ومن مطاعنهم عليه رضي الله عنه: أنهم يزعمون أن عبد الله بن مسعود كان يطعن عليه ويكفره، ولما حكم ضربه حتى مات[1]
هذا من الكذب البين على ابن مسعود، فإن علماء النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر عثمان، بل لما بويع عثمان بالخلافة قال ابن مسعود: أمرنا خير من بقي ولم نأله[2]. ويروى أنه قال: ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل[3]، وكان عثمان في السنة الأولى من ولايته لا ينقمون منه شيئاً، ولما كانت السنة الآخرة نقموا منه أشياء كان معذوراً فيها، ومن جملة ذلك أمر ابن مسعود فإن ابن مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف لما فوض عثمان كتابته إلى زيد دونه، وأمر أصحابه أن يغسلوا مصاحفهم، وجمهور الصحابة كانوا على ابن مسعود مع عثمان، وكان زيد بن ثابت قد انتدبه قبل ذلك الصديق والفاروق لجمع المصحف في الصحف، فندب عثمان من ندبه الشيخان، وكان زيد بن ثابت قد حفظ العرضة الأخيرة، فكان اختيار تلك أحب إلى الصحابة، فإن جبريل عليه السلام عارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين[4].. فكان ذو النورين في هذا على حق كما يعلم، وكما يعلم سائر الصحابة مكانة ابن مسعود وعلمه وصدق إيمانه، وكان أيضاً: على حق في أمره بغسل المصاحف الأخرى كلها ومنها مصحف عبد الله بن مسعود؛ لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل ما كان هو من أجل أعمال عثمان بإجماع الصحابة الكرام، ولذلك كانوا معه دون ابن مسعود رضي الله عنهم جميعاً. وأما زعمهم: أنه لما حكم ضرب ابن مسعود حتى مات، فهذا كذب باتفاق أهل العلم، فإنه لما ولي أقر ابن مسعود على ما كان عليه من الكوفة إلى أن جرى من ابن مسعود ما جرى، وما مات ابن مسعود من ضرب عثمان أصلاً[5]. قال أبو بكر بن العربي: وأما ضربه لـ ابن مسعود ومنعه عطاءه فزور[6]. فلا وجهة للرافضة بالطعن على عثمان بقصة ابن مسعود هذه، فإنه لم يضربه عثمان ولم يمنعه عطاءه، وإنما كان يعرف له قدره ومكانته، كما كان ابن مسعود شديد الالتزام بطاعة إمامه الذي بايع له وهو يعتقد أنه خير المسلمين وقت البيعة، لكن المبتدعة من أهل الرفض غرضهم التكفير أو التفسيق للخلفاء الثلاثة بأشياء لا يفسق بها واحد من الولاة، فكيف يفسق بها أولئك[7] رضي الله عنهم أجمعين. وعثمان أفضل من كل من تكلَّم فيه. هوأفضل من ابن مسعود وعمَّار وأبي ذر ومن غيرهم من وجوه كثيرة، كما ثبت ذلك بالدلائل الكثيرة. فليس جعل كلام المفضول قادحاً في الفاضل بأَوْلى من العكس، بل إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل، وإلا تكلم بما يُعلم من فضلهما ودينهما، وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله. ولهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم، لأنا لا نُسأل عن ذلك. كما قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء طهَّر الله منها يدى، فلا أحب أن أخضّب بها لساني. وقال آخر: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل، فلا بد من الذبّ عنهم، وذكر ما يبطل حجته بعلمٍ وعدل. وكذلك ما نقل من تكلّم عمّار في عثمان، وقول الحسن فيه، ونقل عنه أنه قال: لقد كَفَر عثمان كفرة صلعاء وأن الحسن بن عليّ أنكر ذلك عليه، وكذلك عليّ، وقال له: يا عمار أتكفر بربٍّ آمن به عثمان؟.
[1] منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة: 3/173، وانظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: 3/33، حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله شبر: 1/190، كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة، 1/51-52. [2] الطبقات لابن سعد: 3/63، وانظر المستدرك للحاكم: 3/97، والرد على الرافضة لأبي نعيم، ص:307، تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص:154. [3] منهاج السنة: 3/191، ومعنى قول ابن مسعود: ولم نأل: أي: لم نقصر في اختيار الأفضل. [4] منهاج السنة: 3/191. [5] منهاج السنة: 3/192. [6] العواصم من القواصم: ص:63. [7] منهاج السنة: 3/191
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video