آية المباهلة
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
إذا كان علي هو نفس رسول الله فهل كان دخول علي على فاطمة هو دخول رسول الله؟
أذا كان علي هو نفس الرسول لزم أن يكون علي نبيا.
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين
ما المراد بالاحتجاج علينا بهذه الآية؟
وهل ننكر أن تكون فاطمة والحسن والحسين من أهل البيت النبوي؟
أم أننا ننكر فضلهم؟
أما الاحتجاج بالآية لإثبات أن الإمامة لا تكون إلا لعلي والحسن والحسين؟
فعلي هو الذي تخلى عنها.
والحسن سلمها لمعاوية.
والحسين لم يتمكن منها.
ما معنى وأنفسنا وأنفسكم ؟
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم.
هل يعني هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفس الصحابه كلهم ؟
إن عليا رضي الله عنه ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم
فلو قلتم أنه شملته الآية بلفظ وأبناءنا وأبناءكم لكان أولى من قولكم أنها شملته بلفظ وأنفسنا وأنفسكم
ثم لا تنسوا أنه رضع من النبي صلى الله عليه وسلم كما تزعمون !!
آية المباهلة
في آية المباهلة قالوا: اتفق المفسرون كافة أن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين، والنساء إشارة إلى فاطمة، والأنفس إشارة إلى على رضي الله تعالى عنه. ولا يمكن أن يقال: إن نفسهما واحدة، فلم يبق المراد من ذلك إلا المساوى، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس فمساويه كذلك أيضاً (2) [61]).
ونلاحظ هنا:
__________
(1) 6.]) تفسير الآلوسى 2/ 33..
(2) 61]) كشف المراد ص 3.4،وانظر مصباح الهداية ص 99 - 1.3
لوسلمنا بكل ماسبق فإن الآية الكريمة لا تنص على إمامة أحد، لأن ولاية أمر المسلمين تحتاج إلى قدرات خاصة تتوافر في صاحبها، حتى يستطيع أن يقود الأمة بسلام، ويرعى مصالحها على الوجه الأكمل، والآية الكريمة لا تشير إلى شىء من هذا ولاتتعرض للخلافة على الإطلاق، وإنما تذكر الأبناء والنساء والأنفس في مجال التضحية لإثبات صحة الدعوى، وهؤلاء المذكورون من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتحقق للمعاندين صحة دعواه لتقديمه للمباهلة أقرب الناس إليه. وفرق شاسع بين مجال التضحية ومجال الإمامة، ففي التضحية يمكن أن يقدم النساء والصغار ولكنهم لا يقدمون للخلافة.
القول بأن الإمام عليا يساوى الرسول صلى الله عليه وسلم غلولا يقبله الإمام نفسه كرم الله وجهه، ويجب ألا يذهب إليه مسلم، مكانة الرسول المصطفى غير مكانة من اهتدى بهديه واقتبس من نوره.
لوقلنا: أن الآية الكريمة تدل على أفضلية الإمام على رضي الله عنه فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل جائزة حتى عند بعض فرق الشيعة أنفسهم كالزيدية، وهذا لا يمنعه الشرع ولا العقل، لأن المفضول بصفة عامة قد يكون أفضل بصفة خاصة فيما يتعلق بأمور الخلافة ومصلحة المسلمين، وكان الرسول الكريم يولى الأنفع على من هوأفضل منه (1)} تمهيد - {).
عقب ابن تيمية على قولهم بأن الله تعالى جعل عليا نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: هذا خطأ، وإنما هذا مثل قوله: "لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُموهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا " (2)} تمهيد - {)
وقوله تعالى:"فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ " (3) [64])، " وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيارِكُمْ " (4)} تمهيد - {)
__________
(1) 62]) قال ابن قيم الجوزية تحت عنوان: " تولية الرسّول- صلى الله عليه وسلم - الأنفع على من هوأفضل منه ": وبهذا مضت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يولى الأنفع للمسلمين عى من هوأفضل منه، كما ولى خالد بن الوليد من حين أسلم على حروبه لنكايته في العدو، وقدمه على بعض السابقين من المهاجرين والأنصار. وكان أبوذر من أسبق السابقين وقال له: (ياأبا ذر، إنى أراك ضعيفاً، وأحب لك ما أحبه لنفسى، لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم). وأمر عمروبن العاص في غزوة ذات السلاسل، لأنه كان يقصد أخواله بنى عذرة، فعلم أنهم يطيعونه ما لايطيعون غيره للقرابة .... إلخ - انظر أعلام الموقعين 1/ 114 - 115.
