ننتقل في هذا المبحث إلى عرض أقوال نفر من علماء أهل السنة الذين زاروا إيران استجابة لدعوات رسمية من قادة الثورة الخمينية ... وهؤلاء جميعاً كانوا من الذين أيدوا ثورة الخمينية عند قيامها، وظنوا إنها ثورة إسلامية وليست رافضية، فصدمتهم الحقائق عندما شاركوا في مؤتمرات طهران العالمية، ومن بين نشرات وتقارير كثيرة وقع اختيارنا على التقارير الثلاثة التالية:
_ تقرير لنائب الأمين العام لجمعية علماء الإسلام في باكستان الشيخ زاهد الراشدي، وقد نشرته مجلة البلاغ الباكستانية، وهواجود هذه التقارير وأكثرها رصانة.
_ تصريحات لشيخ محمد عبد القادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان أدلى بها لأكثر من صحيفة، ونشرها في رسالة مطبوعة عنوانها " ماذا يجري لأهل السنة في إيران ".
_ تقرير كتبه " محمد سعيد بانو" من جنوب إفريقيا، ونشره في كتاب عنوانه " تسعة أيام في إيران ".
تقرير الشيخ زاهد الراشدي
هذه ترجمة لما كتبه نائب الأمين العام لجمعية علماء الإسلام في باكستان الشيخ زاهد الراشدي بلغة " أردو" وذلك بعد عودته من إيران في زيارة رسمية لها بدعوة من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين، وقد كشف في بيانه ما شاهده هووأعضاء الوفد المرافق له من المضايقات على أهل السنة في إيران
.
وقد نشرت هذه المقالة عدة مجلات شهرية بلغة الأوردية، ومنها مجلة "البلاغ " التي تصدر شهريا ً من " دار العلوم " كراتشي، في مجلدها الحادي والعشرين تحت رقم 6 بتاريخ 1/ 6/14.7ه الموافق 1/ 2/1987م وهذا نص الترجمة:
" قمت بزيارة بعض الأماكن والمدن الإيرانية بمرافقة عدد من العلماء والمفكرين بتاريخ 1/ 1/1987م إلى 12/ 1/1987م بدعوة من مسئولين إيرانيين، وكان الوفد مكونا ً من:
1_ الشيخ منظور أحمد جنيوتي عضومجلس البنجياب.
2_ شودري صفدر علي من لاهور.
3_السيد محمد أحسن خاكواني من ملتان.
4_ راجه رب نواز من كويته.
5_ د. اعجاز شفيع من إسلام آباد.
6_ السيد مختار حسن من راولبندي.
7_ المفتي دائم الدين من سكهي.
8_ السيد أسد الله بوتومن سكهي.
9_السيد حسين احمد من كويته.
1._السيد عبد الرحمن من كويته.
11_د. عطاء الرحمن من كويته.
12 - د. عبدا لواسع من لورلائي.
13_السيد شاهد حسين من كويته.
14_ ميرزا رشيد بيك من كويته.
وكنا في ضيافة الحكومة الإيرانية_ إدارة شئون الدعوة الإسلامية _ ويرأس الإدارة في الخارج السيد حجة الإسلام محمد علي تسخيري ورفقائه السيد مسعود علي رضوي،
والسيد خالد حسين وهم الذين كانوا يتولون امور الضيافة وقد احسنوا ضيافتنا ونحن نشكرهم على حسن الضيافة.
وقد تيسر لنا زيارة عدة مدن إيرانية منها: زاهدان، طهران، مشهد، قم.
كما تيسرلنا اللقاء مع كبار زعماء الثورة الإيرانية والتحدث معهم ومن بينهم السيد آية الله المنتظري " نائب الخميني "،السيد آية الله جنتي، والسيد آية الله خز علي،
والسيد آية الله طبسي، وغيرهم من أعضاء البرلمان الإيراني " مجلس الشورى " كما قمنا بزيارة المدارس الدينية " الشيعية " في مدينة قم وبالخصوص: المدرسة الفيضية للسيد آية الله الخميني، وزيارة جامعة الإمام جعفر الصادق بطهران، وجامعة الإمام رضا بمشهد، وجامعة زاهدان "بلوشستان "، وقد تبين لنا مستوى النظام التعليمي في إيران، وقد كان من أهداف زيارتنا لإيران:
أولاً: الإطلاع على مخلفات الثورة الإيرانية.
ثانيا ً: مشاهدة تحول المجتمع الإيراني بعد الثورة.
ثالثا ً: معرفة طرق الجهود والمساعي المبذولة للثورة الإيرانية.
رابعا ً وأخيرا ً: معرفة أحوال أهل السنة ومدى ما يتمتعون به من الحقوق المدنية والاستحقاقات الأخرى.
وكانت مساعينا موجه بقدر الإمكان تجاه الاستفادة وحصول العلم عن تلك المقاصد المذكورة "أعني بعد إظهار انطباعاتي وتأثيراتي نحوأحوال أهل السنة وحقوقهم في إيران وليس بلازم ان تكون هذه الانطباعات لجميع أعضاء الوفد " إلا أن أساس هذه التأثرات مبني على الوقائع التي قد شاهدها الجميع. وكان طريق معرفتنا بأهل السنة في إيران من قبل المضيفين لنا حيث إنهم اختارونا لنا اليوم الذي حدد لنا لمشاهدنا البرلمان الإيراني، وفي نفس اليوم خصصوا لنا جلسة مع ثمانية أعضاء في البرلمان الإيراني من أهل السنة، وأخبرنا بأن مجموع الأعضاء في البرلمان الإيراني مائتان وسبعون عضوا ً _ من بينهم أربعة عشر عضوا ً من أهل السنة، ومنهم ثمانية الذين شاركناهم في الجلسة _ وكان الشيخ محمد إسحاق المدني والشيخ محمد حامد دامني والشيخ السيد حسين يرأسون أعضاء أهل السنة في البرلمان، والأولان من بلوشستان الإيرانية والثالث من كردستان، وقد توفرت لنا هذه الجلسة معلومات كثيرة مفيدة جدا ً نحوعمل البرلمان الإيراني ونحوتعامل الثورة الإيرانية مع أهل السنة وانطباع أهل السنة تجاه الثورة الإيرانية، واتضحت لنا القضايا العديدة من خلال الاستفسارات ولكننا لاحظنا ان الشيخ محمد حامد والشيخ محمد إسحاق المدني (1) مع أجادتهما اللغة
__________
(1) عضوان في البرلمان الإيراني: الشيخ محمد إسحاق المدني والشيخ محمد حامد دامني وهما من أهل السنة ولا يستطيعان الحديث مع الوفد الزائر بلغة الأوردومع اتقانهما لهذا اللغة، وأصرا على الحديث بالفارسية ليكون الحديث واضحا ًأمام جواسيس السلطة!! أي كبت وأي إرهاب هذا الإرهاب وأين الحصانة لأعضاء البرلمان؟!.
الأردية تجنيا المحادثة بها وتحدثا معنا باللغة الفارسية وأصرا باستمرار المحادثة بالفارسية وأدركنا سبب امتناعهما عن المحادثة بالأردية ولم يكن من المقرر من قبل المضيفين أن نزور علماء أهل السنة أوالطوائف الأخرى منهم بل لاحظنا أحيانا ً أنهم يكرهون ذلك، إلا أننا حاولنا زيارة بعض علماء أهل السنة بتغيير جدول الزيارات المنسق من قبل المسئولين والانصراف عن بعض البرامج المقررة من قبلهم، وعند زيارة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله سربازي وقعت لنا مع الإيرانيين مسألة مهمة، فالشيخ المذكور خطيب الجامع المركزي بزاهدان " بلوشستان " وهومن كبار علماء أهل السنة في إيران وكان على صلة وثيقة بزعماء الثورة الإيرانية في بدء الأمر، وبعد الثورة كان عضوا ً في برلمان تصويب القانون الأساسي في إيران من قبل بلوشستان، ولما وصلنا إلى زاهدان علمنا أن الشيخ عبد العزيز مريض وهوفي مستشفى بطهران، فحاولنا بعد عودتنا إلى طهران أن يسجل في برامج زيارتنا عيادة الشيخ عبد العزيز ولكننا مع الأسف لم ننجح في تحقيق هذه الأمنية على رغم مساعينا المتتابعة، وذلك حينما أظهر المسؤولون من خلال فعلهم هذا أنهم لا يرتاحون لذلك، وعلى كل حال لما قرب أوان مغادرتنا طهران إلى مشهد عزمت أنا والسيد منظور أحمد جنيوني، والسيد حسين أحمد، والقارئ عبد الرحمن، ود. عطاء الرحمن، وشودري صفد علي على أن نتشرف بزيارة الشيخ عبد العزيز فوصلنا إلى مقره في المستشفى وتشرفنا بعيادته والمحادثة معهم في شتى المجالات ولاحظنا من شكواه من زعماء الثورة , أن عدم شمول لقائه وعدم وضع عيادته في برنامجهم لم يكن بلا سبب، وعند عودتنا إلى زاهدان حصل لنا عين ما حصل في طهران، حيث زرنا نحن (ثلاثة أوأربعة من الزملاء) دار العلوم _ زاهدان، وتركنا بقية زملائنا في الاستراحة والتقينا هناك بالشيخ نذير أحمد والشيخ محمد قاسم وهما من خريجي دار العلوم كراتشي بباكستان ويُدرسان حاليا ً في دار العلوم زاهدان، وقد أعلن في برنامج الوفد أن صلاة العصر ستكون في المسجد المركزي , ولكنهم اشغلوا الوفد من بعد الظهر حتى ذهب وقت العصر ووقت المغرب في حين قرروا السفر الى باكستان صباحا ً واضطررنا أن نؤدي صلاة العصر والمغرب في جامعة زاهدان وبعد الإصرار والإلحاح الشديدين ومرارة الكلام وفق الوفد بالوصول الى المسجد المركزي لأداء صلاة العشاء وفعلا ًصلينا العشاء في المسجد المذكور ولقينا عدد من المصلين وعدداً من طلبة دار العلوم زاهدان، وبحثنا معهم بعض المشاكل والمسائل واستفدنا من بعض المعلومات الجديدة وكنا نود أن نزور الشيخ محمد يوسف التلميذ الخاص للعلامة السيد محمد يوسف البندري رحمه الله تعالى حيث أنه في سرادان يدير المدرسة الدينية الكبيرة وفيها عدد كبير من طلبة العلوم الدينية في جميع المراحل حتى المرحلة النهائية أعني درجة الفراغ من الكلية، والشيخ محمد يوسف من زملاء الشيخ منظور أحمد جنيوني حيث درسا معا ً _ وسرادان تبعد عن زاهدان حوالي مئتي كيلومتر _ وقد أخبر الشيخ محمد يوسف هاتفيا ً برغبتنا هذه فوصل إلى زاهدان الليلة التي كنا نريد أن نغادر زاهدان وحينما وصل إلى مقرنا كان الوفد على استعداد للذهاب لزيارة أمير بلوشستان وأمرني الوفد بأن أبقى مع الشيخ محمد يوسف بعد تشاور فيما بينهم ويذهب بقية أعضاء الوفد لزيارة الأمير إلى أن المسئولين منعوا الشيخ محمد يوسف (1)
__________
(1) ما جاء في تقرير نائب الأمين العام لجمعية علماء باكستان يغني عن التعليق: " كنا نتحدث في حدود ساعة أوأكثر كأننا في السجن، وكما يعامل زعيم سياسي في السجن عند لقائه بزواره " ... وهذه المعاملة لأهل السنة في ايران، ولأهل السنة الذين يزورون ايران بدعوات رسمية.
وزميليه من الدخول الى غرفتنا وأمرونا بالجلوس في غرفةا لضيافة التابعة لقسم الاستعلامات تحت حراسة عدد من الأفراد وكنا نتحدث في حدود ساعة أوأكثر كأننا في السجن وكما يعامل زعيم سياسي في السجن عند لقائه بزواره، ولقد تيقنا أن أهل السنة والجماعة يعانون المشاكل والمصائب في إيران، ولعلنا ما كنا (1) نصدق هذه الأمور إلا أن المسئولين والمبرمجين لزيارتنا قد أثبتوا لنا هذه المشاكل المذكورة والشكاوى الواردة بمعاملتهم وسلوكهم، ولم يتركوا لنا مجالا ًللبحث عن مزيد ولم يبق لنا إلا اليقين والتصديق بما سمعناه من الشكاوى والمشاكل وعلمنا بأنها محققة، وبعد هذا العرض الموجز أذكر تلك المصائب والمشاكل التي تواجه أهل السنة في إيران ويظهر على ضوء ما يعامل زعماء الثورة الإيرانية أهل السنة أنه لا منقذ لحل هذه المشاكل حاليا ً.
