الكاتب : د. سالم أحمد ..
سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنة
دراسة تحليلية لاجتماع الصحابة في السقيفة
التعريف بسقيفة بني ساعدة
السقيفة تعني الظلة، وهي شبه البهو الواسع الطويل السقف. وكان لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج ظلة يجلسون تحتها هي دار ندوتهم لفصل القضايا، واشتهرت بسقيفة بني ساعدة، وكان دار سعد بن عبادة قريبا من هذه الظلة وقد اجتمع فيها الانصار أوسهم وخزرجهم ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة بعد وفاة النبـي (صلى الله عليه وآله وسلم) [1]. فسمع المهاجرون بالخبر فلحقهم نفر منهم وهم ابوبكرالصديق وعمربن الخطاب وابو عبيدة عامر بن الجراح. وبعد اخذ ورد بين الطرفين انتهى الاجتماع بمبايعة ابي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين.
اختلف السنة والشيعة في تقويم هذا الاجتماع فأهل السنة يعدّونه دليلا على أن تنصيب الامام أو الخليفة يكون عن طريق الامة لا عن طريق الوحي اي باختيار المسلمين لا بالنص عليه من الله او من الرسول، ويرونه دليلا على أن النبـي مات ولم يوص لأحد بالخلافة، بينماالشيعة يقولون ان الامامة أمر ديني شأنها شأن النبوة تكون بتعيين من الله أو من النبـي أو من الامام، ولا يُوكَل اختيار الامام الى الناس، وأن علي بن أبي طالب هو الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل بنص القرآن والسنة، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ البيعة له في غدير خم عشية رجوعه من حجة الوداع، وبذلك يكون اجتماع الصحابة في السقيفة خروجا على هذه النصوص ونكثا للبيعة وانقلابا على علي بن أبى طالب ويجعلون من هذا الاجتماع وسيلة للنيل من الصحابة واتهامهم بنقض العهد والانقلاب على الأعقاب بل وحتى الارتداد.
أي أن نظرة السنة والشيعة الى هذا الاجتماع متناقضة تماما، فالسنة كما قلنا يجعلون منه دليلا شرعيا على كيفية تنصيب الامام أو الخليفة،أو على أقل تقدير دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يُسمِّ احدا للخلافة، والشيعة يجعلون منه وسيلة للطعن في الصحابة وتجريحهم، فأي الفريقين على الحق وأي النظرتين هي الصحيحة ؟ هذا ما سنبحثه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ماذا حدث في السقيفة
قبل ان نقوّم اجتماع الصحابة في السقيفة لا بد أن نذكر أولا كيفية حدوثه، والطرف الذي دعا اليه، وما جرى فيه من مداولات بين الاطراف المتنازعة، وماذا نتج عنه، لأن معرفة هذه الامور كفيلة بأن تحل لنا كثيرا من الاشكالات التي سوف نتحدث عنها بالتفصيل عند الحديث عن حيثيات السقيفة، وساعتمد على مجموعة مصادر اهمها الطبري، واليعقوبي ومسند احمد والبخاري. ولكن قبل ان نناقش الاحداث يجب ان نناقش الروايات لانه ليس من المعقول ان نحلل قولا او موقفا لم يحدث اصلا فيجب اولا اثبات حدوث امر ما او ورود قول ما ثم مناقشته، كما يقول المثل : اثبت العرش ثم انقش عليه.
روايات الطبري ومناقشتها:
اورد الطبري خمس روايات، احداها عن طريق الزهري عن ابن عباس توافق رواية البخاري ومسلم واحمد، واخرى جاءت عن طريق هشام الكلبـي عن ابي مخنف يحيى بن لوط فيها زيادات ليست في رواية الزهري، والخامسة عن طريق سيف بن عمر سنعرضها جميعا ثم نناقشها:
الرواية الاولى:
حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر زياد بن كليب عن أبي أيوب عن إبراهيم قال لما قبض النبـي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر غائبا فجاء بعد ثلاث ولم يجترىء أحد أن يكشف عن وجهه حتى اربد بطنه فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا ثم خرج أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ثم قرأ "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين "(آل عمران/144) وكان عمر يقول لم يمت وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقال ما هذا فقالوا منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء ثم قال أبو بكر إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة إن النبـي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا ابعث معنا أمينا فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وأنا أرضى لكم أبا عبيدة فقام عمر فقال أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبـي صلى الله عليه وسلم فبايعه عمر وبايعه الناس فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا.
حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا السيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.
تعليق: سوف لن اعلق على سند هذه الرواية ولكن اتحدث عن متنها فقد كفانا علماء الجرح مؤونة البحث ولكن اعلق على المتن:
-
هذه الرواية فيها طعن في الرسول وفي الصحابة في آن واحد وهي مخالفة للعقل والمنطق حيث يقول ان جثمان الرسول بقي ثلاثا ولم يجرؤ احد على كشفه حتى اتى ابو بكر وان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اربد بطنه، وهذا كلام لا يصدر عمن يوقر الرسول ! وهي مخالفة ايضا للروايات المتواترة التي تقول ان الصحابة اجتمعوا في المسجد في اليوم الذي توفي فيه رسول الله وانهم باشروا بغسله وتكفينه في اليوم نفسه الا ان دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تاخر الى ما بعد اختيار الخليفة، وان انشغال علي بتغسيل رسول الله كان وراء تخلفه عن السقيفة.
-
قول الراوي ان الانصار او بعض الانصار قالوا لا نبايع الا عليا سنناقشه فيما بعد عندما نتحدث عن حيثيات السقيفة.
-
مسألة ذهاب عمر الى بيت علي وتهديدهم بحرق الدار منافية للعقل والمنطق والروايات الصحيحة، وهي جدا مضطربة حيث جاءت بأساليب مختلفة ومتضاربة، فتارة تقول ان فاطمة هي التي فتحت الدار وحين سمعت تهديد عمر باحراق الدار دخلت الى البيت واخبرت الرجال بأن عمر جاد في تهديده فترك الرجال الدار من تلقاء انفسهم ولم يخرج اليهم احد متهددا، ورواية تقول ان الزبير هو الذي توشح سيفه وخرج اليهم فصرعه محمد بن مسلمة وأخذ سيفه، وفي رواية الطبري ان الزبير تعثر فسقط سيفه، وفي رواية اليعقوبي ان عليا توشح سيفه وخرج اليهم فصرعه عمر فأخذ السيف منه، وروايات شيعية تذكر ان عمر حصر فاطمة بين الباب والجدار فكسر ضلعها واسقطها جنينها ثم ساقوا عليا الى المسجد سوقا فبايع مضطرا، واخرى تقول انهم اقتادوه مشدودا بحبل وفاطمة والحسن والحسين يمشون خلفه يبكون ويولولون فربطوه بسارية المسجد حتى بايع، الخ من الروايات التي اريد بها الطعن في عمر فإذا هي طعن بعلي ووصف له بالجبن والضعف وفقدان الغيرة والمروءة..الخ
الرواية الثانية:
حدثنا زكريا بن يحيى الضرير قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا داود بن عبدالله الأودي عن حميد بن عبدالرحمن الحميري قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة فجاء فكشف الثوب عن وجهه فقبله وقال فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا مات محمد ورب الكعبة قال ثم انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب قائما يوعد الناس ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يمت وإنه خارج إلى من أرجف به وقاطع أيديهم وضارب أعناقهم وصالبهم قال فتكلم أبو بكر وقال أنصت قال فأبى عمر أن ينصت فتكلم أبو بكر وقال إن الله قال لنبـيه صلى الله عليه وسلم: إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون * وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... حتى ختم الآية فمن كان يعبد محمدا فقد مات إلهه الذي كان يعبده ومن كان يعبد الله لا شريك له فإن الله حي لا يموت قال فحلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما علما أن الآيتين نزلتا حتى قرأهما أبو بكر يومئذ إذ جاء رجل يسعى فقال هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظلة بني ساعدة يبايعون رجلا منهم يقولون منا أمير ومن قريش أمير قال فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتياهم فأراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر فقال لا أعصي خليفة النبـي صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين قال فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا نزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره وقال ولقد علمتم أن رسول الله قال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم قال فقال سعد صدقت فنحن الوزراء وأنتم الأمراء قال فقال عمر ابسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك فقال أبو بكر بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني قال وكان عمر أشد الرجلين قال وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ففتح عمر يد أبي بكر وقال إن لك قوتي مع قوتك قال فبايع الناس واستثبتوا للبيعة وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال لا أغمده حتى يبايع علي فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر قال فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان فبايعا.
