فهل هؤلاء أئمة؟!
أحاديث المؤاخاة
(4، 5) - أشار في هاتين الفقرتين إلى المؤاخاة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وذكر حديثين في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً أخاً له، وهما من الأحاديث الموضوعة المكذوبة كما سنبيّنه إن شاء الله، والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ علياّ أخاً له خرافة لا أساس لها، وما بأول أكاذيب الشيعة، ومثلها القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بن المهاجرين بعضهم مع بعض، ولا عبرة بمجرد ذكر ذلك في كتب السّيَر، إنما العبرة بثبوته وصحته حتى يستقيم الإحتجاج به، ولا يمكن أحداً أبدا ً أن يثبت صحة هذه المؤاخاة ولله الحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأحاديث المؤاخاة كلّها كذب، ولا آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بين مهاجري ومهاجري، ولكن بين المهاجرين والأنصار) وأقرّه الذهبي في (مختصر منهاج السنة) المسمى (المنتقى من منهاج الإعتدال) (ص 46). وسنبيّن كذب تلك الأحاديث إن شاء الله في (المراجعة -34 - ) فقد ذكرها هذا الموسوي هناك ونكتفي هنا بالكلام على الحديثين اللذين ساقهما، وقبل ذلك أقول إنّ هذا الموسوي كعادته في الأنتقاء من كلام الرجال ما يوافق هواه، نقل من كلام ابن عبد البر في (الإستيعاب) ما يفيده في (الهامش) (5/ 161) وترك الآخر وهوتضعيف ابن عبد البر لحديث زيد بن أبي أوفى هذا المذكور هنا حينما أشار إليه وإلى ما ذكره من المؤاخاة فقال: (1/ 559)، (إلاّ أن في إسناده ضعفاً) فأقدم على إخفائه هذا الموسوي، كما حذف شطر حديث زيد بن أبي أوفى هذا الأول. في كيفية المؤاخاة لا لطوله بل لأن فيه التصريح الواضح بفضائل عظيمة لعدد من الصحابة الذين تبغضهم الرافضة- قبّحهم الله- وهم أبوبكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنه أجمعين، أنظر نص الحديث في (المعجم الكبير) للطبراني (5146) وغيره.
فقبل الكلام على سند الحديث وبيان ضعفه ووضعه، نقول لأصحاب هذا الموسوي إن كنتم تقولون بثبوت هذا الحديث وتحتجّون به فهيّا لنطلعكم على ما جاء فيه مما أخفاه عنكم صاحبكم الموسوي هذا لأن فيه قارعة على رؤوسكم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كما في هذا الحديث: (إنّ لك عندي يداً إنّ الله يجزيك بها، فلوكنت متّخذاً خليلاً لاتّخذتك خليلاً، فأنت منّي بمنزلة قميصي من جسدي).
وقال لعمر: (فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة) والثلاثة هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر بدليل ذكر أبي بكر قبله.
وقال لعثمان: (أنت ممن يرد عليّ الحوض وأوداجه تشجب دماً فأقول: من فعل بك هذا؟ فتقول فلان وفلان وذلك كلام جبريل عليه السلام وذلك إذ هتف من السماء ألا إنّ عثمان أمين على كل خاذل) فليسمع كل الشيعة هذا.
وقال لعبد الرحمن بن عوف: (ادن يا أمين الله والأمين في السماء ... ) ومن أمأنته أنه قدم في الشورى عثمان على عليّ.
وقال لطلحة والزبير: (أنتما حواريّ كحواري عيسى ابن مريم عليه السلام).
وهذا كله مما لا ترضى به الشيعة وتأنف منه ولا تطيق سماعه كما هومعلوم عند كل من عرف مذهبهم وقرأ كتبهم في ذلك. فالحديث إذن متنه مردود على مذهب الشيعة، وإسناده مردود على مذهب أهل السنة كما سنبيّنه إن شاء الله.
فقد أخرجه الطبراني في (الكبير) (5146)، وذكره المتقي الهندي في (الكنز) (36345) وعزاه لأحمد في كتاب (مناقب علي) وبين شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة)، إن هذا ليس من رواية الإمام أحمد وإنما من زيادات القطيعي ثم ساق إسناد القطيعي- أنظر (مختصر المنهاج) (46) - الذي رواه من طريق البغوي في (معجمه)، وذكره المتقي الهندي أيضاً في (الكنز) (25555) وساق له إسنادين عن زيد بن أبي أوفى وعزاه لهؤلاء الذي ذكرهم هذا الموسوي ونقل تخريجه منه (البغوي والطبراني في معجميهما والباوردي في المعرفة وابن عدي)، وذكره السيوطي أيضاً في (الدر المنثور) (6/ 76 - 77) وعزاه لهؤلاء ولم يتكلّم عليه بشيء لكن نقل المتقي الهندي في (الكنز) عقب تخريجه تضعيف السيوطي وغيره من الأئمة لهذا الحديث، فقال نقلاً عن السيوطي (9/ 17 - 171): (وكان في نفسي شيء ثم رأيت أبا أحمد الحاكم في الكنى نقل عن البخاري أنه قال: حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشير أبوعمروعن يحيى بن معين حدثني إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى به، وقال: هذا إسناد مجهول لا يتابع عليه ولا يعرف سماع بعضهم من بعض أنتهى). وهذا كله موجود في (الكنز) فاقتطعه هذا الموسوي قطع الله ذكره مما يدلّ على عدم أمأنته في النقل.
وهذا الحديث ضعيف جداً لا يثبت وليس ببعيد من الوضع فقد روي من طريق عبد المؤمن بن عباد بن عمر العبدي عن يزيد بن معن عن عبد الله ابن شرحبيل عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى- وفي بعض طرقه: عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى- ورواته من دون الصحابي مجهولون لا يعرفون ولم أجد لهم أية ترجمة سوى عبد المؤمن بن عباد العبدي فقد ذكره الذهبي في (الميزان) ونقل تضعيف أبي حاتم له وقول البخاري عنه لا يتابع على حديثه.
وله طريق أخرى، تلك التي رواها البخاري فيما نقله السيوطي عنه فيما تقدم نقله من (الكنز) ورواته أيضاً مجهولون ولا يعرف سماع بعضهم من بعض كما قال البخاري وإبراهيم القرشي وسعيد بن شرحبيل اللذين في الطريق ذكرهما الذهبي في (الميزان) و(المغني) وحكم بجهالتهما. وانظر كلام البخاري السابق على هذه الطريق في (التاريخ الصغير) (1/ 217)، وقد أشار البخاري هناك أيضاً إلى طريق ثالثة فقال: (ووراه بعضهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له) إ. ه. فهذه طرق هذا الحديث الذي لا يثبت أبداً، إذ هومن طريق مجاهيل لا تعرف عدالتهم وحالهم فضلاً عن لقائهم بمن رووا عنه، وهوليس ببعيد من الوضع، وقد حكم عليه بذلك ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/ 214)، إضافةً لشيخ الإسلام إبن تيمية في (منهاج السّنة) - أنظر (مختصر المنهاج) (ص46) - وقد أقره على ذلك الذهبي أيضاً، فضلاً عمّن ضعفه كالبخاري فيما سبق وابن عبد البر في (الاستيعاب) (1/ 559). وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (1/ 56 - 561): (وقال ابن السكن روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح) إ. ه. هذا حديث زيد بن أوفى الأول الذي ذكره الموسوي، أما الحديث الثاني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: (أغضبت علي حين آخيت ... ) الحديث. فقد عزاه للطبراني في (الكبير)، وطبعاً نقل ذلك من (الكنز) أومنتخبه. وهوحديث مكذوب موضوع، أخرجه الطبراني (1192) وفي إسناده حامد بن آدم المروزي وهوكذاب، كذبه الجوزجاني وابن عدي وعده السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث، وقال ابن معين: كذاب لعنهمالله. وقد ذكر هذا الحديث أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/ 111) وقال: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حامد بن آدم المروزي وهوكذاب) إ. ه.
وبعد أن بيّنا كذب هذين الحديثين فلا حاجة لنا إلى رد ما ادّعاه هذا الموسوي في الهامش (8/ 163) إذ بطلانه أوضح من أن يحتاج إلى رده خصوصاً بعد ثبوت كذب هذين الحديثين كما قلنا، ومن باب أولى كذب ما ادعاه من أنّ قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: (أنت مني بمنزلة هارون ... ) قد جاء في غير غزوة تبوك. وعلى مثل هذين الحديثين تقيم الشيعة مذهبها فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم ذكر هذا الموسوي عدداً من الصحابة ممن زعم صحة السند اليهم في روايتهم لحديث المؤاخاة المزعومة هذه ولم يذكر مستنده في ذلك، وما دام الكلام عارياً عن البيّنة فلا ضابط لافتراءات الجهلاء وادعاءاتهم، ثم راح يفصل ذلك وبدأ بحديث ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: (يا عليّ أنت أخي في الدنيا والآخرة) أخرجه الترمذي (4/ 328)، والحاكم (3/ 14) من طريق حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر، وجميع هذا متهم، قال ابن حبان: رافضي يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس. وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة برقم (17) وأشرنا إلى حديثه الموضوع هذا هناك أيضاً.
هذا أحد إسنادي الحاكم، والإسناد الثاني من رواية جميع هذا أيضاً لكن بزيادة طامّة أخرى وهي إسحاق بن بشر الكاهلي الذي فيه وقد كذبه ابن أبي شيبة وموسى بن هارون واتهمه الدارقطني بوضع الحديث. هذه حال طريقي هذا الحديث عند الحاكم وغيره، فلم يستحِ هذا الموسوي المفتري من الكذب بقوله: (طريقين صحيحين على شرط الشيخين) كما في الهامش (2/ 165) وزاد عليها أيضاً: (وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحته) مع أن الذهبي قد عقب على هذا الحديث بطريقيه فقال: (جميع اتهم، والكاهلي هالك)، ألا لعنة الله على الكاذبين. ولينظر الشيعة إلى إمامهم هذا عبد الحسين شرف الدين- وما هوبشرفٍ للدين- وما يمارسه من الكذب ثم ليحكموا بأنفسهم.
وقد حكم على هذا الحديث بالوضع الألباني في (الضعيفة) (351) وعزاه أيضاً لابن عدي (59/ 1، 69/ 1) من نفس الإسناد، وذكره في الموضوعات أيضاً الفتني الهندي في (تذكرة الموضوعات) (97).
وقوله بعد ذلك: (وسمعت في المراجعة 2 قوله وقد أخذ برقبة علي: إن هذا أخي ووصيي ... ) إشارة إلى الحديث الموضوع من رواية الكذابين أوالمتهمين أوالمتروكين في نزول قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} وقد قدمنا الكلام عليه بالتفصيل بما يغني عن إعادته في (ص 22 - 229، 354) وبينا كذب هذا الحديث هناك، فأنتظم هذا الحديث إلى كوم الأحاديث المكذوبة التي سوّد بها هذا الموسوي مراجعاته هذه.
ثم قال: (وخرج صلى الله عليه وآله وسلّم على أصحابه يوماً ووجهه مشرق فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ... ) الحديث.
هذا حديث كذب وقد عزاه هذا الموسوي في الهامش (3/ 166) لأبي بكر الخوارزمي نقلاً من الصواعق وهوقصور فاحش فاضح فليس هومن أصحاب الحديث ولا كتابه من كتب الحديث فلا يصح العزوإليه لكن هذا ما يستسيغ فعله الجهلاء.
وهذا الحديث قد أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (4/ 21) عن بلال ابن حمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوماً ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوّج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرةَ طوبى فهزّها فنثرت رقاماً- يعني صكاكاً- وأنشأ الله ملائكةً التقطوها، فإذا كأنت القيامة ثارت الملائكة في الخلق فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلاّ دفعوا إليه منها كتاباً براءة من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار) إ. ه. وهوحديث كذب لا يخفى ذلك على متنه. قال الخطيب بعد إخراجه: رجال هذا الحديث ما بين بلال وعمر بن محمد كلهم مجهولون إ. ه. قلت: وهم سبعة، أبوعلي أحمد بن صدقة البيع حدثنا عبد الله بن داود بن قبيصة الأنصاري حدثنا موسى بن علي حدثنا قنبر بن أحمد بن قنبر مولى علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده كعب بن نوفل. وقد ذكر بعضهم الذهبي في (الميزان) وحكم بجهالتهم، وأشار إلى هذا الحديث في ترجمة موسى بن علي من (الميزان) وقال: (إسناده ظلمات) وقال قبل ذلك (والخبر كذب)، وحكم عليه أيضاً بالكذب والوضع ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/ 4) وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/ 367).
قال: (ولما زفت سيدة النساء إلى كفئها سيّد العترة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم أيمن ادعي لي أخي، فقالت: هوأخوك وتنكحه، قال: نعم يا أم أيمن، فدعت علياً فجاء .. ) الحديث.