(2) 63]) سورة النور - الآية 12.
(3) 64]) سورة البقرة - الآية 54.
(4) 65]) نفس السورة - الآية 84.
فالمراد بالأنفس: الإخوان نسباً أوديناً (1)} تمهيد تمهيد {).
__________
(1) 66]) المنتقى ص 17 - حاول أحد الجعفرية نقض كلام ابن تيمية فقال: " فلولا إذ سمعتموه ظن كل مؤمن بنفسه خيراً، وظنت كل مؤمنة بنفسها خيراً، لا أن كل مؤمن ظن بأخيه خيراً " (منهاج الشريعة 2/ 287) ويكفى هنا أن نذكر ما قاله الطوسي شيخ الطائفة في تفسيره:
" هلا حين سمعتم هذا الإفك من القائلين ظن المؤمنون بالمؤمنين الذين هم كأنفسهم - خيراً، لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجرى عليها من الأمور، فإذا جرى على أحدهم محنة،* *فكأنه جرى على جماعتهم وهوكقوله: " فسلموا على أنفسكم " وهوقول مجاهد…. إلخ " (انظر التبيان 7/ 416).
قال الزمخشري: " فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه. وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه حتى يقتل. ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق. وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم. وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها. وفيه دليل لا شىء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (1)} تمهيد - {).
وبعد: فمهما اختلفت الأقوال فالآية الكريمة تدل على مكانة أولئك الذين قدموا للمباهلة، ولكن هذا لا صلة له بالخلافة كما بينا.
__________
(1) 67]) تفسير الكشاف 1/ 434 - وقال أحد مفسري الجعفرية: " والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين رجال النصارى، لكن عممت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدل على اطئنان الداعى بصدق دعواه، وكونه على الحق، لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه، ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفى سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذب عنهم. ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم ". الميزان (3/ 244).
آية المباهلة
قال الرافضي: ((البرهان التاسع: قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} (2). نقل الجمهور كافة أن ((أبناءنا)) إشارة إلى الحسن والحسين، و((نساءنا)) إشارة إلى فاطمة. و((أنفسنا)) إشارة إلى عليّ. وهذه الآية دليل على ثبوت الإمامة لعليّ لأنه تعالى قد جعله نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاتحاد محال، فيبقى المراد بالمساواة له الولاية. وأيضا لوكان غير هؤلاء مساوياً لهم وأفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم لأنه في موضع الحاجة، وإذا كانوا هم الأفضل تعيّنت الإمامة فيهم. وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلا على من استحوذ الشيطان عليه، وأخذ بمجامع قلبه، وحُبّبت إليه الدنيا التي لا ينالها إلا بمنع أهل الحق من حقهم؟))
__________
(1) الآية 4. من سورة التوبة.
(2) الآية 61 من سورة آل عمران.
والجواب أن يقال: أما أخذه عليًّا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة فحديث صحيح، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص. قال في حديث طويل لما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} (1) دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال ((اللهم هؤلاء أهلي)) (2).
ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية.
وقوله: ((وقد جعله الله نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاتحاد محال، فبقي المساواة له، وله الولاية العامة. فكذا لمساويه)).
قلنا: لا نسلم أنه لم يبق إلا المساواة، ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع، لأن أحدا لا يساوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا عليًّا ولا غيره.
وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة. قال تعالى في قصة الإفك: {لَّوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} (3)، ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين.
والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه، وإلا فلوباهلهم بالأبعدين في النسب، وإن كانوا أفضل عند الله، لم يحصل المقصود؛ فإن المراد أنهم يدعون الأقربين، كما يدعوهوالأقرب إليه.