1_ الإحصائيات في إيران لم تتم من حيث الشيعة والسنة ومن ثم فمعرفة نسبة عدد أهل السنة على وجه الدقة واليقين صعب جدا ً إلا أنه حسب تقريرات بعض زعماء أهل السنة يبلغ عدد أهل السنة بالنسبة إلى مجموع سكان إيران خمسا وعشرين في المائة ويقطن معظم أهل السنة في محافظتي بلوشستان وكردستان (2) إلا أن نظام الحكم نظام محدد مركزي لا دخل لأمراء المحافظات لأن أمير المحافظة مندوب عن الحكومة المركزية فحسب، ولذلك لا أثر لأكثرية أهل السنة سياسيا ً ولا وزن لهم في المحافظين المذكورين إلا إذا طبقت الحكومة النظام الأقليمي فعندئذ يحصل لأهل السنة من بين الشيعة في بلوشستان كردستان وزن ووقار.
__________
(1) هؤلاء صدقوا بعد أن رأوا بأعينهم , مع أن الرؤية ليست السبيل الوحيد لتصديق الخبر.
(2) لا أدري لماذا لما يذكروا بقية مناطق أهل السنة رغم أهميتها؟!.
2_ ولا يوجد لأهل السنة مسجد واحد في عاصمة إيران مع وجود عدد كبير لأهل السنة فيها وذلك لعدم سماح الحكومة الإيرانية ببناء مسجد لهم.
3_ ونسبة أهل السنة في الوظائف الحكومية المهمة والمناصب الحساسة ضئيلة جدا ً، ولا تستحق الذكر.
4_ المناصب التي أكثرية سكانها من أهل السنة يتولى المناصب العليا فيها الشيعة ومن غير سكانها ولا سيما بلوشستان فجميع من يتولى المناصب الهامة فيها من غير أهل السنة ومن غير المقيمين بها.
5_ وتسعى الحكومة الإيرانية في إبعاد أهل السنة من الوظائف بشتى الطرق.
6_ تخطيط توسعة إسكان غير أهل السنة في المناطق التي أغلبية سكانها من أهل السنة وذلك تدريجيا ً وقد أفادنا بذلك كبار زعماء أهل السنة وأبدوا تخوفهم الشديد من الخطة التي يطبقونها في مقاطعتي بلوشستان وكردستان بأنه لواستمرت الأحوال هكذا سوف تحول المنطقتان المذكورتان من أكثرية إلى أقلية خلال عشر سنوات.
7 _ منحت السلطة الأقليات في إيران حق تشكيل منظمات حسب القانون الأساسي إلا أهل السنة فإنهم محرومون من هذا الحق , وذلك أن أحد كبار زعماء أهل السنة أحمد مفتي زادة حاول تشكيل منظمة تربط أهل السنة فيما (باسم مجلس الشورى المركزية لأهل السنة) إلا إنه فوجئ بعده مباشرة بإلقاء القبض عليه وما زال يعاني في السجن ما يعانيه السجناء من اللآلام الشديدة.
8 _ وقد ألقي القبض على دوست محمد البلوشي من مدينة سراوان وهومن كبار علماء أهل السنة بجرمية رفعه مطالب حقوق أهل السنة والدفاع عن عقيدته الغالية , وقد أصيب بمرض شديد في السجن فأخرج منه وحكم بتغريبه لمدة خمس سنوات إلى قرية نجف آباد إحدى قرى الشيعة قرب أصفان وذلك بعد قضائه في السجن سنة كاملة.
9_ وهكذا ألقي القبض على أحد كبار العلماء من أهل السنة الشيخ محي الدين البلوشي مدير مدرسة دار التوحيد الإسلامي في مدينة سرخس بجريمة رفعه مطالب حقوق أهل السنة والدفاع عن عقيدته الغالية. وقدأصدر قرار في حقه بتغريب سبع سنوات إلى بلد أخر بعدما قضى سنة كاملة في السجن.
1._ وقد ألقى القبض على الشيخ نظر محمد البلوشي العضوالسابق في البرلمان الإيراني المنتخب من قبل سكان مدينة إيرانشهر بلوشستان بجريمة احتجاجه على محاضرة ألقيت في موضوع أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ومعركة الجمل التي أذيعت من إذاعة طهران وقال المحاضر فيها: أن المرافقين لعائشة في معركة الجمل أئمة الكفر فجاشت غيرة الشيخ المذكور الدينية ورد على هذه المحاضرة وذمها وقدم احتجاجه بخصوصها.
11_ ولعدم وجود التعليم الديني في إيران على مستوى لائق , وعدم تيسره في أكثر مناطق إيران يرحل طلاب أهل السنة الإيرانية إلى باكستان لتحصيل العلوم الدينية إلا أن حصول الجوازات لهم أمر صعب وأي طالب يسافر الى باكستان لتحصيل العلوم بدون الجواز يقبض عليه بعد عودته في حين أن الوضع على عكس ذلك بخصوص الشيعة حيث يدرس ألف طالب باكستاني في مدارس قم وحسب الأنباء الواردة إلينا فإن بعض الطلبة من أهل السنة طلبوا جوازات السفر لكنهم حُرموا منها وهذه العراقيل تقلل همم الطلاب وتفلح رغباتهم في تحصيل العلوم الدينية في المدارس والجامعات الإسلامية في باكستان.
12_ كما أن أهل السنة كانويشكون عدم قبول طلابهم في الجامعات الإيرانية ولا سيما الطلاب الذين عندهم خلفيات مذهبية معينة وعندهم حماس ديني وغيره إيمانية.
13_ وأفادنا شخصية كبيرة من علماء أهل السنة وأبدى تأسفه على ما يصدر من قبل الشخصيات البارزة من الشيعة في الحفلات المشتركة بيننا وبينهم نحومساسهم بعقائد أهل السنة من إهانة أكابر الصحابة ومن دونهم، وأضاف هذا العالم الكبير أننا نتحمل كل شيء حتى أننا مستعدون لنفقد حرية العيش إلا أننا لا نطيق أن نتحمل إهانة الأكابر وكيف يتحمل ذلك وهوفوق التحمل والموت عندئذ أحلى بكثير من هذه الحياة المريرة.
14_ الموظف السني الذي له شعور وإدراك بحقوق أهل السنة ومسائلهم ينحى ويبعد من مقر عمله إلى مكان شاسع كي يجبر على ترك وظيفته وبهذه الحيلة تتخلص الحكومة من الموظفين السنيين وبهذه الحيلة بعينها أبعد الشيخ عبد الحكيم سربازي عن وظيفته.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الشكاوي من قبل أهل السنة من فئات لها جهود جبارة في دعم الثورة الإيرانية في بدئها وأساسها، وهؤلاء أصحاب الشكاوى يعترفون علناً {مع هذه الشكاوى} بأن المجتمع الإيراني أحسن معيشياً (1) ومذهبياً بعد الثورة من الحال السابق في عهد الشاه، ويعترفون أيضاً بأن سلوك زعماء الثورة مع أهل السنة في البداية كان مشجعاً إلا أنه كلما ازدادت الثورة الإيرانية سيطرة واستحكاماً تغيرت الأوضاع من حسن المعاملة إلى سيئها ومن ومن سيئها الى أسوأ.
واستمرار الشكوى من أهل السنة الذين يشكون 25% من مجموع سكان ايران يعبر عن قلة ثقتهم بزعماء الثورة الإيرانية وينتج خلللا ً كبيرا ً ليس في صالح الدولة الإيرانية.
__________
(1) كفى مجاملة .... لقد أضرت هذه الأساليب بنا كثيراً، والصحيح أن الشاه كان طاغية ومجرماً، لكن هؤلاء طغيانا وإجراما وظلماً.
وإني أرى من الواجب علي أن ألفت أنظار العالم الإسلامي منظمات وجمعيات ومفكرين نحواخوانهم الأشقاء أهل السنة في ايران، وأختم مقالتي هذه راجيا ً من كرم الله عز وجل وفضله أن يتخذ العالم الإسلامي رأيا ً موحدا ً بصوت واحد نحواخوانهم أهل السنة في ايران الذين حرموا من حقوقهم، ويجب أن ترتفع أصوات العالم الإسلامي مناشدة زعماء الثورة الإيرانية منح أهل السنة حقوقهم المشروعة حتى يعيشون معززين مكرمين ".
تصريحات رئيس علماء باكستان
زار الشيخ محمد عبد القادر آزار _ رئيس مجلس علماء باكستان _ إيران مرتين: المرة الأولى كانت في فبراير 198. م بمناسبة ما أسموه عيد الثورة الإيرانية الثالث.
والمرة الثانية في عام 1982م بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات.
وتمت الزيارتان بدعوة رسمية من قيادة الثورة الإيرانية، وكان الشيخ محمد عبد القادر آزار يرأس وفداً يتألف من ثمانية عشر عالماً من علماء باكستان، وقابل الشيخ " الخميني " وسأله واستمع الى أجوبته ,وناقشه في أمور مهمة، كما قابل بقية قادة الثورة الإيرانية ... واستاء مما رأى وسمع , واضطر ذات مرة إلى الانسحاب والعودة الى الفندق برفقة علماء باكستان، وواجه وزير الخارجية الإيرانية] علي أكبر ولايتي [بالأسباب التي دعته الى الانسحاب ... وبعد عودة الشيخ من إيران تحدث وحاضر ونشر ملحوظاته عن الثورة الإيرانية ونجتزيء فيما يلي ما قاله عن أهل السنة في إيران (1):
" _ تم تصفية جميع الموظفين من أهل السنة بتهمة تعاونهم مع شاه إيران.
_ وبالرغم من أنهم يمثلون 33 % من السكان فليس لأحد منهم الحق أن يتولى منصب الرئيس أورئيس الوزراء أوقيادة الجيش أوغير ذلك من الوظائف العليا.
_ وأهل السنة في إيران يعيشون مثل الأسرى، وفي مدينة طهران التي يسكنها سبعة ملايين نسمة لا يوجد بها مسجد واحد لأهل السنة بالرغم من وجود اثني عشر معبدا ً للنصارى , وأربعة لليهود، بخلاف معابد المجوس فكيف يكون ذلك مع أن الإمام الخميني هوالذي يدعولوحدة الأمة؟!!
__________
(1) في الجزء الرابع من هذه السلسلة " وجاء دور المجوس " سنذكر أن شاء الله القسم الثاني من كلام " آزاد " ويتعلق بتصدير الثورة الإيرانية
وبعد انتخاب الشيخ محمد عبد القادر آزار نائبا ً لرئيس لجنة الاقتراحات في المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات _ أي في زيارته الثاني _ قام بتقديم اقتراحات مهمة كان منها ما يلي:
_ من الأدلة على سعيكم لتفتيت وحدة الأمة الإسلامية اعتقال جميع علماء السنة مثل العلامة " ضيائي " و" مفتي زاده ".
_ وجهت الحكومة الإيرانية إلى الجنود الإيرانيين من أهل السنة تهمة الخيانة واعتبرتهم بغاة وعصاه ومن أعوان الشاه وحكمت عليهم بالإعدام، وهذا أمر خطير يعوق وحدة الأمة الإسلامية ويفرق كلمتها ويزيد من تمزقها.
_ ومنذ ثلاث سنوات وعد الخميني في لقاء مع وفد أهل السنة برئاسة الأستاذ الشيخ عبد العزيز رئيس خطباء أهل السنة في " زاهدان " بإعطاء قطعة أرض يشاد عليها مسجد لأهل السنة في طهران , ورغم دفع ثمنها فقد أصدر أمرا ً باغتصاب الثمن المدفوع والسجن لمن سدد هذا الثمن، ورغم مطالبتي للخميني في العام الماضي بإنجاز وعده لأهل السنة فوجئت في المؤتمر الذي حضرته هذا العام بقول بعض أنصاره: لوأعطينا قطعة الأرض ليقام عليها مسجدا ً لأهل السنة فإنه سيصبح " مسجدا ً ضرارا ً ".
_ اعتاد أهل السنة منذ عشر سنوات إقامة صلاة العيدين في ميدان عام في طهران، ولكن هذا العام بعد أن منحوا التصريح الرسمي بالصلاة في عيد الفطر، وتجمع المصلون حضرت قوات الشرطة وفرقت المصلين باستخدام الهراوات والعصي.
_ إذا كان الخميني مخلصا ً في دعوته لوحدة الأمة الإسلامية فعليه أن يعلن على رؤوس الأشهاد أن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا مسلمين، وأن على كل مسلم _ سني أوشيعي _ أن يحترمهم احتراما ً كاملا ً لا يقل عن احترام علي بن أبي طالب رضى الله عنه وبذلك تضيق الفجوة بين السنة والشيعة ".1هـ.
هذه أهم الاقتراحات التي قدمها الشيخ رئيس جمعية علماء باكستان
إلى المؤتمر، وقد قوبلت بالرفض، ويقول الشيخ أن النزاع اشتد بينه وبينهم وانتبه علماء أهل السنة وكان عددهم لا يقل عن مائه إلى أهداف الإيرانيين , ولم يوقعوا على البيان الذي أراده أتباع الخميني.