قلت: هذا الحديث منكر مردود وإنما يصدّقه من لا علم له بالأخبار ولا بالسيرة، أخرجه الحاكم (3/ 159) من طريق أبي يزيد المدني عن أسماء بنت عميس قال: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. ولم يصححه الحاكم ولم يعقب عليه بشيء، لكن الذهبي رده- جزاه الله خيراً- فقال: (ولكن الحديث غلط لأنّ أسماء كأنت ليلة زفاف فاطمة بالحبشة) إ. ه. ومنه يعلم كذب هذا الموسوي حين قال في الهامش (4/ 166): (وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحته).
وما قاله الذهبي في رد هذا الحديث هوالحق، فإن أسماء بنت عميس كأنت زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، هاجرت معه إلى الحبشة وبقيت هناك حتى قدم جعفر ومن معه وزوجته أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد فتح خيبر سنة سبعٍ للهجرة، وهذا مستفيض في السيرة، وكل من صنّف في السيرة ذكره وأقرّه لا يماري في ذلك إلا الجهلاء. ومثلها في الاستفاضة والشهرة والثبوت زواج عليّ من فاطمة رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر، ومعنى ذلك أن أسماء بنت عميس كأنت في الحبشة مع زوجها جعفر حين تزوّج عليّ فاطمة. ولا يمكن أن يقال ان هذا من قبيل مرسل الصحابي فيقبل فان في الخبر ما هومردود حتماً وهوشهود أسماء لزواج فاطمة من عليّ وقولها: كنت في زفاف فاطمة، فهذه علّة قادحة في المتن توجب وهنه وضعفه ومن ثم ردّه.
ثم إن أبا يزيد المدني الراوي عن أسماء ليس ممن يحتجّ بتفرّده، قال الحافظ في (التقريب) مقبول. وهذا وإن كان من ألفاظ التعديل لكنه أقلّها وأدناه كما يعلمه أهل هذا العلم الشريف، وليس بعده إلا الجرح. وكما هوثابت عند أهل الحديث فلا يحتج بأصحاب هذه المرتبة إذا انفردوا، كما هوالحال في حديثنا الحالي، يعني أنه مقبول حيث يتابع كما بيّنه الحافظ في مقدمة (التقريب).
وأظن- والله أعلم- ان هذا هوالسبب فيما وقع من غلط في متن هذا الحديث، مما يرد على من احتجّ بهذا الحديث كهذا الموسوي الخبيث، والحمد لله على توفيقه.
وقوله في (الهامش) (4/ 166): (وكل من ذكر زفاف الزهراء ذكره لا استثني منهم أحداً) أبطل من سابقه ونحن نتحدّاهم بذكر واحد ساقه بإسناد صحيح ثابت، ونعفيهم من ذكر الاتفاق عليه.
ثم قال: (وكم أشار إليه فقال: هذا أخي وابن عمي وصهري وأبوولدي) وعزاه في الهامش (5/ 166) للشيرازي في الألقاب وابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنهما، وطبعاً نقل ذلك من (الكنز) أو(منتخبه).
وقد ذكره في (الكنز) (32947) ولم يعقب عليه بشيء لكنه كان قد ذكره أيضاً، (12914) وأشار إلى ما فيه من ضعف بقوله: (وفيه إسماعيل بن يحيى) قلت: وفي الرواة إسماعيل بن يحيى أربعة: إسماعيل بن يحيى التيمي، والشيباني، وابن سلمة بن كهيل، والمعاقري. والأولان كذّابان، والثالث متروك، والرابع مجهول لا يُعرف- كما في (الميزان) و(التهذيب) وغيرهما- فبان بهذا كذب الحديث أوردّه على أي وجه. لكن الراجح عندي أنه الأول: إسماعيل بن يحيى التيمي لأمرين؛ الأول: إن الثلاثة الآخرين هم من رجال السنن (ابن ماجة والترمذي وأبوداود) فلوكان أحدهم هوالمذكور لبيّنه صاحب الكنز بوضوح إذ حاله لا يخفى. الأمر الثاني: أن إسماعيل بن يحيى التيمي قد جاء في ترجمته من (تاريخ بغداد) (6/ 247 - 249) ما يدل على تشيّعه فهوأقرب الأربعة لرواية مثل هذا الكذب، والله أعلم.
وكل هذا لعدم تمكّني من الوصول إلى (ذيل تاريخ بغداد) لابن النجار مع انه مطبوع موجود، ولا أرى الآن حاجة إلى ذلك إذ على فرض عدم صحة ما قلناه يبقى الحديث مكذوباً أومردوداً ساقطاً كما هوواضح. والتيمي هذا كذّبه الدارقطني والحاكم وأبوعلي النيسابوري. وقال صالح بن محمد جزرة: كان يضع الحديث. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تحلّ الرواية عنه. وقال الذهبي: مجمع على تركه.
ثم قال: (وكلّمه مرةً، فقال له: أنت أخي وصاحبي) وعزاه في الهامش (6/ 166) لابن عبد البر في (الإستيعاب) عن ابن عباس. قلت: أخرجه ابن عبد البر (3/ 34 - 35)، وهوعند الإمام أحمد في (مسنده) (1/ 23)، كلاهما من طريق حجّاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس. وعند الإمام أحمد بيان سبب ذلك وهوفي قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنة حمزة، وقد تقدم ذكرها في (صفحة 383) وبينا الرواية الصحيحة الثابتة لها وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ (أنت مني وأنا منك)، وما سوى ذلك فضعيف مردود لا يصح الإحتجاج به، ومن تلك الروايات غير الصحيحة والساقطة رواية ابن عباس هذه ففي سندها علّتان:
الأولى: حجاج المذكور هوابن أرطاة وهووإن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه كثير الخطأ والتدليس كما قال الحافظ في (التقريب)، فلا يحتج بما رواه بالعنعنة- كما هوالحال هنا- وإنما فيما صرح فيه بالتحديث أوالسماع فقط، قال ابن خزيمة: لا أحتجّ به إلا فيما قال أنبأنا وسمعتُ، أنظر ترجمته من (التهذيب) وكذا (الميزان). فالعلّة الأولى إذن تدليس الحجاج مع ما عنده من الخطأ.
الثانية: الإنقطاع بين الحكم- وهوابن عتيبة- وبين مقسم مولى ابن عباس، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمتي الحكم ومقسم من (تهذيب التهذيب) عن الإمام أحمد ويحيى القطان وغيرهما أن الحكم لم يسمع من مقسم سوى أربعة أحاديث أوخمسة على الأكثر ليس حديثنا هذا منها- أنظر تلك الأحاديث في (تهذيب التهذيب) (2/ 434) - وهذا ما نسميه انقطاعاً باعتبار الإسناد وتحمل كل راوٍ عن الآخر لا مطلقاً فإنه من قبيل الرواية عمّن عاصره ولقيه ما لم يسمع منه وهوأحقّ بان يسمى تدليساً، لهذا قال الحافظ في (التقريب) عن الحكم بن عتيبة: (ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلّس) ويعني به مثل روايته هذه عن مقسم.
ولا يتوهّمنً أحدٌ أن هذه علّة بسيطة أوغير قادحة، فإن الحكم كما مر ثقة ثبت، وعدم ذكره للواسطة بينه وبين مقسم لا لنسيانه بل لخلل قادح في تلك الواسطة كأن يكون راوياً متّهماً بالكذب أومتروكاً أوضعيفاً جداً. فدلّس الحكم اسمه وووصله بمقسم، شأنه في ذلك شأن كل المدلّسين من الحفاظ الأثبات كالأعمش والحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم. وهذا إنما فعلوه متأولين جوازه أولثقة تلك الواسطة عندهم بخلاف غيرهم فأرادوا رواية حديثه، وبخلاف ذلك يكون حراماً ويقدح في عدالتهم.
هذه نبذة مختصرة عن التدليس وخطره وأحقيّة علّته، والله أعلم. وهذه علّتان في إسناد هذا الحديث تمنعان من تصحيحه- كما هوواضح- ومن الإحتجاج به فلا تبقى فيه بعد ذلك أية حجة لهذا الموسوي وأصحابه مع ما سبق بيانه من مخالفته للفظ الصحيح في هذه القصة، قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنه حمزة، والله الموفق للصواب.
ثم قال الموسوي: (وحدّثه مرة أخرى، فقال له: أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة) وعزاه في الهامش (7/ 166) للخطيب نقلاً من (كنز العمال).
قلت: وقد أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (12/ 268) من طريق عثمان بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ. وهوحديث موضوع، عثمان بن عبد الرحمن المذكور هوالقرشي الزهري الوقاصي، وهوكذاب كذّبه ابن معين، وأقل ما قيل فيه أنه متروك. وقد عدّ هذا الحديث في (الموضوعات) الألباني في (الضعيفة (352).
وقال هذا الموسوي: (وخاطبه يوماً في قضية كانت بينه وبين أخيه جعفر وزيد بن حارثة، فقال له: وأما أنت يا علي فأخي وأبوولدي ومني واليّ .. ) الحديث. وعزاه في الهامش (8/ 166) للحاكم في (مستدركه) (3/ 217) وقد صححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهووهمٌ منهما رحمهما الله تعالى فالحديث ليس على شرط مسلم أصلاً وليس بصحيح أبداً بل هوضعيف منكر.
فهومن طريق علي بن سعيد بن بشير الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة بن زيد. وهذا إسناد ضعيف لايصحّ، فيه ثلاث علل:
الأولى: علي بن سعيد بن بشير الرازي فيه ضعف مع ما عنده من حفظ وعلم. قال الدارقطني: ليس بذاك تفرّد بأشياء، وفي رواية قال: حدث بأحاديث لم يتابع عليها أنظر ترجمته في (تذكرة الحفاظ) و(الميزان). مع ملاحظة أن أحداً لم يتابع علياً في روايته هذه.
الثانية: إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، وإن كان ثقةً إلاّ أنه يأتي بما يُستغرب، قال الحافظ في (التقريب): ثقة يغرب. وقد فسر ذلك القاضي ابوبكر الجعابي- فيما رواه عنهمالخطيب في (التاريخ) (6/ 273) - فقال: يحدث عن محمد بن سلمة بعجائب. وذكره الذهبي في (الميزان) والحافظ ابن حجر في (التهذيب). ومحمد بن سلمة شيخه في هذا الحديث، فهومن غرائبه خصوصاً وليس له متابع فيه.
الثالثة: محمد بن إسحاق- صاحب السيرة- مدلّس وقد عنعنه، ولا يحتج بشيء من حديثه إلا فيما صرح فيه بالتحديث أوالسماع، وهوأمر مفقود هنا كما ترى مما يؤكد ضعفه.
وإضافةً إلى ضعف هذا الإسناد فهومنكر لمعارضته ما صح وثبت في قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنة حمزة، وقد بيناه في (ص383)، خصوصاً وأنت ترى أن رواية حديث أسامة هذا لم تأتِ إلاّ من طريق من لا يعتدّ بتفردهم ومن عندهم غرائب وعجائب، ولوكأنت صحيحة ثابتة لتابعهم عليها الحفاظ العارفون.
ومن العجيب أن يوافق الذهبي الحاكم في ادّعائه شرط مسلم في هذا الإسناد وهوبنفسه- الذهبي- قد بيّن في ترجمة محمد بن إسحاق من (الميزان) أنه ليس من رجال مسلم المحتج بهم بل أخرج له مسلم في المتابعات فقط.
وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ليس من رجال مسلم أيضاً، وكذا محمد بن أسامة بن زيد ليس له رواية عند مسلم مع أنه ثقة. فبان بهذا عدم صحة هذا الإسناد على شرط مسلم، بل عدم صحته أبداً لما بيّنّا فهوضعيف منكر لا يصحّ الإحتجاج به، ولله الحمد.
ثم قال: (وعهد إليه يوماً، فقال: أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي .. ) الحديث وعزاه في الهامش (9/ 166) للطبراني في (الكبير) عن ابن عمر نقلاً من (كنز العمال).
قلت: قد أخرجه الطبراني في (الكبير) (13549) من طريق محمد بن يزيد- هوأبوهاشم الرفاعي- حدثنا عبد الله بن محمد الطهوي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر. وهوحديث باطل، إسناده ضعيف جداً، فيه ثلاث علل:
الأولى: محمد بن يزيد، أبوهاشم الرافعي فيه ضعف، قال الحافظ في (التقريب): ليس بالقوي، وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
الثانية: عبد الله بن محمد الطهوي، لم أجد له ترجمة وبه أعلّ هذا الحديث الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/ 121).
الثالثة: ليث هوابن أبي سليم، وهوضعيف بسبب سوء حفظه واختلاطه، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق اختلط اخيراً ولم يتميّر حديثه فتُرِكَ) إ. ه. وقد روى ليث بإسناده هذا (عن مجاهد عن ابن عمر) عدداً من الأحاديث الضعيفة والباطلة، أنظر مثلاً (سلسلة الأحاديث الضعيفة) للألباني (47، 14) فبان بهذا سقوط الحديث وضعفه.
ثم قال هذا الموسوي: (ولما حضرته الوفاة- بأبي هووأمي- قال: ادعوا لي أخي، فدعوا علياً، فقال: ادن مني، فدنا منه وأسنده إليه فلم يزل كذلك هويكلمه حتى فاضت نفسه الزكية، فأصابه بعض ريقه صلى الله عليه وآله وسلم) وعزاه في الهامش (1/ 167) لابن سعد في (الطبقات) وأشار إلى ذكر صاحب (الكنز) له أيضاً.