وأما قول الرافضي: ((لوكان غير هؤلاء مساويا لهم، أوأفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه، لأنه في موضع الحاجة)).
__________
(1) الآية 61 من سورة آل عمران.
(2) انظر صحيح مسلم ج4 ص 1871.
(3) الآية 12 من سورة النور.
فيقال في الجواب: لم يكن المقصود إجابة الدعاء؛ فإن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده كافٍ، ولوكان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه، لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم، كما كان يستسقى بهم، وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، وكان يقول: ((وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم؟)).
ومن المعلوم أن هؤلاء، وإن كانوا مجابين، فكثرة الدعاء أبلغ في الإجابة. لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل. ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لودعا أبا بكر وعمر وعثمان، وطلحة والزبير، وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا من أعظم الناس استجابة لأمره، وكان دعاء هؤلاء وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاء، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذهم معه، لأن ذلك لا يحصل به المقصود.
فإن المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعا، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم. فلودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوماً أجانب لأتى أولئك بأجانب، ولم يكن يشتد عليهم نزول البهلة بأولئك الأجانب، كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فإن طبع البشر يخاف على أقربيه ما لا يخاف على الأجانب، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوقرابته، وأن يدعوأولئك قرابتهم.
فقد تبيّن أن الآية لا دلالة فيها أصلا على مطلوب الرافضي، لكنه، وأمثاله ممن في قلبه زيغ، كالنصارى الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة، ثم قدحه في خيار الأمة بزعمه الكاذب، حيث زعم أن المراد بالأنفس: المساوون، وهوخلاف المستعمل في لغة العرب.
ومما يبين ذلك أن قوله: ((نساءنا)) لا يختص بفاطمة، بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة، فإن رقيَّة وأم كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك.
فكذلك ((أنفسنا)) ليس مختصا بعليّ، بل هذه صيغة جمع، كما أن ((نساءنا)) صيغة جمع وكذلك ((أبناءنا)) صيغة جمع، وإنما دعا حسناً وحسيناً لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالنبوة سواهما.
آية المباهلة
قلت: يعني بها قوله تعالى: {فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم نساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ... } الآية (ال عمران/ 61). وقد ثبت في صحيح مسلّم أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم لما نزلت هذه الآية دعا عليا وفاطمة وابنيهما في المباهلة، ووجه استدلاله بهذه الآية ان الله سبحانه قال: {وانفسنا} ويعني بها رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وعليا، ولكن لا دلالة في ذلك على الامامة وعلى الأفضلية بل على الفضل فقط، وهذا جهل منه في تفسير الآية أومغالطة في ذلك، ومن قبله قاله ابن المطهر الحلي والغالب انه انما نقله منه كحال معظم استشهاداته هنا، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) - أنظر (المنتقى) (ص457 - 358) على ذلك بما ينفي مسأواة علي رضي الله عنه للرسول صَلّى الله عليه وسلّم بدليل هذه الآية لأن احدا لا يساوي الرسول صَلّى الله عليه وسلّم، وهذا اللفظ في اللغة لا يقتضي المسأواة بل يدل على المجأنسة والمشابهة، فالمراد بالانفس الاخوان نسباً أوديناّ، فقوله تعالى: {ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم} اي رجالنا ورجالكم، اي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والمراد التجأنس في القرابة والايمان، ومما يدل عليه أيضاً قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيراً} ولم يوجب ذلك ان يكون المؤمنون والمؤمنات متسأوين، ومن جنسه أيضاً قوله تعالى {فاقتلوا أنفسكم} اي يقتل بعضكم بعضا ولم يوجب ذلك تسأويهم ولا ان يكون من عبد العجل مسأويا لمن لم يعبده. وكذلك غير متسأوين بل بينهم من التباين ما لا يوصف، ومن جنسه أيضاً {ثم أنتم هؤلاء
تقتلون أنفسكم}.