تقرير الشيخ محمد سعيد بانو ...
الشيخ محمد سعيد بانوعالم وداعية من جنوب أفريقيا شارك في مؤتمر 1982 م الذي شارك فيه الشيخ آزاد _ أي المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات _ , وكتب تقريرا ً تحت عنوان " تسعة أيام في إيران " , وأول شيء لفت نظره أن العديد ممن شارك في هذا المؤتمر يقال لهم أئمة وليسوا أئمة , ولقد جاءوا عن طريق الوساطة أولأنهم يحملون توصية خاصة ... وعن أوضاع أهل السنة يلخص مشكلاتهم فيما يلي:
قلة ممثليهم في البرلمان فلهم أربعة عشر مقعدا ً من مائتين وسبعين مقعدا ً أي نسبة 5 %مع أنهم يمثلون 25 % , وليس من بينهم وزراء أونواب وزراء.
العمل بالمذهب الشيعي في القضاء.
الكبت , فأبرز علمائهم _ ومنهم أحد مفتي زادة _ مع حوالي ألفين مفكر سني يعيشون داخل السجون.
عدم وجود مساجد للسنة في طهران مع السماح ببناء معابد لأتباع الأديان الأخرى.
الدعوة ضد المذهب السني في وسائل الإعلام، فالشيعة يكرهون الصحابة وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول.
لنظام التعليمي متحيز للمذهب الشيعي.
التميز في التعامل حيث يجد السنة صعوبة في الحصول على عمل بعكس الشيعة.
ويدعوالكتاب] محمد سعيد بانو [إلى بحث مشاكل السنة في إيران وخاصة في السجون ... وقد لاحظ] الشيخ خلال المؤتمر [أنه عندما يصلون جماعة لم يحدث أن دعوا شخصا ً
سنيا ً ليؤمهم في الصلاة.
ويذكر أن هناك طلابا ً قدموا من بلاد إسلامية تتبع المذهب السني ليدرسوا في إيران ,ووتحولوا إلى المذاهب الشيعي , ويتساءل عن مستقبل هؤلاء عند عودتهم إلى بلادهم ورفض مجتمعهم لهم!!
ثم يتحدث عن التناقض بين الدعوة والتطبيق في إيران فهم يدعمون النظام السوري البعثي الذي قتل الإخوان المسلمين ويحاربون نظام الحكم البعثي في العراق , ومثل دعمهم للقذافي _رغم مواقفه الإسلامية المؤسفة _ إلى غير ذلك "
ماذا يجري في سجون الآيات؟!
في هذا المبحث شهادة المضطهدين من أهل السنة، وهم عدول ثقات بمجموعهم، وليست هذه الشهادة قاصرة على فرد أوعلى فردين أومنطقة أومنطقتين، ومن نجا من الشهود يستطيع الباحث عن الحق الاتصال بهم في تركيا والخليج وباكستان والسماع من أفواههم، وإذن فشهادة أهل السنة لا يشك منصف بأنها بلغت حد التوتر.
ونقلنا كذلك في هذا المبحث مقتطفات من تقرير منظمة العفوالدولية ولا تخرج هذه المقتطفات في مضمونها عما ذكره أهل السنة ... وحرصنا على ذكر هذه المقتطفات لتعلم الخلائق براءتنا من الظلم والظالمين الذين يلبسون لباس الإسلام , وحزننا على الضحايا المنكوبين مهما كانت اتجاهاتهم , فللمرتد حد ... وللزانى حد ... وهكذا , أما هذه الصور من التعذيب فهي مجوسية بربرية يأباها دين الله الذي ارتضاه لعباده ...
ومن لا يقنعه شهادة أهل السنة , ولا تقارير منظمة العفوالدولية , ولا الأقوال التي بلغت حد التوتر؛ فقد أطفأ مصباح عقله , وتبلدت أحاسيسه , وأسره هواه.
2.7
شهادة أهل السنة
كنا _ ولا نزال _ نسمع بين حين وآخر , من بعض الذين كانوا قد أفرج عنهم من سجون الحكومة الإيرانية , عن طريق الإذاعات الأجنبية , التي تتفرج على مآسي المستضعفين ولا سيما المسلمين منهم , والتي يجب (1) إتهامها فيما تنشر من الأنباء عن حكومة من الحكومات الصغيرة , نظرا ً إلى أنها لا تتأتى منها إلا خدمة مصالح القوى الاستعمارية الكبرى , كنا نسمع أنباء عن سوء معاملة النظام للمسجونين السياسيين.
ولكن كون كثير من المعارضين الحكومة إنما يعارضونها لأن عليها صبغة ضعيفة من الإسلام , مع كون تلك الإذاعات كما ذكرنا , كان يجعل الذين يتبنون _ إن جاءهم فاسبق بنبأ _ يحتاطون فلا يسارعون في تصديق تلك الأنباء , وإن كانوا لا يستطيعون أن ينفوا الصحة عنها نظرا ً لأن الحكومة العدوانية خارج السجون , التي لا تبقى معها شك في أن الحرمات والأعراض لا قيمة لها عندها.
ثم كان أن ألقت الحكومة في العام الماضي القبض على عشرات من خيرة شباب أهل السنة , وعلى رأسهم قائد أهل السنة في إيران الشيخ أحمد مفتي زادة , وأودعتهم سجون مدن سنندج تبريز وسمنان كرماشان وزاهدان , ولكنها أفرجت بعد أشهر عن زهاء ثلاثين منهم كانوا في سجون كرماشستان (مركز محافظة من المحافظات الغربية) وزاهدان (مركز محافظة بلوجستان) , كي لا يشعر الناس بأن الأمر أمر أهل السنة جميعهم , وتظهر عمليات الاضطهاد والقمع في محافظة كردستان (محافظة كردستان التي مركزها سنندج جزء من كردستان بمعناها العام الشامل لعدة محافظات) بمظهر مخالف لحقيقة الأمر التي هي إرادة إبادة أهل السنة أوإكراههم على التشيع.
__________
(1) ليس ما تقوله أجهزة الإعلام مختلفا ً , ولوسلمنا بهذه المقولة لطمست الحقائق , ولم يعد للمعرفة أية قيمة ... بل إن الأخبار المتواترة صحيحة وإن كان رواتها كفارا ً.
وبخروج هؤلاء الأخوة المؤمنين _ الذين يجب الوقوف عند شهاداتهم _ من السجون , تيسر لنا أن نقف على قليل مما يجري في تلك السجون التي تسميها الحكومة الجامعات الصانعة للإنسان. وليعلم أن ما شاهده وعلم به أخوتنا إن هوإلا نزر يسير من الإجراءات المعتدية على الإنسانية. وذلك لأنه لم يعلم تتهيأ حتى اليوم الظروف المساعدة للحكومة على اتخاذ قرار حاسم بشأن المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ألقت وتلقي عليهم القبض , وتخشى أن يأتي المستقبل بأحداث ترغمها على إخلاء سبيلهم أوترى أن الإفراج عن بعض منهم في ظروف خاصة يكون في صالحها , فإنها تتحرز عن أن تعاملهم بمثل ما يعامل به الآخرون , وتحاول أن تبعدهم بقدر الإمكان عن السجون التي تقوم فيها المجازر الإرهبية.
ولنستمع لأخ من أولئك الأخوة الذين قضوا ستة أشهر في السجون ثم أفرج عنهم , يقص علينا مشاهداته من حين داهم الحراس بيت الشيخ مفتي زادة في مدينة كرماشان بعد أيام من عقد الاجتماع الذي انعقد بدعوة منه بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس مجلس الشورى المركزية للسنة , فألقوا القبض على الأخ وعلى ابن الشيخ وآخرين جاءوا ضيوفا ً , (كان الشيخ نفسه قد ترك كرمانشان قبل الحادث وذهب إلى طهران حيث ألقى عليه القبض هناك) , إلى أن أفرج عنه _ أي عن الأخ _ بعد الأشهر الستة. يقول الأخ:
كنت في البيت أنا وابن الشيخ وآخرين , وذلك في السادسة والعشرين من شهر شوال بعد انعقاد الاجتماع بعشرة أيام , أشارت الساعة إلى التاسعة والنصف وإذا يدق الباب. فلما فتحنا الباب فوجئنا بالحراس يدخلون علينا البيت بوحشية وعنف. كنا في تلك الساعة نشرب الشاي , فدعوناهم ليشربوا معنا ولكنهم ردوا علينا بالشتم والإهانة وضرب أحد الضيوف. وأخذوا ينثرون الأثاث والأمتعة ثم خرج بنا بعض منهم من البيت وأذا بأسطح بيوت الجيران والشارع مملوء بالحراس المسلحين وأذا بهم قد جمعوا أهل تلك البيوت في الشارع وأركبوهم السيارات. وكل ذلك فعلوه من أجل إلقاء القبض على بضعة أشخاص عزل كانوا يتوقعون أن تقدم الحكومة في تلك الأيام على اعتقال المؤمنين الملتزمين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبعين للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار , فلم يكن هناك ما يقتضي تطويق البيت بتلك الكتيبة , ولا ما يقتضي مجيء المسلحين , فإن الحركة الإسلامية كانت قد أعلنت قبل ذلك أنها في مرحلة التزكية , والتعليم فلذلك ترفض المقاومة المسلحة رفضا ًباتا ً.
وعلمنا بعد ذلك أن الذين بقوا منهم في البيت كانوا قد نثروا كتب الشيخ في ساحة البيت وسرقوا ما وقعت عليه أيديهم من العملة والثياب والأشرطة وغيرها , كما أنهم أخذوا منها ما كان معنا من العملة.
ثم إنهم ذهبوا بنا إلى مقر الحراس , وقبل أن يدخلوا عصبوا على أعيننا بعصابات , ثم فرقوا بعضنا عن بعض وأخذوا في إيذائنا بالشتم والضرب , ثم أدخلوا مكانا ً وأخذوا يلقون علي أسئلة مختلفة , وكلما رددت عليهم بجواب غير معجب لهم واجهوني بالوكز والرفس.
ودام هذا الوضع يومين وليلتين وأنا مشدود اليدين والرجلين ثم نقلوني إلى حيث وجدت أخوين آخرين ألقي عليهما القبض بعد اعتقالنا. وبعد أيام جيء بأخوة آخرين من سائر مدن المحافظة. ثم ذهبوا بالجميع بعد إجراء تحقيقات معهم في السجن ((ديزل أباد)) وبقيت أنا وابن الشيخ نتلقى التعذيب النفسي طوال أسبوع , حيث كانوا يهددوننا بالضرب ويسمعوننا أنباء كاذبة عن سائر الأخوة , ثم نقلونا أيضا ً إلى ذلك السجن.
وفي ذلك السجن كنا نقضي الوقت في تلاوة ودراسة القرآن واللغة العربية ونقيم الصلوات جماعة , مما أثر في سائر المسجونين تأثيرا ً كبيرا ً , وكان الحراس يجتمعون بنا كل بضعة أيام يجادلوننا ليصرفونا عن اتجاهنا , وكانوا يتوسلون بإغرائنا بمتاع الحياة الدنيا , فلما استيأسوا منا انتهوا عن ذلك. ومن جملة ما كانوا يجادلونا به قولهم: إنه ما دام الإمام حيا ً فلا معنى للشورى ولا حاجة إليها , وقولهم: إن كلمة الشورى التي جاءت في القرآن لا تعني أن يكون هناك تشاور , وإنها بمعنى آخر , وأن الذين كانوا يحلون ويعقدون بالشورى في عهد الخلافة ما كانوا يريدون بذلك إلا الإمارة , وكقول مدير ما يسمى بدائرة التعليم والتربية وكانوا قد جاءوا به للبحث مع أخوتنا المدرسين والمعلمين: دعونا من التذكير بآيات القرآن , تكلموا بصواب من القول , واعلموا أنا نعتبر حكم حاكم الشرع أعلى من حكم الله!!! ((سبحانه وتعالى عما يقولون علوا ً كبيرا ً)). ولما رأوا أن كنا نفعل من إقامة الصلوات جماعة وتلاوة القرآن وتفسيره يؤثر في سائر السجناء , وأن عدد المشاركين معنا في أداء الصلوات جماعة يزداد كل يوم , نهونا عن ذلك ولكننا لم ننته.
وفي هذه الأيام أذن لأقاربنا بزيارتنا , وقدم جميع الأخوة إلا أنا وآخر للمحاكمة. وأما أنا فدعوني إلى مكتبهم فظننت أنهم سيقدمونني أنا أيضا ً للمحاكمة , ولكنى فوجئت بهم يقولون: إنا نأذن لك بالزيارة مرة أخرى لأننا سنعدمك. هدني هذا الخبر نفسياً ولنك حاولت أن لا أظهر بمظهر يشمتهم. وحاولت أن أكون عند زيارة أقاربي أبعد ما أكون عن الحزن والأسى.