وأقول: ذكره في (كنز العمال) (1879) وعزاه لابن سعد وقال: (وسنده ضعيف) وهوما أخفاه عمداً هذا الرافضي البغيض عبد الحسين فله من الله ما يستحق على غشّه وخداعه هذا. والحديث عند ابن سعد (2/ق2/ 51) من طريق محمد بن عمر- وهوالواقدي- ثني عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طال عن أبيه عن جده قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره. وهوحديث موضوع إسناده واهٍ جداً، فالواقدي هذا شيخ ابن سعد هوصاحب المغازي المشهور وهومتروك وقد كذّبه غير واحد. إضافةً إلى الإنقطاع في سنده فمحمد بن عمر بن علي لم يدرك جدّه عليّاً، وإن كان المقصود بجدّه جد عبد الله وهوعمر بن علي بن أبي طالب فهومرسل، إذ هوتابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أية حال فهذه العلة دون الأولى التي يتبيّن بها كذب الحديث. وسيأتي- إن شاء الله- خلال الكلام على (المراجعة -76 - ) ما يبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهوفي حجر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، وان ما سوى ذلك كذبٌ وبهتانٌ وزورٌ من صنيع هؤلاء الرافضة الضّلاّل، والله المستعان.
ثم قال: (وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: مكتوب على باب الجنة: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله عليّ أخورسول الله .. ) الحديث.
قلت: لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه سلم. وهوكذب من اختلاق هؤلاء الرافضة الضّلاّل أمثال هذا الموسوي الكذاب.
وقد عزاه في الهامش (11/ 167) للطبراني في (الأوسط)، وللخطيب في (المتفق والمفترق) نقلاً من (كنز العمال) و(منتخب الكنز)، وقد حذف منه هذا الموسوي البغيض ما يدلل على ضعفه، فقد عزاه أيضاً المتقي الهندي في (الكنز) (3343) لابن الجوزي في (الواهيات)، وكذلك هوفي (المنتخب) (5/ 35) وهويبين بوضوح ضعف هذا الحديث إذ لم يخرجوه في (الصحاح) بل في (الواهيات)، من أجل هذا أقدم على حذفه هذا الموسوي، وهوبذلك يؤكد- بصفته إماماً للرافضة- على عدم ثقتهم وخيأنتهم مع خذلان الله سبحانه لهم.
وهذا الحديث قد أخرجه الطبراني في (الأوسط) - (مجمع الزوائد) (9/ 111) - من طريق زكريا بن يحيى الكسائي، حدثنا يحيى بن سالم، حدثنا أشعث ابن عم الحسن بن صالح، حدثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابر. ثم رواه عن الطبراني من طريقه هذا أبونعيم في (الحلية) (7/ 256) ورواه أيضاً عن أبي نعيم من هذا الطريق الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (6/ 387)، وقد ساق هذا الحديث أيضاً بإسناده هذا الحافظ الذهبي في (الميزان) (1/ 269) (2/ 76)، وهوإسناد واهٍ جداً فيه أربع علل:
الأولى: زكريا بن يحيى الكسائي هذا قال عنهمابن معين: رجل سوء يحدث باحاديث سوء. وقال مرة: يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيه. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال الذهبي في (المغني): رافضي هالك.
الثانية: يحيى بن سالم- شيخ زكريا- هوالأسدي الكوفي وقد ضعفه الدارقطني كما في (الضعفاء والمتروكين) له (رقم 585). ونقله الذهبي في (الميزان).
الثالثة: أشعث ابن عم الحسن بن صالح هذا ضعيف، قال الذهبي: شيعي جلد وليس بعمدة. وقال العقيلي: ليس ممن يضبط حديثه. وقد ضعفه أيضاً الهيثمي في (المجمع) (9/ 111) وبه أعلّ الحديث.
الرابعة: عطية العوفي ضعيف كما قال أبوزرعة وأبوحاتم والنسائي والذهبي وغيرهم- انظر ترجمته ضمن الرواة المئة (برقم 58) - وقال عنهمالذهبي أيضاً فيما تعقب به الحاكم في (المستدرك) (4/ 222): (قلت: عطية واهٍ). وقال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلّساً) فهوإلى خطئه الكثير الذي أدى إلى ضعفه كان مدلّساً وقد عنعنه في حديثنا هذا ولم يصرّح بالسماع في كل طرقه، فهذه علة أخرى أيضاً. وقد أغفلت ما يمكن أن يكون علةً تضاف إلى ما سبق، وهوالكلام الجارح الذي ورد في حق شيخ الطبراني في هذا الإسناد محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعدم اطمئنان النفس إلى ثبوته والله أعلم.
وفيما سبق كفاية لردّ هذا الحديث والحكم عليه بالكذب.
وقد أشار هذا الموسوي في هامشه إلى إخراج ابن عساكر لهذا الحديث أيضاً نقلاً من (الكنز)، وقد قدمنا في (صفحة 382) ما بينه صاحب (الكنز) من اكتفائه في بيان ضعف الحديث بعزوه إلى ابن عساكر وآخرين غيره، وهوالأمر الواقع هنا بحمد الله، ولكن مع ذلك فقد ساق صاحب (الكنز) (36435) إسناده من طريق سليمان بن الربيع، ثنا كادح بن رحمة الزاهد ثنا مسعر بن كدام عن عطية عن جابر.
وقد ساق هذا الإسناد أيضاً الذهبي في (الميزان) (3/ 399) وعلّق عليه بقوله: (فهذا موضوع) وهوأوهى من سابقه، ويؤكد وضع ذلك الحديث وكذبه، وإليك التفضيل:
سليمان بن الربيع: ضعيف جداً وقد تركه الدارقطني وأثبت له مناكير، أنظر ترجمته في (تاريخ بغداد) (9/ 54 - 55) و(الميزان) كذلك. وقال عنهمالذهبي أيضاً: أحد المتروكين، في ترجمة شيخه كادح بن رحمة من (الميزان).
كادح بن رحمة: كذاب، كما قال الأزدي وغيره، وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في متونه) وقد كذبه أيضاً ابن الجوزي في (الموضوعات) (2/ 287).
وهذا بالإضافة إلى ضعف عطية العوفي وتدليسه اللذين مرّ بيانهما.
وبهذا يكون من الحماقة والسفاهة والجهل القول بتصحيح هذا الحديث بطريقيه، فان في كل منهما أناسا متهمين كما فصلناه، ولم يروعن مسعر ابن كدام إلا من هذين الطريقين، قال أبونعيم في (الحلية) (7/ 256) عن هذا الحديث: (تفرد به أشعث وكادح بن رحمة عن مسعر) إ. ه.
وقد حكم على هذا الحديث بالوضع والكذب غير واحد من الأئمة الأعلام، كالذهبي فيما تقدم من (الميزان) (3/ 399)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/ 235)، وابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات) (458) وغيرهم، والحمد لله على توفيقه في كشف الباطل وزيفه.
ثم قال الموسوي: (وأوحى الله عز وجل- ليلة المبيت على الفراش- إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر. فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي: بخٍ بخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة؟ وأنزل الله تعالى في ذلك: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}. الحديث. وعزاه في الهامش (12/ 167) لأصحاب السنن في مسانيدهم، ومع ما في هذا اللفظ من الخطأ الدال على الجهل فهوكذب بيّن لا يستحي منه هذا الموسوي، وهويؤكد قول من وصف الرافضة بأنهم أكذب الناس- أنظر صفحة (25 - 251) من كتابنا هذا- وهذا الموسوي أمامهم يستحلّ الكذب ويتّخذه ديناً له، بل مذهباً يسلكه، والأمثلة بحمد الله في كتابنا هذا من كلامه كثيرة متوافرة. ونحن نتحدى كل الشيعة في ذكر كتاب واحد لأهل السنن- الأربعة وغيرها- قد روى هذا الحديث المكذوب، وهاهوالموسوي يحيص في هامشه هذا حيصة الحمر فلم يجد واحداً من السنن يعزوه إليه ويذكر موضعه عنده فأحال إلى (تفسير الرازي) واكتفى به، مع أن الرازي قد ذكره مختصراً كما أقر هوبه، فضلاً عن أنه لم يسنده لأحد ولم يذكر له طريقاً أومخرجاً سوى قوله (5/ 24) (ويروى أنه لما نام .. ) وقد جعل الرازي هذا القول هوالرواية الثالثة في سبب نزول قوله تعالى {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} وذكر قبلها روايتين أصحّ من هذه فأعرض عنهما الموسوي لما يوافق هواه. وأهل العلم قاطبةً يعلمون أن الرازي ليس من أهل الحديث وليس عنده من علم الحديث حظ يُعتمد عليه فيه ويرجع إليه، بل طريقته- طريقة المتكلّمين- أبعد ما تكون عن أهل
الحديث، رحمه الله. وإنما قلنا هذا لنبيّن عدم ثبوت هذا الحديث وأنه ليس له أصل في كتب السنة، ولا أستبعد أنه مروي في كتب الشيعة أئمة هذا الموسوي ومنه نقله بهذا اللفظ الذي لم يجد له أصلاً عند أهل السنة سوى باللفظ المختصر عند الرازي مع عدم ثبوته. وقد بيّنّا في صفحة (212 - 214) عدم صحة القول بأن سبب نزول هذه الآية هومبيت عليّ رضي الله عنه في فراش النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة لما في ذلك من النكارة في السند والمتن فراجعه مع سبب النزول الصحيح هناك.
وقال هذا الموسوي: (وكان علي يقول أنا عبد الله وأخورسوله، وأنا الصّدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب) ونقل تخريجه في الهامش (13/ 168) من (منتخب كنز العمال). وقد أخرجه النسائي في (خصائص عليّ) - (تنزيه الشريعة) (1/ 376) - والحاكم في (المستدرك) (3/ 112)، وابن أبي عاصم في (السّنّة) (1324)، وابن أبي شيبة وأبونعيم في (المعرفة) والعقيلي في (الضعفاء) - كما في (الكنز) (36389) - عن عباد بن عبد الله الأسدي عن عليّ. وهوكذب وافتراء ينزّه عنه عليّ رضي الله عنه. وقد أفحش الحاكم فصححه على شرط الشيخين فردّه الذهبي- جزاه الله خيراً- فقال: (بل ولا على شرط واحد منهما، بل ولا هوبصحيح، بل حديث باطل فتدبره، وعباد قال ابن المديني: ضعيف) إ. ه. وهوما أخفاه هذا الموسوي البغيض. وقد مرت الإشارة منا إلى ضعف هذا الأثر وبطلانه في (ص198 - 199) باختصار. وعلّته عباد بن عبد الله الأسدي هذا. فقد ضعفه ابن المديني- كما قال الذهبي- وقال البخاري: فيه نظر. وقد قدمنا في (ص364 - 365) عن كثير من أهل العلم بأن البخاري يقول هذا اللفظ فيمن يتهمه، وأنها أحطّ عبارات الجرح عنده. وقد ذكر الذهبي في ترجمة عباد هذا من (الميزان) هذا الأثر وقال: (هذا كذب على عليّ).
ثم قال الموسوي: (وقال: والله إني لأخوه ووليّه، وابن عمّه ووارث علمه فمن أحق به مني؟) وعزاه في الهامش (14/ 167) للحاكم في (مستدركه) (3/ 126) وزعم تسليم الذهبي بصحته، وهوكذب فإن الحاكم لم يصححه حتى يسلم به الذهبي بل سكتا عنه ولم يعلقا عليه بشيء بل قد أنكره الذهبي في (الميزان) (3/ 255) وقال: هذا حديث منكر. فمن زعم أن الذهبي قد صححه أوأقرّ صحته فقد كذب عليه وافترى.
وقد رواه الحاكم من طريق عمروبن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل:
الأولى: عمروبن طلحة هذا هوعمروبن حماد بن طلحة القنّاد، وهووإن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه رميَ بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب)، وانظر (الميزان) كذلك، فلا يحتج به في شيء من فضائل علي رضي الله عنه لما عنده من الرفض كما هومقرر عند أهل هذا العلم، وأنظر صفحة (248 - 25) من كتابنا هذا.
الثانية: أسباط بن نصر فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ: (صدوق كثير الخطأ يغرب) وقد ضعفه بسبب ذلك أبوحاتم والنسائي وغيرهما. وقال الساجي في (الضعفاء): (روى أحاديث لا يُتابع عليها عن سماك بن حرب) - أنظر ترجمته من (التهذيب) - قلت: ومنها حديثنا هذا. وقد أنكر أبوزرعة على مسلم إخراجه لحديث أسباط هذا في الصحيح.
الثالثة: سماك بن حرب وإن كان صدوقاً إلا أن روايته عن عكرمة خاصةً ضعيفة، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق وروايته عن عكرمة خاصةً مضطربة، وقد تغيّر بآخره فكان ربما يلقّن) فهذا جرح مفسر واجب الأخذ به. فمن أين أتت الصحة لهذا الإسناد يا ترى؟
وقال هذا الموسوي: (وقال يوم الشورى لعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه؟ إذ آخى بين المسلمين غيري؟ قالوا: اللهم لا) وعزاه في الهامش (15/ 168) لابن عبد البر في (الإستيعاب).