أما ان كان وجه الاستدلال بالآية دعوة النبي صَلّى الله عليه وسلّم لهؤلاء دون غيرهم فلا دلالة في هذه الآية على ما ادعى إذ ان سبب دعوتهم دون غيرهم ان المباهلة انما تحصل بالاقربين اليه والا فلوباهلهم بالابعدين في النسب- وان كانوا أفضل- لم يحصل مقصود المباهلة فان أولئك- اي النصارى- يأتون بمن يعز عليهم طبعا كأقرب الناس اليهم فلودعا رسول الله صَلّى عليه وسلّم قوما اجانب لأتى أولئك باجانب أيضاً ولم يكن يشتد عليهم نزول المباهلة بأولئك الاجانب كما يشتد عليهم نزولها بالاقربين، فان طبع المرء يخاف على اقربيه ما لا يخاف على الاجانب، والناس عند المهادنة تقول كل طائفة للاخرى: ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلورهنت اجانب لم يرض أولئك ولا يلزم أهل الرجل ان يكونوا أفضل عند الله من غيرهم. ولوكان باقي بناته- صَلّى الله عليه وسلّم- في الحياة لباهل بهن ولوكان ابنه ابراهيم يعرف لباهل به ولوكان عمّه الحمزة حياً لباهل به، ونحن نعلم بالاضطرار انه لودعا أبا بكر وعمر وطائفة من الكبار لكانوا من اعظم شيء استجابة لأمره، لكن ذلك- كما قلنا- لا يحصل به مقصود المباهلة.
آية المباهلة والرازي
وقوله في الهامش (5/ 2): (وحسبك حجة على أن علياً كنفس رسول الله آية المباهلة على ما فصله الرازي في معناها من تفسيره الكبير ... ) هذا فيه غش. بل كذب وإفتراء على الرازي رحمه الله، فقد قدمنا في (ج1/ 531) ما نقله الرازي في تفسير آية المباهلة هذه (8/ 81) عن رجل رافضي إسمه محمود بن الحسن الحمصي كان يسكن الري وزعم هذا الرافضي أفضلية علي على سائر الانبياء ما عدا محمد صلى الله عليه وسلم، واستدل في ضمن ما استدل به بهذه الآيه (وأنفسنا وأنفسكم) ثم رد عليه الرازي قوله هذا وفنده. فهوإذن من قول هذا الرافضي الكافر محمد بن الحسن لا من قول الرازي لكن هذا الدجال الماكر عبد الحسين ليس أحسن حالا من صاحبه محمود هذا. إذ كذب على الرازي ونسب الإستدلال والقول اليه، ونحن نقول للشيعة: أهذا إمامكم أيمثل هذا الغش والمكر والكذب يصبح الرجل عندكم إماماً وآيه من آيات الله؟ لئن كان الأمر كذلك فأف لكم من طائفة وتفِّ. وإلا فلتتبرؤوا من عبد الحسين هذا وأفعاله.
آية المباهلة
قال عبدالله بن الحسين السويدي في مناظرته مع أحد علماء الشيعة:
ثم قال - أي الشيعي -: عندي دليل آخر لا يقبل التأويل، وهوقوله تعالى:] قل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [.
قلت له:- ما وجه الدليل من هذه الآية؟
فقال:- إنه لما أتى نصارى نجران للمباهلة، احتضن النبي صلى الله عليه وسلم الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة من ورائهم وعلي خلفها، ولم يقدّم إلى الدعاء إلا الأفضل.
قلت: هذا من باب المناقب، لا من باب الفضائل. وكل صحابي اختص بمنقبة لا توجد في غيره، كما لا يخفى على من تتبع كتب السير. وأيضاً إن القرآن نزل على أسلوب كلام العرب، وطرز محاوراتهم. ولوفرض أن كبيرين من عشيرتين وقع بينهما حرب وجدال، يقول أحدهما للآخر. ابرز أنت وخاصة عشيرتك، وأبرز أنا وخاصة عشيرتي، فنتقابل ولا يكوّن معنا من الأجانب أحد، فهذا لا يدل على أنه لم يوجد مع الكبيرين أشجع من خاصتهما. وأيضاً الدعاء بحضور الأقارب يقتضي الخشوع المقتضي لسرعة الإجابة.
فقال: ولا ينشأ الخشوع إذ ذاك إلا من كثرة المحبة.