مناقشة الرواية:
-
حسب هذه الرواية فان سعد بن عبادة قد اقتنع بمقولة ابي بكر وبايع. وهذا الذي يتماشى مع مكانة سعد بين المسلمين وفي قومه، فليس مثل سعد من يمتنع عن البيعة ثم لا يوافقه احد من عشيرته ولا من المسلمين. وعلى كل حال سواء بايع سعد ام لم يبايع فان الثابت عنه انه لم يحدث فتنة ولم يؤلب الناس على الخليفة وهذا بحد ذاته فضيلة كبيرة تليق بمثله في سابقته في الاسلام ورجاحة عقله.
-
بعض الروايات تذكر ان الزبير كان ميالا الى علي وداعيا الى مبايعته، وهذه الروايات ان افترضنا صحتها فانها من باب ميل الانسان الى مثيله، فعلي والزبير كانا محاربين جيدين واذا استعرنا المصطلحات الحديثة قلنا انهما كانا ينتميان الى المؤسسة العسكرية بينما ابو بكر وعمر كانا ينتميان الى المؤسسة السياسية حيث كانا من مستشاري الرسول ووزرائه.
وان كنت استبعد ذلك من الزبير لانه لا يعقل ان يجهل مثله مكانة ابي بكر ومنزلته وهو ممن اسلم على يديه وكان زوجا لابنته، وان موقفه المعارض لم يكن لاعتراضه على شخصية ابي بكر وانما لانه لم يكن يتوقع ان يؤخر عن المشورة ويُبت في الامر في غيابه وهو من السابقين الاولين ومن المبشرين بالجنة. نعم كان الزبير من مؤيدي بيعة علي بعد مقتل عثمان ولا استبعد ان يكون الرواة قد خلطوا بين موقف الزبير يوم توفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وموقفه يوم قتل عثمان.
الرواية الثالثة:
روى الطبري تحت عنوان حديث السقيفة:
حدثني علي بن مسلم قال حدثنا عباد بن عباد قال حدثنا عباد بن راشد قال حدثنا الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال كنت أقرئ عبدالرحمن بن عوف القرآن قال فحج عمر وحججنا معه قال فإني لفي منزل بمنى إذ جاءني عبدالرحمن بن عوف فقال شهدت أمير المؤمنين اليوم وقام إليه رجل فقال إني سمعت فلانا يقول لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلانا قال فقال أمير المؤمنين إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم قال قلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم الذين يغلبون على مجسلك وإني لخائف إن قلت اليوم مقالة ألا يعوها ولا يحفظوها ولا يضعوها على مواضعها وأن يطيروا بها كل مطير ولكن أمهل حتى تقدم المدينة تقدم دار الهجرة والسنة وتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها فقال والله لأقومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة قال فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت للحديث الذي حدثنيه عبدالرحمن فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير فجلست إلى جنبه عند المنبر ركبتي إلى ركبته فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت لسعيد وهو مقبل ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم تقل قبله فغضب وقال فأي مقالة يقول لم تقل قبله فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذنون فلما قضى المؤذن أذانه قام عمرفحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن لم يعها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله عز وجل بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله ورجمنا بعده وإني قد خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وقد كنا نقول لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبو عن آبائكم ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار بأسرها واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدرا فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار قالا فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فقلنا والله لنأتينهم قال فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة قال وإذا بين أظهرهم رجل مزمل قال قلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما شأنه قالوا وجع فقام رجل منهم فحمد الله وقال أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبـينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة قال فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وكان هو أوقر مني وأحلم فلما أردت أن أتكلم قال على رسلك فكرهت أن أعصيه فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به أو بأحسن منه وقال أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا إلا وأنتم له أهل وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب دارا ونسبا ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وإني والله ما كرهت من كلامه شيئا غير هذه الكلمة إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش قال فارتفعت الأصوات وكثر اللغط فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ثم نزونا على سعد حتى قال قائلهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد[2].
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير قال إن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة والآخر معن بن عدي أخو بني العجلان فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله لهم فيه: رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين(التوبة/108) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المرء منهم عويم بن ساعدة. وأما معن فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله وقالوا والله لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى أن نفتتن بعده فقال معن بن عدي والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا فقتل معن يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب.
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال حدثنا أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوا فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصبت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله.
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن حسين بن عبدالله عن عكرمة عن ابن عباس قال والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري قال وهو يحدث نفسه ويضرب وحشي قدمه بدرته قال إذ التفت علي فقال يابن عباس هل تدري ما حملني على مقالتي هذه التي قلت حين توفى الله رسوله قال قلت لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال والله إن حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الاية: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (البقرة/143) فوالله إني كنت لأظن أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت قال أبو جعفر فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم كان ذلك من فعلهم يوم الثلاثاء وذلك الغد من وفاته صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم إنما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام وقد مضى ذكر بعض قائلي ذلك.