قلت: قد أخرجه ابن عبد البر (3/ 35) من طريق زياد بن المنذر عن سعيد بن محمد الأزدي عن أبي الطفيل. وزياد بن المنذر هذا هوأبوالجارود الهمداني الكوفي، قال ابن معين: كذّاب. وقال مرة: كذاب عدوالله ليس يساوي فلساً. وكذبه أيضاً أبوداود. وقال الإمام أحمد والنسائي وغيرهما: متروك.
وقال ابن حبان: (كان رافضياً يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، ويروي في فضائل أهل البيت رضي الله عنه أشياء ما لها أصول لا يحلّ كتب حديثه). وقد تركه أيضاً الدارقطني واتّهمه يحيى بن يحيى النيسابوري بوضع الحديث.
قلت: وإليه تنسب الجارودية، فرقة من فرق الشيعة، ذكرها النوبخيّ أيضاً في (فرق الشيعة) وعندهم ضلالات منها القول بالرجعة.
وأبوالجارود زياد بن المنذر هذا قد ضعفه أيضاً ابن عبد البر نفسه مع روايته لحديثه في (الإستيعاب)، مما يؤكد أن مجرد رواية الحديث لا تدل على ثبوته أوصحته عند من رواه، نقل الحافظ في ترجمة زياد من (التهذيب) عن ابن عبد البر أنه قال: (اتفقوا على أنه ضعيف الحديث منكره، ونسبه بعضهم إلى الكذب) إ. ه. هذا بالإضافة إلى رجال آخرين في الإسناد لم أجد لهم ترجمة، وفيه أيضاً عمروبن حماد القنّاد، وقد رمي بالرفض أيضاً وبيّنّا حاله في الحديث السابق.
ولقصة كلام عليّ رضي الله عنه مع أصحاب الشورى الخمسة الآخرين إسناد آخر عن أبي الطفيل ليس أسعد حظاً من هذا الإسناد، ففيه أناسٌ متّهمون بوضع الحديث أيضاً، وقد قدمنا ذكره والكلام عليه في (ص176 - 177) من كتابنا هذا، وبذلك يتحقق وضع هذه القصة من أساسها فلم يزدها هذا الإسناد إلاّ وهناً على وهن كما هوواضح، والحمد لله رب العالمين.
ثم قال: (ولما برز عليّ للوليد يوم بدر، قال له الوليد: من أنت؟ قال عليّ: أنا عبد الله وأخورسوله .. ) الحديث، وعزاه في الهامش (16/ 168) لابن سعد في طبقاته، وهوعند ابن سعد (2/ق1/ 15) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال: ... وذكره، وهوضعيف ساقط فليس هومرفوعاً إلى أحد من الصحابة بل من قول البهي هذا واسمه عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير، وهوتابعي فالحديث على هذا مرسل لا يحتج به مع ما عند البهي هذا من سوء الحفظ، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ)، وقال أبوحاتم: (لا يحتج بالبهي وهومضطرب الحديث). فالإسناد فيه إذن إنقطاع وضعف، وعلى هذا فهومردود.
ثم قال: (وسأل عليّ عمر أيام خلافته، فقال له: أرأيت لوجاءك قوم من بني إسرائيل فقال لك أحدهم: أنا ابن عم موسى أكأنت له عند أثرة على أصحابه؟ قال: نعم، قال: فأنا والله أخورسول الله وابن عمه، فنزع عمر رداءه فبسطه، وقال: والله لا يكون لك مجلس غيره حتى نفترق، فلم يزل جالساً عليه، وعمر بين يديه حتى تفرّقوا) وعزاه في الهامش (17/ 168) للدارقطني نقلاً من (الصواعق) (ص 17)، ولم يعقّب عليه في (الصواعق) بأي شيء ولم يبين إسناده وهوما يمنع إمكانية الإحتجاج به، إذ كيف يستطيع أحدٌ أن يدّعي ثبوته وصحة إسناده ولما يعلم ذلك؟ وهذا ما يؤكد أن هؤلاء الرافضة لا يتحرّون الصحيح في استشهاداتهم بل ما يوافق أهواءهم فهوالصحيح المقبول عندهم، نسأل الله السلامة والعافية.
مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابة من أهل مكة قبل الهجرة وبعدها
يتناول هذا البحث بالدراسة والنقد روايات مؤاخاة رسول الله [ بين أصحابه من أهل مكة التي روتها بعض المصادر بشكل صريح، وأشارت إليها مصادر أخرى بشكل غير مباشر. أما المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فقد درست ضمن بعض الدراسات التي تناولت أحداث السيرة النبوية، وأفردها آخرون بدراسة مستقلة(1). كما يتناول البحث مناقشة المكان والزمان اللذين حدثت فيهما هذه المؤاخاة، ودراسة دوافعها، وتضمن البحث ملحقًا بأسماء المؤاخى بينهم من (المهاجرين) المكيين، وأسماء لبعض الصحابة من المهاجرين الذين لم يرد ذكرهم في المؤاخاة، مع أنهم من المسلمين الأُول.
وقد واجهت الباحثة أثناء دراستها لهذا الموضوع بعض المشكلات منها:
غياب بعض المعلومات مما أحدث فجوات في بناء الرواية التاريخية. ونهج بعض الرواة والمؤرخين المبكرين إلى دمج أكثر من رواية عن حادثة معينة في نص واحد، فدمجت معظم روايات المؤاخاة التي نحن بصدد دراستها مع روايات المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
ولعل من المناسب بدء الموضوع بطرح الأسئلة الآتية:
هل سنَّ رسول الله [ مؤاخاة بين أصحابه من أهل مكة ؟ ولماذا ؟ وعلى أي أساس تم الإخاء بين كل اثنين بالذات ؟ وما شروط هذه المؤاخاة؟ ولماذا لم تذكر إلا أسماء فئة قليلة من المسلمين المكيين ؟ وفي أي فترة تمَّ عقدها؟ وما مدى استمرارها؟ وهل حققت الأهداف التي سنت من أجلها؟ وهل قائمة المؤاخاة بين أهل مكة مختلفة عن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؟ أم أن المصادر خلطت بين أسماء الصحابة الذين وردت أسماؤهم في قائمة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب علينا أن نتوجه إلى الروايات المبكرة في المصادر مثل: كتب الحديث؛ لأنها تمثل أوثق مصادر السيرة النبوية التي أوردت نصوصا في هذا الموضوع.
تحليل للروايات التي ذكرت مؤاخاة رسول الله [ بين أصحابه من أهل مكة قبل الهجرة وبعدها:
يلحظ أن هذه المؤاخاة لم ترد صريحة في كتب الحديث الموثوقة الأولى، فلم ترو نصها كاملاً، بل أورد بعضها مقتطفات منها:
ففي مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 142هـ) روايات صريحة لهذه المؤاخاة منها: "وكان زيد مؤاخيًا لحمزة آخى بينهما رسول الله..."(2)، وقول رسول الله [ لعلي: "أنت أخي وصاحبي"(3)، وورد فيه ما قد يفيد بمؤاخاة بين النبي [ والصديق ] عندمــا أرسل [ يخطب عائشــة، فقــال أبو بكر: أفتصلح له وهي ابنة أخيه ؟ فقال [ : أنا أخوه وهو أخي، وابنته تصلح لي(4).
والبخاري (ت652هـ) خصص بابين للمؤاخاة:
الأول: جعل عنوانه باب إخاء النبي [ بين المهاجرين والأنصار(5).
الثاني: باب كيف آخى النبي [ بين أصحابه(6).
وأورد البخاري في موضع آخر من صحيحه حديثًا يفيد بمؤاخاة حمزة بن عبدالمطلب وزيد بن حارثة، وهو حديث ابنة حمزة، عندما اختصم فيها عليٌّ وزيد وجعفر... وقال زيد: "ابنة أخي..."(7). وفي حديث آخر قول رسول الله [ لزيد:" أنت أخونا ومولانا"(8). وأورد البخاري حديثا ثالثا قد يفيد في هذا الموضوع وهو قوله [ لعلي: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"(9). والذي تكرر ذكره في كتب الحديث أكثر من مرة(01).
وقد ربط بعض المحدثين والمؤرخين بين حديث ابنة حمزة، وحادثة المؤاخاة؛ فالإمام أحمد أورد حديث ابنة حمزة، وأضاف: "وكان زيد مؤاخيًا لحمزة"، آخى بينهما رسول الله(11). وابن سعد(21) (ت032هـ) ذكر مؤاخاة زيد وحمزة وأورد: "وإليه أوصى حمزة بن عبدالمطلب يوم أحد حين حضره القتال"(31).
أما ابن حبيب (ت542هـ) فيورد مؤاخــاة حمــزة وزيد ثم يقــول: "وبهذا السبب خاصم زيد عليًا وجعفرًا ابني أبي طالب رحمهمــا الله في ابنة حمــزة..."(41).
أما ابـن حجر العسقــلاني (ت 258 هـ) فيعلق على حديث البخاري، ويقول: "زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه"(51).
ولدى الترمذي (ت972هـ) إشارة واضحة وصريحة تفيد بوقوع هذه المؤاخاة: قول علي لرسول الله [: "يارسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخِ بيني وبين أحد..."(61). وأخرج الطبراني (ت063هـ) في معجمه أن النبي [ آخى بين حمزة وزيد، وبينه وبين علي(71).
وأورد الحاكم (ت504هـ) في المستدرك على الصحيحين أحاديث عدة ومختلفة تفيد بوقوع هذه المؤاخاة، هذه الأحاديث بإسناد عن جماعة من التابعين: الأول لا يختلف كثيرا عن الحديث الذي أورده الترمذي السابق ذكره عن جميع بن عمير التيمي(81) عن ابن عمر(91) قال(02): لما ورد رسول الله [ المدينة آخى بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخِ بيني وبين أحد، فقال رسول الله [ : "يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة ". تابعه سالم بن أبي حفصة(12) عن جميع بزيادة في السياق(22).
أما الحديث الثاني فهو بالإسناد نفسه في الحديث الأول (عن جميع بن عمير عن ابن عمر): إن رسول الله [ آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، فقال علي: يا رسول الله، إنك قد آخيت بين أصحابك، فمن أخي؟ قال رسول الله: أما ترضى يا علي أن أكون أخــاك ؟ قال ابن عمر: وكان علي جلــدا شجـاعا، فقــال علــي: بلــى يا رسول الله، فقال رسول الله [: أنت أخي في الدنيا والآخرة(32). ويلحظ من الحديثين أن هناك تشابهًا بينهما غير أن الحديث الثاني أكثر تفصيلا في أسماء المؤاخى بينهم، ولا نستبعد أنهما في الأصل حديث واحد لا سيما والإسناد واحد. ثم إن الحديثين بينا أنها مؤاخاة بين أصحاب النبي من المهاجرين فقط. ومن ناحية أخرى، فإن الحديثين وردا في" كتاب الهجرة"، وفي الحديث الأول ذكر صراحة أنها تمت في المدينة بعد هجرة رسول الله [ .
وأورد الحاكم أيضا حديثين مختلفين في إسنادهما: الأول(42) بإسناد عن جابر بن زيد عن ابن عباس(52)، والثاني عن هشام بن عروة عن أبيه(62) بمؤاخاة رسول الله [ بين الزبير بن العوام، وعبدالله بن مسعود(72). ويلحظ الاختلاف عن الحديث السابق حيث ذكر مؤاخاة الزبير مع طلحة، والزبير وابن مسعود. فهل آخى رسول الله [ بين كبار وأقوياء الصحابة في الحديث الأول، وآخى بين كبار الصحابة، أقويائهم وضعفائهم في الحديث الثاني؟
وأورد الحاكم حديثــًا عن عامر بن عبدالله بن الزبير(82) أن عبدالله بن مسعود أوصى في مرضه إلى الله، ثم إلى الزبير بن العوام، وابنه عبدالله بن الزبير(92). ولعل هذا يفيد بأن رابطة الإخاء بينهم كانت قوية.
ولعل من المفيد أن نورد بعض التعليقات على إسناد بعض الأحاديث الواردة في المستدرك على الصحيحين في موضوع المؤاخاة بين بعض المهاجرين: من ذلك ما ذكره ابن حجر: "وأخرج الحاكم وابن عبدالبر بسند حسن عن أبي الشعثاء(03) عن ابن عباس: آخى النبي [ بين الزبير وابن مسعود" وهما من المهاجرين(13). وذكر أيضًا: "وأخرجه الضياء(23) في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك"(33). وذكر أيضًا: "وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر... وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به"(43).
وعلق بعض الباحثين المحدثين بأن الأحاديث الواردة في مؤاخاة النبي [ عليًا ] كلها ضعيفة. فأما الحديث الذي أخرجه الترمذي وفيه أنه [ قال لعلي: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"، ففي سنــده جميع بن عمير، وقد اتهمه ابن حبان بالوضع، وقال ابن نمير: " كان من أكذب الناس"(53).