كماأن سلوكي في السجن لم يسمح بانتشار الخبر، فلم يعلم به إلا أحد الأخوة، وكان تبرمهم من برامج التلاوة والتفسير وإقامة الجماعة بحيث أخذوا في اصطناع الحجج لإخراجنا من بين سائر المسجونين الى الزنازين، فكانوا يطلبون منا أن نحضر مراسيم الندبة ودعاء كميل، فلما رفضنا ذلك نقلونا الى زنزانة قضينا فيها أربعة شهور. والزنازين المجاورة لنا كانت مساكن للرجال والنساء المنتسبين الى الأحزاب المعارضة للحكومة. فأما الرجال فكان بعضهم في الانفرادية. وأما النساء فلم يكن في كل زنزانة إلا واحدة منهن. وفي هذه الزنازين كانت تقع الجرائم والاعتداءات الإنسانية وسأذكر نماذج منها:
كانت الزنازين لحداثة بنائها ولبرودة الهواء كثيرة الروائح، بحيث كان أكثر المسجونين قد أصيبوا بالمرض. وما كان يؤذن برؤية الشمس فضلاً عن التمتع بحرارتها، حيث كانوا يعصبون الأعين حيث الخروج لقضاء الحاجة ولم يكونوا يسمحون بالخروج لقضاء الحاجة والتوضؤ إلا أربع مرات في اليوم والليلة. وكانوا هم الذين يعينون الأوقات لذلك، فمثلاً كانت إحدى المرات في الساعة الرابعة صباحاً والمرة الثانية بعد الظهر. وكانت المدة المقررة لقضاء الحاجة دقيقتين فقط. وأما الاغتسال وغسل الثياب فلم يكونوا يسمحون بذلك إلا مرتين في الشهر، ولم تكن المدة المقررة له لتجاوز خمس عشرة دقيقة، ومع ذلك كان الماء بارداً وبرد الشتاء قارصاً. ومما كانوا يؤذون به المسجونين إذاعة الأناشيد ومراسين الندبة في صالة الزنازين عن طريق مكبرات الصوت من الصباح الى نصف الليل.
ومن الأساليب التي كانوا يستخدمونها للتعذيب النفسي الإتيان بالأخبار الكاذبة المحزنة، وإخراج بعضنا من الزنزانة ليلاً، ومعنى ذلك في عرف السجون الإسلامية أنه قد صدر حكم الإعدام (1) على ذلك البعض وحان وقت تنفيذه عليه. ومنها سب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وافتراء البهتان العظيم على أم المؤمنين عائشة الطيبة رضي الله عنهم أجمعين. ففي إحدى المناقشات التي جرت بيننا وبينهم قال لنا واحد من رجال الدين!!! وكان يسمى " إمامي ": الحقيقة أننا لسنا مخالفين لكم فحسب بل نخالف أيضاً حكومة الشورى التي كانت بعد عهد النبي ونعتبرها ونعتبر أبا بكر وعمر وعثمان غاصبين، ونعتبر عائشة بغياً ((سبحانك هذا بهتان عظيم)) ثم قال: إننا قد منعنا مائتين وثلاث وثمانين كلمة أن يتلفظ بها في الإذاعة والتلفزيون كلها في سب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة وفي سب عائشة، وأما في المجلس المختصة بأهل التشيع فنسبهم بجميعها.
__________
(1) بمثل هذه الطريقة الخمينية ينم الإعدام، فبمجرد أن يستدعي المسجون ليلاً يفهم أنه سيقتل، وقد يكون بريئاً، وأوقد تكون التهمة المنسوبة إليه لا تستحق السجن ابتداء ... والأشد إيذاء وإجراماً أنهم يخبرون السجين أنه قد حكم عليه بالإعدام، ويؤتى به، ويوضع في المكان المعد لهذا الغرض، وويطلقون النار ثم يتبين للمسكين أنهم يحاربونه حربا ً نفسية ثم يعودون به إلى زنزانته.
ومن أشد العذاب النفسي لإنسان لم تنطمس إنسانيته أن يرى أخاه الإنسان _ أياً كان تصوره وعقيدته _ يقتل ظلماً، أويرى أختاً يعتدي على عرضها وتهتك حرمتها ثم تقتل مظلومة، وهولا يملك أن يدافع عنه أوعنها، أمر الذي كنا نقاسيه ليل نهار. فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام (1).
وكان التعذيب النفسي يبلغ أقصاه حينما كانت تختلط صرخات امرأة بضربات البنادق وهتافات الحراس " الله أكبر خميني رهبر "، وتشق سكون الليل الساجي.
وفي إحدى الليالي انطفأت المصابيح حوالي الساعة العاشرة والنصف , فقال الأخوة نفضي الوقت بإنشاد الأشعار الدينية الى أن يعود الكهرباء. ومضت ساعتان ولم يعد، وفجأة علت صرخات نساء من الزنازين المجاورة، فلم يملك الأخوة أنفسهم من البكاء لأنهم لم يكونوا يستطيعون إنقاذ أولئك المسكينات من أيدي أولئك الذئاب المفترسة. فلما أصبحنا سألنا رجلاً كان يأتينا بالطعام وهومن النادمين الذين تسميهم الحكومة بالتوابين عن سبب الحادث، فتأوه ثم قال لقد رأيت أسوأ من هذا بكثير، والسبب أن الشيعة يعتقدون أنه لا يجوز إعدام الأبكار، فإذا أريد أن تعدم بكر عقد عليها لأحد الحراس عقد متعة وبعد الاعتداء عليها يعدمونها"كان النادم نفسه أيضاً شيعياً " (2)
__________
(1) هكذا يقول الأخ بل الأخوة الذين اعتقلوا: " فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام "، وهذا يحدث في سجن من سجون كردستان في سجون طهران وغبرها من المدن. ... ...
(2) إضافة الى ما ذكره الأخوة من اغتصاب البكر قبل إعدامها، فقد تحدثت منظمة العفوالدولية عن هذه الجريمة النكراء، وتواتر ذكرها على ألسنة من فروا من ايران.
وهؤلاء الذين كتبوا الكثير عن ظلم الشاه تناسوا هذه المظالم عندما أصبح الحكم بأيديهم، وفعلوا ما عجزت عنه " السافاك " وغيرها. فسينتقم الله منهم لا محالة، وستنتهك أعراضهم كما يهتكون أعراض الناس.
كان الرجال أحسن حالاً من النساء، فما كانت تستطيع واحدة منهن أن تستريح في زنزانتها أوتسرح شعرها مثلاً، لأن الحراس ما كانوا ليغضوا أبصارهم عنهن ساعة. بل رأيت مرة واحدة منهم واقفاً عند نافذة الحمام ينظر الى نسوة كن يغتسلن فيه، فلما رآني أخذ يشتم أولئك المسكينات ويقول لم دخلتن الحمام عاريات؟!! وعليكن بثيابكن فالبسنها. وأما مواجهتهن بالكلمات النابية التي لا تصدر عن رجل له نصيب من الإنسانية (1) كانت شيئاً هيناً عليهم.
وقبل أن يفرقوا بيننا وبين سائر المسجونين كان معنا رجل في حوالى الستين سنة تقريبا ً
كانوا قد ضربوه بالأسلاك (18 .. ) ضربة على ظهره وقدميه، وكان يحمل معه في خرقة قطعات من لحم أقدامه تناثرت من ضربات الأسلاك. ومع ذلك فإن الرجل كان يقول أشد ما يؤلمني أنهم دعوني مرة وقالوا إما أن تعترف وإما أن نعذب امرأتك، فقد أتينا بها وهي الآن في الغرفة المجاورة. وعند ذلك سمعت صراخ امرأة من تلك الغرف، فاستسلمت لهم خوفاً على امرأتي وقلت لهم اكتبوا ما تشاءون لأوقع عليه على أن تخلوا سبيل امرأتي. ولكني بعد ذلك سألت امرأتي عن الأمر عند مجيئها لزيارتي فنفت ذلك فعلمت أن المرأة لم تكن امرأتي وعملهم كان احتيالاً لأخذ الاعتراف مني. ثم إنه بلغ التعذيب من الرجل أن عمد إلى كمية من النورة فبلعها محاولة الانتحار ولكن لم يشأ الله أن يموت.
__________
(1) أكثر إخواننا من الحديث عن الإنسانية ... كقولهم لا يصدر هذا الفعل عن رجل له نصيب من الإنسانية، وكانوا من قبل يتحدثون عن أتباع الآيات من خلال مخالفة أعمالهم للإسلام ... ولعلهم فهموا من تجربة السجن أن الذين يشتمون السابقين الأولين ويتهمون أم المؤمنين بما برأها الله منها بصريح القرآن لا يمكن أن يكونوا مسلمين فراحوا يخاطبونهم بالإنسانية. ولكن أين الإنسانية منهم!!
وكان معنا آخران كانا قبل ذلك في بناية اللجنة المركزية، فكانا يقصان علينا أنه كان هناك رجل كانوا قد ضربوه بالأسلاك خمس وأربعين يوماً متتابعة كل يوم مائتين الى ثلاثمائة ضربة. وفي احدى الليالي استيقظنا من النوم حوالي الساعة الثانية والنصف فإذا بحريق وقع في غرفتنا وإذا بهذا الرجل قد لف نفسه في بطانية وصب عليها النفط وأحرق نفسه، وإذا به يلفظ أنفاسه الأخيرة ,ويقول بصوت هامس طوبى لي، نجوت منهم. فحاولنا أن نطفأ الحريق فلم نستطع، واضطررنا أن نلقي بأنفسنا من النافذة، فبادر الحراس بإطلاق النار علينا ظانين أنا نريد الفرار، فلما علموا الأمر هرعوا من الغرفة، وكان الرجل قد مات فألقوه من النافذة وأخذوا يشتمونه ويهينوه، وأصدروا الأمر بحجز أمواله لأنه كان قد اعتدى على مال بيت المال بإحراقه للبطانية، ثم سمعنا أنهم ألقوا القبض على امرأته أيضاً.
وهذان الرجلان ضربوا واحداً منهما ستمائة ضربة بالأسلاك، وكانوايطلبون منه أن يدلهم على المعارضين وهوينكر أنه يعرف أحداً، ولكنه اضطر أخيراً أن يسمي لهم عدة أشخاص، فلما جاءوا بهم وجمعوهم به أقسم أنه لا يعلم عليهم من سوء، فأفرجوا عن هؤلاء وطلبوا منه أن يعترف بآخرين، وهكذا كلما جاءوا بفريق أقسم على براءتهم فأفرجوا عنهم بعد الإيذاء والتعذيب الذي بلغ أن ذهبوا بفريق الى مكان الإعدام وأطلقوا على رؤوسهم النار إيهاماً لهم أنهم يعدمونهم.
وأما نحن المدافعين عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السابقين الأولين، فمع أن معاملتهم لنا كانت تختلف عن معاملتهم للآخرين، لم ينجُ كثير منا من اعتداءاتهم، فمنا من كسرت يده، ومنا من كسرت سنه، ومنا من كسرت ضلعه، ومنا من ... ! فلعنة الله على الظالمين.
وبعد فإنما اكتفينا في الكلام عن السجون الخمينية بما حكى لنا هذا الأخ مما رآه بعينيه لنكون قد اجتنبنا الحديث بما قد يصدر عن الظن، فإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً. ولا يظن أحد أننا نريد أن نصور بهذه الكلمات المعدودة واقع تلك السجون، فعلم ذلك عند الله الذي يعلم الجهر وما يخفى، ونعوذ بالله من أن نظلم بذلك الإنسانية المهانة تحت أقدام البغي والطغيان، فلها الله الواحد القهار الذي سينتقم لها من الفجار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
مكتب قرآن
3/ 9 / 14.3
وليس ما جاء في الرسالة السابقة الصادرة عن " مكتب قرآن " هوكل ما ذكره الأخوة _ أهل السنة _ عن سجون الآيات، ففي رسالتهم " قضية أهل السنة في ايران " ص 54 أشار الأستاذ مفتي زادة الى بعض أساليب الاضطهاد والتعذيب التي أدت الى استشهاد عدد من الأخوة، ومن استعراض وسائل التعذيب التي استخدموها نلاحظ أنها مرحلة كانت أشد همجية ووحشية من المرحلة السابقة، لأنها كانت الأولى، وكانوا يرجون عودة شباب أهل السنة عن آرائهم.
وفي الصفحة (82) ذكروا الشيخ السني الذي نقد ولاية الفقيه، وبعد أسبوع أعلن توبته في الإذاعة، وعندما سأله أصحابه عن هذا التناقض أجاب: والله ما رجعت عن اعتقادي ولكنني اضطررت لذلك عندما أدخلوا علي في السجن عشرة شبان من الحرس الخميني، ومعهم من يرتدي العمامة السوداء وهويحثهم على اللواطة بي أوأن أرجع عن رأيي على الملأ، وهويقول لهؤلاء الشبان أنتم في فعلكم هذا مثابون عند الله عز وجل، وليس عليكم غسل بعد اللواطة.
