وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لوآمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا لم يضره ذلك شيئا، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة؟!
واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا
قوله: (ولا غروفان ولايتهم لمما بعث الله به الأنبياء واقام عليه الحجج والأوصياء، كما جاء في تفسير قوله تعالى: واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا. بل هي مما اخذ الله به العهد من عهد: الست بربكم كما في تفسير قوله تعالى: وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) إ. هـ.
قلت: قد تقدمت منا الاشارة إلى كلامه هذا وأنه يريد به ان يبين ان الخلق كلهم ما اخلقوا الا من أجل علي وان الفلك لا يدور الا لأجله وأهل البيت، وهذا القول لا يقوله مسلّم في محمّد صلّى الله عليه وسلّم خير البرية فكيف يقوله هذا الموسوي في علي وأهل البيت؟ وقد قدمنا ان هذا كلام من اعرض عن توحيد الله سبحانه ومن اتخذ من دون الله اندادا يحبهم كحب الله، وها هوكتاب الله بيننا يبطل قول مثل هذا الرجل: {وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون}. {ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليهِ أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون} {يُنزّل الروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلا أنا فاتقون}. ولا أظن عاقلا يقول ان الامم السابقة وانبياءها كان عندهم علم عن علي وأهل البيت. بل هذا كلام المجانين ...
وما افسد استدلاله بهذه الآية {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} فهويقتطع من النّصوص ما يريده ويذر الباقي، ويحرف بذلك كلام الله ومراده، ولا أجد له مثلا الا كالذي يحتج على تركه الصلاة بقوله تعالى {فويل للمصلين} ولا يكمل الآية واليك تمام الآية، قال الله تعالى: {واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون} فهذا هوتمام الآية وفيه بيان المراد من السؤال وهوالقضية العظمى التي بعث الله من أجلها الرسل وانزل الكتب الا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، لكن هذا الرجل يحرفها ويجعلها موالاة على وأهل البيت، فأين هذا من هذا؟
وكل ما ذكره في الهامش (29/ 66) تخريجا لقوله انما هوكذب لا شك في ذلك، لذلك تراه قد ساقه بشكل مبهم جدا ً ولم يذكر اي موضع له، كعزوه لابي نعيم في (الحلية)، وكتاب الحلية في أحد عشر مجلدا ً فضلا عن احتواءه الصحيح والمكذوب، فكيف يصح مثل هذا التخريج؟ ولا شك في بطلان اي اثر أوحديث في تفسير الآية بما ذكره لما قدمنا من سياق الآية وتمامها. واجعل هذا نموذجا لك لتأخذ فكرة عن طبيعة استدلالاته التي ادعى انها (بدليل لا يترك خليجة وبرهان لا يدع وليجة) كما قال في مقدمة كتابه (ص35) ولم يكتف بذلك بل قال: (وعنيت بالسنن الصحيحة، والنّصوص الصريحة) ولا اظنه يعني الا كتاب اخر غير هذا فلم اجد في كتابه هذا أيّ رائحة لما يقول ..
واما استدلاله بقوله تعالى: {وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى} فابطل من سابقه, الا ترى قوله {ألستُ بربّكم قالوا بلى} فلم يذكر فيه نبياً ولا ولياً ولا اميراً، فهوميثاق التوحيد خاصة- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (المنتقى) (ص485) - ويؤيده انه قال بعده: {أوتقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذريةً من بعدهم} فهوالميثاق الذي اخذه الله على بني آدم جميعا لتوحيده خاصة، حتى انه لي فيه ميثاق النبوة- كما قلنا- فكيف بما دونها مما يزعمه هذا الموسوي عن ولاية علي وأهل البيت؟
وقوله في الهامش (3/ 67): (يدلك على هذا حديثنا عن أهل البيت في تفسير الآية) إ. هـ. لا اراه يعني الا ما ذكره سلفه ابن المطهر الحلي وعزاه للفردوس- وهوكتاب الديلمي- عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (لويعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله {وإذ اخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة بلى، فقال تعالى: انا ربكم ومحمّد نبيكم وعلي أميركم) إ. هـ.
قال شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص485) -: (فالجواب منع الصحة، بل هوكذب باتفاق أهل المعرفة والنقد) إ. هـ. قلت: والكذب واضح من سياقه ومن تحريف الآية وتحميلها ما ليس فيها. وهذه الآية من الآيات التي يزعم علماء الشيعة انها محرفة وان لفظها: (الست بربكم ومحمّد نبيكم وعلي اميركم) راجع مواضع التحريف التي اشرنا اليها في كتاب (الكافي) و(تفسير القمي) في مقدمة كتابنا. وهوما يعنيه هذا الموسوي لكنّه لم يستطع التصريح به فاكتفى بالاشارة إلى ما يروونه في ذلك.
واضافة إلى الوجه المتقدم في رد احتجاجه بهذه الآية قال شيخ الإسلام: (وأيضاً فان الميثاق اخذ على الذرية كلها، أفيكون علي أميراً على الأنبياء كلهم من نواح إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ وهذا كلام المجانين، فان أولئك ماتوا قبل ان يخلق الله علياً، فكيف يكون أميراً عليهم؟ وغاية ما يمكن ان يكون أميراً على أهل زمانه، أما الإمارة على من خلق قبله وعلى من خلق بعده فهذا من كذب من لا يعقل وما يقول ولا يستحي مما يقول. ومن العجب ان هذا الحمار الرافضي هواحمر من عقلاء اليهود الذين قال الله فيهم: {مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ً} والعامة معذورون في قولهم: الرافضي حمار اليهودي، والعاقل يعلم ان هذا وامثاله باطل عقلا ً وشرعا ً، وانما هذا نظير قول ابن عربي الطائي وامثاله: ان الانبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي خلق بعدهم بدهور فغلوهؤلاء في الولاية كغلوأولئك في الامامة) إ. هـ.