وفي البيهقي (ت854هـ) عن أنس أن رسول الله [ آخى بين الزبير وابن مسعود(63). وعن أسلم مولى عمر: " كان رسول الله [ إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء لهما ضمَّهما رسول الله [ إلى الرجل الذي في يده السعة، فينالان من فضل طعامه"(73). على أننا لسنا على يقين من السياق التاريخي لهذا الحديث، فإن قُصِد به المسلمون الأوائل في مكة فلا شك أنه يؤدي تمامًا وظيفة المؤاخاة، وهي ارتفاق الضعيف من المسلمين بالقوي.
أما ابن حجر العسقلاني (ت258 هـ) فإنه يتفق مع الروايات التي تفيد بمؤاخاة رسول الله [ بين أصحابه من أهل مكة، ورد على الذين شكوا فيها، وأورد روايات ابن إسحاق وابن سعد وابن عبدالبر والسهيلي، فمن ذلك أنه نقل عن ابن عبدالبر: " وكانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار..."(83). من ناحية ثانية نراه يثبت وقوع هذه المؤاخاة حيث رد على رأي ابن تيمية (ت827هـ) حول المؤاخاة بين المهاجرين خصوصا مؤاخاة رسول الله [ لعلي ] قال: "... لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق (لارتفاق) بعضهم بعضًا، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي [ لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري [كذا]، وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة؛ لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى [كذا] فآخى بين الأعلى والأدنى؛ ليرتفق الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا تظهر مؤاخاته [ لعلي؛ لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لأن زيدًا مولاهم، فقد ثبتت أخوتهما، وهما من المهاجرين"(93).
ومع إدراكنا لوجاهة كلام ابن حجر والذي يشبه كثيرًا ما ذكره ابن كثير إلا أنه يوضح اقتناع الاثنين بوقوع مؤاخاة بين أهل مكة. إلا أن التفسير الذي ذكراه لمؤاخاة رسول الله [ وعلي وحمزة وزيد لا يعطي دليلا كافيا لحدوث هذه المؤاخاة؛ لأنه لا يفسر مؤاخاة أبي بكر وعمر، وعثمان وعبدالرحمن، وطلحة والزبير.
أما كتب السيرة(04) فقد ذكرتها وأوردت فيها روايات مختلفة، أقدمها: رواية محمد بن إسحاق (ت151هـ) ولكنها دون إسناد، وذكر فيها مؤاخاة رسول الله [ بين المهاجرين والأنصار، ولكنه عندما يورد أسماء المؤاخى بينهم يذكر أسماء رجال من أهل مكة آخى بينهم رسول الله [، فكأن هناك خلطا بين رواية مؤاخاة المهاجرين والأنصار، ورواية مؤاخاة المهاجرين؛ فعلى سبيل المثال ذكر مؤاخاة رسول الله وعلي، وحمزة وزيد(14).
والغريب أن ابن هشام (ت812هـ) الذي علق على بعض الأسماء الوارد ذكرها في رواية المؤاخاة لدى ابن إسحاق مثل: ذكر جعفر بن أبي طالب قال: "قال ابن هشام: وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة"(24). بينما لم يعلق على ذكر أسماء تدل على المؤاخاة بين المهاجرين. ليس ذلك فحسب بل إن ابن إسحاق أورد تعبير (ويقال) على ذكر بعض أسماء الصحابة المؤاخى بينهم، فمثلاً لما ذكر مؤاخاة الزبير بن العوام، وسلمة بن سلامة (الأنصاري) قال: "ويقال: بل كان الزبير وعبدالله بن مسعود أخوين"(34). بينما علق ابن سيد الناس (ت437هـ) على ذلك قائلا: "قلت هذا كان في المؤاخاة الأولى قبل الهجرة"(44).
وأورد ابن هشام رواية في هذا الشأن مفادها: وكان رسول الله [ قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين، بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، وبين طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني(54)، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي(64).
ورواية ابن هشام هذه فيها نظر؛ فإما أن تكون في الأصل أكثر من رواية جمعها ابن هشام في سياق واحد، فقد ورد فيها ذكر أبي ذر الغفاري (ت13هـ)، والحتات بن يزيد المجاشعي (ت في خلافة معاوية 14 - 06هـ). فإذا كان أبو ذر الغفاري قديم الإسلام أسلم بعد أربعة أشخاص، ثم انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها حتى قدم على الرسول بالمدينة(74)، وهو بهذا يعد من المسلمين الأول في مكة، فإن ذكر مؤاخاة الحتات بن يزيد المجاشعي ومعاوية فيه نظر؛ لأن الأول قدم على رسول الله [ في وفد بني تميم في أوائل السنة التاسعة عام الوفود(84)، ومعاوية لم يسلم إلا بعد فتح مكة (8 هـ/036م). وعلى كل حال فإن مؤاخاة الحتات ومعاوية لم نتيقن الغاية منها، فإذا افترضنا الهدف من المؤاخاة الارتفاق والتعاون وشد الأزر فإن هذا لا ينطبق عليها؛ لأن المسلمين في هذا الوقت تقووا بعضهم ببعض.
أما ابن سعد (ت032هـ) فيحفظ أكثر من رواية إسنادها لشيخه محمد بن عمر الواقدي(94)، وقد أسند الأخير إحداها إلى محمد بن عبدالله(05) عن الزهري(15) عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي(25) عن أبيه(35) عن عبدالرحمن بن أبي الزناد(45) عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت(55) عن موسى بن ضُمرة بن سعيد عن أبيه(65) قالوا: لما قــدم رسول الله [ المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار(75). وهي رواية تفيد أن هذه المؤاخاة وقعت في المدينة بعد الهجرة مباشرة. وفي موضع آخر(85) ذكر رواية مشابهة مع إضافة: " فآخى رسول الله [ بينه وبين علي بن أبي طالب"، وأسند الرواية إلى الواقدي عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب(95) عن أبيه(06). ورواية ثالثة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك(16) عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه: أن النبي [ حين آخى بين أصحابه وضع يده على منكب علي، وقال: "أنت أخي ترثني وأرثك"، فلما نزلت آية الميراث قطعت ذلك(26).
وفي هذه الروايات لم يذكر ابن سعد أسماء المؤاخى بينهم، غير أنه في تراجمه لكبار الصحابة الذين شهدوا بدرًا ذكر في تراجم المكيين منهم روايات صريحة ومسندة عن المؤاخاة فيما بينهم(36).
كما خصص في مؤلف آخر له كتابا للمؤاخاة عنوانه: "ذكر من آخى بينهم النبي ["، وذكر فيه روايات عدة عن المؤاخاة بين أهل مكة يسندها إلى راويها، وهي لا تختلف كثيرا عن الروايات التي وردت في تراجم الصحابة المكييين من البدريين(46)، أكثرها تفصيلا رواية الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه(56)، التي جزأها ابن سعد، وكرر ذكرها في أكثر من موضع، فذكر في مواضع متفرقة أن رسول الله [ آخى بين حمزة وزيد، وبين بلال وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وبين الزبير وابن مسعود، وبين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح، وبين طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وبين عبدالله بن مسعود والزبير بن العوام وبين سعد بن أبي وقاص ومصعب بن عمير، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف(66).
أما الرواية الأخرى فهي أيضًا للواقدي ولمحمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه ذكر فيها: أن رسول الله [ آخى بين حمزة وزيد، وبين الزبير وطلحة، وبينه وبين علي، وبين أبي بكر وعمر، وبين عبدالرحمن وسعد، وبين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح(76).
ورواية ثالثة عن علي بن عيسى بن عبدالله النوفلي عن إسحاق بن الفضل عن (سليمان(86) بن) عبدالله بن الحارث بن نوفل(96): أن رسول [ آخى بين العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث لما قدما المدينة(07). وهو أمر مستبعد؛ لأن إسلامهما وهجرتهما جاءتا في فترة متأخرة فما الهدف منها؟
أما ابن حبيب (ت452هـ) فقد أورد مؤاخاة النبي [ بين أصحابه المهاجرين قبل الهجرة وذلك بمكة، وذكر أنها مؤاخاة على الحق والمواساة، وأورد أسماء الرجال المؤاخى بينهم، ثم وضّح أن هذه مؤاخاة في مكة(17).
أما البلاذري (ت972هـ) فقد ذكر عنوان المؤاخاة، ثم أورد رواية دون إسناد تسبقها عبارة "قالوا"، وذكر أسماء رجال من أهل مكة من المسلمين الأول آخى بينهم رسول [ ، ثم قال: وآخى رسول الله بين المهاجرين على أن يتوارثوا دون ذوي الأرحام(27). ويبدو أن كلمة و"الأنصار" سقطت من الناسخ لا سيما أنه لما أورد الأسماء ذكر أسماء رجال من المهاجرين والأنصار.
وفي مواضع متفرقة أشار إلى هذه المؤاخاة، ففي رواية عن أبي اليقظان قال: وكان النبي آخى بين الزبير وابن مسعود(37). وعن محمد بن حاتم المروزي(47) (ثنا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر) قال: آخى رسول الله بين سالم وبين أبي عبيدة(57). وعن الواقدي آخى رسول الله بين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين طلحة بن عبيدالله وزيد بن عمرو بن نفيل(67). وعن محمد بن سعد (ثنا محمد بن عبيد، حدثني وائل بن داود، عن رجل من أهل البصرة) قال: آخى رسول الله بين أبي بكر وعمر(77). والغريب أن هذه الرواية لم ترد بالإسناد نفسه لدى محمد بن سعد فيما تيسر لنا الرجوع إليه من مؤلفاته. كما أورد البلاذري أكثر من رواية(87) كلها تفيد أن عبدالله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وأورد نص الوصية.
أما الطبري (ت013هـ) فعلى الرغم من أنه لم يتطرق إلى موضوع المؤاخاة بشكل عام إلا أنه أورد حديثا لعله يفيد موضوعنا، إسناده: "حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي(97) قال: حدثنا عبيدالله بن موسى(08)، قال: أخبرنا العلاء عن المنهال بن عمرو(18) عن عباد بن عبدالله(28) قال: سمعت عليا يقول: أنا عبدالله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر..."(38). والحديث إن صحت روايته يفيد بوقوع المؤاخاة في مكة قبل الهجرة؛ لأنه ورد ضمن أحداث البعثة حتى الهجرة.
أما ابن عبدالبر (ت364هـ) فقد ذكر أن رسول الله [ آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض في مكة على الحق والمواساة، وأورد أسماء بعض المؤاخى بينهم كما وردت لدى البلاذري(48).
أما ابن الجوزي (ت795هـ) فقد أورد قائمة شاملة لأسماء المؤاخى بينهم من (المهاجرين) أهل مكة، وبعضها لم يرد في المصادر، وبعضها يسبقها لفظ: وقيل(58).
أما ابن تيمية (ت827هـ) فذكر: "أن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة، والنبي [ لم يؤاخ أحدًا، ولا آخى بين مهاجري ومهاجري [كذا] ولا بين أبي بكر وعمر، ولا بين أنصاري وأنصاري، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة"(68). وذكر أيضا: "والنبي [ وعلي كلاهما من المهاجرين، فلم يكن بينهما مؤاخاة، بل آخى بين علي وسهل بن حنيف (من الأوس ت83هـ) فعلم أنه لم يؤاخ عليا. وهذا يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار لم تكن بين مهاجري ومهاجري [كذا]"(78). وعلق على رواية قول رسول الله [ لعلي: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" إنما قاله في غزوة تبوك (9هـ) مرة واحدة، ولم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل العلم بالحديث(88). وأخيرا يقول: "إن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض؛ لأنه روي فيها أحاديث لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن، وكل ما روي في ذلك فإنه باطل؛ إما أن يكون من رواية من يتعمد الكذب، وإما أن يكون أخطأ فيه؛ ولهذا لم يخرج أهل الصحيح من ذلك شيئا وهذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة والسير المتواترة وأحوال النبي [ وسبب المؤاخاة وفائدتها ومقصودها، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك، فآخى النبي [ بين المهاجرين والأنصار..."(98). فهو ينفي عقد هذه المؤاخاة بين المهاجرين، ورأى أن كل ما ورد فيها من أحاديث وروايات فهي موضوعة وباطلة أو خاطئة، وهذا قطع منه رحمه الله.
أما ابن سيد الناس (ت437هـ) فأورد رواية دون إسناد مفادها أن المؤاخاة كانت مرتين: الأولى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة آخى بينهم النبي [(09). وأورد رواية أخرى إسنادها إلى عبدالله بن عمر عن جميع بن عمير قال: " آخى رسول الله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر وفلان وفلان... فلما نزل عليه السلام المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار..."(19). وأورد رواية ثالثة عن أبي أمامة قال: لما آخى بين الناس آخى بينه وبين علي(29). وهذه الروايات مفيدة في تسمية هذه المؤاخاة؛ ففي الرواية الأولى مؤاخاة بين المهاجرين، وفي الثانية مؤاخاة بين أصحاب الرسول [، وفي الثالثة مؤاخاة بين الناس. ومفيدة أيضا في تحديد زمان حدوثها ومكانه؛ ففي الروايتين الأوليين إفادة أنها حدثت قبل الهجرة في مكة. كما أن الرواية الأولى تفيد بأن الهدف من هذه المؤاخاة هو أنها مؤاخاة على الحق والمواساة.