فقلت: هذه محبة مرجعها إلى الجبلَّة والطبيعة، كمحبة الإنسان نفسه وولده أكثر ممن هوأفضل منه ومن ولده بطبقات فلا يقتضي وزراً ولا أجراً إنما المحبة المحدودة التي تقتضي أحد الأمرين المتقدمين إنما هي المحبة الاختيارية.
فقال: وفيها وجه آخر يقتضي الأفضلية، وهوحيث جعل نفسه صلى الله عليه وسلم نفس علي، إذ في قوله:"أبناءنا"يراد الحسن والحسين، وفي"نساءنا"يراد فاطمة، وفي"أنفسنا"لم يبق إلا علي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فقلت: الله أعلم أنك لم تعرف الأصول، بل ولا العربية. كيف وقد عبر بأنفسنا، و"الأنفس"جمع قلة مضافاً إلى "نا"الدالة على الجمع ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي تقسيم الآحاد، كما في قولنا:"ركب القوم دوابهم"أي ركب كل واحد دابته. وهذه مسألة مصرحة في الأصول، غاية الأمر أنه أطلق الجمع على ما فوق الواحد وهومسموع كقوله تعالى:] أولئك مبرءون مما يقولون [أي عائشة وصفوان - رضي الله تعالى عنهما -، وقوله تعالى:] فقد صغت قلوبكما [ولم يكن لهما إلا قلبان. على أن أهل الميزان يطلقون الجمع في التعاريف على ما فوق الواحد، وكذلك أطلق الأبناء على الحسن والحسين، والنساء على فاطمة فقط مجازاً. نعم لوكان بدل أنفسنا"نفسي"لربما كان له وجه ما بحسب الظاهر.
وأيضاً لوكانت الآية دالة على خلافة عليّ لدلت على خلافة الحسن والحسين وفاطمة مع أنه بطريق الاشتراك، ولا قائل بذلك لأن الحسن والحسين إذ ذاك صغيران وفاطمة مفطومة كسائر النساء عن الولايات، فلم تكن الآية دالة على الخلافة.
فانقطع ..
(المرجع: الخطوط العريضة، محب الدين الخطيب، ص 78 - 81).
{ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ }
قال الله تعالى : " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) : ال عمران } .
يحتج الرافضة بهذه الاية الكريمة على جعل علي رضي الله عنه نفس الرسول صلى الله عليه واله وسلم .
ان الاية الكريمة المباركة تبين فضيلة عظيمة لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا , ولكن لا يلزم منها ان يكون علي رضي الله عنه هو نفس الرسول اي عينه , وله ما لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فقد ورد في القران الكريم ايات تدل على ان المؤمنين نفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كذلك , ولا يقول احد انهم نفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اي عينه , ولهم ما لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم , قال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ( 128 ) : التوبة } وقال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ( 164 ) : آل عمران } , فالايات الكريمات مصرحة بان النبي صلى الله عليه واله وسلم من نفس المؤمنين .
وقال تعالى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ( 12 ) : النور } فالاية صريحة في ان المؤمنين نفس واحدة , وقال تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ( 61 ) : النور } فالرسول صلى الله عليه واله وسلم مخاطب بالاية قطعا , وكان اذا دخل الى بيته سلم على زوجاته , فيلزم من الاية الكريمة المباركة ان زوجات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , قال الامام البخاري : " 4793 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: «ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ» وَبَقِيَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ .... " اهـ . [1]
وفي معاني الاخبار للصدوق : " ( معنى تسليم الرجل على نفسه ) 1 - أبي - رحمه الله - قال حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم - الآية - " . فقال : هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم " اهـ .[2] .
يلزم من هذا ان كل ازواج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بما فيهن عائشة وحفصة ورملة وام سلمة رضي الله عنهن هم نفسه لانه كان اذا دخل بيته سلم عليهن جميعا .