وحكموا على مولوي نذير أحمد _ وهوعضوفي مجلس الشورى الايراني السابق _ بالرجم بتهمة الزنا لأنه تحدث عن فضل الصحابة وبين حكم من يسبهم، وأجبروه من شدة التعذيب على الاعتراف أمام الجمهور من خلال التلفاز بأنه عميل للمخابرات العراقية، وهورجل طيب وعالم عامل بعيد عن الشبهات، ولم يكن له ذنب سوى دفاعه عن الصحابة رضوان الله عليهم ...
وسنذكر أمثلة أخرى في موضع آخر من هذا الكتاب عن جرائم الآيات ضد أهل السنة إضافة لما ذكرناه سابقاً.
مقتطفات من تقرير لمنظمة العفوالدولية
1_ أجرت منظمة العفوالدولية مقابلات مع سجناء سابقين ومن بين هؤلاء عضوفي منظمة مجاهدي خلق كان في سجن تبريز من شباط / فبراير 1981 الى أيلول / 1983. قال السجين السابق:
" عندما نتقاسم مع سجناء سياسيين زنزانة واحدة تربطك بهم علاقة حميمة وخاصة ... ومرور الوقت بدأت أتعرف على زملائي وبدأت أحبهم، وكانوا هؤلاء يعدمون ثم يأتي سجنا جدد الى زنزانتي فأبدأ بالتعرف عليهم بنفس الطريقة كما كنت أتعرف على من سبقهم، وقد تكرر نفس الشيء مرات عديدة، وفي النهاية صرت أتمنى لوأنهم يأخذونني للإعدام في المرة التالية وزيادة على التعذيب البدني فهناك التعذيب النفسي ... كانوا يجبروننا على تحميل شاحنة بالأجساد التي قد ينقص بعضها يداً أورجلاً. أجبروني على القيام بذلك ثلاث مرات، فكنت أجمع الأجساد في أكياس ثم أُحمل الشاحنة.
أحياناً كانوا يعدمون الأقارب دفعة واحدة، وأحياناً أخرى كانوا يعدمون واحداً منهم فقط وقبل ذلك كانوا يسمحون للأقارب بالاجتماع لفترة
218
قصيرة، كانت زنزانتي تقع قرب ساحة الإعدام، فكنت أسمع ما يجري في هذه الاجتماعات والنحيب الذي كان يعقب الاعدامات.
_ وصفت طالبة قضت الفترة ما بين أيلول / سبتمبر 1981 وآذار / مارس 1982 في سجني إيفين وغزال هصار، لمنظمة العفوالدولية تجربة عشيها في زنزانة ضمت مائة وعشرين امرأة تراوحت أعمارهن من الطالبة الى العجوز، وبعضهن تم إعدامهن. قالت الطالبة:
" ذات ليلة جاءوا بفتاة صغيرة السن اسمها طاهرة من قاعة المحكمة الى زنزانتها مباشرة. كانت المحكمة قد حكمت عليها بالإعدام، فكانت مرتبكة متهيجة، تبدووكأنها لا تعرف سبب وجودها هناك. وبعد فترة استقرت للنوم الى جانبي، لكنها كانت تستيقظ فجأة من حين لآخر مذعورة، فتتعلق بي سائلة: هل سيعدمونها حقاً. كنت أحيطها بذراعي لأهدئ من روعها ولأطمئنها بأنهم لن يعدموها , لكنهم أتوا في الساعة الرابعة صباحاً وأخذوها لإعدامها كان عمرها ستة عشر عاماً ".
3 _ وقد شهد سجناء سابقون بأن السلطة كانت تكرههم على النظر الى جثث ضحايا الإعدام، كما جاء في قول أحدهم:
" كان الجوملئاً بالبكاء والعويل، قال لي أحد الحراس: سنزيح عنك عصابة عينيك. يجب أن تنظر حولك. انظر الى الأمام فقط. ولما فتحت عيني رأيت فتى يتدلى من شجرة، كانت ذراعاه مضمدتين حتى المرفقين، وساقاه حتى الركبتين، وكان نحيفاً جداً واسمه مكتوب على بطاقة معلقة في عنقه، ووقف حارس الى جانب جثة الفتى ينخسها بعصا جعلتها تدور مراراً، أثناء ذلك كان الحراس يراقبون السجناء لمعرفة ردود فعلهم " (سجن إيفين، عام 1981/ 1982).
4_ وقد امتدت الاعتقالات منذ بداية الثورة عام 1979، لتشمل المجال السياسي كله: وهناك العديد من مناصري المجموعات المعارضة، فقد اعتقلت السلطات عدداً كبيراً من أعضاء الأقليات العرقية، كالأكراد الذين يناضلون من أجل استقلالية أكبر.
إن العديد من السجناء في ايران هم سجناء رأي يعانون الاحتجاز لمجرد التمسك بمعتقدات عبروا عنها بطرق خالية من العنف، ولا تستطيع منظمات العفوالدولية تقدير عدد سجناء الرأي المحتجزين حالياً، بسبب الصعوبات التي تواجهها في الحصول على المعلومات حول الحالات الفردية، وفي التحقق منها.
لقد شملت الاعتقالات الكتاب والصحفيين والأطباء والأساتذة المحاضرين والمدرسيين والطلبة وربات البيوت وعمال المصانع والعمال اليدويين.
وبعض السجناء متقدمون في السن، ككتاب يبلغ عمره أربع وسبعين عاماً هورهين السجن رغم كونه مريضاً جداً، وكان قد ألقب القبض عليه للمرة الأولى في آذار / مارس 1981، وتمكن من الهرب في نفس السنة، إنما أعادت السلطات اعتقاله في كانون الأول / ديسمبر 1981، وقد ورد أن السلطات قامت بتعذيبه خلال فترة اعتقاله للمرة الأولى، وفي أوائل عام 1987، أطلق سراحه بصفة مؤقتة، وسمح له بالرجوع الى منزله تحت الرقابة، إلا أنه أعيد للسجن رغم كونه بحاجة لعلاج طبي نظراً لمرض خطير أصاب معدته وكليتيه، وهوكذلك مصاب بالشلل في رجليه ويكاد يفقد بصره. كما أن العديد من السجناء هم أحداث ومراهقون كانوا في مدارسهم عند اعتقالهم.
الرهائن
5_ يتعرض أقارب السياسيين المعارضين للاعتقال، أما كرهائن الى حين إلقاء القبض على المطلوبين، وإما للضغط على الأفراد الذين تم إلقاء القبض عليهم بهذه الطريقة اعتقلت زوجات المشتبه بنشاطاتهم السياسية الذي تفادوا السجن، وقد قالت إحداهن لمنظمة العفوالدولية:
" أتى رجال الحرس الثوري الى بيتنا في أصفهان في تشرين الثاني / نوفمبر 1983 بحثاً عن زوجي دون أن يكون لديهم مذكرة توقيف. كان زوجي قد تمكن من مغادرة البلاد، ولما فشلوا في العثور عليه، قالوا إنهم عازمون على أخذي لمجرد ساعتين لالقاء بعض الأسئلة عليّ كما أخذ الحرس الثوري أبي وأختي الأصغر مني وعمرها تسعة عشر عاماً، ولكنهم أطلقوا سراحهما بعد ست ساعات، وأما أنا فقد مكثت في السجن لمدة أربعة عشر شهراً…".
مثل هذه الاعتقالات التي تم وصفها ما تزال مستمرة في ايران حتى الآن , ففي عام 1985 احتجزت السلطات امرأة في طهران بعد أن فشلت في العثور على زوجها، فحكم عليها بالسجن لمدة سبع سنوات، وقد أخبرتها السلطات، على ما يبدوبأنه سيطلق سراحها إذا تم العثور على زوجها، ويعتقد أن هذه المرأة موجودة حالياً في سجن غزال هصار.
وقد اعتقلت السلطات عائلات بأجمعها:
" جرى اعتقالي في أيلول / سبتمبر 198.أتى بيتنا رجال الحرس الثوري وفتشوه كان أبي وأمي وأختي وأخي الأصغر مني موجودين في البيت، فحسبهم رجال الحرس الثوري جميعاً في غرفة واحدة، ولما عدت بعد ذلك الى البيت كان أخي قد وصل قبلي بمدة وجيزة , ولم يكن لنا علم بما يجري، كان بيتنا قبوأخذنا إليه رجال الحرس الثوري وقاموا بضربنا: كان عددهم حوالي عشرة أواثني عشرة رجلاً، وبعد ذلك أخذونا الى مقر قيادة الحرس الثوري في أرومية، ولحسن الحظ أفلحنا في إقناعهم بالإفراج عن والدينا بعد أيام من احتجازنا ".
إن لكل فرد الحق في أن يعلم أسباب احتجازه فور توقيفه، وفي أن يُخبر فوراً عن أية تهمة موجهة ضده وهذا الحق الأساسي يقره الدستور الايراني صراحة، إلا أنه في الواقع لا يجري إبلاغ المحتجزين السياسيين بسبب توقيفهم لأسابيع أولأشهر بأكملها، كما يظهر أنه ألقي القبض على العديد من الأفراد لأن أصدقائهم أوزملاءهم ذكروا أسماءهم وهم تحت التعذيب.
كما تعلم منظمة العفوالدولية بأمر أشخاص اعتقلوا خطأ لتشابه أسمائهم وأسماء مناضلين سياسيين مطلوبين من طرف قوات الأمن.
فقد أخبر سجين سابق منظمة العفوالدولية عن رجل عمره حوالي ستين عاماً أدخلته السلطات السجن رغم كونه يتلقى علاجاً طبياً في المستشفى لمرض قلبي، وقد حمل الى السجن في نقالة، ومكث هناك مدة يومين قبل أن تدرك سلطات السجن أن اسمه يشابه اسم مناضل سياسي معروف، وانه ليس الشخص المطلوب.
وكثيراً ما تحتجز السلطات أشخاصاً تأخذهم من منازلهم وكل ما تقوله لهم هوأنهم مطلوبون للإجابة عن بعض الأسئلة، وأن ذلك يستلزم حضورهم لبضع ساعات، إلا أنها قد تحتجزهم لعدة أشهر وربما لعدة سنوات، كما تقوم السلطات بإهانة أقارب المحتجزين وبتحذيرهم من الاستفهام عن مصيرهم، وبتهديدهم بالسجن إذا فعلوا ذلك.
أما الأشخاص الذين يعتقلون خارج منازلهم، فهم لا يستطيعون إخبار عائلاتهم بما وقع لهم أوبمكان وجودهم، وعندما يلتمس أحد من السلطات المختصة معرفة ما وقع لفرد ما، فإن هذه تنكر احياناً وجوده في عهدتها، لذلك ليس من غير المألوف أن تقضي عائلات أشهراً كاملة باحثة عن قريب "مفقود " سائلة كل سجن وكل مركز للحرس الثوري وكل كوميتيه في المنطقة.
إن منع الاتصال بين المحتجزين وأقاربهم يزيد الى حد كبير في خطر ممارسة التعذيب والمعاملة السيئة، ويطيل الكرب دون داع على المحتجز وأقاربه أجمعين.