أما ابن قيم الجوزية (ت157هـ) فيبدو أنه شك في وقوع مؤاخاة بين أصحاب رسول الله [ من أهل مكة فبعد أن ذكر مؤاخاة رسول الله [ بين المهاجرين والأنصار، أورد عبارة (وقد قيل): "إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه، والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار، وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار، ولو آخى بين المهاجرين كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه، ورفيقه في الهجرة، وأنيسه في الغار، وأفضل الصحابة وأكرمهم عليه أبو بكر الصديق"(39). وأسباب شك ابن قيم الجوزية في وقوع مؤاخاة بين أهل مكة لا تنفي عدم حدوثها، ومن ناحية أخرى فهو يعترض على اتخاذ النبي [ عليا أخا، ويفهــم من النص لو أن الروايـة ذكرت أن رسول الله [ اتخذ أبا بكر أخًا لرجَّح صحتها.
علق ابن كثير (ت477هـ) على رواية ابن إسحاق قائلاً: "وفي بعض ما ذكره نظر؛ أما مؤاخاة النبي وعلي فإن من العلماء من ينكر ذلك، ويمنع صحته، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض، وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم، ولا مهاجري لمهاجري آخر [كذا] كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة، اللهم إلا أن يكون النبي [ لم يجعل مصلحة علي إلى غيره؛ فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله [ من صغره في حياة أبيه أبي طالب...، وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة، فآخاه بهذا الاعتبار والله أعلم"(49(.
هذا التعليق يدل بوضوح على أن ابن كثير شك في بعض أنواع المؤاخاة في حين وضّح في الوقت نفسه الهدف من مؤاخاة (مهاجري لمهاجري كما سماها). وفي تعليق آخر لابن كثير نقد رواية ابن إسحاق، وأيد ابن هشام في شكِّه بمؤاخاة جعفر ومعاذ بن جبل قائلاً: "فإن جعفر بن أبي طالب إنما قدم في فتح خيبر في أول سنة سبع فكيف يؤاخى بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه السلام إلى المدينة اللهم إلا أن يقال: إنه أرصد لإخوته إذا قدم حين يقدم"(59). وشك ابن كثير أيضًا في بعض مؤاخاة المهاجرين بعضهم لبعض، ومؤاخاة المهاجرين والأنصار؛ لاختلاف الأسماء مع ما ورد في كتب الحديث مثل: مؤاخاة أبي عبيدة وسعد بن معاذ يتعارض مع ما ورد في مسند الإمام أحمد بن حنبل ومسلم، فقال: " وهذا أصح مما ذكره ابن إسحاق ومؤاخاة أبي عبيدة وسعد بن معاذ، والله أعلم"(69).
أما الشامي (ت349هـ) فقد ذكر أن المؤاخاة كانت مرتين: الأولى بين المهاجرين بعضهم بعضا قبل الهجرة على الحق والمواساة فآخى النبي [ بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب وسعد، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيدالله، وبين علي ونفسه [(79).
ومن المصادر المتأخرة كتاب الحلبي (ت4401هـ) نقل فيه عن ابن الجوزي حديث زيد بن أبي أوفى، ويعلق قائلا:" وهو يقتضي أنه [ بعد الهجرة آخى بين المهاجرين والأنصار أيضًا، كما آخى بينهم قبل الهجرة، وهذا لا يتم إلا لو آخى بين غير أبي بكر وعمر من المهاجرين، ويكون ابن أبي أوفى اقتصر"(89). ثم يذكر: "والمعروف المشهور أن المؤاخاة إنما وقعت مرتين: مرة بين المهاجرين قبل الهجرة، ومرة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، والله أعلم"(99). ويذكر أدلته، ومنهــــا: "ويدل لذلك قول بعضهم: كانوا إذ ذاك خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار، وقيـــل: كــانوا تسعين، فأخذ بيد علي بن أبي طالب، وقال: هذا أخي، فكان رسول الله [ وعلي أخوين"(001). وذكر المؤاخاة بين المهاجرين قبل الهجرة، وذكر أمثلة لذلك(101).
وفي كتب تراجم الصحابة إشارات إلى المؤاخاة بين (المهاجرين) أهل مكة، فيذكر ابن عبدالبر (ت364هـ) أن النبي [ آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار(201). وفي مواضع متفرقة أشار إلى أسماء المؤاخى بينهم؛ فذكر أن النبي [ آخى بين بلال بن رباح (مولى أبي بكر) وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب(301)، وذكر أنه [ آخى بين الزبير بن العوام وعبدالله بن مسعود حين آخى بين المهاجرين(401)، وآخى بين سالم بن معقل (مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة) وأبي بكر الصديق(501)، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف(601)، وذكر أن رسول الله [ قال لعلي: " أنت أخي وصاحبي"(701)، كما أكد مؤاخاة رسول الله [ لعلي حين أورد الرواية التي تفيد بمؤاخاة رسول الله [ بين المهاجرين، وبين المهاجرين والأنصار، وقوله [ في كل واحدة منهما لعلي: "أنت أخي في الدنيا والآخرة، وآخى بينه وبين نفسه"(801).
أما ابن الأثير (ت036هـ) فهو يذكر أيضًا أن رسول الله [ آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة(901)، وذكر في موضع آخر أنه [ آخى بين الزبير وابن مسعود، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف بعد الهجرة، وآخى بين حمزة وزيد، وبين بلال وأبي عبيدة، وطلحة والزبير آخى بينهما رسول الله [ بمكة قبل الهجرة، وقال [ لعلي: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"(011). ويلحظ الاختلاف بين أسماء المؤاخى بينهم، مثل: الزبير وابن مسعود، والزبير وطلحة. كما يلحظ التحديد الزماني والمكاني، فمنها ما حدث في مكة قبل الهجرة مثل مؤاخاة طلحة والزبير، ومنها ما تم بعد الهجرة، مثل: مؤاخاة عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان.
ومع تأخر محب الدين الطبري (ت496هـ) إلا أنني أفدت منه معلومات لم ترد في المصادر المبكرة؛ وذلك لتفرده بذكر بعض الروايات والتفاصيل عن المؤاخاة. ويبدو أن اهتمامه بالصحابة العشرة المبشرين بالجنة جعله يجمع كثيرا من الروايات في هذا الموضوع، فقد خرّج أحاديثَ تتضمن في جملتها مؤاخاته [ بين العشرة وغيرهم من المهاجرين والأنصار. ومنها الحديث الطويل الذي أورده عن زيد بن أبي أوفى(111) يفيد أن رسول الله [ كان في مسجده في المدينة، وآخى بين أصحابه بين أبي بكر وعمر، وبين عبدالرحمن بن عوف وعثمان، وبين طلحة والزبير، وبين عمار وسعد، وبين أبي الدرداء وسلمان، وقال [ لعلي: "أنت أخي ووارثي"(211).
ونُقِل عن أبي سعد عبدالملك الواعظ في شرف النبوة حديث مماثل لحديث زيد بن أبي أوفى، لكنه أضاف إليه مؤاخاة رسول الله بين أبي عبيدة وسالم، وبين سعد وصهيب، وبين أبي أيوب الأنصاري وبلال، وبين أسامة بن زيد وأبي هند الحجام، وقال [: "أمرت أن أواخي بين فاطمة وأم سليم، وبين عائشة وامرأة أبي أيوب"(311). ونقل رواية لابن إسحاق وتعليق ابن هشام عليها، لكنه أورد رواية أخرى لابن إسحاق عن المؤاخاة بين المهاجرين أوردها ابن هشام مختصرة، ونصها عند محب الدين الطبري: " آخى رسول الله [ بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبدالرحمن، وبين طلحة والزبير، وبين أبي ذر والمقداد، وبين معاوية والحتات المجاشعي"(411). كما أورد حديثا آخر في المؤاخاة بين المهاجرين أخرجه الخلعي(511). ونقل عن ابن عبدالبر ما يفيد بوقوع مؤاخاة بين المهاجرين، وعن الطبراني في معجمه(611). وعلق محب الدين الطبري على اختلاف الروايات في المؤاخاة قائلا: "واختلاف الروايات في المؤاخاة يدل على تكرارها حتى يكون الواحد أخا لاثنين وثلاثة"(711)، ويمكن أن يضاف لذلك وفاة بعض الصحابة في هذه الفترة حيث نجد مثلا أن مصعب بن عمير توفي عام 3هـ؛ وبالتالي فلا تستبعد المؤاخاة بين سعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، كما أن هدف التعليم يمكن أن يضاف لذلك. ويلحظ من الروايات التي أوردها محب الدين الطبري أن فيها خلطًا بين مؤاخاة المهاجرين ومؤاخاة المهاجرين والأنصار، كما يظهر ذلك من متابعة أسماء المؤاخى بينهم، ففي الرواية الأولى ورد ذكر مؤاخاة سلمان وأبي الدرداء، حيث إن أبا الدرداء (ت23 - 43هـ) من الخزرج، وكذلك في الرواية الثانية التي نقلها عن شرف النبوة فيها أكثر من مثال، بل ورد فيها ذكر لمؤاخاة رسول الله [ بين نساء مهاجرات ونساء أنصاريات.
أما ابن حجر العسقلاني (ت258 هـ) فقد ذكر أيضًا أنه لما آخى النبي [ بين أصحابه قال لعلي: أنت أخي، وذكر أن رسول الله [ آخى بين أصحابه قبل الهجرة، وآخى بين طلحة والزبير، وبين حمزة وزيد، وبين بلال وأبي عبيدة(811). وهذه الروايات تفيد بأن المؤاخاة بين (المهاجرين) أهل مكة وقعت في مكة قبل الهجرة، كما يلحظ أيضا الاختلاف في أسماء المؤاخى بينهم من رواية إلى أخرى.
أما الدراسات الحديثة التي تناولت الموضوع فمنها: دراسة خالد العسلي(911) وقد تطرق للمؤاخاة التي نحن بصدد بحثها، وسماها "المؤاخاة في مكة" اجتهادا منه. وأول رواية أوردها رواية ابن سيد الناس (ت437هـ)، ولم تكن مسندة، ثم أورد رواية البلاذري (ت972هـ) وعلق عليها قائلا: " فإنه يذكر هذه المؤاخاة ـ المؤاخاة في مكة ـ إلا أنه لا يذكر فيما إذا كانت في مكة أم في المدينة ". ورجح أن قائمة المؤاخاة في مكة ـ كما سمَّاها ـ وضعت متأخرة لأسباب سياسية، أو لأسباب تتعلق بالعلاقات الشخصية بين كل اثنين مذكورين في القائمة؛ وذلك لأنه لا يمكن تفسير مؤاخاة الرسول لعلي، وكيف يكون أخاه بمفهوم الأخ، ويتزوج فاطمة ابنة النبي، ثم ما فائدة مثل هذه المؤاخاة وعلي نفسه تربى في أحضان النبي، وفي بيته، وهو ابن عمه ؟ ثم يتساءل قائلا: ثم لماذا لم تذكر القائمة كل أسماء المسلمين في مكة، وحتى لو وضعت بعد هجرة الرسول إلى المدينة فإنها لم تذكر أسماء كل المهاجرين علما بأن عددهم في كلتا الحالتين كان كبيرًا. هذا وإن القائمة لا تذكر أية إشارة إلى مؤاخاة حدثت بين المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، وهم في أمس الحاجة إلى مثل هذا النوع من الترابط والوحدة، وهم في بلاد غربة، ويعيشون بين أناس يختلفون عنهم في الدين والجنس(021). ويخرج من بحثه بنتيجة نصها: " بذا يمكن الجزم بأن قائمة المؤاخاة في مكة وضعت متأخرة؛ لتنسجم مع العلاقة الحسنة (؟) بين كل اثنين. وهي في الوقت نفسه لا تنسجم مع واقع الدين الإسلامي الذي يجعل كل أتباعه إخوة في الدين، كما لا يمكن تصديق أن الرسول [ حاول أن ينظم مثل هذا الإخاء الذي يؤدي إلى التكتل بين أتباعه علما بأن الرسول يدعو إلى وحدة الدين، ووحدة العقيدة، والتآخي، والمحبة بين كافة المسلمين بغض النظر عن العشيرة أو الجنس أو الشخص. ويمكن التأكيد ثانية بأن واضع هذه القائمة كان يبغي من ورائها مقاصد سياسية"(121).
