آخر تحديث للموقع :

الجمعة 14 ربيع الأول 1445هـ الموافق:29 سبتمبر 2023م 09:09:39 بتوقيت مكة

جديد الموقع

يزيد بن معاوية - موقفه من قتل الحسين رضي الله عنه - إستباحته للمدينة - موقف أهل السنة منه - الكلام في جواز لعنه، وسائر ما يتعلق به ..

استشهاد الحسين رضي الله عنه وموقف يزيد من مقتله

بعد أن توفي معاوية رضي الله عنه وبويع ليزيد بالخلافة في الشام، كتب يزيد إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يدعوالناس للبيعة وأن يبدأ بوجوه قريش. انظر: ابن سعد في الطبقات (5/ 359) بإسناد جمعي، وتاريخ خليفة (ص 232) بإسناد فيه محمد بن الزبير الحنظلي، وهومتروك.

استشار الوليد بن عتبة مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث في طلب الحسين وابن الزبير للبيعة، فيروي خليفة في تاريخه (ص 233): أن ابن الزبير حضر عند الوليد ورفض البيعة واعتذر بأن وضعه الاجتماعي يحتم عليه مبايعته علانية أما الناس، وطلب منه أن يكون ذلك من الغد في المسجد إن شاء الله. واستدعى الحسين بعد ذلك ويبدوا أن الوليد تحاشى أن يناقش معه موضوع البيعة ليزيد، فغادر الحسين مجلس الوليد من ساعته، فلما جنّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة كل منها على حدة. ورواية خليفة هي الأقرب في نظري إلى الحقيقة، فإضافة إلى تسلسل الحدث فيها، فإن الرواية نفسها عن جويرية بن أسماء وهومدني.

في طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر وعبد الله بن عياش، وهما منصرفين من العمرة قادمين إلى المدينة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان. ابن سعد في الطبقات (5/ 36) والمزي في تهذيب الكمال (6/ 416) من طريق ابن سعد، والطبري (5/ 343) لكنه ذكر أن الذي لقيهما ابن عمر وابن عباس، ولعله تحريف في اسم عياش، والصحيح أن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك.

فلما علمت شيعة الكوفة بموت معاوية وخروج الحسين إلى مكة ورفض البيعة ليزيد، فاجتمع أمرهم على نصرته، ثم كتبوا إليه، وبعد توافد الكتب على الحسين وهوبمكة وجميعها تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، نستطيع أن نقول: إن الحسين لم يفكر بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم، وأنهم يدعونه مرحبين به طائعين، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال، فأرسل مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة ويقف على الحقائق بنفسه. انظر: تاريخ الطبري (5/ 354) والبلاذري في أنساب الأشارف (3/ 159).

ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة، ووقف على ما يحدث هناك وكتب إلى الحسين يدعوه إلى الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه.

وقد تتابعت النصائح من الصحابة والتابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة، ومن الذين نصحوا: محمد بن الحنفية أخوه -، وابن عباس، وابن عمر وابن الزبير وأبوسعيد الخدري وجابر بن عبد الله، وغيرهم الكثير، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة، بل عقد العزم على الخروج، فأرسل إلى المدينة وقدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبياناً من اخوته وبناته ونسائه، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع. انظر: ابن سعد في الطبقات (5/ 266 - 267).

وجاء ابن عباس ونصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة، فقال له ابن عباس: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال أي الحسين -: لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أستحل حرمتها، يعني الكعبة، فقال ابن عباس فيما بعد: وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه. وكان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحرم. انظر: مصنف ابن أبي شيبة (5/ 96 - 97) بإسناد صحيح، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 193) وقال الهيثمي في المجمع (9/ 192) ورجاله رجال الصحيح، والذهبي في السير (2/ 292) وغيرهم الكثير.

إن حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال: لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال: يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق، قال: أجل، فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك، وإن أتيتهم قتلوك. المصنف (7/ 477).

ولما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين أين وجهتك؟ فقال: أريد العراق، ثم أخرج إليه كتب القوم، ثم قال: هذه بيعتهم وكتبهم، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: أحدثك بحديث ما حدثت به أحداً قبلك: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هوخير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم، فأبى، فاعتنقه وقال: استودعتك من قتيل. ابن سعد في الطبقات (5/ 36) وابن حبان (9/ 58) وكشف الأستار (3/ 232 - 233) بسند رجاله ثقات. وعند غيرهم.

لكن هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته وعزمه على الخروج نحوالكوفة.

وهنا يبرز سؤال ملح: وهوكيف يجمع عدد من الصحابة وكبراؤهم وكبار التابعين وأصحاب العقل منهم، ومن له قرابة بالحسين على رأي واحد وهوالخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً، وفي المقابل كيف يصر الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين؟

والإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين:-

الأول: وهوإرادة الله جل وعلا وأن ما قدره سيكون وإن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى.

الثاني: وهوالسبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول، وهوأن الحسين رضي الله عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، ولن يسمح يزيد بأكثر مما حدث، فرسل تأتي ورسل تذهب ودعوة عريضة له بالكوفة، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً، وهويمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح، ثم إن خشية الحسين من وقوع أي مجابهة بينه وبين الأمويين في مكة هوالذي جعله يفكر بالخروج من مكة سريعاً، وهوما أكده لابن عباس، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة وأنها كلها مبايعة له.

وفي نظري أن مسلم بن عقيل والحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور السياسة، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين وظن أن هؤلاء سيكونون مخلصين أوفياء ولم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد، فكان على مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى ويوهمه بأن الوضع يسير لصالحه، فهذا خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن عقيل وصدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها، ونسي أن الكوفة هي التي عانى أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس وعدم الامتثال لأوامره ثم كانت النهاية باغتياله رضي الله عنه، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل الكوفة، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً سياسياً واضحاً فالكل حذره وبين خطأه الذي سيقدم عليه، ومن المستحيل أن يكون كل الناصحون على خطأ وأن فرداً واحداً هوعلى الحق وبالأخص إذا عرفنا من هم الناصحون، لكنه قدر الله، وحدث ما حدث وقتل الحسين في معركة كربلاء.

ولم يختلف المؤرخون بل والناس فيما عرض لهم وعرض عليهم من مسائل التاريخ مثلما اختلفوا في مقتل الحسين رضي الله عنه، من بدايتها حتى نهايتها من الدوافع الأولية إلى الخديعة وخيانة الأعراب.

والنظرة التاريخية الفاحصة بعيداً عن الشطط أوالإغراق أوالمغالاة تجعلنا في حيرة وأي حيرة، لأن كل فريق له رأيه وله حجته فيما انتهى إليه، وعلينا أن ندعولهم ونستغفر الله لنا ولهم.

وفي يقيني أن أمر النزاع بين الحسين ويزيد يجب الإمساك عن الخوض فيه، لأن هذا أفضل من الكلام في ما لا نعلم، وصفوة القول أن الحسين قد أفضى إلى ربه شهيداً مجاهداً، رضي الله عنه وأرضاه وألحقنا بالصالحين في دار المقامة.