الرواية الرابعة:
اوردها الطبري تحت عنوان : ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة:
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن النبـي صلى الله عليه وسلم لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا نولي هذا الأمر بعد محمد عليه السلام سعد بن عبادة وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض فلما اجتمعوا قال لابنه أو بعض بني عمه إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق مني قولي فأسمعهموه فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب إن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا اراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه منكم وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما رأيت ونوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده فقال طائفة منهم فإنا نقول إذا منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا فقال سعد بن عبادة حين سمعها هذا أول الوهن وأتى عمر الخبر فأقبل إلى منزل النبـي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبي بكر وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب عليه السلام دائب في جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي فأرسل إليه إني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره فخرج إليه فقال أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومن قريش أمير فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فتماشوا إليهم ثلاثتهم فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لهم ارجعوا فإنه لا يكون ما تريدون فقالوا لا نفعل فجاءوا وهم مجتمعون فقال عمر بن الخطاب أتيناهم وقد كنت زورت كلاما أردت أن أقوم به فيهم فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر رويدا حتى أتكلم ثم انطق بعد بما أحببت فنطق فقال عمر فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه فقال عبدالله بن عبدالرحمن فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور ثم قرأ" ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" (يونس/18) "وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى "(الزمر/3) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم وكل الناس لهم مخالف زار عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تفتانون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور قال فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدد والمنعة والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقض عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبـيها من غيركم ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم ومتورط في هلكة فقام الحباب بن المنذر فقال يامعشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة فقال عمر إذا يقتلك الله قال بل إياك يقتل فقال أبو عبيدة يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبـينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي المنة علينا بذلك ألا إن محمدا r من قريش وقومه أحق به وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم فقال أبو بكر هذا عمر وهذا ابو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقالا لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أويتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عقتك عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت أنفست على ابن عمك الإمارة فقال لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم قال هشام قال أبو مخنف فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا ابا بكر فكان عمر يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر.
قال هشام عن أبي مخنف قال عبدالله بن عبدالرحمن فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحاب سعد اتقوا سعدا لا تطؤوه فقال عمر اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه فقال لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك فأخذ سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرفق ها هنا أبلغ فأعرض عنه عمر وقال سعد أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر لا تدعه حتى يبايع فقال له بشير بن سعد إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله.
مناقشة الرواية:
هذه الرواية وغيرها من روايات ابي مخنف يضعفها العلماء لاتهامهم ابي مخنف بالضعف والرفض، ولكني سأحملها على الصحة –جدلا- لانها تحتوى على المفاصل الرئيسية لواقعة السقيفة ولن تضر هذه التفاصيل بحثنا بل قد تفيدنا كما سترى اثناء البحث ان شاء الله. في نظري ان ابا مخنف يزيد اشياء الى اصل الامور ويستحدث حوارات من عنده كما يفعل كتاب السيناريوهات في يومنا هذا، ولو قدر لأبي مخنف ان يعيش في عصرنا لعد من اكبر كتاب السيناريوهات ولنضرب بذلك مثلا واحدا: قصة مقتل الحسينt في كربلاء، حين تقرأها برواية ابي مخنف يخيل اليك انك امام سجال ادبي بين اديبين لا في معركة حامية بين جيشين، واني كلما اسمعها استحضر الفلم الكارتونى "كابتن ماجد" الذي يتحاور فيه اللاعبون اكثر مما يلعبون وان احدهم يضرب الكرة فتبقى لدقائق في الهواء وهم يجرون وراءها ويتناقشون فيما بينهم وقد تستغرق اللعبة نصف ساعة وتنتهي ولم تركل الكرة سوى مرات قليلة واكثر اوقات اللاعبين يمضي في الحوارات وهم يجرون وراء الكرة.
الرواية الخامسة:
حدثنا عبيدالله بن سعد قال حدثنا عمي قال أخبرنا سيف بن عمر عن سهل وأبي عثمان عن الضحاك بن خليفة قال لما قام الحباب بن المنذر انتضى سيفه وقال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة الأسد يعزى إلى الأسد فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها وقال قائل حين أوطئ سعد قتلتم سعدا فقال عمر قتله الله إنه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه.
حدثنا عبيدالله بن سعيد قال حدثني عمي يعقوب قال حدثنا سيف عن مبشر عن جابر قال قال سعد بن عبادة يومئذ لأبي بكر إنكم يا معشر المهاجرين حسدتموني على الإمارة وإنك وقومي أجبرتموني على البيعة فقالوا إنا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ولكنا أجبرنا على الجماعة فلا إقالة فيها لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك.
مناقشة الرواية:
-
هذه الرواية فيها مبالغات ومغالطات كثيرة منافية للمنطق، منها:
اولا: ان الحباب انتضى سيفه فضربه عمر على يده واخذ السيف منه ثم وثب على سعد ووثب الناس على سعد ! هل يعقل أن يحصل كل هذا بين عمر والحباب ثم بين عمر وسعد بن عبادة ثم تمر الامور بسلام وتتم البيعة بتلك السرعة وبتلك السهولة ؟ عمر ومعه اثنان من الهاجرين يتجاوز على سيد الخزرج بين قومه وعشيرته ولا يقوم احد للدفاع عنه ؟ اي منطق يقبل هذا ؟ بل واكثر من ذلك عمر يثب على سعد ويثب الناس معه على سعد! من هم هؤلاء الذين وثبوا عليه اليسوا قومه وعشيرته ؟ هل يقتضي المنطق أن يثبوا على سعد مع عمر ام يوقفوا عمر عند حده ؟ ثم ماذا؟ يبايع سعد مع من يبايع!
-
هل كان عمر يجهل ان سعدا كان من السابقين الى الاسلام ومن اصحاب العقبة ومن النقباء حتى يقول عنه منافق؟
-
الرواية الاولى لسيف بن عمر تقول ان سعد بن عبادة بايع مع المبايعين يوم السقيفة بينما الرواية الثانية تقول على لسان سعد لابي بكر انكم وقومي اجبرتموني على البيعة ! اي ان البيعة اخذت منه بعد السقيفة لان ابا بكر لم يكن قادرا على اجبار احد على البيعة يوم السقيفة وليس معه سوى عمر وابي عبيدة وهم بين ظهراني الانصار! وهذا مناقض للرواية الاولى من وجهين : الاول في كيفية مبايعة سعد لابي بكر والثاني في وقت البيعة.
-
نسب الى ابي بكر كلاما لا يتفق وشخصية ابي بكر وطبيعته، حيث نسب اليه قوله لسعد لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك. وهذا الكلام اضافة الى تعارضه مع طبيعة ابي بكر فانه مناقض لكلامه لعمر بحق سعد على رسلك با عمر الرفق ها هنا ابلغ.
-
وردت عبارة فوثبوا او وثبنا على سعد او نزوا او نزونا على سعد في جميع الروايات رغم ان سعدا لم يتحدث وانه كان مريضا ومزملا مما يدل على انه كان وراء الدعوة الى اجتماع السقيفة ان صحت الروايات.
يقول الاستاذ خالد كبير علال في كتابه القيم " تناقض الروايات السنية والشيعية حول تاريخ صدر الاسلام" ص 134 بعد سرد الروايات السنية: " وبذلك يتبين- من الرواية السنية عن حادثة السقيفة - أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم حول : من يتولى منهم الخلافة , ولم يختلفوا في موقفهم منها : فهل هي بالتعيين والوصية والوراثة، أم هي بالشورى والرضا والاختيار؟. فالأمر كان عندهم واضحا محسوما، بأنها شورى بينهم. فكان اختلافهم هذا تطبيقا عمليا لذلك المبدأ، انتهى في النهاية باختيار أبي بكر الصديق خليفة بالإجماع، من دون أية معارضة، ولا سب ولا قتال، ولا تآمر ولا مواجهات.