ومما يُلحظ على رأي العسلي هذا أنه اعتمد فقط على ما ورد في كتابي والبلاذري، ابن سيد الناس، كما أنه لم يرجع إلى مصادر أخرى مهمة تناولت الموضوع نفسه، مثل: كتاب "الطبقات الكبرى" لابن سعد، مع أنه اعتمد رواياته في موضوع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. ثم إنه سمَّاها المؤاخاة في مكة دون أن يذكر الأسباب التي تُرَجّح ذلك، وانتقد البلاذري؛ لأنه لا يذكر فيما إذا كانت هذه المؤاخاة وقعت في مكة أم المدينة. واستبعد احتمال وقوعها في المدينة دون أن يوضح الأسباب، وأغفل ذكر كل الروايات التي تناولت ذلك الموضوع. أما ما ذكره من أن هذه القائمة وضعت متأخرة ولأسباب سياسية فنحن نختلف معه في ذلك؛ لوجود روايات مسندة في مصادر مبكرة تناولت الموضوع كما أسلفنا. أما الأسباب السياسية التي أكد عليها فلا ندري ما المراد بها، إلا إذا كان يقصد مؤاخاة الرسول وعلي، فحتى هذه لا يستبعد وجودها؛ لأن عليًا ابن عم الرسول [ ، وتربى في بيته، ولورودها في كتب الحديث الصحيحــــــة كما سبق ذكر ذلك. وأما قوله: "وكيف يكون أخاه بمفهوم الأخ ويتزوج فاطمة ابنة النبي" ؟ فهل نظام المؤاخاة الذي سنَّه رسول الله [ يشترط ألّا يتزوج أحد المتآخين ابنة الآخر؟ بل على العكس فمن مظاهر تعهد المتحالفين بتوثيق الحلف عقد مصاهرات فيما بينهم(221). ثم ماذا عن بقية الأسماء الوارد ذكرها في القائمة؟ وما نود تكراره أن الظروف التي مر بها المسلمون سواء في مكة قبل الهجرة، أو في المدينة بعد الهجرة مباشرة توضح الهدف من عقد مثل هذه المؤاخاة. ومن التساؤلات التي أوردها: لماذا لم تذكر القائمة كل أسماء المسلمين في مكة ؟ وحتى لو وضعت بعد هجرة الرسول إلى المدينة فإنها لم تذكر أسماء كل المهاجرين. فنقول: هل تضمنت قائمة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار أسماء كل المسلمين في المدينة ؟ ومن تساؤلاته أيضا: لماذا لم ترد أية إشارة إلى مؤاخاة حدثت بين المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة ؟ فالمعروف أن المسلمين خرجوا فرارًا من أذى أهل مكة إلى الفَرَج والمخرج في الحبشة، حتى إن قريشًا أرسلت إلى النجاشي في طلب المهاجرين لما رأت أن المهاجرين قد اطمأنوا في الحبشة وأمنوا، وأن النجاشي قد أحسن صحبتهم حتى إنه رفض تسليمهم. فهم إذن في أمس الحاجة إلى مثل هذا النوع من الترابط والوحدة في مكة قبل الهجرة للمعاناة التي عاشوها، وليس في أرض الحبشة التي أقام بعضهم فيها أكثر من ست سنوات دون أن تشير المصادر إلى أية معاناة لهــم هنــاك، كمــا أوضحـت معانــاة المسلمين الأُول في مكة قبل الهجرة إلى الحبشة، أو معاناة المهاجرين في المدينة بعد الهجرة. وأخيرا فنحن لا نتفق معه حول ما ذكره من أن قائمة المؤاخاة لا تنسجم مع واقع الدين الإسلامي الذي يجعل كل أتباعه إخوة في الدين، كما لا يمكن تصديق أن الرسول [ حاول أن ينظم مثل هذا الإخاء الذي يؤدي إلى التكتل بين أتباعه علما بأن الرسول [ يدعو إلى وحدة الدين، ووحدة العقيدة، والتآخي، والمحبة بين المسلمين كافة بغض النظر عن العشيرة، أو الجنس، أو الشخص؛ لأن الهدف منها لا يتعارض مع الأخوة في الدين، بل تهدف إلى معالجة ظرفية لأحوال مؤقتة، وهي أخوة خاصة تقوم على المواساة بالنفس، والارتفاق بالعيش. والأسباب التي دفعته للتشكيك فيها تنطبق أيضًا على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
وناقش محمد الصادق إبراهيم عرجون بعض روايات المؤاخاة، فذكر أن المؤاخاة تتنوع إلى نوعين: الأول، المؤاخاة الإيمانية يعقدها الإيمان بين أفراد المتآخين، ولا تحتاج إلى مواثيق تعقدها، وهذا النوع هو الذي كان بين المهاجرين بعضهم مع بعض في مكة قبل الهجرة، ولم يثبت بطريق صحيح أن هذا النوع من الأخوة كان له ميثاق ملزم عقده رسول الله [ بين رجل معين من المهاجرين وآخر منهم مسمى لأخوته(321). وأما المؤاخاة بين النبي وعلي فإن صح حديثها فهي مؤاخاة خاصة، وهي أخوة الكفالة والتربية والرعاية الأبوية، وهذه الأخوة الخاصة سبقت الأخوة الإيمانية العامة، وهي أرفع درجات منها، أغنت عليا عن الدخول في المؤاخاة العامة التي كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والتي كان النبي ينميها بكل وسيلة حتى ظن بعض الناس أنه عقد مؤاخاة خاصة بين كل مهاجر ومهاجر آخر(421). ويجري هذا المجرى في المؤاخاة الخاصة بين حمزة بن عبدالمطلب وزيد بن حارثة فهي من باب الرعاية الخاصة التي كان يضيفها حمزة من مظاهر صفوة الود والمحبة والتواسي والارتفاق على زيد، والظاهر أن مؤاخاة حمزة وزيد الخاصة كانت في المؤاخاة الإيمانية بين المهاجرين بمكة؛ فزيد وصي حمزة ووديده في الأخوة الإيمانية الخاصة. وإنما قول زيد في أمامة بنت حمزة: ابنة أخي، يعني ما كان بينه وبين حمزة من أخوة الود والمحبة التي عززتها وصية حمزة له لما حضر القتال يوم أحد. فمؤاخاة زيد وحمزة من دلائل وقوع المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض(521). كما ناقش رأي ابن حجر حول دوافع المؤاخاة بين المهاجرين قائلا: فأين الأعلى وأين الأدنى في مؤاخاة أبي بكر وعمر وطلحة والزبير وعثمان وعبدالرحمن بن عوف، وكلهم أعلون بالمال والعشيرة؟! وأين القوة بالمال والعشيرة فكلهم أقوياء بالمال والعشيرة؟!(621) ثم يذكر أن هذه المؤاخاة قد تبدلت أشخاصها في مؤاخاة المدينة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، فهل نسخت المؤاخاة الأولى التي كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض بهذه المؤاخاة الثانية التي كانت بين كل مهاجري وأنصاري ؟ وهذا ما لم نعلمه قولاً لأحد من العلماء(721). وأورد آراء ابن القيم وعلق عليها فقال: "بيد أن ابن القيم قد ناقض نفسه؛ إذ أثبت ما نفاه من مؤاخاة المهاجرين... وهذا تناقض عجيب من ابن القيم، فهو ينفي أمرًا من أمور تاريخ الإسلام وأحداثه، ويدعم نفيه وإنكاره بأدلة يسوقها وهو مقتنع به، ثم هو يثبت هذا الأمر، ويشيد إثباته بأدلة يذكرها وهو مقتنع بها، ولله في خلقه آيات تدل على أن الكمال المطلق له وحده، والإنسان هو الإنسان"(821). وانتقد عرجون بشدة رواية ابن سعد عن الواقدي من وقوع مؤاخاة بين المهاجرين بالمدينة بعد الهجرة فذكر: وهذا عجيب في غرابته؛ لأنه لا وجه لعقد مؤاخاة بين المهاجرين خاصة بعضهم مع بعض بالمدينة بعد الهجرة؛ لأن المؤاخاة كانت للارتفاق والمعاضدة والمناصرة والمواساة، والمهاجرون بعد هجرتهم إلى المدينة لا يختصون بهذه الأمور التي جعلها الشارع حكمة المؤاخاة، وإنما يختصون بها في مكة قبل الهجرة، فإن صح وقوع مؤاخاة خاصة بينهم فموضعها مكة وزمنها قبل الهجرة، إذ لا وجه - مطلقًا - لعقد مؤاخاة - خاصة - بين المهاجرين خاصة بعضهم لبعض في المدينة بعد الهجرة؛ لأن المهاجرين تركوا أموالهم وراءهم بمكة، وفروا إلى الله بدينهم وعقيدتهم؛ فكانوا أحوج إلى المؤاخاة مع الأنصار لتتحقق حكمة المؤاخاة بالمواساة والتعاضد والتناصر والارتفاق(921).
ومنها دراسة صالح العلي حيث ذكر المؤاخاة، وقال: إنها تختلف عن الحلف من حيث إن لها سمة اجتماعية أعمق، وتتبعها التزامات مالية وكانت فردية(031)، وبعضها بين فردين من المهاجرين، إلا أن أكثرها كانت بين المهاجرين والأنصار(131). ونقل عن ابن حبيب أن الرسول آخى في مكة بين المهاجرين على الحق والمواساة، وعدَّد ثمانية عشر ممن آخى بينهم، ثم علق العلي قائلاً: " ولم يذكر غير ابن حبيب مؤاخاة تمت في مكة"(231). ثم نقل عن ابن سعد أسماء الرجال الذين آخى بينهم رسول الله [ من المهاجرين، ونقل عنه أيضا أن المؤاخاة بين المهاجرين تمت في المدينة، ويبدو أنه استغرب ذلك، فقال: "غير أنه ذكر أن المؤاخاة بين المهاجرين تمت في المدينة؛ أي بعد الهجرة، وليس قبلها كما ذكر ابن حبيب"، واكتفى بالتعليق على ذلك قائلاً: "وعلى أية حال فهي قبل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار"(331).
ولا ندري لماذا بدأ العلي برواية ابن حبيب بل وكأنه رجَّحها على رواية ابن سعد، مع العلم أن ابن حبيب لم يورد إسنادا لروايته بينما رواية ابن سعد كانت مسندة إلى الواقدي عن جماعة من التابعين، فضلا عن كون تاريخ وفاة ابن سعد يسبق تاريخ وفاة ابن حبيب، فكأن العلي رجَّح بشكل غير مباشر دون أن يفصح أن المؤاخاة بين المهاجرين كانت في مكة قبل الهجرة، ولم يقتنع بوقوع مؤاخاة بينهم بعد الهجرة؛ أي في المدينة، مع العلم أن المشاكل التي واجهها المهاجرون بعد وصولهم إلى المدينة كانت متنوعة ومنها المشاكل الاجتماعية، فقد ترك المهاجرون أهليهم ومعارفهم بمكة وأنبتت صلتهم بهم؛ مما ولد إحساسًا بالوحشة والحنين إلى بلدتهم "مكة"(431). فهذه المشاكل من المتوقع أن نظام المؤاخاة سوف يسهم في حلها.
أما نجمان ياسين في دراسته فيتفق مع العسلي في أن سبب المؤاخاة يعود بالدرجة الأولى إلى أسباب اجتماعية تتعلق بطبيعة فهم الأنصار للحلف، وفي ضوء هذا الفهم يمكن أن يصبح المهاجرون تحت حماية الأنصار، وأن ينظر لهم نظرة تخلق لهم إشكالات اجتماعية؛ لذا قام الرسول بعملية المؤاخاة لحل المشاكل الاجتماعية التي جابهها المهاجرون نتيجة سكناهم بين إخوانهم الأنصار، إذ إن الأنصار كانوا ينظرون لهم نظرة الحليف؛ لهذا أراد الرسول أن يساوي بين أتباعه فأبدله بنظام المؤاخاة. كما يتفق مع العسلي في أن هذه المؤاخاة قد وضعت فيما بعد لأسباب سياسية، ولاعتبارات تتعلق بالعلاقات الشخصية بين كل اثنين مذكورين في قائمة المؤاخاة بمكة، إضافة إلى أن الإسلام يجعل من المؤمنين كافة إخوة؛ مما ينفي أن تكون المؤاخاة قد وقعت بمكة(531).
أما مهدي رزق الله أحمد فقد بحث موضوع المؤاخاة، وشك في المؤاخاة التي ندرسها هنا، حيث أورد الرواية التي تفيد بأن المؤاخاة كانت مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة، ومرة بين المهاجرين والأنصار تسبقها عبارة وقيل. والغريب أنه نقل ذلك عن ابن عبدالبر في الدرر، ثم أورد رواية ابن سعد حول هذه المؤاخاة، ونقل بعد ذلك رواية ابن حجر حول الهدف من هذه المؤاخاة، وأورد بعد ذلك أسماء المؤاخى بينهم سواء من المهاجرين، أو من المهاجرين والأنصار(631).
