعيد ضعيف وقال النسائي: ليس بثقة. وتركه الدارقطني وبه أعل الحديث الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/ 12): وفضيل بن مرزوق في حفظه ضعف، قال الحافظ: صدوق يهم ورمي بالتشيع، وأخيراً أبوسخيل هذا مجهول، كما قال الحافظ وغيره وهي جهالة عين لا جهالة حال وهي اشد ضعفا من مرتبة الضعيف. فهذا اذاً إسناد لا يفرح بمثله ولا يُغني شيئاً إذ انه ان سلّم من علة وقع في اخرى كما هوواضح. واخر ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه من قوله نفسه قال: (انا عبد الله واخورسوله وانا الصدّيق الاكبر لا يقولها بعدي الا كاذب صليت قبل الناس سبع سنين) اخرجه الحاكم في (المستدرك) (3/ 112)، والنسائي في (خصائص علي) كمافي (تنزيه الشريعة) (1/ 376) من طريق عباد بن عبد الله الأسدي عن علي. وذكره الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة عباد بن عبد الله وهوضعيف. قال ابن المديني: ضعيف الحديث. وقال البخاري: فيه نظر. وبه ردّ الحديث الذهبي وتعقبه على الحاكم حين قال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي بانه باطل وان عبادا ضعيف، وقد رد هذا الاثر احمد بن حنبل وضرب عليه، كما في (تهذيب التهذيب) وذكره الذهبي في (الميزان) في ترجمة عباد وقال: هذا كذب على علي، وانظر (ص411 - 412) من كتابنا هذا. هذه حال جيمع طرق هذا الحديث، فمن اين تأيته الصحة فضلاً عن التواتر؟
قوله: (وفيهم وفي أوليائهم قال الله تعالى: وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقال في الهامش (42/ 7): (نقل صدر الائمة موفق ابن احمد عن ابي بكر بن مردويه بسنده إلى علي قال: تفترق هذه الامة ثلاثاً وسبعين فرقة كلها في النار الا فرقة فانها في الجنة، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ في حقهم: وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون، وهم انا وشيعتي) إ. ه.
قلت: قصر الآية بهم لا دليل عليه ولا يصح، فالآية عامة، وان كان يلحقها التخصيص فبأمة صلّى الله عليه وسلّم كما قال غير واحد من السلف فيما رواه ابن جرير (9/ 86) وغيره، ويروي أيضاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بسند معضل. وما نسبه هذا الموسوي إلى علي رضي الله عنه ولم يبينلنا اسناده حتى يلزمنا به الحجة، ولا اظنه الا باطلاً كدعأويه السابقة وإلا فليسق لنا احدٌ إسناده.
ثم رأيت السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) (3/ 617) ذكر قول علي رضي الله عنه هذا واليك لفظه، قال: (لتفترقن هذه الأمة على ثلا وسبعين فرقة كلها في النار الا فرق، يقول الله {وممّن خلقنا أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون} فهذه هي التي تنجومن هذه الأمة) إ. ه. ومع ان السيوطي لم يصرح بثبوته فهوموافق لحديث صلّى الله عليه وسلّمالصحيح المعروف في هذا الباب ويزيد عليه في تفسيره الآية بهذا، لكن المهم انه ليس فيه قوله (وهم أنا وشيعتي) مما يبين التحريف والزيادة في النص أما من هذا الموسوي أوممن لقبه بصدر الائمة موفق بن احمد، ومثل هذا التحريف والتلاعب بالنص يجعلنا لا نثق بأي شيء يسوقه لنا خصوصاً اذا لم يبين لنا موضعه من الكتاب واسناده، كما هودأبه في معظم ما ساقه من النّصوص.