موقف علي بن ابي طالب من السقيفة وبيعة ابي بكر
اما بخصوص علي بن ابي طالب رضي الله عنه هل بايع او لا، ومتى بايع، فقد اورد الطبري عدة روايات، بعضها تقول انه بايع من اول يوم بويع فيه لأبي بكر، وبعضها تقول انه بايع بعد ستة اشهر بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها)، واليك نص ما اورده الطبري :
-
حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري قال: اخبرنا عمي يعقوب بن ابراهيم قال: اخبرني سيف بن عمر، عن الوليد بن عبد الله بن ابي ظبية البجلي، قال: حدثنا الوليد بن جميع الزهري، قال: عمرو بن حريث لسعيد بن زيد : اشهدت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال نعم، قال فمتى بويع ابوبكر؟ قال: يوم مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كرهوا أن يبقوا يوما أو بعض يوم وليسوا في جماعة. قال : فخالف عليه أحد؟ قال: لا إلاّ مرتد أو من قد كاد أن يرتد، لولا ان الله عزوجل ينقذهم من الانصار. قال: فهل قعد احد من المهاجرين؟ قال : لا، تتابع المهاجرون على بيعته، من غير ان يدعوهم.
-
حدثنا عبيد الله بن سعيد، قال: اخبرني عمي، قال اخبرني سيف، عن عبدالعزيز بن سياه، عن حبيب بن ابي ثابت، قال: كان علي في بيته اذ اُتي فقيل له: قد جلس ابو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه ازار ولا رداء، عجلا، كراهية ان يُبطيء عنها، حتى بايعه. ثم جلس اليه وبعث الى ثوبه فأتاه فتجلله، ولزم مجلسه.
في الرواية الاولى الحديث عام عن بيعة المهاجرين والانصار والثانية خاصة بعلي تؤكد بأنه بايع في اليوم التالي للسقيفة حيث جلس ابو بكر للبيعة والتى تسمى البيعة العامة.
-
رواية اخرى يرويها الطبري تقول أن عليا بايع بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها أى بعد ستة اشهر من تولي ابي بكر للخلافة:
حدثنا ابو صالح الضراري قال: حدثنا عبد الرزاق بن همّام، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما ابو بكر: أما أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لانورث، ما تركناه فهو صدقة، انما يأكل آل محمد من هذا المال. واني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه الاّ صنعته. قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي ليلاً ولم يؤذن بها ابا بكر. وكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي، فمكثت فاطمة ستة اشهر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم توفيت.
قال معمر: فقال رجل للزهري: أفلم يبايعه علي ستة اشهر ! قال: لا، ولا احد من بنى هاشم حتى بايعه علي. فلما راى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع الى مصالحة ابي بكر، فأرسل الى ابي بكر :أن ائتنا ولا يأتين معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر، فقال عمر : لا تأتهم وحدك، فقال ابو بكر : والله لآتينهم وحدي، وما عسى ان يصنعوا بي ! قال: فانطلق ابو بكر، فدخل على علي، وقد جمع بني هاشم عنده، فقام علي فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله، ثم قال : اما بعد، فانه لم يمنعنا من ان نبايعك يا ابابكر انكار لفضيلتك، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله اليك، ولكنا كنا نرى ان لنا في هذا الامر حقا فاستبددتم به علينا.ثم ذكر قرابته من رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقهم، فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى ابو بكر.
فلما صمت علي تشهد ابو بكر فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله، ثم قال : اما بعد، فوالله لقرابة رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) احب الي ان اصل من قرابتي، واني والله ما ألوت في هذه الاموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير، ولكني سمعت رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:" لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، وانما ياكل آل محمد في هذا المال " واني اعوذ بالله لا اذكر امرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الا صنعته فيه انشاءالله.
ثم قال علي : موعدك العشية للبيعة، فلما صلى ابو بكر الظهر اقبل على الناس، ثم عذر عليا ببعض مااعتذر، ثم قام علي فعظم من حق ابي بكر، وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى الى ابي بكر فبايعه.قالت : فاقبل الناس الى علي فقالوا : اصبت واحسنت.
ويقول علي البحراني في منار الهدى (ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، لا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعى التقية، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول : (فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا)[3].
وكان علي رضي الله عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إلإسلام والمسلمين (فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم)[4].
والذي أراه ويتوافق مع المنطق هو ان عليا قد بايع في اليوم الثانى من تولي ابي بكر للخلافة بدليل انه شارك في حروب الردة فلو لم يكن قد بايع لما خرج لقتال المرتدين ولفعل مثل ما فعل سعد بن عبادة، ولكن يبدو انه قاطع القوم بعد ما حدث بين ابي بكر وفاطمة رضي الله عنها في شأن فدك، او ربما لانشغاله بتمريض فاطمة ظن الناس انه مقاطع للقوم، فلما توفيت فاطمة رجع وصالح ابا بكر وجدد بيعته. وأيا كان، فإن لبيعة علي دلالة كبيرة سواء بايع في اليوم الثانى من تولية ابي بكر او بعد ستة أشهر فإنه لا يفرق كثيرا كما سنبـين ذلك فيما بعد، بل مبايعته بعد ستة اشهر اكثر دلالة على استقامة ابي بكر وحسن سياسته بحيث لم يبق لاحد حجة في مقاطعته او معارضته.
موقف ابي سفيان من اختيار ابي بكر
أوردت المصادر السنية والشيعية معا، بأنه عندما بايع الناس أبا بكر، جاء أبو سفيان إلى علي بن أبي طالب وقال له-حسب الرواية السنية- : ((ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها يعني أبا بكر، والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا. فقال علي : لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان فلم يضره شيء، إنا وجدنا أبا بكر أهلا)) [5].
و في الرواية الشيعية أنه قال لعلي: ((وليتم على هذا الأمر أذل بيت قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا ورجلا)). فقال علي : ((طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئا، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا انأ رأينا أبا بكر لها أهلا لما تركناه))[6].
والطبري أيضا يروي لنا بعض الروايات عن موقف ابي سفيان حين سمع بمبايعة ابي بكر بالخلافة منها:
1. حدثني محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي قال: حدثنا ابو قتيبة، قال : حدثنا مالك –يعني ابن مغول-عن ابن الحرقال: قال ابو سفيان لعلي: مابال هذا الامر في اقل حي من قريش ! والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا! فقال علي : يا ابا سفيان،لطالما عاديت الاسلام واهله فلم تضره بذاك شيئا ! انا وجدنا ابابكر لها اهلا.
2. حدثني محمد بن عثمان الثقفي قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان مالنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف قال فقيل له إنه قد ولى ابنك قال وصلته رحم.
3. حُدثت عن هشام، قال حدثني عوانة، قال: لما اجتمع الناس على بيعة ابي بكر، اقبل ابو سفيان وهو يقول: والله اني لأرى عجاجة لا يطفئها الاّ دم ! يا آل عبد مناف فيم ابو بكر من اموركم ! اين المستضعفان! اين الاذلاّن علي والعباس!وقال ابا حسن ! ابسط يدك حتى ابايعك فأبى علي عليه، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:[7]
ولن يقيم على خسفٍ يـُراد بــــه الاّ الأذلاّن عيرُ الحيّ والوتدُ
هذا على الخسف معكوس برمّته وذا يُشج فلا يبكي له احدُ
وقال: فزجره علي وقال: انك والله ما اردت بهذا الاّ الفتنة، وانك والله طالما بغيت الاسلام شرا. لاحاجة لنا في نصيحتك.