وتناول أكرم ضياء العمري موضوع المؤاخاة وقسمها قسمين، سمّى إحداهما المؤاخاة المكية (التي نحن بصددها) والثانية المؤاخاة في المدينة. وعدَّ البلاذري أقدم من أشار إلى المؤاخاة المكية مع أن البلاذري لم يسمها بهذا الاسم (المؤاخاة المكية) بل حتى لم يحدد إذا كانت قد حدثت في مكة قبل الهجرة أم في المدينة بعد الهجرة، وبَيَّن أن ابن عبدالبر (الدرر)، وابن سيد الناس (عيون الأثر) نقلا عن البلاذري دون التصريح بذلك. ونقل عن ابن حجر (فتح الباري) أحاديث أخرجها الحاكم، وابن عبدالبر بسند حسن عن أبي الشعثاء(731) عن ابن عباس بأسماء بعض الصحابة الذين آخى بينهم رسول الله [ من أهل مكة. ولكنه بعد ذلك أورد رأي ابن القيم (زاد المعاد)، وابن كثير (السيرة النبوية) وخرج من ذلك كله بعدم وقوع مؤاخاة بمكة(831). مع أن ابن كثير أقرَّ هذه المؤاخاة بل وأوجد لها الدوافع - كما أسلفنا - مع ما ذكره من إنكار بعض العلماء لمؤاخاة النبي [ وعلي فقال: "أما مؤاخاة النبي وعلي فإن من العلماء من ينكر ذلك، ويمنع صحته ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض، وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم، ولا مهاجري لمهاجري آخر [كذا] كما ذكر من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة اللهم إلا أن يكون النبي لم يجعل مصلحة علي إلى غيره؛ فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله من صغره في حياة أبيه أبي طالب كما تقدم عن مجاهد وغيره، وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار والله أعلم"(931).
كما أن العمري نسب بعض المعلومات إلى البلاذري مثل قوله:" ويشير البلاذري إلى أن النبي [ آخى بين المسلمين في مكة قبل الهجرة على الحق والمواساة"(041). بينما ما ذكره البلاذري هو:" قالوا: وكان رسول الله [ آخى بين حمزة وزيد بن حارثة على الحق والمواساة. وبين..."(141).
وأخيرا فإن العمري ضعَّف رواية البلاذري؛ لأنه ساق الخبر بلفظ (قالوا) دون إسناد، وذكر أن البلاذري نفسه ضعفه النقاد(241). لكنه بعد ذلك ذكر: وعلى فرض صحة وقوع هذه المؤاخاة بمكة فإنها تقتصر على المؤازرة والنصيحة بين المتآخين دون أن يترتب عليها حقوق التوارث(341). ويلحظ أنه أغفل الروايات الواردة لدى ابن سعد، وابن حبيب، وأورد رواية البلاذري، وعدّ من تلاه ناقلا عنه دون التصريح بذلك. والغريب أنه عندما تناول المؤاخاة في المدينة بين المهاجرين والأنصار أورد إشارة ابن سعد حول المؤاخاة بين المهاجرين، وانتقد ابن سعد قائلاً: " ولم يذكر أية تفصيلات أخرى توضح هدف المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم، وما يترتب عليها، ولم تكترث بقية المصادر لهذه الإشارة، أو تعقب عليها"(441). مع أن بعض المصادر أيَّدت رواية ابن سعد كما سيرد في ثنايا البحث. وعلى كل فإن تتبع العمري لموضوع هذه المؤاخاة في المصادر كان محدودا.
ومحمد أبو شهبة اتخذ عنوانا لهذه المؤاخاة في كتابه هو: "المؤاخاة بين المسلمين بمكة"، وقرر من البداية وقوع هذه المؤاخاة، وعدَّها أول مؤاخاة في الإسلام، وحدد الغرض منها فقال: " ومما ينبغي أن يُعلم أنه كانت هناك مؤاخاة قبل هذه المؤاخاة حدثت بين المسلمين بمكة، وهي تعد أول مؤاخاة في الإسلام كان الغرض منها تقوية الأواصر والروابط بين المسلمين، وارتفاق الضعيف بالشريف، والفقير بالغني، ومن ليس من قريش بمن هو منهم، فالحكمة منها ظاهرة والغرض منها شريف"(541).
ومحمد بن رزق بن طرهوني السلمي ذكر المؤاخاة بمكة، ومنها مؤاخاة النبي وعلي ومؤاخاة النبي وأبي بكر ومؤاخاة الزبير وابن مسعود وذكر بعض الآثار التي تؤيد مؤاخاة النبي وعلي(641).
وبعد:
مما سبق يتضح أن مؤاخاة الرسول [ بين أصحابه من أهل مكة قبل الهجرة وبعدها لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم، ولكن وردت عنها إشارات موجزة في بعض كتب الحديث ومعلومات أكثر تفصيلا في بعض كتب السيرة. على أن بعض المصادر والمراجع شككت بصحة الرواية المتعلقة بمؤاخاة الرسول [ وعلي ] مبينة دوافع الوضع للرواية. لكن هل يقودنا كل ذلك إلى تقرير أن المؤاخاة لم تحدث فعلا ورواياتها مختلقة، ومن ثم يجب طرحها من تاريخ السيرة النبوية ؟
الذي نذهب إليه أن المؤاخاة ثابتة وذلك بتواتر رواية عدد من المصادر لها على الرغم من الاختلاف في أسماء المؤاخى بينهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن وجدت بعض الدوافع لاختلاق رواية مؤاخاة الرسول [ وعلي ]، كما يذهب إليه نقاد الرواية، فلا ينبغي تعميم الدوافع على المؤاخاة بين الصحابة الآخرين المذكورين.
وأسلوب معالجة الرسول [ لأوضاع أصحابه بعد الهجرة مباشرة بإيجاد وسائل تخفف المصاعب التي واجهتهم تقوي أنه سبق أن اتبع الأسلوب ذاته في مكة وإن اختلفت طبيعة المصاعب التي واجهها السابقون إلى الإسلام في مكة، فمنها أنهم كانوا يواجهون ضغوطا نفسية واجتماعية واقتصادية من كفار قريش لحملهم على التخلي عن معتقدهم الجديد.
أما دوافع المؤاخاة بين المهاجرين في المدينة فربما أنها كانت ليواسي بعضهم بعضا بسبب الحنين إلى موطنهم مكة، وربما اشتياقهم إلى بعض أقاربهم خاصة الضعفة منهم من النساء والصغار، وغيرهم ممن لم يكن له علاقة بإيذاء المسلمين، وليرتفق بعضهم ببعض في معيشتهم فيساعد القادر غير القادر.
على أن هذا الاستنتاج قد يفند بحجة أنه لم يذكر إلا أسماء عدد قليل من المهاجرين، ولو أن الأمر كان مثل ما ذهبنا إليه لذكرت أسماء المهاجرين الآخرين، ولكننا نرد على هذا القول مستخدمين الحجة نفسها بأن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لا يزيد عدد المؤاخى بينهم عن خمسة وأربعين صحابيا من كل طرف(741)، ومعروف أن عددهم كان أكثر من ذلك بكثير، ثم قد يكون مرد قلة الأسماء الواردة ضياع بعض الروايات وعدم وصولها إلينا، ثم إن متابعة الأسماء بدقة لم تحظ بعناية الرواة كما حظي مبدأ المؤاخاة نفسه لما بني عليه من أحكام شرعية.
وفي ظل غياب المعلومات عن سبب قلة الأفراد في المؤاخاة الذين أشارت إليهم المصادر سواء كانت بين المهاجرين أنفسهم أو بينهم وبين الأنصار، نضطر إلى تفسير ذلك بأن المؤاخاة مشروع لم يكتب له التطور والتوسع؛ وذلك يعود لكثرة أعداد المهاجرين من مكة ومن غيرها بحيث لم يعد بالإمكان استيعابهم ضمن هذا البرنامج. وقد تكون كثرة المهاجرين وتوزيع الأراضي عليهم، وبناء الدور عليها، ومنحهم ثمر النخيل من قبل الأنصار، واشتراكهم في الغزوات ونجاحهم في تدبير أمور معيشتهم بالوسائل المختلفة نفت الحاجة إلى المؤاخاة بكل أنواعها، وظلت المؤاخاة العامة بين المؤمنين {إنَّمّا ?ًمٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ}(841) قائمة حتى يوم الدين.
ثانيًا: وصية عبدالله بن مسعود(151)
بسم اللّه الرحمن الرحيم:
ذكر ما أوصى به عبدالله بن مسعود إن حدث به حدث في مرضه.
هذا ما أوصى إن مرجع وصيته إلى الله، وإلى الزبير بن العوام، وابنه عبدالله بن الزبير وأنهما في حل وبلّ مما وليا وقضيا من ذلك، وأنه لا تزوج امرأة من بناته إلاّ بإذنهما ـ أو قال: بعلمهما ـ ولا تحجز عن ذلك زينب بنت عبدالله الثقفية(251).
ثالثًا: السابقون إلى الإسلام ممن شهد بدرا(351) ولم يرد ذكرهم في المؤاخاة:
أبو مرثد الغنوي (حليف حمزة بن عبدالمطلب، ت21هـ)
مرثد بن أبي مرثد الغنوي (حليف حمزة بن عبدالمطلب، ت4هـ)
أنسة (مولى رسول الله، ت11 ـ 31هـ)
أبو كبشة (مولى رسول الله، ت31هـ)
صالح شقران (مولى رسول الله)
الطفيل بن الحارث (بنو المطلب، ت23هـ)
الحصين بن الحارث (بنو المطلب، ت23هـ)
مسطح بن أثاثة (بنو المطلب، ت43هـ)
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة (بنو عبدشمس ت21هـ(
عبدالله بن جحش (حليف بني عبدشمس، ت3هـ(
يزيد بن رقيش (حليف بني عبدشمس، ت21هـ(
عكاشة بن محصن (حليف بني عبدشمس، ت21هـ(
أبو سنان بن محصن (حليف بني عبدشمس، ت5هـ(
سنان بن أبي سنان (حليف بني عبدشمس، ت23هـ(
شجاع بن وهب (حليف بني عبدشمس، ت21هـ(
عقبة بن وهب (حليف بني عبدشمس(
ربيعة بن أكثم (حليف بني عبدشمس، ت7هـ(
محرز بن نضلة (حليف بني عبدشمس، ت11هـ(
أربد بن حميرة (حليف بني عبدشمس(
مالك بن عمرو (حليف بني عبدشمس، ت21هـ(
مدلاج بن عمرو (حليف بني عبدشمس، ت05هـ(
ثقف بن عمرو (حليف بني عبدشمس، ت7هـ(
عتبة بن غزوان (حليف بني نوفل ت71هـ(
خباب (مولى عتبة بن غزوان، ت91هـ(
حاطب بن أبي بلتعة (حليف بني أسد بن عبدالعزى، ت03هـ(
سعد (مولى حاطب بن أبي بلتعة، ت3هـ(
سويبط بن سعد (بني عبدالدار بن قصي(
طليب بن عمير (بني عبد بن قصي، ت31هـ(
عمير بن أبي وقاص (بني زهرة، ت2هـ(
المقداد بن عمرو (حليف بني زهرة، ت33هـ(
خباب بن الأرت (حليف بني زهرة، ت73هـ(
عمير بن عبد (ذو اليدين ـ ذو الشمالين حليف بني زهرة، ت2هـ(
مسعود بن الربيع (حليف بني زهرة، ت03هـ(
عامر بن فهيرة (مولى أبي بكر، ت4هـ(
أبو سلمة بن عبدالأسد (بنو مخزوم، ت4هـ(
أرقم بن أبي الأرقم (بنو مخزوم ت 55هـ(
شماس بن عتاب (بنو مخزوم، ت3هـ(
معتب بن عوف (حليف بني مخزوم، ت75هـ(
زيد بن الخطاب (بنو عدي بن كعب، ت21هـ(
عمرو بن سراقة (بنو عدي بن كعب، ت21هـ(
عامر بن ربيعة (حليف بني عدي بن كعب، ت63هـ(
عاقل بن أبي البكير (حليف بني عدي بن كعب، ت2هـ(
خالد بن أبي البكير (حليف بني عدي بن كعب، ت4هـ(
آياس بن أبي البكير (حليف بني عدي بن كعب(
عامر بن أبي البكير (حليف بني عدي بن كعب(
واقد بن عبدالله (حليف بني عدي بن كعب، ت 31هـ(
خولي بن أبي خولي (حليف بني عدي بن كعب، ت 31 ـ 32هـ(
مهجع بن صالح (مولى عمربن الخطاب ت2هـ(
خنيس بن حذافة (بنو سهم، ت 3هـ(
عثمان بن مظعون (بنو جمح، ت 3هـ(
عبدالله بن مظعون (بنو جمح، ت 03هـ(
قدامة بن مظعون (بنو جمح، ت 63هـ(
السائب بن عثمان (بنو جمح، ت 21هـ(
معمر بن الحارث (بنو جمح، ت 31 ـ 32هـ(
أبو سبرة بن أبي رهم (بنو عامر بن لؤي، ت 32 ـ 53هـ(
عبدالله بن مخرمة (بنو عامر بن لؤي، ت21هـ(
حاطب بن عمرو (بنو عامر بن لؤي0
عبدالله بن سهيل بن عمرو (بنو عامر بن لؤي، ت 21هـ(
عمير بن عوف (مولى سهيل بن عمرو، ت بين 31 ـ 32 هـ(
وهب بن سعد بن أبي سرح (بنو عامر بن لؤي، ت 8هـ(
سعد بن خولة (حليف بني عامر بن لؤي، ت 6 ـ 7هـ(
سهيل بن بيضاء (بنو الحارث بن فهر، ت9هـ(
صفوان بن بيضاء (بنو الحارث بن فهر، ت83هـ(
معمر بن أبي سرح (بنو الحارث بن فهر، ت03هـ(
عياض بن زهير (بنو الحارث بن فهر، ت03هـ(
عمرو بن أبي عمرو (محارب بن فهر، ت 63هـ(