لاشك أن أهل السنة قد أصابوا في موقفهم من أهل البيت عليهم السلام؛ حيث أحبوهم واحترموهم ووقروهم، وعرفوا منزلتهم التي جعلها الله لهم، فهم بشر اصطفاهم الله بقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من نبغ في العبادة والعلم والشجاعة والورع، وحاز صفات الخير، ومنهم من هودون ذلك.
فتكون محبة أهل السنة لآل البيت حقيقية؛ فقد أحبوهم على طبيعتهم البشرية، وأنهم يصيبون ويخطئون، مثلهم في ذلك مثل سائر الصالحين، حاشا رسول الله؛ فهوالمعصوم صلوات الله وسلامه عليه.
أما غير أهل السنة فأحبوا بعض آل البيت بسبب الهالات العظيمة التي جعلوها لهم؛ لذا لا يمكن أن تقبل عقول كثير منهم محبتهم على صفتهم وطبيعتهم من غير غلو!
وقد قال لي كثير ممن حصل بيني وبينهم نقاش: كيف تريد لي أن أحبهم، وهم مثل سائر البشر؟!
وهنا يظهر الفرق بين محبة أهل السنة لآل البيت ومحبة غيرهم.
حيث إن محبة غيرهم إنما هي لهذا الغلوالذي جعلوه للأئمة، وعامته من خصائص المولى - سبحانه وتعالى -، وليست محبة لذات الأئمة، فتأمل ذلك! وانظر من الصادق في المحبة: الذي أحب الحقيقة أم الذي أحب الخيال؟
وحتى يعلم القارئ الكريم حقيقة هذا الغلو، نذكر بعض الأبواب التي وردت في أصح كتب الشيعة، وهوالكافي للكليني.
من هذه الأبواب:
باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم (1/ 258).
باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم (1/ 26.).
باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام (1/ 255).
باب: أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عزوجل في أرضه، وأبوابه التي منها يؤتى (1/ 193).
باب: أن الأئمة لوستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه (1/ 264).
باب: أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عزوجل، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها (1/ 227).
وهم لم يكتفوا بذلك، بل جعلوا تعيين الإمام أهم من بعث الرسول ص، وفي ذلك يقول آية الله ميرزا الخراساني: "إن تعيين الإمام أهم من بعث الرسول؛ لأن تركه نقض للغرض وهدم للبناء" (1).
__________
(1) هذه الرسالة المعجزة والإسلام (ص:1.7).
ويقول الخميني مفضلًا الأئمة على الأنبياء والملائكة ‡: "إن للإمام مقامًا محمودًا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون. وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل" (1).
فهذه بعض النماذج من الغلووالإفراط فيه.
وقد تواتر عن آل البيت عليهم السلام أنهم كانوا يقولون لشيعتهم: "أيها الناس! أحبونا حب الإسلام؛ فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا" (2).
وروى المجلسي أيضًا بسنده عن علي بن أبي طالب ا أنه قال: "إياكم والغلوفينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون" (3).
وروى الكشي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله؛: "إنهم يقولون، قال: وما يقولون؟ قلت: يقولون: تعلم قطر المطر، وعدد النجوم، وورق الشجر، ووزن ما في البحر، وعدد التراب، فرفع يده إلى السماء، وقال: سبحان الله .. سبحان الله! لا والله، ما يعلم هذا إلا الله" (4).
فهذه بعض أقوال الأئمة عليهم السلام كما صرحت بذلك كتب الشيعة، وهذا يبيِّن حقيقة ما تعتقده الشيعة في آل البيت، وأنه لا يمكن أن ينطلي على أحد ممن أنعم الله عليه بالعقل السوي والفطرة المستقيمة.
محبة آل البيت بين الادعاء والحقيقة
أخي الكريم! هذا المبحث المختصر هولب رسالتنا هذه؛ فأمعن نظرك فيه، وليكن ذهنك حاضرًا؛ فإنك بمنزلة القاضي الذي يحكم على صحة الدعوى أوبطلانها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لويعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن البينة على المدعي) (5).
نعم! لابد من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة على صدق المحبة.
فقولك: أنا من شيعة آل البيت، وأحب آل البيت، ومن أتباع آل البيت .. كل هذا لا يكفي؛ بل يبقى: أين الأدلة على صحة كلامك؟
__________
(1) الحكومة الإسلامية (ص:52).
(2) انظر: البداية والنهاية (9/ 11.).
(3) بحار الأنوار (25/ 27.).
(4) رجال الكشي (ص:193).
(5) صحيح مسلم (ح:1711)، مسند أحمد (1/ 342).