6_ فقد وصفت امرأة تعتبر شهادتها نموذجاً للعديد من الشهادات في حوزة المنظمة، ما حدث لما أتى رجال الحرس الثوري بيتها في طهران في تشرين الثاني / نوفمبر 1983 بحثاً عن زوجها المشتبه بنشاطه في منظمات المعارضة:
" وقف ببابنا أربعة حراس مسلحين، وسألوني عما إذا كان هذا هوبيت زوجي , فلما أجبت بالإيجاب، اندفعوا داخلين، كان كل منهم يحمل معه بطاقة تعريف خاصة بسلك الحرس الثوري الإسلامي، كنت في البيت مع أطفالي الثلاثة، الذي يبلغ عمر أكبرهم أحد عشر عاماً وأوسطهم ثمانية أعوام وأصغرهم ستة أشهر، وأخت زوجي وطفليها الاثنين، وبعد أن حبسنا الحرس جميعاً في غرفة واحدة، وأغلقوا الباب، قاموا بتفتيش البيت، وبعد انتهائهم سمحوا لي بالخروج من الغرفة لاستنطاقي، فسألوني عن عمر زوجي وثقافته ومهنته أخبرتهم بأن زوجي غائب بسبب عمله، عند ذلك أخذوا صوره الفوتوغرافية، ونقلوا وصفاً له الى مقر قيادتهم عبر الهاتف، كان الأطفال يبكون طوال الوقت لكنهم لم يسمحوا لي بأخذ ولدي الأصغر الى الطبيب رغم أن أحد أسنانه كان قد اقتلع صباح ذلك اليوم، وما زال الدم يسيل من فمه، وكلما قرع أحد باب بيتي (وكثيراً ما حدث ذلك لطيبة جيراني) ربض كل حارس في ركن من الغرفة مصوباً سلاحه الى الباب وأنا أفتحه، وكانوا يستبدلون الحراس كل ساعتين، ولما جاء أخي أخذوه الى غرفة أخرى لاستنطاقه، ومن ثم الى مكان آخر، وأرجعوه في الساعة الواحدة من ظهر اليوم التالي، ولما قام الحرس بتفتيش المنزل، وأخذوا كل ما استهوته أنفسهم من آلات حاسبة وكتب وأقلام وحتى كتب الأطفال، ولما أرجعوا أخي كان ذلك لأخذي أنا محله، كان أطفالي يبكون ويتعلقون بي لمنعي من الذهاب، ولكن الحراس دفعوهم جانباً، وأمروني بأخذ رضيعي معي، وعندما وصلنا الى سجن إيفين، عصبوا عيني، وأخذوا رضيعي مني "
7_ وتعتبر المعاملة الموصوفة في الشهادة التالية نموذجاً للكثير مما حدث في أوائل الثمانينات:
"حوالي الساعة الثانية والنصف من صباح أحد أيام أيلول / سبتمبر1981 أتى باب بيتي شاب يرتدي لباساً مدنياً، وطلب التحدث الى ابني، عندما طلبت منه أن يعود في الصباح، أصر في طلبه، وفجأة أخرج جهازاً لاسلكياً من جيبه، فسمعت أحدهم يقول: من الأفضل أن تدخل. حينئذ برز رجال الحرس الثوري من جميع الجهات، حتى من فوق السطح، كان بداخل البيت أحد عشر حارساً مسلحاً، وبخارجه عدد أكبر لم أستطع حصره."
انهالوا عليّ ضرباً لأنني لم أسمح لهم بالدخول، واندفعوا داخلين غرفة نوم زوجتي، فطلبت منهم إن كانوا مسلمين حقاً أن ينتظروا خارج الغرفة الى أن تتستر بملابسها، ولكنهم انهالوا عليّ بالشتم والإهانة، وعيروني باللوطي، وطرحوا زوجتي من السرير، وجروا ابني من شعره وضربوه، وبعد ذلك نقلوه فوراً الى سجن إيفين.
أما باقي أفراد الأسرة، فقد نقلوا الى مكتب للحرس الثوري في غلبي طهران، وأطلق سراح زوجتي وابنتي في اليوم التالي، إلا أنهم احتجزوني لمدة أسبوع ضربوني خلاله يومياً، كما حرموني من الطعام للأيام الثلاثة الأولى، وما يزال ابني في سجن حتى الآن ".
شهادة قاض
8 - أخبر قاض ثوري إسلامي سابق العفوالدولية: " أن سلك الحرس الثوري هوصاحب سلطة مطلقة في إيران، فمن الوجهة النظرية هم يتلقون الأوامر من مكتب المدعي العام فيما يخص قضايا الأمن والمخابرات، أما من الوجهة العملية، فهم قادرون حتى على تسبيب نقل أوفصل حاكم الشرع (القاضي الشرعي) أوأمام صلاة الجمعة، لقد خلق أفراد الحرس الثوري جوا ً جعل القضاة أنفسهم حذرين في التعامل معهم , فهم يستشيرون الحرس عند إصدار القرار في قضية , وحتى عند النطق بالحكم…".
تستخدم مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء إيران , والعديد من هذه المراكز غير معترف بها رسميا ً، فبعضها بنايات ومكاتب كانت تستعمل من طرف أفراد الشرطة السرية (السافاك) في عهد الشاه السابق، هذا زيادة على مدارس ومنازل ومكاتب وحتى مسارح تم تحويلها إلى مراكز احتجاز.
إن الحق الأساسي في محاكمة عادلة خلال فترة معقولة من الاحتجاز لا يكترث به على الإطلاق في القضايا السياسية. ونظرا ً لعدم وجود حد قانوني لمدة السجن الانعزالي، فإن الأفراد يحبسون في معزل دون محاكمة لعدة أسابيع أوأشهر، وجاء في أقوال محتجزين سابقين أن السلطات كانت تأمل بأن " يعترف " بعض المحتجزين بجرائمهم تحت تأثير التعذيب، أوبأن يزودوها بمعلومات حول زملائهم الساسين، أوبأن يفشي غيرهم من المحتجزين أسرار نشاطاتهم السياسية، ويؤكد هؤلاء أن هناك أشخاصا ً يوجدون رهن الاحتجاز أملا ً في بروز معلومات يمكن على ضوئها توجيه التهم ضدهم.
أحيانا ً يجري استنطاق المحتجزين فور وصولهم إلى مكان الاحتجاز، وأحيانا ً أخرى يودعون في زنزانات معزولة ويزودون بقلم وورقة، ويؤمرون بتدوين " مشاكلهم " أوسرد قصص حياتهم، إضافة إلى اسماء كل مناضل سياسي يعرفونه , وقد تتخذ هذه البيانات في وقت لاحق أساسا ً لاستجوابهم.
وقد قضى بعض السجناء السابقين أشهرا ً كاملة دون استنطاقهم، وأفادوا أنهم عانوا الكرب الشديد بسبب الترقب وعدم معرفة مصيرهم.
وقد يفرج عن بعض المحتجزين أحيانا ً بعد قضاء عدة أشهر رهن السجن , بدون أي اتهام أومحاكمة. ويتعين على اقارب المحتجزين إيداع أموال أوأملاك كضمانات , أوإعطاء تعهدات شخصية بعدم تورط المفرج عنه في نشاطات سياسية , أوعدم مغادرته للبلاد.
وفيما يخص الفترة المحكوم بقضائها في السجن , فإن المدة التي يقضيها محتجز رهن الاعتقال لاتؤخذ بعين الاعتبار , إذ تبدأ مدة السجن من وقت صدور الحكم وإن كان المحتجز قد قضى سنوات كاملة في السجن، كما أن بعض الأفراد يبقون في السجن بعد انقضاء مدة حكمهم بفترة طويلة
المحاكمات الجائرة
9_ "أخذوني إلى بناية تسمى بالمحكمة , كان فيها قاض " مُلا ّ "في حوالي العشرين من عمره , يجلس خلف مكتب، كما كان هناك أربع كراس مصطفة إلى جانب من الغرفة، جلست على
226
احداها الى جانب ثلاث أخريات، لم يكن هناك شيء يجمع بيننا سياسيا ً، فقد اعتقلت كل منا لأسباب مختلفة عن الأخرى، وبعد أن أدلينا بأسمائنا، سئُلت كل من بصدد أية منظمة جرى اعتقالها، وعن ماهية نشاطاتها السياسية، أجبت بأنه جرى اعتقالي لأن السلطات لم تعثر على زوجي , وقالت امرأة أخرى أنها كانت في حفل عند اعتقالها وأنها ليست لها أية انتماءات سياسية، لم تدم الجلسة لأكثر من خمس دقائق، توقفت الأسئلة , وأمرنا بمغادرة القاعدة "] من شهادة امرأة احتجزت في سجن إيفين وجوهر دشت من تشرين الثاني نوفمبر 1983 , حتى أوائل عام 1984 [.
" في قاعدة المحكمة قرأ المُلا ّ قائمة من خمس وعشرين تهمة موجهة إلي ّ، وقال إنني قد اعترفت بها كلها، وكان من بين التهم انتمائي إلى منظمة بيكار ومعارضة الإمام الخميني ومحاولتي غسل أدمغة طلبتي. ولما سألني المُلا ّ عما إذا كان هناك شيء أريد أن أقوله دفاعاً عن نفسي. أنكرت جميع التهم المسندة إلي لأنها تهم ملفقة، حينئذ قال أنه يعرف أن جميع أعضاء عائلتي ينتمون الى بيكار، وأنني أستحق الحكم بالإعدام، وأنه سيحكم علي بالسجن المؤبد بدلاً من ذلك حتى أدرك بأن الإسلام دين الرأفة، كما أخبرني بوجود شهود ضدي، ولما طلبت رؤيتهم، أمر بردي الى زنزانتي، وعندما استلمت بعد ذلك الإشعار الرسمي بعقوبتي، وجدت أنني قد حكمت بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً " (من شهادة رجل اعتقل عام 1981).
التعذيب الجسدي
1. _ أجرت منظمة العفوالدولية مقابلات مفصلة مع عدد كبير من ضحايا التعذيب الذين غادروا ايران ليعيشوا كلاجئين في بلدان أخرى، وقد تم فحص بعضهم من طرف أطباء بناء على طلب منظمة العفوالدولية. وقد استنتج الأطباء في جميع الحالات بأن الندوب الجسدية والأعراض الموصوفة تدعم ادعاءات التعذيب من حيث الطرق والتوقيت معاً.
يتعرض المعتقلون للتعذيب بعد توقيفهم مباشرة، وذلك خلال احتجازهم معزولين في مراكز الاعتقال المستعملة من طرق الكوميتية أوالباسدران (أي الحرس الثوري) وبعد ذلك في السجن حيث يقوم أفراد الباسدران مقام الحرس الثوري كذلك.
وقد يتعرض المحتجزون للتعذيب فور وصولهم الى هذه المراكز، ورغم أن بعضهم يكون قد تعرض للضرب قبل ذلك في عربات النقل. وحالما يدخلون مراكز الاحتجاز، فهم تحت رحمة سجانيهم، دون أي اتصال بالعالم الخارجي، وقد يدوم ذلك لعدة أشهر.
تنزل السلطات التعذيب بالسجناء لانتزاع الاعترافات بنشاطاتهم السياسية، وللحصول على أسماء وعناوين المناضلون السياسيين وعنوان المنازل الآمنة.
والدافع الآخر لاستعمال التعذيب هوحث السجناء على التخلي عن آرائهم أوالارتداد عن عقائده الدينية، وعلى الظهور أحياناً على شاشة التلفزيون لشجب آرائهم السابقة.
_ وقالت فتاة كان عمرها لا يتجاوز ستة عشر عاماً عند اعتقالها في تشرين الثاني / نوفمبر 1983، والتي استمر احتجازها حتى نيسان / إبريل 1985، أنه عندما أخذتها السلطات الى سجن إيفين لاستنطاقها: " عصبوا عيني ولفوا بطانية حول رأسي حتى أنني لم أعد قادرة على رؤية شيء وبدأت الجلدات تمزق لحم أخمص قدمي، فأغمي علي عدة مرات ".
_ ووصفت طالبة عمرها ستة وعشرون عاماً، احتجزت في سجن افين ما بين أيلول / سبتمبر 1981 وآذار / مارس 1982، أول مرة تعرضت فيها للضرب: فقالت:
" عندما رفضت الاعتراف، عصبوا عيني وأمروني بالاستلقاء على الأرض، وشرع أحدهم يضرب أخمص قدمي بسلك ثقيل، وكنت ألبس جوراباً، ولكن الضربة الأولى كانت من الألم بحيث أنني قفزت واقفة وبدأت أجري حول الغرفة، وبعد ذلك قيدوا يدي خلف ظهري وربطوا رجلي بعد إزالة جواربي، وغطوا رأسي ببطانية، ثم انهالوا علي بالضرب على ظهري وأقدامي آمرين أن اعترف باسم المنظمة السياسية التي أنتمي إليها وبأسماء رفاقي السياسيين".
" لا أدري الى متى استمر الضرب، إلا أنني تظاهرت بالإغماء من شدة الألم، فما كان منهم إلا أن زادوا ضربي قسوة متهمينني بمحاولة خداعهم، وعندما كفوا عن ضربي في النهاية، كان الدم يسيل من قدمي بغزارة، وخاصة حول الأظافر ".
" قالوا بأنهم ذاهبون لتناول الغذاء وتركوني جالسة على كرسي، لكنني لم أكن قادرة على الاستقرار عليه من شدة ارتجافي، ولما ذهبت الى المرحاض، كان هناك دم مختلط ببولي، وبعد عودتهم استأذنتهم بالاستلقاء على الأرض من شدة ألمي، ولكنهم لم يسمحوا لي بذلك ".
بعد وصولهم الى مراكز الاحتجاز، غالباً ما يتعرض المعتقلون للضرب على أجسامهم دون تمييز، وقد يرافق الضرب أسلوب " كرة القدم " وهي طريقة تستعمل لارباك المتحجز وللحط من معنوياته، إذ يدفع المحتجز المقيد والمعصوب العينين من حارس الى آخر بعنف بينما ينهالون عليه ضرياً ولكماً ورفساً.
