كتب- عمرو والي:
يمكن اعتبار العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والجبهة السلفية أشبه بالمنحنى، الذي يصعد تارة ويهبط تارة أخرى، فكان من بين القضايا التي أثارت خلافات بين أكبر تيارين يمثلان قوى الإسلام السياسي بمصر، هي العلاقة مع إيران، والمخاوف التي أثيرت من المد الشيعي.
فبينما لاقت مسألة توطيد العلاقة المصرية- الإيرانية ترحيبًا من جماعة الإخوان المسلمين، واجهت على الجانب الآخر رفضًا من الجبهة السلفية، والحال نفسه في ما يتعلق بالمشاركة في احتفالات السفارة الإيرانية، وزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر، وفتح الباب أمام السياحة الإيرانية، ودعم حزب الله اللبناني.
''النور'' يرفض الاحتفالات
كانت بداية الخلاف الأول في فبراير 2012، حين وجه مكتب رعاية المصالح الإيرانية بمصر الدعوة لعدد من الأحزاب للاحتفال بالذكرى الثالثة والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية على نظام الشاه، وإعلان إيران ''دولة إسلامية''.
وحينها، رفض حزب النور الدعوة، وأرجع ذلك لتدخل إيران في الشأن الداخلي المصري، متهمًا إياها بتصدير المد الشيعي لمصر، وعلى النقيض شارك حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، في احتفالات السفارة الإيرانية بعيدها.
''رئة ديمقراطية جديدة''
كذلك، أثارت زيارة الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، للقاهرة في فبراير الماضي، جدلًا واسعًا، جدد الخلاف بين أكبر ممثلين لقوى الإسلام السياسي.
فمن جانها، أبدت الدعوة السلفية تحفظات بشأن تلك الزيارة، وطالبت برفض زيارة نجاد لميدان التحرير، أو للمساجد وللأماكن التي يقول الشيعة إنها تمثلهم، معلنة مخاوفها من أن تتجاوز الزيارة حضور اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، والإضرار بأهل السنة، وطالبت بمواجهة نجاد بملف اضطهاد أهل السنة في إيران.
فيما اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين زيارة نجاد خطوة لحل الأزمة السورية، من خلال ضغط الرئاسة المصرية على نجاد لتغيير موقفه الداعم للنظام السوري، رافضين ما قيل عن تخوفات البعض بأن الزيارة تمثل خطوة للمد الشيعي، والغزو الإيراني لمصر، بحسب ما قاله أحمد عارف، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الذي أشار إلى أن الرئيس مرسى يعمل على وجود ''رئة ديمقراطية جديدة''.
''حرب وهمية''
ويأتي دعم الإخوان لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ليكشف خلافًا آخر بين الطرفين، فنجد الدعوة السلفية تشن هجومًا حاداً على نصر الله، عام 2009، حيث قال عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمي باسمها، إن ''نصر الله اكتسب شعبية بين العامة بعد مواجهة إسرائيل، ثم خسرها بعد استعراض قوته داخل لبنان، وافتعل حربًا وهمية مع إسرائيل''، محذرًا من ارتكاب أي ''حماقة'' في الجنوب اللبناني.
فيما خرجت قيادات جماعة الإخوان المسلمين في وسائل الإعلام، لتأييد حزب الله، في مواجهة الحرب ضد إسرائيل، ويظهر ذلك في تصريح لمرشد الإخوان المسلمين السابق، مهدى عاكف، الذي قال ''جماعة الإخوان على استعداد لإرسال 10 آلاف مجاهدًا للحرب، بجوار حزب الله''.
''سُنية مُحبة لآل البيت''
استمرت الدعوة السلفية، وذراعها السياسي حزب النور، في معارضتها لكل ما هو إيراني، فرفضت فتح الباب أمام السياح الإيرانيين، لزيارة الأماكن السياحية في مصر بالرفض التام، وتجسد ذلك في عقد عدد من المؤتمرات الجماهيرية للتحذير من توافد السياح الإيرانيين إلى القاهرة.
وعلل بعض رموز الدعوة السلفية، ومنهم المهندس عبدالمنعم الشحات، المتحدث باسمها، هذا الرفض بسبب ''سب الصحابة'' الذي قال إنه انتشر في إيران.