إن الانتساب إلى آل البيت شرف وسؤدد ورفعة منزلة ... و... و... حتى إن المنتسب إليهم صار يجد لنفسه منافع ومكاسب كثيرة لا تخفى عليك أيها القارئ الكريم؛ لذا كلٌ يدعي محبتهم وتوقيرهم، فمثلًا:
الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين ي، وهم الذين قالوا بإمامته بعد أخيه الباقر، ولهم وجود في اليمن ودول أخرى، يرون أن الحق معهم، وأنهم هم الذين فازوا بشرف حب آل البيت واتباعهم.
الإسماعيلية وهم الذين يرون إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وبقوا على ذلك بعد وفاته، ورفضوا القول بأن الإمامة انتقلت إلى أخيه موسى، وقالوا: بل هي في إسماعيل (الابن الأكبر لجعفر) .. هم على اختلاف فرقهم يرون أنهم هم الشيعة أتباع الأئمة دون غيرهم، ولهم وجود في الهند وفي اليمن وفي أنحاء من العالم.
والإثنا عشرية الذين قصروا الإمامة على اثني عشر إمامًا، يرون أنهم أتباع آل البيت، وينبزون غيرهم بأنهم نواصب.
فمن نصدق؟؟
وما هي براهين هؤلاء وأولئك؟؟
أما أهل السنة فعلى اختلاف مذاهبهم يرون أنهم قالوا الحق في آل البيت من حيث تعميم معنى آل البيت؛ فإنهم لم يحصروه في أفراد معدودين، بل إن حمزة والعباس وجعفر الطيار عندهم من آل البيت رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك ذرية الحسن ا وقد سبق بيان ذلك، وهذا القول هوالقول الوسط، وقد سبق ذكر بعض حقوقهم والثناء عليهم.
ومن براهين أهل السنة على ذلك: أن الكمال في رسول الله ص، ومحبة أهل بيته لأجل ذاته ص وبركاته؛، وقد نال آل البيت عليهم السلام المنزلة بسبب قرابتهم من رسول الله ص، وكذلك أصحابه، فنحن ندافع عن الصحابة ونحبهم، ونذكر فضائلهم، وجهادهم، وصبرهم وبذلهم ونصرتهم لرسول الله ص ... و... و... لكثرة ما ورد فيهم من نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولأنهم أصحاب رسول الله ص؛ فإن صحبة رسول الله ص شرف بذاتها، ولها منزلة خاصة، وهي تاج على رءوس الأصحاب (1).
* ... * ... *
__________
(1) راجع رسالتنا (صحبة رسول الله ص).
برهان الإمامة عند أهل السنة
مما سبق نعرف أن الأصل في احترام آل البيت وأصحاب رسول الله ص، هوذات رسول الله ص، ولما لهم من سبق في الإسلام وجهاد، فالحجة عند أهل السنة هورسول الله ص إمام أهل البيت.
والاتباع عند أهل السنة هولرسول الله ص إمام البشر، فهوالقدوة عند أهل السنة.
سيد البشر عند أهل السنة هورسول الله ص.
الشافع يوم الحشر عند أهل السنة هورسول الله ص.
صاحب لواء الحمد عند أهل السنة هورسول الله ص.
صاحب المقام المحمود عند أهل السنة هورسول الله ص.
صاحب الحوض عند أهل السنة هورسول الله ص.
صاحب المنزلة الرفيعة في الجنة عند أهل السنة هورسول الله ص.
وقرروا بأن معرفة الله - سبحانه وتعالى - لا تكون إلا عن طريق رسول الله ص.
وقرروا بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى بلَّغه رسول الله ص، وقرروا بأن عبادة المولى عزوجل تكون وفق شرع رسول الله ص فكلام رسول الله ص حجة على الناس، وكذلك معرفة أسماء الله وصفاته عزوجل إنما هي عن طريق رسول الله ص.
والتقرب إلى الله والتعبد للمولى سبحانه لا يتم إلا على وفق شرع رسول الله ص، فنحن معشر أهل السنة نعبد الله وفق عبادة رسول الله ص؛ فإن رسول الله؛ إمام المتقين وسيد العابدين وقدوتهم، فنسير على هداه في العبادة، فلا نخترع ونحدث عبادة لم يشرعها رسول الله ص؛ لأن كل عبادة لم يأذن بها رسول الله ص مردودة وبدعةً، وقد جاء في قصة النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة رسول الله ص، ثم قالوا: هذا رسول الله ص غفر الله له ذنبه، وعلينا نحن أن نجتهد في العبادة، ثم نظروا في العبادات القائمة، فقرروا الالتزام بها والزيادة عليها، فالأول التزم إحياء الليل كله، والثاني صيام الدهر، والثالث التبتل وعدم الزواج لكي يتعبد لله، فهذه عبادات لها أصل شرعي: صلاة الليل، وكذلك الصيام، ومثله الزهد في ملذات الدنيا وزينتها، فأنكر الرسول ص صنيعهم هذا، وقال كلمته المشهورة: (من رغب عن سنتي فليس مني) (1).