وعن هذا الصراع الدموي الأليم العنيف بين الحسين ويزيد أقول: يفصل الله بينهم يوم القيامة، فإني لا أجرؤ بما توافر لدي من آراء وأبحاث ومراجع على القول بغير هذا: عفا الله عنا وعنهم.

وعن حياة الإمام الحسين رضي الله عنه قال ابن عبد البر في الاستيعاب: قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة وعليه جبة خز دكناء، وهوابن ست وخمسين سنة، قاله نسابة قريش الزبير بن بكار، ومولده لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيها قصرت الصلاة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنه. الاستيعاب (1/ 393) وانظر التذكرة للقرطبي (2/ 645) ونسب قريش للزبير بن بكار (ص 24).

ثم يقول ابن حجر: وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين، والصحيح والسقيم، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لوكنت فيمن قاتل الحسين ثم دخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. الإصابة (2/ 81).

واختلفت الأقوال في يوم قتله، فالبعض قال يوم الجمعة وقيل يوم السبت العاشر من المحرم والأصح الأول. واتفق على أنه قتل يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذ من قال غير ذلك، وكان يوم الجمعة هويوم عاشوراء. الإصابة (2/ 76 - 81) والعقد الفريد لابن عبد ربه (4/ 356) وهويؤيد الإجماع.

وقال الحافظ في الفتح: كان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم، فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكراً فقاتلوه إلى أن قتل هووجماعة من أهل بيته. فتح الباري (7/ 12). وتاريخ خليفة (ص 234).

روى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين - فقلت: هذا؟ فقال نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. السلسلة الصحيحة (2/ 464) وهوفي صحيح الجامع، رقم (61).

وروى أحمد عن عائشة أوأم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد دخل عليّ البيت مَلَكٌ لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. السلسلة الصحيحة (2/ 465).

وروى أحمد عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، ولم أزل ألتقطه منذ اليوم. فأحصي ذلك الوقت، فوجد قتل ذلك الوقت. مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الشيخ الألباني (6172). ومسند أحمد (1/ 283) والذي يقول فأحصينا.. هوراوي الخبر عن ابن عباس، هوأبوعمر عمار بن أبي عمار مولى بني هشام، صدوق من كبار التابعين (ت 12 هـ)، التقريب (ص 48).

وقد قتل معه كما يروي الحسن البصري ستة عشر رجلاً من آل البيت ما على الأرض يومئذ لهم شبه، فقتل من أولاد علي رضي الله عنهمالعباس وعبد الله وجعفر وعثمان وأبوبكر، وهؤلاء اخوته لأبيه. هؤلاء جميعهم أبناء علي من أم البنين بنت حرام أم خالد، ما عدا أبوبكر فهومن ليلى بنت مسعود بن خالد. انظر تراجمهم في: تاريخ خليفة (ص 234).

وقتل معه من ولده، عبد الله وعلي. عبد الله أمه أم الرباب، وأما علي فأمه ليلى بنت أبي مرة. انظر: تاريخ خليفة (ص 234).

ومن ولد أخيه الحسن، القاسم وأبوبكر وعبد الله. وهم أبناء الحسن بن علي، انظر: تاريخ خليفة (ص 234) والبداية والنهاية (8/ 189).

ومن ولد عبد الله بن جعفر، محمد وعون. محمد أمه الخوصا بنت خصف، وأما عون فأمه زينب العقيلية بنت علي، انظر: تاريخ خليفة (ص 234).

ومن ولد عقيل بن أبي طالب، عبد الرحمن وجعفر وعبد الله ومسلم. انظر: تاريخ خليفة (ص 234) والبداية والنهاية (8/ 189).

يقول الذهبي عن ذلك: ويدخل فيهم من نسل فاطمة وغيرهم، لأن الرافضة رووا أحاديث وأعداد مهولة في من قتل مع الجيش من نسل فاطمة فقط، حيث ذكر فطر بن خليفة أن عدد من قتل من نسل فاطمة سبعة عشر رجلاً، ولاشك أن هذا العدد مبالغ فيه كثير جداً. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 61 هـ (ص 21) وتاريخ خليفة (ص 235) والمعجم الكبير (3/ 14 و119)، وفطر هذا من غلاة الشيعة.

ثم إن ابن ذي الجوشن حمل رأس الحسين وأرسله إلى ابن زياد. أخرج البخاري عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي، فجعل ينكت وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة. البخاري مع الفتح (7/ 119)، والوسمة هي نبات يخضب به الوجه ويميل إلى السواد.

وعند الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسناً يُذكر، قلت: أما إنه كان أشبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحيح سنن الترمذي (3/ 325) والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/ 59 - 6).

وللطبراني في المعجم الكبير (5/ 26) و(3/ 125) من حديث زيد بن أرقم، فجعل قضيباً في يده، في عينه وأنفه فقلت: ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه. وزاد البزار من وجه آخر عن أنس قال: فقلت له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك، قال: فانقبض. أورده الحافظ في الفتح (7/ 121).

إن الصورة الحقيقة لمقتل الحسين رضي الله عنه لم تتضح بعد لدى كثير ممن يسمع عنها لما حدث من اختلاط الروايات الحقيقية بالمكذوبة التي افتراها الرافضة الحمقى وروج لها الإخباريين بأسلوب يهدر كل القيم والمثل.

نعم هناك روايات كتاب الأغاني، - والذي يسمى بالنهر المسموم -، ذلك النهر الذي عب منه كل مثقفينا، وكل من تناول جانباً من تاريخنا، كابراً عن كابر، فَضَّلوا وأضلوا.

والمصنفون من أهل الحديث في سائر المنقولات، أعلم وأصدق بلا نزاع بين أهل العلم؛ لأنهم يسندون ما ينقلونه عن الثقات، أويرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة، بخلاف الإخباريين؛ فإن كثيراً مما يسندونه، يسندونه عن كذّاب أومجهول، أمّا ما يرسلونه، فظلمات بعضها فوق بعض.

وأما أهل الأهواء ونحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلاً، لا ثقة ولا ضعيف وأهون شيء عندهم الكذب المختلق، وأعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة بل إلى سماعات عن المجاهيل والكذابين، وروايات عن أهل الإفك المبين.

وقضية يزيد ومقتل الحسين، إما أن تذكر كلها بتفاصيلها، وإما أن تبقى طي الكتمان، أما أن يجتزأ الكلام، ويختزل بهذه الصورة الشائعة على الألسن - قتل يزيد الحسين - فهذا فيه تدليس وتزييف.

ولنقف مع تقويم لهذه المعارضة من قبل الحسين رضي الله عنه.

كانت معارضة الحسين ليزيد بن معاوية وخروجه إلى العراق طلباً للخلافة، ثم مقتله رضي الله عنه بعد ذلك، قد ولد إشكالات كثيرة، ليس في الكيفية والنتيجة التي حدثت بمقتله رضي الله عنه، بل في الحكم الشرعي الذي يمكن أن يحكم به على معارضته، وذلك من خلال النصوص النبوية.

وإن عدم التمعن في معارضة الحسين ليزيد والتأمل في دراسة الروايات التاريخية الخاصة بهذه الحادثة، قد جعلت البعض يجنح إلى اعتبار الحسين خارجاً على الإمام، وأن ما أصابه كان جزاءاً عادلاً وذلك وفق ما ثبت من نصوص نبوية تدين الخروج على الولاة.

فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يفرق بين المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. صحيح مسلم (12/ 241)، قال السيوطي: أي فاضربوه شريفاً أووضيعاً على إفادة معنى العموم. عقد الزبرجد (1/ 264). وقال النووي معلقاً على هذا الحديث: الأمر بقتال من خرج على الأمام أوأراد تفريق كلمة المسلمين ونحوذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بالقتل قتل وكان دمه هدراً.

وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث المشابهة له جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أن الخارج على سلطان المسلمين يكون جزاءه القتل، وذلك لأنه جاء ليفرق كلمة المسلمين.

وإن الجمود على هذه الأحاديث جعلت الكرامية فرقة من الفرق مثلاً يقولون: إن الحسين رضي الله عنه باغ على يزيد، فيصدق بحقه من جزاء القتل. نيل الأوطار للشوكاني (7/ 362).

وأما البعض فقد ذهبوا إلى تجويز خروج الحسين رضي الله عنه واعتبر عمله هذا مشروعاً، وجعلوا المستند في ذلك إلى أفضلية الحسين والى عدم التكافؤ مع يزيد. نيل الأوطار (7/ 362).

وأما البعض فقد جعل خروج الحسين خروجاً شرعياً بسبب ظهور المنكرات من يزيد. انظر: الدره فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 376) وابن خلدون في المقدمة (ص 271).

ولكن إذا أتينا لتحليل مخرج الحسين رضي الله عنه ومقتله، نجد أن الأمر ليس كما ذهب إليه هذان الفريقان، فالحسين لم يبايع يزيد أصلاً، وظل معتزلاً في مكة حتى جاءت إليه رسل أهل الكوفة تطلب منه القدوم، فلما رأى كثرة المبايعين ظن رضي الله عنه أن أهل الكوفة لا يريدون يزيد فخرج إليهم، وإلى الآن فإن الحسين لم يقم بخطأ شرعي مخالف للنصوص، وخاصة إذا عرفنا أن جزءً من الأحاديث جاءت مبينة لنوع الخروج.

فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نزع يداً من طاعة فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فقد مات ميتة جاهلية. مسلم بشرح النووي (12/ 233 - 234). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر يعني رمضان كفارة لما بينهما، قال: ثم قال بعد ذلك: إلا من ثلاث، - قال: فعرفت إن ذلك الأمر حدث إلا من الإشراك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة. قال: أما نكث الصفقة: أن تبايع رجلاً ثم تخالف إليه، تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة. المسند (12/ 98) بسند صحيح.

وبالرغم من أن الحسين رضي الله عنه حذره كبار الصحابة ونصحوه إلا أنه خالفهم، وخلافه لهم إنما هولأمر دنيوي، فقد عرفوا أنه سيقتل وسيعرض نفسه للخطر، وذلك لمعرفتهم بكذب أهل العراق، والحسين رضي الله عنه ما خرج يريد القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أوالذهاب إلى الثغر أوإتيان يزيد. منهاج السنة (4/ 42).

ولقد تعنت ابن زياد أمام تنازلات الحسين، وكان من الواجب عليه أن يجيبه لأحد مطالبه، ولكن ابن زياد طلب أمراً عظيماً من الحسين وهوأن ينزل على حكمه، وكان من الطبيعي أن يرفض الحسين هذا الطلب، وحُق للحسين أن يرفض ذلك؛ لأن النزول على حكم ابن زياد لا يعلم نهايته إلا الله، ثم إن فيه إذلالاً للحسين وإهانته الشيء الكبير، ثم إن هذا العرض كان يعرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفار المحاربين، والحسين رضي الله عنه ليس من هذا الصنف، ولهذا قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/ 55): وطلبه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجباً عليه.

والحقيقة أن ابن زياد هوالذي خالف الوجهة الشرعية والسياسية حين أقدم على قتل الحسين، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:.. فإن جاء آخر ينازع فاضربوا عنق الآخر. مسلم (12/ 233). فإن هذا الحديث لا يتناول الحسين، لأنه عرض عليهم الصلح فلم يقبلوا، ثم كان مجيئه بناء على طلب أهل البلد وليس ابتداعاً منه، يقول النووي معلقاً على الحديث: قوله فاضربوا عنق الآخر معناه: فادفعوا الثاني، فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فاقتلوه. شرح مسلم (12/ 234). وبذلك يكون الظالم هوابن زياد وجيشه الذين أقدموا على قتل الحسين رضي الله عنه بعد أن رفضوا ما عرض الحسين من الصلح

ثم إن نصح الصحابة للحسين يجب أن لا يفهم على أنهم يرونه خارجاً على الإمام، وأن دمه حينئذ يكون هدراً، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أدركوا خطورة أهل الكوفة على الحسين وعرفوا أن أهل الكوفة كذابين، وقد حملت تعابير نصائحهم هذه المفاهيم.

يقول ابن خلدون في المقدمة (ص 271): فتبين بذلك غلط الحسين، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك، وأما الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا بالحجاز ومصر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين رضوان الله عليه، فلم ينكروا عليه ولا أثمّوه، لأنه مجتهد وهوأسوة للمجتهدين به.

ويقول شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/ 556): وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة، ولم يقتل إلا وهوطالب للرجوع إلى بلده أوإلى الثغر أوإلى يزيد، وداخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولوكان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين. ويقول في موضع آخر (6/ 34): ولم يقاتل وهوطالب الولاية، بل قتل بعد أن عرض الانصراف بإحدى ثلاث.. بل قتل وهويدفع الأسر عن نفسه، فقتل مظلوماً.

موقف يزيد بن معاوية رحمه الله من قتل الحسين رضي الله عنه

كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، فلما بلغ الخبر إلى يزيد بن معاوية بكى وقال: كنت أرضى من طاعتهم أي أهل العراق بدون قتل الحسين.. لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه، أما والله لوأني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين. الطبري (5/ 393) بسند كل رجاله ثقات ماعدا مولى معاوية وهومبهم. والبلاذري في أنساب الأشراف (3/ 219، 22) بسند جسن.

وفي رواية أنه قال:.. أما والله لوكنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه لا ببعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه. الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 265) بسند كل رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً بين الشعبي والمدائني.

فجاء رد يزيد على ابن زياد يأمره بإرسال الأسارى إليه؛ فبارد ذكوان أبوخالد فأعطاهم عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها. الطبقات لابن سعد (5/ 393) بإسناد جمعي.

ومن هنا يعلم أ ابن زياد لم يحمل آل الحسين بشكل مؤلم أوأنه حملهم مغللين كما ورد في بعض الروايات.

وكان رد يزيد رحمه الله على ابن زياد كان مخالفاً لما يطمع إليه ابن زياد، حيث كان يطمع بأن يقره يزيد على الكوفة، فلم يقره على عمله بل سبه ونال منه بسبب تصرفه مع الحسين، وهنا يكون الداعي أكبر لأن يحمل ابن زياد آل الحسين على صورة لائقة لعلها تخفف من حدة وغضب يزيد عليه.

ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (4/ 559): وأما ما ذكر من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد وحملهم على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب وباطل، ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبي بين هاشم قط، ولكن كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيراً.