مناقشة الروايات:
1. يقول الطبري في احدى رواياته ان أبا سفيان عندما عارض استخلاف أبي بكر قالوا له إنه ولّى ابنك فقال وصلته رحم وسكت بعدها، وهذا يكذبه الواقع لأن تولية ابنه لم يأت الاّ في السنة الثانية من تولي ابي بكر للخلافة بعد القضاء على فتنة المرتدين ومانعي الزكاة وفتح العراق، واعتراض ابي سفيان كان بعد السقيفة مباشرة وقبل استتباب الامر للخليفة. والصحيح انه قالها في عمر عندما ولى معاوية مكان اخيه يزيد بعد وفاة الاخير.
2.ينسب الشيعة الى ابي سفيان انه قال : تلقفوها يا بني امية تلقف الكرة فوالذي يقسم به ابو سفيان ستكون وراثة فيكم فليس هناك جنة ولا نار!
يقول راوى هذا القول ان ابا سفيان قاله بعد مبايعة عثمان بالخلافة وان عثمان نهره. وهذا ايضا يكذبه التاريخ والمنطق، ولنا ان نسأل:
أ. من اين عرف ابو سفيان بانها ستكون وراثة في بني امية؟ هل اوتي علم الغيب؟
ب. لم يكن حينذاك فوضى او فراغ سياسي او اضطراب بين المسلمين حتى يقول ابو سفيان تلقفوها يا بني امية.
3. الروايات الشيعية لها دلالات مهمة جدا، فهي:
اولا : تثبت ان عليا كان يرى ابابكر أهلا للخلافة.
ثانيا: انه لم يكن ليسكت لو علم ان ابابكر ليس اهلا للخلافة، فإن كان لايسكت على مثل هذا الامر فكيف يسكت على تبديل دين الله ونقض البيعة ورد النصوص؟
ثالثا: أنه لم يعدم الاعوان لو اراد ان يقف في وجه ابي بكر وعمر، فزعيم بني امية وزعيم بني هاشم والانصار كلهم كانوا سيقفون معه لو أراد ذلك.
الروايات الشيعية:
رواية اليعقوبي :
واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يوم توفي رسول الله... يغسل، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي، وعصبته بعصابة، وثنت له وسادة. وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين، فأتوا مسرعين، فنحوا الناس عن سعد، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: يا معاشر الأنصار! منا رسول الله، فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منا الأمراء وأنتم الوزراء. فقام ثابت بن قيس ابن شماس، وهو خطيب الأنصار، فتكلم وذكر فضلهم. فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريش أولى بمحمد منكم، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله: اللهم أعز الدين به! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول الله: أمين هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين. فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش.
ثم نادى أبو عبيدة: يا معشر الأنصار! إنكم كنتم أول من نصر، فلا تكونوا أول من غير وبدل. وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال: يا معشر الأنصار، إنكم، وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر بن أرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب.
فوثب بشير بن سعد من الخزرج، فكان أول من بايعه من الأنصار، وأسيد بن حضير الخزرجي، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة وحتى وطئوا سعداً. وقال عمر: اقتلوا سعدا، قتل الله سعداً.
وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم، بويع أبو بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. فقال العباس: فعلوها، ورب الكعبة.
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، أنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم. وقام عتبة بن أبي لهب فقال:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف... عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
عن أول الناس إيماناً وسابقة............ وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبـي، ومن..... جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به......... وليس في القوم ما فيه من الحسن
فبعث إليه علي فنهاه. وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي، إذا مال معكم، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلاً، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله بعث محمداً نبـياً وللمؤمنين وليا، فمن عليهم بكونه بين أظهرهم، حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أموراً ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين، فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا، فوليت ذلك، وما أخاف بعون الله وتسديده وَهَنا، ولا حيرة، ولا جُبنا، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامة المسلمين، يتخذكم لجأ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع. فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإما صرفتموهم عما مالوا إليه، ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك... عنكم، وعلى رسلكم بني هاشم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ومنكم.
فقال عمر بن الخطاب: إي والله وأخرى، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم.
فحمد العباس الله وأثنى عليه وقال: إن الله بعث محمداً كما وصفت نبـيا وللمؤمنين ولياً، فمن على أمته به، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده، فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق، لا مائلين بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله فحقاً أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، فما تقدمنا في أمرك فرضاً، ولا حللنا وسطاً، ولا برحنا سخطاً، وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين. ما أبعد قولك من انهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك، فأما ما قلت إنك تجعله لي، فإن كان حقاً للمؤمنين، فليس لك أن تحكم فيه، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض، وعلى رسلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. فخرجوا من عنده. وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك، وعلي معه قصي، وقال:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم... ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلا فيكم وإليكم،......... وليس لها إلا أبو حسن علي
أبا حسن، فاشدد بها كف حازم،..... فإنك بالأمر الذي يرتجي ملي
وإن امرأ يرمى قصي وراءه... عزيز الحمى، والناس من غالب قصي
وكان خالد بن سعيد غائباً، فقدم فأتى علياً فقال: هلم أبايعك، فو الله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك. واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال لهم: اغدوا على هذا محلقين الرءوس. فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر.
وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً. ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوماً.
مناقشة هذه الرواية:
-
اورد اليعقوبي اسمين وعزا اليهما اقوالا في السقيفة اولهما عبد الرحمن بن عوف الذي لم يكن حاضرا في السقيفة وثانيهما المنذر بن ارقم وهو غير موجود اصلا ولا يوجد صحابي بهذا الاسم !
-
اورد اسم عتبة بن ابي لهب ضمن الذين اعترضوا على مبايعة ابي بكر ونسب اليه شعرا وهو لم يكن في المدينة يومئذ بل كان في مكة ولم يهاجر اليها وكان ممن فر من مكة هو واخوه معتب عندما دخل النبـي مكة فاتحا فارسل النبـي عمه العباس خلفهما فرجعا الى مكة واسلما وبقيا فيها، والشعر ليس لعتبة وانما لحفيده الشاعر الفضل بن العباس بن عتبة المتوفى في خلافة الوليد سنة 95 للهجرة.ثم من هم ابناء ابي لهب حتى تكون لهم كلمة في الخلافة ومن يستمع اليهم ؟
-
اورد حادثة تعد اهانة لعلي ولا يرتضيها الشيعة حيث يقول ان عليا خرج على عمر بسيفه فتصارعا فصرعه عمر وأخذ سيفه منه وكسره!
-
الحوار الذي اورده بخصوص ذهاب وفد برئاسة ابي بكر الى العباس بن عبد المطلب لا اصل له ولم يورده احد غيره وهو من نسج خياله!
-
أخطأ في اسم أسيد بن حضير فهو أوسي وليس خزرجيا.
-
يكثر من نسبة الشعر الى الناس وكأن كل الناس شعراء.