وقد قال رجل كان قد اعتقل في طهران في آب / أغسطس 1982 م لمنظمة العفوالدولية:
" قيدني رجال الحرس الثوري بأصفاد كانت تنقبض كلما حركت يدي، وربطوا يدي الى الخلف بحيث شكل ذراعي قطرين متقاطعين يمتد أحدهما فوق الكتف والآخر تحته ... ونتيجة لذلك تحس وكأن أكتافك ستقتلع وبأن ضلوعك ستنكسر ... وبعد ذلك علقوني من الأصفاد من خطاف مثبت في الحائط، فكانت رؤوس أصابع رجلي فقط تلمس الأرض، في البداية طبعاً حمّلت أصابع رجلي بعض ثقل جسمي، وذلك لتخفيف الألم عن كتفي، ولكن قدمي كانتا قد تعرضتا للضرب قبل فترة فكانتا متورمتين وجد مؤلمتين، وبعد مدة، بدأ التعب ينال من ساقي تدريجياً، فاسترخى جسمي وهبط، وبدأ الثقل يضغط على كتفي ".
الاعتداءات الجنسية
كما أدلى ضحايا سابقون لمنظمة العفوالدولية بتقارير عن مختلف أنواع الاعتداء الجنسي، بما فيه اغتصاب السجناء رجالاً ونساءً، ومنذ عام 198. وخلال استجوابهم من طرف منظمة العفوالدولية، أصيب بعض السجناء السابقين بالكرب الشديد عندما سألتهم المنظمة عما تعرضوا له من اعتداء جنسي الى حد أنهم انهاروا ولم يقدروا على وصف معاناتهم.
وهناك تقارير لقيت دعاية واسعة عن سجينات صغيرات السن أرغمن على الدخول في عقود زواج مؤقتة مع رجال الحرس الثوري، ثم اغتصبن ليلة إعدامهن، وقال بعض السجناء السابقين لمنظمة العفوالدولية أن رجال الحرس يتبجحون بمثل هذه الأفعال أمام السجناء، ويهددونهم بعقد زواج من ذواتهم من النساء، السجناء السابقين كانوا خلال مكوثهم في السجن يعيشون في خوف دائم من مثل هذه الاعتداءات.
التعذيب النفسي
12 _ غالباً ما كان يرافق التعذيب الجسدي التهديد بالإعدام أوحتى تنفيذ عمليات إعدام صورية فيؤمر المعتقلون بكتابة وصاياهم، ثم تعصب أعينهم ويهيئون للإعدام وبعد ذلك يؤمر الحرس بإطلاق النار، فيطلق الرصاص حول الضحية.
وقد جاء في وصف سجين سابق لمعاناته ما يلي:
" أخذني الحرس الى ساحة ثبتت فيها أربعة أعمدة خشبية على شكل نصف دائرة، ثم ربطوا كلاً منا الى عمود، كان أولنا فتى في الرابعة أوالخامسة عشر من عمره، ينتمي الى جماعة مجاهدي خلق، أما الثاني، فكان ضابطاً في الجيش، وكان الثالث وعمره ثلاثة وعشرين عاماً تقريباً، عضواً في بيكار، وكنت أنا رابعهم، وكان الحرس قد سألوني سابقاً عما إذا كانت لدي أمنية أخيرة، فسألتهم أن يزيحوا العصابة عن عيني، لهذا لم يعصبوا عيني هذه المرة فرأيت الرصاصة تصيب الفتى، كما أصيب الضابط في بطنه، ربما كان عضوبيكار قد مات من قبل، لأن جسده لم يتأثر بوقع الرصاصة، وكان الفتى يرتجف بعنف من أثر الرصاصة في جسمه، كانت يداه مكبلتين، وكان يحاول بكل قواه أن يخلص نفسه، وكان الدم يسيل بغزارة من جرحه، فصحت بهم: " ماذا تنتظرون؟ لماذا لا تطلقوا النار علي؟ فبدءوا يضحكون، ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً، ومات الفتى أخيراً، وتلاه الضابط، بينما وقفت أنا أشاهدهم يتعذبون ... إني أحاول جاهداً أن أمحوهذه الذكرى ".
وقد أدلى سجناء سابقون آخرون بشهادات عن طول مدى الآثار النفسية الناتجة عن إكراههم على مشاهدة إعدام زملائهم السجناء، وحتى على تحميل جثثهم على الشاحنات.
كما قال عدد من السجناء السابقين أنهم هددوا باحتجاز أقاربهم، واغتصابهم وإعدامهم، ما لم يدلوا بمعلومات. وأخبر شاهد آخر كان قد اعتقل في شيراز في أوائل عام 1983، منظمة العفوالدولية عن سجينة صغيرة السن كانت معه في السجن خلال نفس الفترة أخبرها الحرس بأن زوجها عُذب بقسوة، وبأنهم سيكفون عن تعذيبه إذا ما تخلت هي عن عقيدتها فلما أبت، أخذوها لرؤية زوجها فصعقت لحالته، كان الزوج قد فقد أكثر وزنه، وعلت القروح المقيحة الدامية ظهره، كما اقتلعت أظافر رجليه، وقد أعدمتها السلطات في وقت لاحق. إن الاضطراب العقلي الشديد لا يستغرب نتوجه عن المعاملة السيئة، وجاء في أقوال بعض السجناء أن سجناء مضطربين عقلياً وضعوا عمداً في زنزاناتهم لكي يزيدوا من كربتهم.
الحبس الانفرادي
_ وكثيراً ما يحبس المحتجزون بمعزل لفترات طويلة، فلا يعرفون شيئاً عن مصيرهم، ويمنعون من الاتصال بسجناء آخرين أوبالعالم الخارجي، ويصف الكثيرين منهم إحساسهم بفقد صلتهم بالواقع، فقد كانت أعينهم تعصب لمدد طويلة، مما يزيد من حدة شعورهم بعدم الاستقرار ووعرضة للخطر، بينما كانوا يسمعون صراخ السجناء الآخرين وهم يعذبون، هذا ويشيع الإحساس بالذل والاشمئزاز من النفس بين السجناء في معظم التقارير.
وقالت امرأة عمرها حوالي عشرين عاماً، كانت قد قضت أربعة عشر شهراً في سجن إيفين وفي سجن جوهر دشت، بعد أن فشلت السلطات في إلقاء القبض على زوجها:
" في سجن جوهر دشت لا تمر دقيقة واحدة دون سماع صراخ بعض السجناء وهم يعذبون يمكنك الإحساس بوقوع التعذيب، كما يمكنك الإحساس بالشخص في الزنزانة المجاورة وهويجر خارجها، وليس للضرب أية علاقة بالاستنطاق، وهذا ما يجعل جوهر دشت مرعباً الى هذا الحد، فليس التعذيب إلا جزء من حياة السجن ".
" من الأشهر الأربعة عشر التي قضيتها في السجن، قضيت تسعة في حبس انفرادي إما بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإما في زنزانات خصصت لفرد واحد، إنما أودع بها شخصان أوثلاثة، إلا أنه خلال تلك الأشهر لم يتح لي أي اتصال بالعالم الخارجي، أوأية مواد للقراءة أوأي شيء آخر، خلال تلك الفترة كنت أحاول أن أهتم بنفسي وأن أحتفظ برباطة جأشي، لأنني كنت أشعر أنني تحت الضغط وأنني بدأت أفقد توازني العقلي تدريجياً ... كنت طوال الوقت أتخيل أشياء غريبة كأنها صور في ذهني كنت أشعر بأن كل من حولي مخبرون، كما تخيل لي أنني رأيت زوجي، وأنه كان مستنطقاً، تصور! فحتى ابني الصغير ظننته مستنطقاً كذلك ".
العناية الطبية
14 _ يحرم ضحايا التعذيب من تلقي العلاج الطبي لإصابتهم وجاء في بيان نموذجي لسجين سابق:" لم يكن هناك عادة أي علاج طبي بعد التعذيب، فكل ما في الأمر هوأنهم يرجعونك الى زنزانتك ويتركونك لمصيرك، وقد يعتني بك السجناء الآخرون، إذ قد يكون لدى بعضهم معرفة بالإسعاف الأولي، كما أن بعض السجناء يدخرون الدواء سراً من أجل الحالات الطارئة. وحسب معلومات منظمة العفوالدولية، فإن السجناء لا يخضعون لفحص طبي عند وصولهم الى السجن، كما أنه في أغلب الأوقات تنعدم حتى وسائل العناية الطبية الأساسية، ولا يتوفر في بعض السجون طبيب مؤهل خاص بها، فيقوم بتقديم العلاج طلبة الطب أوالأطباء الذين هم أنفسهم سجناء أوالحراس الذين تم تدريبهم على الإسعاف الأولي فقط، وفي بعض الحالات، يرفض أخذ السجناء الى المستشفى للحصول على العلاج التخصصي اللازم أويؤخر مدة طويلة. وقد أدت قلة النظافة وعدم كفاية المرافق الصحية في السجون متضافرة في بعض الأحيان مع الازدحام الشديد، الى انتشار الأمراض الجلدية، كما اشتكى العديد من السجناء السابقين من آلام في الكلى أصيبوا بها نتيجة للضرب ولم يتلقوا العلاج من أجلها، وكثيراً ما أصبحت جروح التعذيب ملوثة ومؤلمة وكريهة الرائحة، نتيجة للظروف غير الصحية وعدم توفر العناية الطبية.
الخاتمة
أخي القارئ: إذا كنت قد قرأت هذا الكتاب بتدبر وإمعان , فقد أدركت ما يفعله أحفاد: هرمز , وابن سبأ , وفيروز , والطوسي , والعلقي , والصفويين بإخوانك أهل السنة في إيران.
وحرصنا على أن نعرض بين يديك أقوال علماء ودعاة أهل السنة من مختلف مناطق إيران , وأقوال العلماء الذين زاروا إيران استجابة لدعوات تلقوها من أركان المنظمة ورأوا بأعينهم أمورا ً لا ينبغي كتمانها ... ولعلك لم تنسى أن كبار علماء باكستان منعوا من زيارة علماء أهل السنة , وعندما أصروا على مقابلة أحدهم جاء رجال أمن الآيات به وجلسوا بينه وبين علماء باكستان حتى يسمعوا كل شاردة وواردة , وقال العلماء الأفاضل: كنا نشعر أننا في سجن , ولسنا ضيوفا ً على الحكومة ..
ولا ينبغي لك أخانا أن تنسى أيضا ًلقاء هذا الوفد مع عضوين من مجلس الشورى
(البرلمان) وهما يمثلان أهل السنة , لقد أصروا على أن يتحدثا مع الوفد الزائر بالفارسية مع أنهما يتقنان لغة (الأوردو) , وكانت المقابلة تحت سمع وبصر جواسيس الآيات ... فتأمل كيف يعيش أعضاء _ البرلمان _ من أهل السنة ... فأين الحرية وأين الحصانة الدبلوماسية؟!
ومر بك مشاهد مروعة مما يحدث في سجون الآيات: فالبنت العذراء يغتصبها الأوباش _ حراس الثورة _ قبل إعدامها لأن دين الخميني يحرم موتها وهي بكر!!
وعندما سئل عالم جليل من علماء أهل السنة: لماذا تراجعت عن موقفك وعن الفتاوى التي كنت تفتي به؟! أجاب الرجل وقلبه يعتصر ألما ً:
لقد دخل زنزانتي مرجع من مراجع الشيعة ومعه مجموعة من حراس الثورة , وأمرهم أن يلوطوا بي , وزعم _قائله الله _ أنهم مأجورون على ما سيفعلون , وليس عليهم أن يغتسلوا من الجنابة ... وخيرني الخبيث بين أمرين أحلاهما مر: الاعتراف بما يريدون , أوأن ينفذ الحراس بي ما أمرهم به شيخهم , فاخترت الأمر الأول , وأفتيت لهم بما يريدون , واعترفت بأنني عميل للعراق وللولايات المتحدة الأمريكية , ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا ً منسيا ً.
لقد سود المجرمون آلف الصفحات في الحديث عما كانوا يلقون في سجون الشاه وسجون بعث العراق ... فانظروا ماذا يفعلون في سجونهم!!
وليست جرائمهم قاصرة على إقليم دون إقليم آخر , ولا على قوم دون قوم ... فإيران كلها في ظلهم أصبحت سجنا ً , ولم يسلم من بطشهم حتى الآيات وأقطاب الثورة .. وانظروا إن شئتم ماذا فعلوا بشريعتمداري واتباعه , وبالمنتظري وأعوانه , وبرئيس جمهوريتهم السابق بني صدر الذي كان فضل على الخميني , وبوزير خارجية الثورة السابق قطب زادة ... فمن ذا الذي يأمن على نفسه في إيران؟!
أيها المسلمون العرب: إخوانكم في إيران يعتبون عليكم أشد العتب ويقولون لكم:
_ إن الوضع جدا ً خطير , وتزداد هذه الخطورة يوما ًبعد آخر لأن طغمة الخميني يعملون دون كلل من أجل أن لا يبقى في إيران سني واحد , فماذا أعددتم لمواجهة هذا الخطر ... وهل تظنون أن أطماعهم لن تتجاوز حدود إيران .. من منكم لم يسمع أخبار تصدير الثورة .. ومن منكم من لم يعلم أويسمع عن العمليات التي نفذوها في عدد من بلدان العالم الإسلامي؟!