ولما دخل أبناء الحسين على يزيد قالت: فاطمة بنت الحسين: يا يزيد أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت، قالت فاطمة: فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي. الطبري (5/ 464) من طريق عوانة.

وعندما دخل علي بن الحسين على يزيد قال: يا حبيب إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع الله به ما رأيت يقصد أنه قد حدث له ما قدره الله له -، فقال علي بن الحسين {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} [الحديد/ 22]، ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجبه، فلم يدر خالد ما يقول فقال يزيد قل له: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوعن كثير} [الشورى/ 3]. الطبري (5/ 464) من طريق عوانة وأنساب الأشراف (3/ 22) بإسناد حسن.

وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ لهن كل امرأة تدعي شيئاً بالغاً ما بلغ إلا أضعفه لهن في العطية. وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعى علي بن الحسين. وبعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي نبي علي. - ولعل يزيد أراد باستقدامه لهؤلاء الموالي إظهار مكانة الحسين وذويه ويكون لهم موكب عزيز عند دخول المدينة -. وبعد أن وصل الموالي أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن وأعطاهن كل ما طلبن حتى أنه لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها. وقبل أن يغادروا قال يزيد لعي بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت. ابن سعد في الطبقات (5/ 397) بإسناد جمعي.

قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/ 559): وأكرم أبناء الحسين وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة.

وعند مغادرتهم دمشق كرر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لوأني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولوبهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت، كاتبني بكل حاجة تكون لك. الطري (5/ 462).

وأمر يزيد بأن يرافق ذرية الحسين وفد من موالي بني سفيان، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا، وبعث معهم محرز بن حريث الكلبي وكان من أفاضل أهل الشام. ابن سعد في الطبقات (5/ 397) بإسناد جمعي.

وخرج آل الحسين من دمشق محفوفين بأسباب الاحترام والتقدير حتى وصلوا إلى المدينة. قال ابن كثير في ذلك: وأكرم آل الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة.. البداية والنهاية (8/ 235).

وإن الاتهام الموجه الآن إلى يزيد بن معاوية هوأنه المتسبب الفعلي في قتل الحسين رضي الله عنه.

قلت: يزيد بن معاوية رحمه الله كما هومعروف أصبح خليفة للمسلمين، وانقاد له الناس وظل معترفاً به من غالب الصحابة والتابعين وأهل الأمصار حتى وفاته، ولقد امتنع عن بيعته اثنان من الصحابة فقط وهما: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

وكان الشيعة في العراق يطالبون الحسين بالقدوم عليهم، وخرج الحسين إلى العراق بعد أن كتب إليه مسلم بن عقيل بكثرة المبايعين وأن الأمور تسير لصالحه.

ولوأننا لاحظنا موقف يزيد بن معاوية من الحسين بن علي طوال هذه الفترة التي كان خلالها الحسين معلناً الرفض التام للبيعة ليزيد، وهي الفترة التي استمرت (شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة) لوجدنا أن يزيد لم يحاول إرسال جيش للقبض على المعارضين (الحسين وابن الزبير) بل ظل الأمر طبيعياً وكأن يزيد لا يهمه أن يبايعا أويرفضا. وكما يبدو، فإن يزيد حاول أن يترسم خطى والده في السياسة ويكون حليماً حتى آخر لحظة، وأن يعمل بوصية والده، وذلك بالرفق بالحسين ومعرفة حقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد وجه يزيد اهتمامه نحوالعراق، وبالأخص الكوفة التي بدأت مؤشرات الأحداث فيها تزداد سوءاً، وتنذر بانفتاح جبهة داخلية في الدولة.

ولهذا تدارك الأمر وعين عبيد الله بن زياد أميراً على الكوفة، واستطاع ابن زياد بما وهب من حنكة ودهاء وحزم أن يسيطر على الكوفة وأن يقتل دعاة التشيع بها.

وفي المقابل فإن يزيد بن معاوية لم يكن غافلاً عن تحركات الحسين رضي الله عنه، ولهذا لما عزم الحسين على التوجه إلى الكوفة كتب يزيد إلى ابن زياد رسالة يخبره بقدوم الحسين إلى الكوفة قائلاً له: بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك بين الأزمان وبلدك بين البلدان وابتليت به بين العمال.. وضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة، غير ألا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلى في كل ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة الله. مجمع الزائد (9/ 193) ورجاه ثقات إلا أن الضحاك لم يدرك القصة. والطبري (5/ 38).

وعند النظر إلى المقطع الأول من كلام يزيد فإننا نحس بأن يزيد يوجه ابن زياد إلى مكانة الحسين وعلوقدره، وإلا فما معنى (قد ابتلي به زمانك من بي الأزمان..). ولم كان يزيد حريصاً على قتل الحسين لما أطراه لعامله بهذا الشكل المخيف وحذره منه، كما أنه لا يعني أن هذا التضخيم من شأن الحسين هوحمل ابن زياد على الاستعداد له بكل ما يستطيع، وذلك لأن الحسين خرج في عدد قليل ويزيد يعرف هذا. وليس في عبارات يزيد ما يدل على أنه طلب من ابن زياد الاجتهاد في القضاء على الحسين، بل إن الشق الثاني من رسالة يزيد تلزم ابن زياد بعدم قتل أحد إلا في حالة مقاتلة المعتدي، كما أن فيها طلباً أكيداً من ابن زياد بوجوب الرجوع إلى يزيد في كل حدث يحدث، ويكون المقرر الأخير فيه هويزيد نفسه.

وبعد أن اقترب الحسين من الكوفة واجهه ابن زياد بالتدابير التي سبق ذكرها، حتى أرسل إلى الحسين عمر بن سعد قائداً على سرية ألجأت الحسين إلى كربلاء، كان وصول الحسين إلى كربلاء هويوم الخميس الموافق الثالث من المحرم. الطبري (5/ 49).

واستمرت المفاوضات بين ابن زياد وبين الحسين بعد وصوله إلى كربلاء حتى قتل رضي في العاشر من المحرم. أي أن المفاوضات استمرت أسبوعاً واحداً تقريباً، ومن المعلوم أن المسافة التي تفصل بين دمشق والكوفة تحتاج إلى وقت قد يصل إلى أسبوعين، أي أن ابن زياد اتخذ قراره والذي يقضي بقتل الحسين دون الرجوع إلى يزيد، أوأخذ مشورته في هذا العمل الذي أقدم عليه، وبذلك يكون قرار ابن زياد قراراً فردياً خاصاً به لم يشاور يزيد فيه، وهذا الذي يجعل يزيد يؤكد لعلي بن الحسين بأنه لم يكن يعلم بقتل الحسين ولم يبلغه خبره إلا بعد ما قتل.

ولعل فيما ذكرنا من أدلة تبين عدم معرفة يزيد بما أقدم عليه ابن زياد من قتل الحسين رضي الله عنه، إضافة إلى أقوال الصحابة التي ذكرناها سابقاً والتي تحمّل المسؤولية في قتل الحسين على أهل العراق، ولم نجد أحداً من الصحابة وجه اتهاماً مباشراً إلى يزيد، ولعل في ذلك كله دليلاً واضحاً على أن يزيد لا يتحمل من مسؤولية قتل الحسين شيئاً فيما يظهر لنا، أما الذي في الصدور فالله وليه وهوأعلم به، ولسنا مخوّلين للحكم على الناس بما في صدورهم، بل حكمنا على الناس بما يثبت لنا من ظاهرهم والله يتولى السرائر وهوعليم بكل شيء.

ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الوصية الكبرى (ص 45): ولم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله. ويقول في موضع آخر من منهاج السنة (4/ 472): إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا له.. فلما أدركته السرية الظالمة، طلب أن يذهب إلى يزيد أويذهب إلى الثغر أويرجع إلى بلده، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى سيتأسر لهم، فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه.

وقال الطيب النجار: وتقع تبعية قتله أي الحسين على عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد، ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئاً من هذه التبعة، وهوبريء من تهمة التحريض على قتل الحسين. الدولة الأموية (ص 13).

ولكن يزيد بن معاوية انتقد على عدم اتخاذ موقف واضح من ابن زياد أومن الذين شرعوا في قتل الحسين رضي الله عنه.

فهذا شيخ الإسلام يقول: ولكنه مع ذلك أي مع إظهار الحزم على الحسين ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره. منهاج السنة (4/ 558).

وقال ابن كثير:.. ولكنه لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك، والله أعلم. البداية والنهاية (9/ 24).

وكل الذي أبداه شيخ الإسلام وغيره من هذه الاعتراضات لها قدر كبير من الوجاهة والأهمية، ولكن معرفة ظروف العصر الذي حدثت فيه الحادثة، تجعلنا أكثر تعمقاً في مناقشة هذا الرأي.

فالكوفة كما هومعروف هي مركز التشيع في تلك الفترة، وهي بلدة غير مستقرة، معروفة بثوراتها وفتنها، وطوائفها وأحزابها، وعندما كان أمير الكوفة النعمان بن بشير رضي الله عنه كادت الأمور أن تنفلت من يده، فلما أسل يزيد ابن زياد أميراً على الكوفة استطاع ابن زياد في مدة قصيرة أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يكبح جماح الثورة، وسيطر سيطرة كاملة على الكوفة، وحتى بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، فإن الوضع الأمني في الكوفة ازداد خطورة، ولا أظن أن يزيد يسجد قائداً بحزم ابن زياد وبقوته، ثم إن الشيعة لن ترضى سواء عُزل ابن زياد أم بقي، ولن تغير ما في قلوب الشيعة من حقد على الدولة نفسها.

ولوأقدم يزيد على إقالة ابن زياد فإنه سيدفع تكاليف هذه الخطوة كثيراً، وربما سوف يتحول الوضع إلى ثورة كبرى يقودها الشيعة أنفسهم والمتأسفون لقتل الحسين كما حدث بعد ذلك بقترة وجيزة والمعروفة بحركة التوابين.

أما بالنسبة إلى تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه، فإن هذا ليس من السهولة، فنفس الصعوبات التي اعترضت علياً رضي الله عنه في عدم تتبعه لقتلة عثمان رضي الله عنه، ومن بعده معاوية رضي الله عنه، والذي كان من المصرين على تنفيذ القصاص على قتلة عثمان، سوف تعترض يزيد بن معاوية لوأنه أراد تتبع قتلة الحسين.

ولعل تصرف سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنهمالذي قاد التوابين ضد ابن زياد يوضح هذه المسألة بوضوح، فقد أدرك سليمان بن صرد أن قتلة الحسين رضي الله عنه في الكوفة، ومع ذلك اتجه لمقاتلة ابن زياد بدلاً من مقاتلة قتلة الحسين في الكوفة قائلاً لأصحابه: (إني نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة، وفرسان العرب، وهم المطاَلبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطاَلبون كانوا أشد عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لوخرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم، ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم حذراً.. الطبري (5/ 558).

وبهذا يتضح السبب أكثر في عدم تتبع قتلة الحسين، وبالأخص من قبل الدولة الأموية؛ إذ ليس الأمر بالهين وهم يتبعون قبائل كبيرة لها وزنها الاجتماعي والسياسي، فلربما أدى تصرف مثل هذا، إلى زعزعة أمن الدولة وبالأخص في منطقة العراق كلها، ثم إن يزيد لم يتفرغ بعد لمحاسبة ولاته، بل كانت الثورات متتابعة، فمعارضة ابن الزبير أخذت تكبر وتنمو، وأهل الحجاز قلوبهم ليست مع يزيد إلى غير ذلك من مشاكل الدولة الخارجية، والتي تجعل يزيد عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي مع ولاته أوالذين أخطأوا في حق الحسين رضي الله عنه.


 زعمهم بأن يزيد أمر بقتل الحسين

بالنسبة للفتنة التي حدثت بين سيد نا الحسين رضي الله عنه ويزيد وقانا الله شرها
ومقتل الحسين ليس مسؤل عنه يزيد فلو قلنا ان يزيد كان مسؤلا عن مقتل الحسين فاذا لحملنا سيدنا علي كذلك مسؤلية مقتل الزبير بن العوام التي امه صفية بنت عبدالمطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فقد قتله عمروبن جرموز وكان مع سيدنا علي
هنا انقل حوار من كتاب الامام علي قدوة واسوة / للمدرسي
تبين ان سيدنا علي لم يامر بن جرموز بقتل الزبير

قال طلحة : أَلَّبت الناس على عثمان .
فقال علي : " يومئذ يوفيهم اللـه دينهم الحق ويعلمون أن اللـه هو الحق المبين . يا طلحة تطلب بدم عثمان ؟ فلعن اللـه قتلة عثمان ، يا طلحة جئت بعرس رسول اللـه (ص) تقاتل بها ، وخبَّأت عرسك ، أما بايعتني ؟ " صفحه 68 .
ثم ذكَّر الإمام (عالزبير ببعض المواقف مع رسول اللـه (ص) ، فاعتزل المعركة ، ولما اعتزل الزبير الحرب وتوجه تلقاء المدينة ، تبعه ابن جرموز فغدر به ، وعاد بسيفه ولامة حربه إلى الإمام (ع) فأخذ الإمام يقلِّب السيف ويقول :
سيف طالما كشف به الكرب عن وجه رسول اللـه (ص) " ! .
فقال ابن جرموز : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال : إني سمعت رسول اللـه (ص) يقول : " بشر قاتل ابن صفيه ( الزبير ) بالنار " ! .
ثم خرج ابن جرموز على عليِّ مع أهل النهروان فقتله معهم فيمن قتل صفحه69 .

ابن جرموز قتل الزبير ليس بامر من سيدنا علي

==
وكذلك الحسين لم يقتل بامر من يزيد

بل ان يزيد بن معاوية لم يكن يريد قتل الحسين هذا كما ورد في كتب الشيعة على لسان الامام علي بن الحسين رضي الله عنهما

كتاب الاحتجاج
احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما ادخل عليه روت ثقات الرواة.......