-
اخباره غير مسندة.
رواية الطبرسي :
((عن أبى المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة، قال :... ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة، فلما سمع بذلك عمر اخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار: إنما ادعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلا. فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار وثاني اثنين فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به فقال الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار. فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين: وانتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه، فليس احد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الأمراء وانتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر الأنصاري: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. وأثنى على الأنصار ثم قال: فان أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير. فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، انه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبـيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وأُلو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين، من ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف بإثم أو متورط في الهلكة محب للفتنة. فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل[8] وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، والله لئن احد رد قولي لأحطمن انفه بالسيف. قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام، فانه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله- صلى الله عليه واله- فنهاني رسول الله- صلى الله عليه واله- عن مهاترته فحلفت أن لا اكلمه أبدا[9]. قال عمر لأبي عبيدة: تكلم. فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير وذكر فيه فضائل الأنصار، وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الأنصار لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده [10]وسعى في إفساد الأمر عليه وتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحث الناس كلهم لاسيما الأنصار على الرضا، بما يفعله المهاجرون. فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم فقال عمر وأبو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك. فقال بشير بن سعد: وأنا ثالثكما، وكان سيد الأوس[11] وسعد بن عبادة سيد الخزرج، فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير وما دعت إليه الخزرج من تأمير سعد اكبوا على أبى بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض. فقال: قتلتموني، قال عمر: أقتلوا سعدا قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يا ابن صهاك الجبان في الحرب والفرار الليث في الملأ والأمن[12] لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة. فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فان الرفق ابلغ وأفضل. فقال سعد: يا ابن صهاك - وكانت جدة عمر – الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتما فيهم إذنابا أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما. ثم قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وادخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما أقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي، ثم وأيم الله لو اجتمع الجن والإنس علي لما بايعتكما أيها الغاصبان حتى اعرض على ربي واعلم ما حسابي.... قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبى طالب مشغول بجهاز رسول الله- صلى الله عليه واله-، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبـي -صلى الله عليه واله- والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام، واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: مالنا نراكم خلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي... ومعهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبى بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب، فقالوا له بايع أبا بكر. فقال علي...: أنا أحق بهذا الأمر منه وانتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله- صلى الله عليه واله- فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حيا وميتا، وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاءا في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، واذربكم لسانا وأثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر ؟ أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار، وإلا فبؤوا بالظلم والعدوان وانتم تعلمون[13]. فقال عمر: يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة ؟ فقال علي...: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: والله ما بيعتنا لكم بحجة على علي، ومعاذ الله أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله- صلى الله عليه واله-. فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي: احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا اقبل قولك ولا احفل بمقامك ولا أبايع. فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك فقام أبو عبيدة إلى علي...فقال: يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن - وكان لعلي... يومئذ ثلاث وثلاثون سنة -و أبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو احمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له، فان عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك. فقال أمير المؤمنين...: يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبـيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس. فوالله معاشر الجمع أن الله قضى وحكم ونبـيه أعلم وانتم تعلمون بأنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، والله انه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان [14]. فقال علي...: يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه واخرج أنازع في سلطانه، والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أن رسول الله -صلى الله عليه واله- ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبـي يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وخذل من خذله " أن يشهد الآن بما سمع. قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله- صلى الله عليه واله فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا عليَّ عليٌ فذهب بصري[15]. قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي... ففسح المجلس وقال: إن الله يقلب القلوب، ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك [16].
وفي رواية ثانية للطبرسي أيضا، مفادها : عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه واله- أنكر على أبى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله- صلى الله عليه واله- ؟ قال:" نعم كان الذي أنكر على أبى بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار : أبو الهشيم بن التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأُبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري. قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله- صلى الله عليه واله-، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين-أي علي-... لنستشيره ونستطلع رأيه. فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا امير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من غيرك، لانا سمعنا رسول الله يقول " علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال " ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله- صلى الله عليه واله-، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال امير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد، وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلابد لي من ادفع القوم عن نفسي " علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال "، وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه واله- أوعز إلي قبل وفاته وقال لي: " يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وانك مني بمنزلة هارون من موسى وأن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه " فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك ؟ فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وان لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحقني مظلوما. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه واله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا ارتدي برداء إلا للصلاة حتى اجمع القرآن، ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبـيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبـيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله -صلى الله عليه واله- إذا وردوا عليه....))[17].
رواية الكليني :
عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر-الباقر- قال: كان الناس أهل ردة بعد النبـي -صلى الله عليه وآله- إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة ؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف أناس بعد يسير. وقال :" هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرها فبايع "[18].
القاسم المشترك بين الروايات السنية والشيعية:
واخيرا،فالذي يهمنا من هذه الروايات مجموعة من الامور المتفق عليها، والتي هي مدار بحثنا وهي :
اولا: ان الصحابة اجتمعوا بعد وفاة رسول الله r في سقيفة بنى ساعدة لاختيار خليفة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانيا: ان الانصار هم الذين دعوا الى الاجتماع بادىء ذي بدىء وان المهاجرين لم يكونوا على علم باجتماعهم حتى اُخبروا به.
ثالثا: ان الانصار كانوا مزمعين على اختيار سعد بن عبادة ومبايعته.
رابعا: انه حدث خلاف بين المهاجرين والانصار في اول الامر-على خلاف بين المؤرخين حول طبيعة وحدة الخلاف- ثم انتهى بمبايعة ابي بكر.
خامسا: أنه لم يرد الاشارة الى النص والبيعة في اجتماع السقيفة، لا فيما بين الانصار انفسهم ولا فيما بينهم وبين المهاجرين!
سادسا: ان على بن ابي طالب تخلف ذلك اليوم عن السقيفة لانشغاله بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
سابعا: ان الذى اتى بالخبر اخبر عمر ولم يخبر عليا او غيره، ثم اخبر عمر بدوره ابا بكر ولم يخبر غيره.
ثامنا: بعض الناس احتجوا على اختيار ابي بكر كأبي سفيان وغيره وذهبوا الى علي ليبايعوه فردهم.
تاسعا: لقد بايع جميع الصحابة بمن فيهم علي ما عدا سعدا في بعض الروايات الاّ أن المتفق عليه أنه(اي سعد) لم يحدث اي مشكلة للخليفة والخلافة.
ما الذي دعا الانصار الى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة؟
تساؤل يرد على الذهن تلقائيا: لماذا سارع الانصار الى الاجتماع في السقيفة ولم يجتمعوا حول جثمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما فعل المهاجرون ؟ الم يكن لموت الرسول وقع عليهم كما كان على المهاجرين ؟
لقد وقفت امام هذا الامر طويلا وفكرت فيه مليا واستعرضت جميع الاحتمالات وناقشتها مع نفسي ومع عدد من المعنيين بدراسة التاريخ الاسلامي واطلعت على مجمل اقوال وآراء الشيعة في هذا الامر فاهتديت في النهاية، بناء على قرائن عديدة، الى نتيجة سأذكرها فيما بعد، ولكن قبل ذلك سأُورد كل تلك الاحتمالات التي ترد على الذهن او اوردها بعض الناس واناقشها بشيء من التفصيل :
-
حب الانصار للدنيا وتنافسهم على الزعامة لاسيما زعيم الخزرج سعد بن عبادة.