كما قرر أهل السنة وجوب المحبة القلبية للنبي ص، وأن يكون شخصه أحب إلينا من أنفسنا.
نعم من أنفسنا! فما بالك بسائر الناس، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم (2): (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين).
كما قرر أهل السنة وجوب الصلاة على النبي ص في الصلاة، وهي المعروفة بالصلاة الإبراهيمية، وقد تقدم بسط القول في ذلك في فصل: "حقوق آل البيت عليهم السلام".
وقد قرر أهل السنة مشروعية الصلاة على النبي ص في كل دعاء، وأنه من دواعي استجابة الدعاء، وكذلك الصلاة عليه بعد الفراغ من متابعة المؤذن، والدعاء له ص بالدعاء المشهور: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا ... ) (3).
__________
(1) صحيح البخاري (ح:4776)، صحيح مسلم (ح:14.1).
(2) صحيح البخاري (ح:14، 15)، صحيح مسلم (ح:44).
(3) صحيح البخاري (ح:589).
وهوص خاتم المرسلين وإمامهم وسيد البشر؛ لذلك قرر
أهل السنة قاطبة -ولا خلاف بينهم- أن واجب الاتباع هو
الرسول ص، وأن الحجة في أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام.
فأهل السنة يقولون بأن الاتباع لمن اكتسب آل البيت المنزلة بسبب قرابتهم منه، وهورسول الله ص.
وهم يقولون بأن الكمال في إمام أهل البيت، وهورسول الله ص.
ويقولون بأن الحجة في إمام أهل البيت، وهورسول الله ص.
فكيف يقال بأن أهل السنة لا يحبون أهل البيت، وارتباطهم برسول الله ص يعرفه خصومهم حق المعرفة؟؟
فأهل السنة يقررون أنه لا إيمان للعبد إلا بتصديق رسول الله ص، فلابد من تصديق رسول الله ص فيما أخبر، وكذلك طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وعبادة الله وفق ما شرع.
أما من عداه من ذريته؛ ومن أقاربه وأصحابه فمهما بلغت منزلتهم فهم دون رسول الله ص، فيؤخذ من قولهم ويترك ما لم يكن إجماعًا.
فهل يلام أهل السنة باتباعهم رسول الله ص وترك ما سواه؟!
أيها القارئ الكريم! ضع يدك بيد إخوانك، واجعل قدوتك رسول الله ص دون ما سواه، فهوإمام العترة والتمسك بسنته فيها النجاة.
اخرج من الخلاف في معرفة من هم الأئمة بعد رسول الله ص وتمسك بالإمام الأعظم ودع غيره مهما كان.
طالب بأقوال وأفعال الرسول الأكرم والتزم بها.
اسأل الله أن يرزقك اتباع سيد البشر.
اسأل الله أن يحشرك مع سيد المتقين وإمام المرسلين، فإن الله عزوجل سوف يسألك يوم القيامة عن اتباعك لرسول الله ص.
الثقل الأكبر عند أهل السنة
هذا كلام أهل السنة عن إمام الأئمة، وأما ملخص قولهم في الثقل الأكبر القرآن الكريم فإليك هو:
القرآن الكريم كلام الله.
القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله له.
القرآن الكريم شفاء.
القرآن الكريم فيه المواعظ والذكر الحكيم.
القرآن الكريم هداية.
القرآن الكريم رحمة.
القرآن الكريم نور.
القرآن الكريم صراط الله المستقيم.
القرآن الكريم حجة الله على العالمين.
القرآن الكريم معجزة النبي الكريم الكبرى.
القرآن الكريم تلاوته عبادة.
القرآن الكريم تدبره والتفكر فيه قربة.
القرآن الكريم من قال فيه بزيادة أونقصان كفر.
القرآن الكريم هوالأصل الأول في العقائد والأحكام والفيصل في أمور المسلمين كلها.
واهتمام أهل السنة بالقرآن فوق الوصف والبيان، يحفظه صغارهم وكبارهم ويتلونه، ويحرصون على العمل به، وعندهم القرآن يفسر القرآن، وأحاديث رسول الله ص تفسر القرآن، وما أشكل رجعوا فيه إلى كلام العرب ولغتهم ..
أيها القارئ الكريم! لا أريد أن أطيل عليك، لكن أقول لك: عليك أن تجعل القرآن نصب عينيك؛ فإن فيه أبلغ المواعظ، وفيه الأوامر الصريحة بالتأمل والتفكر والتدبر وإعمال العقل. واعلم أن دستور أهل السنة هوالقرآن الكريم والاقتداء بسيد آل البيت وسيد المرسلين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
فعليك أن تلحق بركب الرسول؛ لتنجوفي الآخرة.
فإن سئلت يوم القيامة فإن الحجة بين يديك رسول الله ص، فهوإمامك وقدوتك.
اللهم إنا نسألك أن تجمعنا بالحبيب ص في جنات النعيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.