ثم قال له علي بن الحسين عليه السلام: يا يزيد بلغني انك تريد قتلي، فان كنت
لابد قاتلي، فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له يزيد لعنه الله: لا يؤديهن غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فو الله ما امرته بقتل أبيك، ولو كنت متوليا لقتاله ما قتلته، ثم احسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة

فاذا يزيد لم يامر ولم يريد مقتل الحسين مثلما لم يامر ولم يريد سيدنا علي مقتل الزبير

فالذي قتل الزبير عمرو بن جرموز شيعي

والذي قتل الحسين شيعي شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي شيعي ايضا
بل الشيعة سبب البلاء فقد كاتبوا الحسين للقدوم اليهم ثم خذلوا الحسين


وما روي عن خذلان الشيعة للحسين

أخرج (الحسين) إلى الناس كتاباً فيه : «أمّا بعد : فقد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرجِ ، فليس عليه ذمام » . اعلام الورى

دعاء الامام الحسين رضي الله عنه على الشيعة

الامام الحسين عليهم التي تلاحقهم وتصيبهم لقد دعا الامام الحسين رضي الله عنه على شيعته قائلاً : " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا ، و لا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا " { الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة
قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن الشيعي

شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي، أبو السابغة، من كبار قتلة ومبغضي الحسين عليه السّلام، كان في أول أمره من ذوي الرّئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة وشهد يوم صفين مع عليّ عليه السّلام، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة: اللهمّ إنك تعلم أني شريف فاغفر لي!!! فقال له: كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله ؟! فقال: ويحك كيف نصنع، إن أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم! ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحُمر. ثمّ أنه لمّا قام المختار طلب الشمر، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففَجَأه جمع من رجال المختار، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكّن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكّن منه أبو عَمرة فقتله وأُلقيت جثته للكلاب. الكامل في التاريخ 92:4، ميزان الاعتدال 449:1، لسان الميزان 152:3، جمهرة الأنساب 72، سفينة البحار 714:1، الأعلام 175:3 ـ 176
ابن الأثير 4 / 55 - البداية والنهاية 7 / 270

هنا شعر لاحد الشيعة الخونة الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه
و قال زحر بن قيس الشيعي :
فصلى الإلاه على احمد
رسول المليك تمام النعم‏
رسول نبي و من بعده‏
خليفتنا القائم المدعم‏
عنيت عليا وصي النبي‏
يجالد عنه غواة الامم
و زحر هذا شهد مع علي (ع) الجمل و صفين كما شهد صفين معه شبعث بن ربعي و شمر بن ذي الجوشن الضبابي ثم حاربوا الحسين عليه السلام يوم كربلاء فكانت لهم خاتمة سوء نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
و في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 9
السيد محسن الامين الحسيني العاملي
شبث بن ربعي
5687 - شبث ( شيث ) بن ربعي :
كاتب الحسين ( عليه السلام ) ، وطلب منه القدوم إلى الكوفة وكان من المحاربين ، ولقد خاطبه الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء فنادى :
يا شبث بن ربعي ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الاشعث ، ويا يزيد بن
الحارث ، ألم تكتبوا لي أن أينعت الثمار واخضر الجناب ، وإنما تقدم على جند لك
مجندة . . إلخ ، ذكره الشيخ المفيد في الارشاد في أواسط ( فصل وكان خروج مسلم
ابن عقيل - رحمة الله عليه - بالكوفة يوم الثلاثاء ) .
 ==

واضيف ان شبث من الذين ثاروا على الخليفة عثمان بن عفان
==
زينب وتحميلها الشيعة ما حدث
خطبة زينب بنت علي بن ابي طالب
يقول الامام
زين العابدين عليه السلام ان هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم

خطبة زينب بنت علي بن ابي طالب بحضرة أهل الكوفة... في ذلك اليوم تقريعا لهم وتأنيبا عن حذيم بن شريك الاسدي(2) قال لما اتي علي بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء، وكان مريضا، واذا نساء اهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب، والرجال معهن يبكون. فقال زين العابدين عليه السلام - بصوت ضئيل وقد نهكته العلة -: ان هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم، فاومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى الناس بالسكوت. قال حذيم الاسدي: لم اروالله خفرة قط انطق منها، كأنها تنطق وتفرغ على لسان علي عليه السلام، وقد اشارت إلى الناس بان انصتوا فارتدت الانفاس وسكنت الاجراس، ثم قالت - بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله - اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختل(3) والغدر، والخذل ! ! الا فلا رقأت العبرة(4) ولا هدأت الزفرة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا(1) تتخذون ايمانكم دخلا بينكم(2) هل فيكم الا الصلف(3) والعجب، والشنف(4) والكذب، وملق الاماء وغمز الاعداء(5) او كمرعى على دمنة(6) او كفضة على ملحودة(7) الا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون، اتبكون اخي؟ ! اجل والله فابكوا فانكم احرى بالبكاء فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فقد ابليتم بعارها، ومنيتم بشنارها(8) ولن ترحضوا ابدا(9وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب اهل الجنة، وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم، واسى كلمكم(10) ومفزع نازلتكم، والمرجع اليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم(11) ومنار محجتكم، الاساء ما قدمت لكم انفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعسا تعسا ! ونكسا نكسا ! لقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، اتدرون ويلكم اي كبد لمحمد صلى الله عليه وآله فرثتم؟ ! واي عهد نكثتم؟ ! واي كريمة له ابرزتم؟ ! واي حرمة له هتكتم؟ ! واي دم له سفكتم؟ ! لقد جئتم شيئا ادا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ! لقد جئتم بها شوهاء صلعاء، عنقاء، سوداء، فقماء خرقاء(12كطلاع الارض، او ملا السماء(13)
___________________________________
(1) 
اى: حلته واقسدته بعد ابرام. (2) اى: خيانة وخديعة. (3) الصلف: الذى يمتح بما ليس عنده. (4) الشنف: البعض بغير حق. (5) الغمز: الطعن والعيب. (6) الدمنة: المزبلة. (7) الفضة: الجص. والملحودة: القبر. (8) الشنار: العار. (9) اى لن تغسلوها. (10اى: دواء جرحكم. (11) المدرة زعيم القوم ولسانهم المتكلم عنهم. (12) الشوهاء: القبيحة. والفقهاء اذا كانت ثناياها العليا إلى الخارج فلا تقع على السفلىوالخرقاء: الحمقاء. (13) طلاع الارض: ملؤها.
دعاء الامام الحسين رضي الله عنه على الشيعة
الامام الحسين عليهم التي تلاحقهم وتصيبهم لقد دعا الامام الحسين رضي الله عنه على شيعته قائلاً : " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا ، و لا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا " { الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة
المزيد

الإمام علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله وموقفه من الشيعة:
وأما علي بن الحسين الملقب بزين العابدين فأبان عوارهم وأظهر عارهم وكشف من حقيقتهم فقال :
إن اليهود أحبوا عزيراً حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإن النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وأنا على سنة من ذلك، إن قوماً من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى، فلا هم منا ولا نحن منهم .
هذا، وشيعته خذلوه وتركوه، ولم يبقى منهم إلا الخمسة كالرواية التي رويناها قبل، وأيضاً ما رواه فضل بن شاذان ["رجال الكشي" ص107].
أو ثلاثة كما ذكر جعفر بن الباقر أنه قال :
ارتد الناس بعد قتل الحسين (ع) إلا ثلثه، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم - وروى يونس بن حمزة مثله وزاد فيه : وجابر بن عبد الله الأنصاري" ["رجال الكشي" ص113].