فيما رحبت جماعة الإخوان المسلمين بفتح الباب أمام السياح الإيرانيين، وظهر ذلك خلال تصريحات عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذي قال خلالها إن ''السياحة المصرية ستنهض، ولا نقلق من تدفق السياح الروس واليابانيين والإيرانيين والألمان والأوروبيين وغيرهم، فمصر الأزهر والأوقاف والسلفيون والصوفيون والإخوان سيحافظون على مصر السنية المُحبة لآل البيت، والراغبة في علاقات طبيعية مع كل الدول''.
''علاقة مركبة''
وتعليقًا على فكرة الخلاف بين الإخوان والسلفيين، قال نبيل عبدالفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن العلاقة بين الإخوان المسلمين والسلفيين علاقة شديدة التركيب وتتعلق بنقاط التعاون، وأخرى بالتناقض عبر قضايا خلافية؛ منها الملف الإيراني.
وأضاف عبدالفتاح، في تصريحات لمصراوي، أن ''المنهج الفكري للجماعتين يتشابه إلى حد كبير، فضلًا عن الأهداف والقواسم المشتركة، حيث تستمد الحركة السلفية منطلقاتها الفكرية والعقدية من المنهج السلفي، الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، ويقوم على أخذ الإسلام من أصوله المتمثلة في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وهو نفس المنهج الذي تقوم عليه حركة الإخوان المسلمين، وفكر مؤسسها حسن البنا''.
وتابع قائلًا ''عبر عقود مضت، شهدت جماعة الإخوان تمدد للفكر السلفي بها، مواكبًا لوصول الجماعة إلى قرى الريف، الذي سيطرت عليه الجماعات السلفية، الأمر الذي أدى إلى نشأة ظاهرة (ترييف) جماعة الإخوان بالتوازي مع ظاهرة (سلفنة) جماعة الإخوان، لذا نجد البيئة الريفية هي الحاضنة لهذه العامل''.
وأشار الخبير السياسي ''بطبيعة الحال، تظهر الصراعات التي قد تصل إلى حد الكراهية عند الدخول في الحياة السياسية، لأن التحالفات والصراعات هي اللاعب الأساسي، وهنا يظهر اختلاف الأولويات السياسية والمجتمعية والشرعية لدى الجماعتين الإسلاميتين''.
نظرية ''الفصيل الأقوى''
ورأى عبدالفتاح أن نظرية الفصيل الأقوى هي السبب الأساسي في كل القضايا الخلافية، بينهما الإخوان يرون أنهم الجماعة الأم التي على الإسلاميين أن يقبلوا بقيادتها، استنادًا إلى تاريخها وخبراتها، وعلى النقيض يصر التيار السلفي دائمًا على رفضه لهيمنة فصيل واحد على الحياة السياسية، حسبما قال.
وأوضح عبدالفتاح أن جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على يد حسن البنا لا تحمل موقفًا متحفظًا تجاه الشيعة، ولا غيرها من الطوائف الإسلامية، مثلما هو الحال عند نظرائهم من التيار السلفي، ويعود ذلك لحرص البنا- وقتها- على تقديم جماعته كحركة شمولية موجهة لعامة المسلمين دون تمييز، بالإضافة إلى الحرص على عدم التعاطي مع الخلافات المذهبية، وجعل القضية الفلسطينية وتحرير القدس محورًا للالتقاء.
وأشار الخبير السياسي إلى أن الإخوان والسلفيون سيبقون مختلفين في الرؤية السياسية، ولكن سيسعى كل طرف في إثبات قدرته على المنافسة، ومدى جدارته لتولي المسؤوليات، على حد قوله.
بداية الخلاف
يرجع الخلاف بين طائفتي السنة والشيعة إلى عدة قضايا؛ منها ما هو متعلق بالعقيدة، وآخر متعلق بالمسائل الفقهية، فعلى سبيل المثال: يؤمن السنة بأن الرسول ''محمد'' عندما مات لم يوصِ لأحد بالخلافة من بعده، وأنه ترك حرية اختيار الخليفة للصحابة، بينما يرى الشيعة أن الرسول قد أوصى بالخلافة من بعده إلى علي بن أبي طالب، وبالتالي فهم يعتقدون ببطلان خلافة من سبقه، مثل أبي بكر وعُمر وعثمان.
وهذه الخلافات متعلقة بالخلافة الإسلامية فقط، ولكن يوجد خلافات أخرى فقهية وعقائدية، حيث يرى البعض أن بداية تلك الخلافات الطائفية ترجع إلى الفتنة التي أدت لقتل عثمان بن عفان، وما خلفتها من نزاعات عنيفة، كان أبرزها الخلاف بين معاوية بن أبي سفيان، وعلي بن أبي طالب.