قال شيخ الاسلام : " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} فَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ [عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي] الْإِفْكِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 54] : أَيْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 84] أَيْ لَا يُخْرِجُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَالْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ الْإِخْوَانُ: إِمَّا فِي النَّسَبِ وَإِمَّا فِي الدِّينِ " اهـ .[3]
وقال ايضا : " قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] أَيْ رِجَالَنَا وَرِجَالَكُمْ، أَيِ الرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِنَا فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، وَالرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ. أَوِ الْمُرَادُ التَّجَانُسُ فِي الْقَرَابَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ قَالَ: {أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} فَذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَذَكَرَ [النِّسَاءَ] وَالرِّجَالَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَبِينَ إِلَيْنَا مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْعَصَبَةِ. وَلِهَذَا دَعَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنَ الْأَبْنَاءِ، وَدَعَا فَاطِمَةَ مِنَ النِّسَاءِ، وَدَعَا عَلِيًّا مِنْ رِجَالِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَقْرَبُ إِلَيْهِ نَسَبًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمُ الْكِسَاءَ. وَالْمُبَاهَلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَوْ بَاهَلَهُمْ بِالْأَبْعَدِينَ فِي النَّسَبِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ، لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْأَقْرَبِينَ، كَمَا يَدْعُو هُوَ الْأَقْرَبَ إِلَيْهِ. وَالنُّفُوسُ تَحْنُو عَلَى أَقَارِبِهَا مَا لَا تَحْنُو عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ بَاهَلُوهُ نَزَلَتِ الْبَهْلَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، وَاجْتَمَعَ خَوْفُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي امْتِنَاعِهِمْ، وَإِلَّا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَهْلَكَ وَيَحْيَا ابْنُهُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَدْ يَخْتَارُ الْمَوْتَ إِذَا بَقِيَ أَقَارِبُهُ فِي نِعْمَةٍ وَمَالٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ. فَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُبَاهَلَةَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِهَذَا دَعَا هَؤُلَاءِ. وَآيَةُ الْمُبَاهَلَةِ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ ; لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْمَامِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا كَانَ لَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ كَعَلِيٍّ. وَأَمَّا بَنُو عَمِّهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُ عَلِيٍّ، وَكَانَ جَعْفَرُ قَدْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ، وَجَعْفَرُ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَوْنُهُ تَعَيَّنَ لِلْمُبَاهَلَةِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْأَقَارِبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ وَلَا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ بِالْمُبَاهَلَةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ، وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الْإِمَامَةِ لَا تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَنْ بَاهَلَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا لَمْ يُوجِبْ أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ " اهـ .[4]
ولقد مثل النبي صلى الله عليه واله وسلم المؤمنين بالجسد الواحد , قال الامام مسلم : " 66 - (2586) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " اهـ .[5]
فاية المباهلة فيها فضيلة عظيمة لعلي والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم , ولكن لا يلزم منها ان يكونوا افضل من الكل , ولا ان يكون علي رضي الله عنه نفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اي عينه , وليس له ما لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم من الحقوق .
ومن باب الزام الرافضة نقول : قال الله تعالى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) : النساء } , فهل يقول الرافضة ان ما اصاب النبي صلى الله عليه واله وسلم من سيئات تكون من علي رضي الله عنه على اعتبار انه نفس رسول الله ؟ !!! .
{ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ }
قال الامام البخاري : " 6968 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «إِذَا سَكَتَتْ» وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ، فَاحْتَالَ رَجُلٌ، فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ " اهـ .[6]
ان الكلام الذي نقله الامام البخاري ليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وانما قال عن بعض الناس والمراد ببعض الناس الامام ابو حنيفة , وقد ذكر الامام البخاري هذا الكلام من باب التشنيع والاستهجان , وذلك لانه صدر الحكم بحديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقوله لاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ , ثم نقل بعد ذلك قول بعض الناس الذين قالوا بالقياس في مثل هذه الامور وشنع عليهم , قال الامام العيني : " وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا لَمْ تُسْتأذَنِ البِكْرُ ولَمْ تُزَوَّجْ فاحْتال رجُلٌ فأقامَ شاهِدَيْ زُورٍ أنّهُ تَزَوَّجَها بِرِضاها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّ الشهادَةَ باطِلةٌ فَلا بأسَ أنْ يَطأها، وهْوَ تَزْويجٌ صَحِيحٌ.
أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ، وَلَا وَجه لَهُ فِي ذكره هَاهُنَا " اهـ .[7]
1 - صحيح البخاري - بَابُ قَوْلِهِ: لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ ... – ج 6 ص 119 .
2 - معاني الأخبار - الصدوق - ص 162 – 163 .
3 - منهاج السنة النبوية – احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 4 ص 33 – 34 .
4 - منهاج السنة النبوية – احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 7 ص 125 – 127 .
5 - صحيح مسلم - بَابُ تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ – ج 4 ص 1999 .
6 - صحيح البخاري - كتاب الحيل باب النكاح - ج 9 ص 25 .
7 - عمدة القاري – بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى الحنفى العينى – ج 24 ص 116 .
}فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ{ (آل عمران/61)
أول ما يبطل الاحتجاج بهذه الآية على (الإمامة) أنها غير صريحة الدلالة عليها وغايتها أن تكون متشابهة. والاستدلال بالمتشابه لا يصح في الأصول دون النص المحكم الصريح الذي ينص على المراد.
إن الاحتجاج قائم على أساس أن لفظ (وأنفسنا) يقتضي المساواة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين عليرضي الله عنه في الولاية العامة إلا النبوة. لأن علياً هنا صار نفس النبي.
وهذا الاستنباط -مع أن الاستنباط لا يُعتمد في باب الأصول- لا يصح. والدليل على عدم صحته أن الله تعالى استعمل اللفظ نفسه في غير المتساوين. كما في قوله تعالى: }لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً{ النور/12 وليس المؤمنون متساوين في كل شيء.
وقوله: }وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ{ البقرة/84
وهؤلاء ليسوا متساوين. وليس أحدهم هو نفس الآخر.
وقوله: }ولا تلمزوا أنفسكم{ الحجرات/11 أي لا يلمز بعضكم بعضا. وهذا لا يستلزم مساواة اللامز لمن لمزه.
وقوله: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا{ النساء/1 والناس غير متساوين وقد خلقوا من نفس واحدة!
وحواء لا تساوي آدم عليه السلام وقد خلقت من نفسه! فلو كان عليرضي الله عنه خلق من نفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما استلزم ذلك مساواته به!
وقوله: }لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ{ آل عمران/164
وقوله: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ{ التوبة/128
وقوله: }وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا{ الروم/21
وهذه عامة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره. ولو جردنا اللفظ من فحواه وفسرناه تفسيراً لفظيا يابساً لقلنا : إن الزوجة مخلوقة من نفس الزوج. فهي جزء منه. والجزء أدل على التجانس والمساواة بجزئه.
فقول الله تعالى: }وأنفسنا وأنفسكم{ يحمل على فحواه لا على لفظه المجرد. واللفظ لغة لا يعني المساواة بأي حال من الأحوال. ولو قال مجموعة من الأشخاص لأحدهم: (أنفسنا فداك) لما خطر ببال أحد أنهم متساوون في كل شيء.
علي رضي الله عنه لم يحتج بهذه الآيات
إن (الإمامية) لا يقبلون حجة إلا قول (المعصوم). وهذا الاستنباط لم يقل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتفق على عصمته ، ولا علي رضي الله عنه الذي يعتقدون عصمته. وإلا لكان هو أول المحتجين به ولنازع القائمين بالأمر واحتج عليهم بهذه الآية وأمثالها. ولما انتظر ربع قرن حتى تؤول الخلافة إليه بالبيعة وهو مكره يقول: (دعوني والتمسوا غيري ….وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميرا) - ([1]) نهج البلاغة 1/181-182.
أما لماذا اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الأربعة (علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم) للمباهلة دون غيرهم ؟ فلأسباب خارجة عن موضوع (الإمامة). وإلا فلو كان الاختيار دليلاً على (الإمامة) لاستلزم (إمامة) فاطمة رضي الله عنها. والإمامية لا يعتقدون بـ(إمامة) النساء. إذن لا علاقة للآية بـ (الإمامة).
د. طه الدليمي ..