(
الإمام الباقر وابنه الصادق رحمهما الله ويأسهما من الشيعة):
وأما محمد الباقر فكان يائساً من الشيعة إلى حد حتى قال :
لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلثه أرباعهم لنا شكاكاً والربع الآخر أحمق" ["رجال الكشي" ص179].
ويشير جعفر أنه لم يكن لأبيه الباقر مخلصون من الشيعة إلا أربعة أو خمسة كما روى :
إذا أراد الله بهم سوء صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتى أحياءاً وأمواتاً، يحيون ذكر أبي، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأيول الغالين . ثم بكى فقلت : من هم؟ فقال : من عليهم صلوات الله عليهم ورحمته أحياء وأمواتاً بريد العجلي وزرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم" ["رجال الكشي" ص124].
وأما الباقر فكان لا يعتمد حتى ولا على هؤلاء، فكما روي عن هشام بن سالم عن زرارة أنه قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال؟ فقال :
لا بأس به، ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان" ["رجال الكشيص140].
ثم وكيف كان هؤلاء ؟ فأعرفهم عن جعفر أيضاً، ولقد روى مسمع أنه سمع أبا عبد الله يقول :
لعن الله بريداً، لعن الله زرارة" ["رجال الكشي" ص134].
وأما أبو بصير فقالوا : إن الكلاب كان تشغر في وجه أبي بصير" ["رجال الكشي ص155].

وأما جعفر بن الباقر فإنه أظهر شكواه عن شيعته بقوله حيث خاطب :
أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً" ["الأصول من الكافي" ج1 ص496 ط الهند].
ولأجل ذلك قال له أحد مريديه عبد الله بن يعفور كما رواه بنفسه :
"
قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوال لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق" ["الأصول من الكافي" ج1 ص375 ط طهران].
وفوق ذلك شكاكاً في القوم كله، ولأجل ذلك لم يكن يفتيهم إلا بفتاوى مختلفة حتى لا يفضوها إلى الأعداء والمخالفين كما مر بيانه مفصلاً.
وإنه كان كثيراً ما يقول :
ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور" ["رجال الكشي" ص213].
ومرة خاطب شيعته فقال :
ما لكم وللناس قد حملتم الناس عليّ؟ إني والله ما وجدت أحداً يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلاً واحداً عبد الله بن يعفور، فإني أمرته وأوصيته بوصية فأتبع أمري وأخذ بقولي" ["الأصول من الكافي" ص215].

(
الإمام موسى الكاظم ووصفه للشيعة)
وأما ابنه موسى فإنه وصفهم بوصف لا يعرف وصف جامع ومانع لبيان الحقيقة مثله، وبه نتم الكلام، فإنه قال :
لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الأف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبقى منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكؤوا على الأرائك، فقالوا : نحن شيعة علي" ["الروضة من الكافي" ج8 ص228].

  وإليه ننيب.


من قتل الحسين: أهم أهل السنة ؟ أم معاوية ؟ أم يزيد بن معاوية ؟ أم من ؟

 

إن الحقيقة المفاجئة أننا نجد العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين. فقد قال السيد محسن الأمين"بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه"{ أعيان الشيعة 34:1 }.

وكانو تعساً الحسين يناديهم قبل أن يقتلوه:"ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، و أنما تقدم على جند مجندة؟ تباً لكم أيها الجماعة حين على استصرختمونا والهين، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً أوليائكم و سحقاً، و يداً على أعدائكم. استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، و تهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً، بعداً لطواغيت هذه الأمة"{ الاحتجاج للطبرسي }.

ثم ناداهم الحر بن يزيد، أحد أصحاب الحسين وهو واقف في كربلاء فقال لهم"أدعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا جاءكم أسلمتموه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم ؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ"{ الإرشاد للمفيد 234، إعلام الورى بأعلام الهدى 242}.

وهنا دعا الحسين على شيعته قائلاً:"اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً (أي شيعاً وأحزاباً) واجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا"{ الإرشاد للمفيد 241، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 }.

ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال:"هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا ؟" أي من قتلنا غيرهم { تاريخ اليعقوبي 235:1


ولما تنازل الحسن لمعاوية وصالحه، نادى شيعة الحسين الذين قتلوا الحسين وغدروا به قائلاً:"ياأهل الكوفة: ذهلت نفسي عنكم لثلاث: مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني و إني قد بايعت معاوية فاسمعوا و أطيعوا، فطعنه رجل من بني أسد في فخذه فشقه حتى بلغ العظم { كشف الغمة540، الإرشاد للمفيد190، الفصول المهمة 162، مروج الذهب للمسعودي 431:1}.

فهذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع، وتظاهروا بالبكاء، ولايزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا، ولو كان هذا البكاء يعكس شدة المحبة لأهل البيت فلماذا لايكون البكاء من باب أولى على حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الفظاعة التي قتل بها لا تقل عن الطريقة التي ارتكبت في حق الحسين رضي الله عنه حيث بقر بطن حمزة واستؤصلت كبده، فلماذا لايقيمون لموته مأتماً سنوياً يلطمون فيه وجوههم ويمزقون ثيابهم، ويضربون أنفسهم بالسيوف والخناجر ؟ أليس هذا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بل لماذا لايكون هذا البكاء على موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فإن المصيبة بموته تفوق كل شيء ؟ أم أن الحسين أفضل من جده لأنه تزوج ابنة كسرى الفارسية؟


هل يجوز لعن يزيد بن معاوية؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

المبحث الاول: هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
 
الحقيقة أنني ترددت كثيراً في إدراج هذه المسألة في هذا البحث وذلك لسببين، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس، وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
 
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية، وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه"الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد"، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال:"كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر"، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير - رحمه الله - حينما قال:"وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم، والحلم، والفصاحة، والشعر، والشجاعة، وحسن الرأي في الملك، وكان ذا جمال وحسن معاشرة، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات، وترك الصلوات في بعض أوقاتها، وإماتتها في غالب الأوقات"
 
قلت: الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مصرّاً على ذلك، والثاني: أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة.
 
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها:
 
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى { ألا لعنة الله على الظالمين }
 
الرد على هذه الشبهة:
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:"هذه آية عامة كآيات الوعيد، بمنـزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح، إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفّرة، وإما شفاعة شفيع مطاع، ومنها رحمة أرحم الراحمين"ا.هـ.
 
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط، وارتفعت الموانع، وليس الأمر كذلك"
 
ثانياً: استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين - رضي الله عنه -:
 
الرد على هذه الشبهة:
 
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين - رضي الله عنه -، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة، ولم يأمر بقتله، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده
 
 
. قال ابن الصلاح - رحمه الله -:"لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي الحسين رضي الله عنه -، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك" 
 
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:"إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط"ا.هـ.
 
قال ابن كثير - رحمه الله -:"وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله - أي قتل الحسين - بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه، كما أوصاه أبوه، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو"ا.هـ.
 
وقال الغزالي - رحمه الله -:"فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت، فضلاً عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق"
 
قلت: ولو سلّمنا أنه قتل الحسين، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه، لكن بتأويل باطل، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح، بل حُكِي عنه خلاف ذلك.
 
