إخبار علي بن أبي طالب بالغائب والكائن قبل كونه
فأخبر أن طلحة والزبير لما استأذناه في الخروج إلى العمرة قال: لا والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان البصرة. وكان كما قال.
وأخبر هوبذي قار جالس لأخذ البيعة يأتيكم من قِبَل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون، يبايعونني على الموت، وكان كذلك، وكان آخرهم أُوَيْس القرني.
وأخبر بقتل ذي الثدية، وكان كذلك.
وأخبر شخص بعبور القوم في قصة النهروان، فقال: لن يعبروا، ثم أخبره آخر بذلك، فقال: لم يعبروا، وإنه - والله - لمصرعهم، فكان كذلك.
وأخبر بقتل نفسه الشريفة.
وأخبر شهربان بأن اللعين يقطع يديه ورجليه ويصلبه، ففعل به معاوية ذلك. وأخبر مِيثَم التَّمار بأنه يُصلب على باب دار عمروبن حريث عاشر عاشرة، وهوأقصرهم خشبة، وأراه النخلة التي يُصلب عليها، فوقع كذلك.
وأخبر رُشَيْد الهجري بقطع يديه ورجليه، وصلبه، وقطع لسانه، فوقع.
وأخبر كُمَيْل بن زياد أن الحجاج يقتله، وأن قنبراً يذبحه الحجاج فوقع.
وقال للبراء بن عازب: إن ابنى الحُسَيْن يقتل ولا تنصره فكان كما قال، وأخبره.
وأخبر بملك بني العباس، وأخذ الترك الملك منهم، فقال: ملك بني العباس يسير لا عسر فيه، لواجتمع عليهم الترك والديلم والهند والبربر والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم ما قدروا أن يزيلوه حتى يشذ عنهم مواليهم وأرباب دولتهم، ويُسلط عليهم مَلِكٌ من الترك يأتي عليهم من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا يُرفع له راية إلا نكَّسها، الويل ثم الويل لمن ناوأه، فلا يزال كذلك حتى يظفر بهم، ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به، ألا وإن الأمر كذلك حيث ظهر هولاكومن ناحية خُراسان، ومنه ابتدأ ملك بني العباس حتى بايع لهم أبومسلم الخراساني)).
والجواب: أن يُقال: أما الإخبار ببعض الأمور الغائبة فمن هودون عليّ يخبر بمثل ذلك، فعليٌّ أجلُّ قدراً من ذلك. وفي أتباع أبي بكر وعمر وعثمان من يخبر بأضعاف ذلك، وليسوا ممن يصلح للإمامة، ولا هم أفضل أهل زمانهم، ومثل هذا موجود في زماننا وغير زماننا.
وحذيفة بن اليمان، وأبوهريرة، وغيرهما من الصحابة كانوا يحدّثون الناس بأضعاف ذلك. وأبوهريرة يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحذيفة تارة يسنده وتارة لا يسنده، وإن كان في حكم المسند.
وما أخبر به هووغيره قد يكون مما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون مما كُوشف هوبه. وعمر رضي الله عنه قد أخبر بأنواع من ذلك.
والكتب المصنّفة في كرامات الأولياء وأخبارهم، مثل ما في كتاب ((الزهد)) للإمام أحمد و((حلية الأولياء)) و((صفوة الصفوة)) و((كرامات الأولياء)) لأبي محمد الخلاّل وابن أبي الدنيا واللالكائي فيها من الكرامات عن بعض أتباع أبي بكر وعمر، كالعلاء بن الحضرمي نائب أبي بكر، وأبي مسلم الخولاني بعض أتباعهما، وأبي الصهباء، وعامر بن عبد قيس، وغير هؤلاء ممن عَلِيٌّ أعظم منه، وليس في ذلك ما يدل على أنه يكون هوالأفضل من أحدٍ من الصحابة، فضلا عن الخلفاء.
وهذه الحكايات التي ذكرها عن عليّ لم يذكر لشيء منها إسناداً، وفيها ما يعرف صحته، وفيها ما يعرف كذبه، وفيها ما لا يُعرف: هل هوصدق أم كذب؟
فالخبر الذي ذكره عن مَلِك الترك كذب عَلَى عليّ؛ فإنه لم يدفع ظفره إلى رجل من العترة، وهذا مما وضعه متأخروهم.
ودعوى الغلاة الذين كانوا يدعون علم عليّ بالمستقبلات مطلقا كذب ظاهر فالعلم ببعضها ليس من خصائصه، والعلم بها كلها لم يحصل له، ولا لغيره.