-
خوف الانصار من استبداد المهاجرين بالامر دونهم.
-
خوف الانصار من انتقام القريشيين خاصة والعرب عامة لاسيما الذين اسلموا بعد الفتح لما فعلوا بهم طوال السنين الماضية.
-
اعتقاد الانصار ان المهاجرين اقوى منهم حجة ويوجد بينهم رجال اكفاء كانوا مقربين جدا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابي عبيدة وغيرهم، فلو اخروا الامر واجتمعوا سوية لبحث الامر لما اختار الناس غيرهم.
-
اعتقاد الانصار انهم احق بالامر من غيرهم لما بذلوه من تضحيات دفاعا عن الرسول والاسلام، فانتشار الاسلام وتمكنه في الجزيرة وما حولها كان بسبب ايوائهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدفاع عنه باموالهم وانفسهم.
-
اعتقاد الانصار ان المدينة المنورة هي عاصمة دولة الاسلام وان الناس ينقادون لها دون غيرها وبما انهم هم اهل المدينة فلهم الاولوية في تشكيل الحكومة.
-
احساس الانصار بالمسؤولية لكونهم من اهل المدينة وان الاسلام انتشر وتمكن بجهودهم فالحفاظ على هذا الكيان يقع على عاتقهم.
هذه هي الاحتمالات التي ترد على الذهن من اول وهلة حين يبحث المرء مسألة السقيفة ويرى اسراع الانصار الى الاجتماع لبحث مسألة الخلافة، ولكن كيف نختار الاسباب الصحيحة والدوافع المناسبة لهذا الاسراع ؟ أَنُطلقُ العنان لخيالنا يذهب بنا حيثما شاء ونقول بحقهم كل ما طرأ على بالنا ام نعتمد على قواعد علمية فلا نقول بحقهم الا ما يليق بهم وبمكانتهم ويتماشى مع ماضيهم وحسن بلائهم في الاسلام؟
الذي يقتضيه العقل والمنطق هو ان نحكم على تصرفهم ذلك من خلال ماضيهم وسابقتهم في الاسلام، وهذا ما يفعله المنصفون ازاء كل انسان صدر منه فعل ما، فالذي اراه بناءً على هذه القاعدة ان جميع الاحتمالات واردة ما عدا الاحتمال الاول وهو حب الدنيا والرياسة، واهمها عندي أمران :
الاول: الاحساس العميق بالمسؤولية من قبل الانصار هو الذي دفعهم الى الاجتماع في السقيفة بتلك السرعة لاختيار خليفة للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ليضبط الامور ويدير شؤون الناس لان مدينتهم كانت عاصمة دولة الاسلام والناس ينتظرون الحلول من العاصمة كما هو الحال في كل العصور وكل البلدان، فمن الطبيعي اذاً ان يتسارع اهل العاصمة لا سيما السكان الاصليون الذين كان لهم الدور الرئيس في انتصار وانتشار الاسلام كما جاء ذلك واضحا في خطبة زعيم الانصار سعد بن عبادة، الى الاجتماع لسد الفراغ الذي اوجده موت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثاني: احساس الانصار واعتقادهم بأنهم أحق بالخلافة من غيرهم وان فيهم من هو اهل لذلك.
والذي يؤيد هذا الرأي عدة امور :
-
لو كان الامر حب الزعامة وشهوة الرئاسة لما تنازلوا عن رأيهم ذلك بتلك السرعة ولتمسكوا به رغم كل محاولات المهاجرين لثنيهم عنه فصاحب الشهوة وخاصة الزعامة لا يتنازل عنها بسهولة.
-
ان علاقة المهاجرين بالانصار كانت اقوى بكثير من علاقتهم بالقرشيين الذين اسلموا فيما بعد، وهذا بنص القرآن ولا يمكن ان نكذب ربنا لقول فلان او علان. فالله سبحانه وتعالى يقول : "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ."الحشر/9.
ويقول ايضا:" وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)"(الانفال).
ما هي دلالات اجتماع الانصار في السقيفة
قلنا ان الشيعة يقولون ان النبـي صلى الله عليه وآله وسلم قد عهد بالخلافة من بعده الى علي رضي الله عنه واخذ له البيعة في موقع يقال له غدير خم الواقع بين مكة والمدينة غداة عودتهم من الحج وحضر مراسيم البيعة مالايقل عن مائة الف من الصحابة[19] ويقولون ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم امر بنصب خيمتين واحدة له واخرى لعلي وظل ياخذ البيعة لعلي لمدة ثلاثة ايام وقد بايع جميع المتواجدين في ذلك المكان من الرجال والنساء، بمن فيهم ابوبكر وعمر وليس هذا فحسب بل يؤكدون على قول عمر لعلي هنيئا لك يا ابن ابي طالب لقد اصبحت وامسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وكانت بيعة النساء عن طريق طست فيه ماء يغمس علي يده في احد طرفيه وتغمس المرأة يدها في الطرف الثاني منه وبعض رواتهم يفصل فيه اكثر فيقول ان النبـي صلى الله عليه وآله وسلم كان سعيدا جدا بذلك الانجاز وهو يرى الناس يتوافدون على بيعة علي وقرت بذلك عينه ويذكرون ايضا ان الحرث بن النعمان الفهري جاء الى النبـي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال معترضا على ولاية علي : يا محمد، انك أمرتنا أن نشهد أن لاإله الاّ الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو من الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد احمرت عيناه، والله الذي لا اله الاّ هو إنه من الله وليس مني، قالها ثلاثا. فولى الحارث وهو يقول : اللهم ان كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. فوالله ما وصل الى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت :"سأل سائل بعذاب واقع.للكافرين ليس له دافع"[20]،ويروون حديث "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وادر الحق معه حيث دار" الى آخره من الاقوال والاحاديث التي رووها حول هذه الحادثة ولو جئنا على ذكرها كلها لطال بنا الحديث والذي ذكرناه يشكل خلاصة أقوالهم وآرائهم وكما قلت لقد كتبوا حولها كتبا كثيرة وبحوثا جمة، ويقولون ان الصحابة باجتماعهم في السقيفة أداروا ظهورهم لهذه الوصية ونقضوا تلك البيعة وتآمروا على علي واغتصبوا حقه!.
فلننظر، هل اجتماع الصحابة، او الاصح الانصار، في السقيفة هو حقا مؤامرة ضد علي ونكث للعهد ونقض للبيعة، ام ان له دلالات اخرى تناقض ما يقوله الشيعة وتنقض عقيدتهم في التعيين والوصية وتهدمها.
سبب انصياع الانصار لابي بكر ومتابعة بقية المسلمين لهم.