_ نحن وإياكم في خندق واحد , بل نحن جزء منكم نفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم فلماذا لا تبادلونا هذه المشاعر بمثلها ... أولستم تقرأون في كتاب الله قوله تعالى: ((إنما المؤمنون أخوة)). وقوله: ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) (التوبة / 71).
أين أنتم من قوله صلى الله عليه وسلم: (وترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا أشتكى منه عضوا ً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)] رواه الشيخان واللفظ للبخاري [: وقوله: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "] رواه الشيخان [. وقوله: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
] رواه الشيخان [.
_ منذ مئات السنين _ وليس في عهد الخميني كما يشاع _ وآيات قم يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن كل شيعي في العالم ... يبنون لهم الجامعات، والمعاهد، والمدارس، والجوازات، والمساجد، ويتبنون مشكلاتهم، ويتم ذلك كله على شكل تنظيم جماعي دقيق ومستقيل.
أما أنتم أيها المسلمون العرب: فلا تسألون عنا، ولا تزرون مناطقنا وتتفقدون أحوالنا، وإن حدث شيء من هذا فيكاد لا يذكر لندرته ... فكيف ترضون أن يكون الرافضة _ أهل الباطل _ مثل الجسد الواحد أومثل البنيان المرصوص، ولا يكون أهل الحق كذلك؟!
هذا ما سمعه الذين التقوا بإخواننا، حتى أن بعضهم رفض أن يزودنا بمعلومات عن أحوال أهل السنة في بلده، لأنهم لا يثقون بجدوى تقديم مثل هذه المعلومات أويخشون أن تصل مع أسمائهم الى جهاز مخابرات نظام حكام طهران ... ولهذه الخشية ما يبررها، لقد أحسنوا الظن بمن يسمون أنفسهم علماء ودعاة من المسلمين العرب الذين لهم علاقات متينة مع الآيات، فاجتمعوا بهم في طهران وحدثوهم عما يلقون من اضطهاد وقهر ... وهؤلاء بدلاً من تقديم العون والمساعدة لهم وشوا بهم عند أصدقاء فتعرضوا للتحقيق والتهديد والاعتقال.
من حق إخواننا أن يعتبوا علينا، ويتبرموا من إهمالهم لقضيتهم، وإن كان هذا الإهمال ليس عاماً، ولا يشمل قومنا كلهم ... ولعل هذا الكتاب يكون سبباً إن شاء الله في تنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، وإقناع المخدوعين الذين لا يزالون يحسنون الظن بثوار الخميني ويلتمسون الأعذار.
والذين أرجوه من القارئ بعد أن يفرغ من قراءته أن يفكر طويلاً بما يجب أن يقدمه نحوإخوانه أهل السنة في ايران، ولا ينبغي أن يسيطر عليه الحزن وهويقلب صفحاته، ثم تمر الأيام فينسى هذه القضية كما نسي أوتناسى غيرها من القضايا.
وإذا كانت المشكلة أكبر من فرد أوأفراد، ولا يستطيع إخواننا الإيرانيين _ أهل السنة _ وحدهم النهوض بهذا العبء الثقيل، فلا بد إذن من الرجال الذين يشعرون ويعتقدون بأنهم جسد واحد، وفي طليعة هؤلاء يأتي دور الجماعات الإسلامية المتمسكة بما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، كما يأتي دور المحسنين أصحاب العقيدة السليمة الذين يعرفون خبث الرافضة وكيدهم، والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ويعرفون كيف ينفقونها، ومن الذين يستحقونها، فعملية الإنقاذ تحتاج الى أهل العلم والفكر والسياسة كما تحتاج الى المال.
والخطوة الأولى في عملية الإنقاذ تحتاج الى تعبئة الرأي العام الإسلامي وتوعيته، ومن أجل إنجاح هذه الخطوة فإنني أنصح بما يلي:
1 _ أرجوممن يقرأ هذا الكتاب، أن ينقل ما فيه من معلومات مثيرة الى أصدقائه وأقاربه الذين يجالسهم كثيراً، وإن كان مدرساً فليلخص أهم ما فيه لطلبته بأسلوب شيق ومؤثر.
ليقرأ كل من يحصل على نسخة من هذا الكتاب فقرات من أساليب الرافضة ومخططاتهم، وسوف يواجهه سيل من الأسئلة، فليستعد للإجابة عليها، وتفنيد شبهات المبطلين، وليعلم أن الذين فطروا على الخير وحسن الظن لن يقبلوا مضمون هذا الكتاب بسهولة إذا كانوا يجهلون مخططات الرافضة وعقائدهم وأساليبهم.
ولتكن موضوعات هذا الكتاب مادة للحوار مع الذين لا يزالون يتعاطفون مع ما يسمونها " الثورة الإسلامية في ايران "، بل ومع الرافضة أنفسهم لأن مثل هذا الضغط يحرج آيات قم وطهران، ويحتم عليهم إعادة النظر بخططهم ومواقفهم من أهل السنة، لأن أتباعهم يعيشون في بحر متلاطم من أهل السنة، وسياسة المعاملة بالمثل تهز أركان نظامهم.
_ أناشد الوعاظ وخطباء الجمعة أن يكون هذا الموضوع مادة لعدد من خطب الجمعة، ومن المفيد أن يتوسع الخطباء فيتحدثوا عما يفعله ويفعله الرافضة في القديم والحديث، ليذكروا:
_ وقوفهم الى جانب التتار عند اجتياحهم لبغداد.
_ تعاون الصفويين مع الإنجليز والبرتغال ضد العثمانيين السنة.
_ تعاونهم اليوم مع اليهود ضد العرب، ومع السوفييت ضد الأفغان، ومع الهندوس ضد المسلمين في الهند وباكستان.
وأرجوأن لا يغفل خطباؤنا عن أهمية الأدلة لأن العواطف الهوجاء تنفر الجمهور وتخدم العدو. ومن الوسائل الإعلامية الفعالة أن يخاطب أهل السنة في ايران الجمهور من خلال ندوات تعقد لهذا الغرض، وقديماً قيل: أهل مكة أدرى بشعابها، والذي أظنه أن أهل السنة مستعدون لتأدية هذا الدور إذا تهيأت لهم الأسباب اللازمة لذلك. وإذا نجح خطباء الجمعة في تعبئة المصلين، ودفعهم الى إرسال برقيات احتجاج، واستنكار لما يحدث أمام سفراء ايران في الخارج، فيكونون بذلك قد قاموا بجزء مهم من الواجب المترتب عليهم نحوإخوانهم أهل السنة في ايران.
أن تفتح الصحف والمجلات الإسلامية ملف أهل السنة والجماعة في ايران، وتتحدث فيه عن تاريخ محنتهم، وتجري لقاءات صحفية مع دعاتهم الشباب الذين ألجأهم استبداد الآيات الى مغادرة أرضهم وديارهم والانتشار في أرض الله الواسعة، وترسل مندوبيها الى مناطق أهل السنة في ايران ليجروا استطلاعات صحفية شاملة عن أحوالهم ومساجدهم ومدارسهم، وهل الخدمات التي تقدمها الدولة مشابهة للخدمات التي تقدمها الشيعية. وإذا رفضت ايران السماح للصحفيين بدخول أرضها وزيارة مناطق أهل السنة فليثيروا هذه المشكلة على نطاق واسع.
وينبغي أن يطرح الصحفيون قضايا محددة من أبرزها:
_ أين السجن الذي يقيم به مفتي زادة ولماذا لا يسمحون بزيارته، وكم عدد المعتقلين من أنصاره؟!
_ ما هوسبب اعتقال الشيخ ضيائي مع أنه كان يتبع سياسة عدم الاصطدام بالسلطة؟!
_ لماذا قتلوا الشيخ بهمن شكوري، وكم عدد الذين قتلوهم من أهل السنة، وكم عدد المعتقلين من مختلف المناطق، ولماذا لا يطبق عليهم أحكام الدستور؟!
_ ما الفائدة من الاحتفال بأسبوع الوحدة الإسلامية كل عام وهذه هي أحوال أهل السنة، وهل هذه الوحدة تعني أن يتشيع أهل السنة كلهم؟!
وهنا يبرز سؤال: من هي الصحف والمجلات التي تطلب منها فتح ملف أهل السنة؟!
والجواب على ذلك: إن الصحف والمجلات الإسلامية في البلاد العربية وغيرها لا ينبغي أن تقف على الحياد، ويجب عليها أن تسارع الى فتح هذا الملف، وهناك صحف ومجلات غير إسلامية يهمها إثارة مثل هذه المشكلة، ولا يعنينا نوايا وأهداف القائمين عليها، أما إخواننا أهل السنة في ايران سواء الذين فروا من جحيم الآيات أم الذين لا يزالون يقيمون داخل السجن الكبير والصغير فهذه نصائحي لهم:
1_ أن يقوموا أخطائهم السابقة، ومن هذه الأخطاء: مسارعتهم الى تأييد ثوار الخميني، وهتافاتهم المؤسفة: لا سنية ... لا شيعية، وحذفهم العبارات _ من البيانات التي كان يصدرها الخميني _ التي تكشف تعصبه للشيعة، وأهم هذه الأخطاء: اعتقاد كثير منهم أن أهل السنة فرقة من الفرق الكثيرة وهي لا تمثل صفاء الإسلام ونقاءه.
وإذا قال قائل: لماذا إثارة هذه المسألة وقد مضى وقتها، وبينات الأخوة تؤكد التزامهم بأصول أهل السنة؟!.
والجواب: إن الرافضة قوم لا خلاق لهم، فقد يضطرون الى الإفراج عن المعتقلين، والسماح لهم بممارسة شيء من نشاطهم الدعوي، ثم يقولون لهم: إنه لا فرق عندنا بين الشيعة والسنة، والأخطاء السابقة يتحمل مسؤولياتها فلان وفلان، ونحن جميعاً مسلمون وقائدنا " خامنئي "، ويجب أن يكون الرد عليهم في هذه الحالة:
كذبتم فهناك فرق كبير بيننا وبينكم، والخامنئي تلميذ الخميني، ولن نثق بكم بعد الآن، ومنهج أهل السنة هوالمنهج الحق.
2_ كان توحيد صفوف أهل السنة يُعد ضرباً من الخيال، فهناك اختلاف بينهم في اللغة، والجنس، وهناك مسافات واسعة بين كل منطقة وأخرى، ويضاف الى هذا كله الفقر والجهل وفقدان المفكرين الأفذاذ والمحسنين الذين يمولون مثل هذا المشروع. أما اليوم فقد جمعت بينهم المحنة، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يلتقي في ديار الغربة الكردي مع البلوشي والعربي والتركماني، كما شاء جل وعلا أن يتوحد صفهم وتتآلف قلوبهم ... وكذلك حال أهل السنة في سجون الآيات، فاحرصوا يا أخوة على تعميق مفاهيم وأصول هذه الوحدة، واحذروا من مداخل الشيطان، ومن إعجاب كل ذي رأي برأيه.
3_ استقلالية القرار: إن الذين يربطون أنفسهم بدولة أجنبية يخسرون خسارة فادحة، لأن هذه الدولة تساعدهم ما دامت تحقق فائدة من وراء هذه المساعدة، فإذا انقطعت الفائدة انقطعت المساعدة.
ومن الأمثلة على ذلك أنه عندما تتصالح دولتان متخاصمتان يكون من بنود هذه المصالحة التزام كل دولة بوقف المساعدة التي كانت تقدمها للذين يعارضون النظام الآخر، لا بل قد تقدم إحدى الدولتين على تسليم رموز المعارضة أوأسرارها للدولة الأخرى.
وإخواننا الآن لا يملكون ما تستفيد منه الدول المعادية لإيران، ومن جهة اخرى فليس هناك من يتبنى قضية أهل السنة، ولكن من يسير في طريق لا بد أن يعرف كيف يصل وكيف يتجنب المزالق.
4_ رب ضارة نافعة، فلولا هذا الضرر الذي لحق بأهل السنة لما خرج عدد كبير من شبابهم من ايران وحطم قيود العزلة التي كانت ولا تزال مفروضة عليهم.
وقد أتاح لهم هذا الخروج فرصة الاختلاط بالدعاة والجماعات الإسلامية من بلدان مختلفة، فاستفادوا من تجاربهم، وتوسعت مداركهم، وأصبحت العالمية عندهم حقيقة ملموسة، وليست شعاراً تردده الألسنة دون أن يكون له وجود في عالم الواقع.
وأسأل الله جل وعلا أن يجمع قلوب إخواننا على ما يحبه ويرضاه، ويهديهم سواء السبيل، وأن تعود ايران بهم قلعة من قلاع أهل السنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.