قال الغزالي:"فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله وهو كافر، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر، وليس في السكوت خطر، فهو أولى"
 
ثالثا: استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة، وأنه أباح المدينة ثلاثاً حيث استدلوا بحديث"من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله من صرفاً ولا عدلاً" 
الرد على هذه الشبهة:
 
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة، وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر"، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور، لذلك قال الفضيل بن عياض- رحمه الله -:"لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد"، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام:"إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين، ويُظن أن فيها خيراً".
 
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي:
 
-غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين، ويتولى المسلمين أفضلهم.
 
- عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة.
 
قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف:"على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولاً، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم"، ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم، فقد قال العلماء:"إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة"، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة و طلحة و الزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدراً عند الله، وأحسن نية من غيرهم.
 
فخروج أهل الحرة كان بتأويل، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.وكان علي - رضي الله عنه - يقول:"لو أن رجلاً ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه"
 
أما إباحة المدينة ثلاثاً لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة (الطبري والبلاذري) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئاً بهذه الصدد، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته.
 
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال:"هو فعل بالمدينة ما فعل قلت: وما فعل ؟ قال: قتل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل. قلت: وما فعل ؟ قال: نهبها"وإسنادها صحيح، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات، وإلا فالأمر مجرد دعوى، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك، من أمثال الدكتور نبيه عاقل، والدكتور العرينان، والدكتور العقيلي. قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه"ذكر أسماء الرواة متخلياً عن مسئولية ما رواه، محملاً إيانا مسئولية إصدار الحكم، يقول الطبري في مقدمة تاريخه:"فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا"ا.هـ.
 
قلت: ولا يصح في إباحة المدينة شيء، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور - جزاه الله خيراً - في كتابه المفيد"أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري - والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة:
 
نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي. ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصاً واحداً، وعن الواقدي ثلاثة نصوص. ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحياناً من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع.ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة. وعن الواقدي مرتين. واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط، فقد نقل عنه أربعاً وعشرين مرة.ونقل الذهبي نصين عن الواقدي. وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي. وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه.
 
قلت: ممّا سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي، وهشام الكلبي، وأبي مخنف، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر.
 
أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة، فالواقدي قال عنه ابن معين:"ليس بشيء". وقال البخاري:"سكتوا عنه، تركه أحمد وابن نمير". وقال أبو حاتم و النسائي:"متروك الحديث".وقال أبو زرعة:"ضعيف".
 
أما الروايات التي من طريق أبي مخنف، فقد قال عنه ابن معين:"ليس بثقة"، وقال أبو حاتم:"متروك الحديث". وقال النسائي:"إخباري ضعيف". وقال ابن عدي:"حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين، ولا يبعد أن يتناولهم، وهو شيعي محترق، صاحب أخبارهم، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره". وأورده الذهبي في"ديوان الضعفاء"و"المغني في الضعفاء". وقال الحافظ:"إخباري تالف".
 
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض:
 
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان: ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان: قال: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام. فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء، فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
 
- أما رواية المدائني فقد قال الشيباني:"ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرّة للمدائني، وهنا يبرز سؤال ملح: وهو لماذا الطبري والبلاذري، وخليفة وابن سعد وغيرهم، لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم، وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟ قد يكون هذا الخبر أُقحم في تآليف المدائني، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة، وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق، وبلاد الشام، ومصر في آن واحد، وذلك في القرن الرابع الهجري، أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله، ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد"ا.هـ.
 
- في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 400) وقال:"قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه. وسألت البرقاني عنه فقال: ضعّفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك، وقالوا: إنما حديث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه؟"ا.هـ.
 
-راوي الخبر هو: المغيرة بن مقسم، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة، وتوفي سنة 136هـ، فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة.
 
-كذلك المغيرة بن مقسم مدلس، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع.
 
- الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط، اختلط قبل موته، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط، فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
 
- الرواية السالفة روِيَت بصيغة التضعيف، والتشكيك بمدى مصداقيتها:"زعم المغيرة - راوي الخبر - أنه افتض فيها ألف عذراء.
 
- أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت:"رأيت امرأة من قريش تطوف، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته، فقلت: يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت: هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة"ا.هـ.
 
- خالد الكندي وعمّته لم أعثر لهما على ترجمة.
 
- أمّا الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة أن الزبير بن بكار قال: حدثني عمّي قال: كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة، وجلداً فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفرّ ابن مطيع ونجا، توارى في بيت امرأة، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها، فامتنعت منه، فصرعها، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله"
 
- وهذه الرواية منقطعة، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ، والحرة كانت في سنة 63هـ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة.
 
قلت:فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة،بالرغم من أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر - رحمهما الله - قد أقراّ بوقوع الاغتصاب، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده، وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميّه حينما قال في المنهاج:"لا بد من ذكر (الإسناد) أولاً، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جُرْزَةِ بقل لم يقبل منه، فكيف يحتج به في مسائل الأصول"ا.هـ. فكيف نقبل الحكم الصادر على الجيش الإسلامي في القرون المفضلة بأنه ينتهك العرض دون أن تكون تلك الروايات مسندة، أو لا يمكن الاعتماد عليها ! ثم على افتراض صحتها جدلاً فأهل العلم حينما أطلقوا الإباحة فإنما يعنون بها القتل والنهب كما جاء ذلك عن الإمام أحمد، وليس اغتصاب النساء، فهذه ليست من شيمة العرب، فمن المعلوم أن انتهاك العرض أعظم من ذهاب المال، فالعرب في الجاهلية تغار على نسائها أشد الغيرة، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الجانب ويزيده قوة إلى قوته، واستغل الرافضة هذه الكلمة - الإباحة - وأقحموا فيها هتك الأعراض، حتى أن الواقدي نقل بأن عدد القتلى بلغ سبعمائة رجل من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجوه الناس، وعشرة آلاف من سائر الناس ! وهو الذي أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- فقال: لم يقتل جميع الأشراف، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -"ا.هـ.
 
-ثم إن المدينة كانت تضم الكثير من الصحابة والتابعين، وبعضهم لم يشترك في المعركة من أمثال: ابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وعلي بن الحسين، وسعيد بن المسيِّب، وهؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون النساء المؤمنات يفجر بهنّ، حتى التبس أولاد السفاح بأولاد النكاح كما زعموا !.
 
- كما أننا لا نجد في كتب التراجم أو التاريخ ذكراً لأي شخص قيل إنه من سلالة أولاد الحرة (الألف) كما زعموا.
 
- سجّل لنا التاريخ صفحات مشرقة ما اتسم به الجندي المسلم والجيوش الإسلامية، من أخلاق عالية وسلوك إسلامي عظيم، حتى أدت في بعض الأحيان إلى ترحيب السكان بهم، كفاتحين يحملون الأمن والسلام والعدل للناس.
 
- لم ينقل إلينا أن المسلمين يفتحون المدن الكافرة، ويقومون باستباحتها وانتهاك أعراض نسائها ! فكيف يتصور أن يأتي هذا المجاهد لينتهك أعراض المؤمنات، بل أخوات وحفيدات الصحابة - رضوان الله عليهم - سبحانك هذا بهتان عظيم.