الصراع السوري الطويل تحوّل الى حرب بالوكالة بين "إيران"، الحليف الشيعي لبشار الأسد، وبلدان الخليج العربي السنية، مهدّدةً البلدان المجاورة ذات الطوائف المسلمة الكبيرة، مثل لبنان والعراق، بامتداد الصراع الطائفي إليها، وهو أمر يعتقد الخبراء أنّه يصب في مصلحة النظام في دمشق.
في تشرين الأول الماضي، نقلت وكالة رويترز خبراً مفاده أنّ مقاتلين عراقيين شيعة يقاتلون في سوريا الى جانب جيش الرئيس بشار الأسد. ففي الأسابيع الأخيرة، ارتفع عدد مقاتلي "حزب الله" الذين قُتلوا في سورياً ارتفاعاً كبيراً، وهو عدد قدّره أمين عام "حزب الله" السابق الشيخ صبحي الطفيلي بأكثر من 100. "الديكتاتوريات، لا سيّما تلك الشبيهة بنظام الأسد التي خضعت لتدريب في أوروبا الشرقية، تعلّمت اختراق قبائل ومذاهب وأحزاب سياسية في بلدان مثل لبنان والعراق، وهي تتلاعب بها عند الحاجة"، يقول نديم شحاده، المحلل في تشاتم هاوس Chatham House [بلندن]. هذا التلاعب بالمواطنين اللبنانيين والمجموعات العراقية يشمل اللعب على مخاوفهم الطائفية. "أحد الأمثلة على ذلك هو التهديد بتدمير مقام السيدة زينب الشيعي المقدّس" يشدّد شحاده. وزينب هي ابنة الإمام علي، الذي يبجّله الشيعة، وزوجته هي فاطمة، ابنة النبي محمد. وفقا لرويترز، قال بعض الخارجين عن حزب المهدي العراقي الذين يقاتلون في سوريا إنّهم كانوا يقومون بحراسة مقام السيدة زينب والأحياء الشيعية. وقد أدلى "حزب الله" بحجة مشابهة، حيث برّر أمينه العام حسن نصرالله جزئياً انتشار مقاتلي الحزب في سوريا من خلال القول إنّهم كانوا يدافعون عن مقام السيدة زينب وكذلك عن اللبنانيين الشيعة الذين يسكنون في منطقة القُصير الواقعة على الحدود. "يستخدم النظام أسباباً دينية لتعبئة الطائفة الشيعية. وهو يستمد [أفكاره] من أسطورة [الـ 680 معركة] في كربلاء لمحاصرة المقامات الشيعية المقدّسة في سوريا. وبالتالي فإنّ الشيعة اللبنانيين والعراقيين الذين يقاتلون في سوريا يقومون بذلك لأسباب إيديولوجية" يقول البروفسور في العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور هلال خشان. بالإضافة الى ذلك، يتحجّج الأعضاء العراقيون واللبنانيون في "حزب الله" اللبناني أو جيش مقتدى الصدر المهدي العراقي، ومجموعة بدر، وعصائب أهل الحق، من بين مجموعات أخرى تابعة لآية الله علي الخامنئي في إيران، بأنّ الثورة السورية تهدّد مصالح الطائفة الشيعية ومحور المقاومة. "مثله مثل أي ديكتاتور آخر، يريد الأسد أن يثبت أنّه لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه، وأنّ إخراجه من السلطة سوف يسبّب فوضى. لقد استخدم هذا السلاح مرارا وتكرارا في الماضي. وفي لبنان سلّح "حزب الله"... في حين أنّه تلاعب بالقاعدة في العراق"، يشير شحاده قائلاً. والى جانب الشيعة الذين يدافعون عن نظام الأسد، جذبت الحرب في سوريا أيضا جماعات من المقاتلين الجهاديين السنّة من أنحاء المنطقة الذين انضموا الى قضية الثوار. وقد وجّه الشيخ السلفي سالم الرافعي دعوة للجهاد مؤخراً في لبنان. ومن جهة أخرى، تبلور تورّط الجهاديين العراقيين في الصراع السوري مؤخراً من خلال الإعلان الذي قام به أمير القاعدة في العراق، أبو بكر البغدادي، الذي تحدّث بالتفصيل عن إطلاق اسم جديد على منظمته لتصبح "الدولة الإسلامية في العراق والمشرق"، وهو تكتّل من شأنه أن يشمل جماعة "جبهة النصرة" (وهو اقتراح رفضته النصرة). هذا التصعيد من الجانبين للإنقسام السني- الشيعي سوف يشجّع المجموعات اللبنانية والعراقية المتورّطة فيه على الانحراف عن دولتها المركزية وتعزيز روابطها مع اللاعبين الإقليميين الطائفيين. هذا وطبّقت الحكومتان العراقية واللبنانية سياسة عدم التدخّل في سوريا. غير أن ثمة تطورات أخيرة تهدّد حالة الجمود غير المستقرّة. فوفقاً لتقرير قامت به مؤخراً مجموعة الأزمات Crisis Group، بدأت أزمة الجمود في العراق بين المحتجين السنّة العرب والحكومة المركزية "انزلاقاً خطراً نحو المواجهة. في 23 نيسان الماضي، قتلت قوى الأمن العراقية 50 شخصاً في تظاهرة في بلدة "حويجة" السنيّة، في محافظة الكركوك. "ذكر التقرير أنّ العرب السنّة كانوا يشعرون أن بغداد تحرمهم من حقوقهم الشرعية وتقصيهم، ويشعرون بزيادة في التضامن مع إخوانهم وجيرانهم السوريين، ويشاركونهم "مشاعر العداء نحو المحور الشيعي المزعوم الذي يربط "حزب الله" ودمشق وبغداد وطهران". وعلى النحو نفسه، ارتفعت التوترات في لبنان. فالبلد مبتلٍ بفراغ في السلطة، فاقمته عدم قدرة رئيس الوزراء المكلّف على تشكيل حكومة واحتمال تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة. وقد أشعل تورط "حزب الله" العميق في سوريا مشاعر الكراهية تجاهه بين أفراد الطائفة السنية في لبنان، الذين على غرار نظرائهم في العراق، يشعرون بوحدة الحال مع الثوار. ويعتقد خشان أنّ تورّط "حزب الله" في الحرب السورية سوف تكون له تداعيات خطيرة على المدى البعيد، حيث إنّ السوريين لن يسامحوا بسهولة "حزب الله" على دعمه نظام الأسد. وقد يفاقم العدد المتزايد يوماً بعد يوم من السوريين الذين يلجأون الى لبنان، التوترات، لتصل الى أقصاها. هكذا يشكّل لبنان، سوريا، والعراق قوساً من عدم الاستقرار، يمكن أن يفجّر سيناريو كارثياً في المنطقة. "ثمة خطر حقيقي لحصول تمدّد للأزمة؛ حيث يمكن للسنّة والشيعة (من لبنان والعراق) الذين يقاتلون في سوريا أن ينقلوا يوماً ما الصراع الى عقر دارهم" يقول شحاده.
(ترجمة زينة أبو فاعور) هذا المقال هو ترجمة للنص الأصلي الانكليزي
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video