قبل الشروع في ذكر دلالات السقيفة نود ان نتساءل: ما معنى ان يجتمع الانصار في السقيفة ليختاروا واحدا منهم للخلافة ثم يأتي ابو بكر ومعه اثنان فقط من المهاجرين وبعد اخذ ورد يسيرين يسارع المجتمعون الى مبايعة ابي بكر ثم لا يقوم احد لا في المدينة ولا في مكة ولا في اي بقعة من ارض الاسلام من المائة الف[21] الذين حضروا وشهدوا بيعة الغدير ومن غيرهم ليذكّر الناس بتلك البيعة ويقول : ايها الناس كيف تفعلون هذا وفي اعناقكم بيعة لعلي بن ابي طالب، وليس هذا فحسب بل حتى علي نفسه حين سمع بالخبر لم يقل ايها الناس أليس في اعناقكم بيعة لي ؟ الم تبايعونى في غدير خم يوم كذا ؟ الم يوصِ رسول الله بالخلافة لي، الم ينزل بشأني كل هذه الآيات التى تدل على امامتي ؟ ألا تدرون ان الامامة امر الهي وليس شأنا بشريا وانكم باجتماعكم هذا خالفتم امر ربكم ونقضتم وصية رسولكم ونكثتم البيعة التي في اعناقكم؟ ثم ليس علي فحسب بل حتى الذين كانوا يؤيدونه من اهل البيت والصحابة كابن عباس وعمار والمقداد وابي ذر الناطق بالحق وصاحب اللهجة الصادقة كما يصفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) [22] لم ينطقوا ببنت شفة ولم يذكر احد منهم تلك البيعة. ماذا جرى للناس ؟! هل عقد الخوف لسانهم ؟ وممّ الخوف ولم يكتمل بعد لابي بكر وعمر اسباب القوة والهيمنة وهما من اصغر بطون قريش ؟ ولو سكت كل الناس لما سكت ابوذر : الصحابي الثائر المعروف بمواقفه الصارمة والذي اقام الدنيا ولم يقعدها على ما هو اقل شأنا بكثير من نكث عهد رسول الله ومخالفة كتاب الله.
لو افترضنا جدلاَ ان اهل المدينة لم يجرؤوا على ذكر الحقيقة، فما بال اهل مكة وفيها بنو هاشم وبنو امية وهما من اكبر قبائل قريش، وكانا معارضين لامارة ابي بكر، يسكتون عن مثل هذه المخالفة الكبيرة لامر الله وامر رسوله؟ ثم مابال مانعي الزكاة هل كانوا ايضا خائفين من النطق بالحقيقة ؟ الم يكن انفع لهم ان يخرجوا على ابي بكر بحجة نقضه لعهد رسول الله بدلا من امتناعهم عن دفع الزكاة ؟
انني كلما افكر في هذه المسالة تأخذني الدهشة واقول كيف يقنع الشيعة انفسهم بأن الناس كلهم انقلبوا على علي وتواطئوا على كتمان قصة مبايعته في غدير خم؟ الم يكن علي من اشجع الناس ؟ الم يكن معه بنوهاشم ؟ الم يعده ابوسفيان بان يدعمه بعشيرته وان يملأ عليهم الارض خيلا ورجالا إن أذِنَ علي بذلك؟ ألم يجرؤ الناس على الامتناع عن دفع الزكاة لأبي بكر ؟ الم يرتد كثير من العرب عن الاسلام ؟ إذا تجرأ الناس على كل ذلك فما بالهم لايتجرأون على ذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وبيعة الناس له في غدير خم؟ أيكون ابو بكر وعمر قد اسسا دولة بوليسية قبل وصولهم الى الحكم وأمسكوا بزمام الامور بقبضة من حديد بحيث كمموا الافواه؟ التاريخ لايقول بذلك بل يقول لنا أن الامور لم تستتب لأبي بكر الاّ بعد شهور وان كثيرا من القبائل وقفوا في وجهه وعارضوه.
ومن اغرب ما قرأت لتبرير هذا الامر ما كتبه محمد التيجاني التونسي ولا اذكر من اين اخذ استنتاجه هذا وذلك باختزال المشاركين المائة الف بالف ثم بمائة ثم بعشرة ليبرر امكانية اجتماع العشرة على امر ما ![23] وهذا من اعجب ما رأيته من التبريرات والاستدلالات التي لا يستسيغها الا من اعمى التعصب بصره وطمس الهوى بصيرته.
اما لماذا انصاع الانصار لأبي بكر بهذه السرعة فذلك يعود الى عدة اسباب منها:
1. صحة ما قلناه من ان احد اسباب اجتماع الانصار كان خوفهم على مصيرهم ومستقبلهم من تفرد المهاجرين بالامر والاستبداد بالحكم دونهم، ولكن بمجرد تأكيد ابي بكر على حفظ مكانتهم ووعده اياهم بان لايقطع امرا دون مشورتهم زالت تلك المخاوف كلها لذا تخلَّوا عن سعد وسارعوا الى مبايعة ابي بكر لأنهم يعلمون ان ابا بكر افضل لهم وللاسلام من سعد.
2. سرعة انصياع الصحابة للحق بعد ظهوره لهم. وهناك مواقف اخرى للصحابة تدل على هذه الحقيقة منها ترك الزبير للمعركة وتخليه عن جيش عائشة حين ذكّره علي بحديث لرسول اللهr قاله للزبير في حينه وهو انه يقاتل عليا وهو له ظالم ! فما أن سمعه الزبير من علي وتَذَكّره حتى ترك ساحة المعركة دون ادنى تردد ودون ان يقول وماذا اقول للذين حرضتهم للقتال وجاؤوا بدعوة مني؟ او ماذا اقول للذين قُتلوا في هذا السبيل؟ الخ من الاسئلة التي قد ترد على الذهن وتكفي لأقناع المرء على المضي في طريقه. كذلك طلحة بن عبيد الله حين قال له علي : بم تجيب رسول الله لو قال لك أتركت ازواجك في بيتك وجئت بزوجة رسول الله الى ساحات القتال ؟ فعرف طلحة بأن الموقف سيكون صعبا لذلك انسحب هو الآخر من ساحة المعركة فورا.ألا تدل هذه على طاعة الصحابة للرسول وتوقيرهم اياه ويقينهم بلقاء الله ورسوله، وعلى سرعة رجوعهم الى الحق وانصياعهم له؟
3. شجاعة ابي بكر وعمر وشعورهم بالمسؤولية وثقتهم بانفسهم وبالانصار، ثم عبقرية ابي بكر وقابليته على معالجة هذا الامر الخطير بهذه السرعة وبهذه السهولة، ومن هذا الموقف وغيره من المواقف يتبين ان ابابكر كان بحق رجل المواقف الصعبة، وانه كان من اعظم الصحابة واجلهم واكفئهم.
4. معرفة الصحابة لفضل ابي بكر ومكانته، ولو ان احدا غيره حضر هذا الاجتماع لما تأتّى له ما تأتّى لأبي بكر من انصياع الانصار له ومبايعتهم اياه بهذه السرعة وبهذه السهولة، ولكن ابابكر لسنِّه ومكانته من رسول الله، وكونه نائبا له على المسلمين في الصلاة وفي الحج انصاع الصحابة له خلال دقائق وبايعه الجميع عدا سعدا!.
5. عدم وجود نص على احد بالخلافة وعدم وجود بيعة في اعناق الناس لأحد. والسقيفة تدل على هذه الحقيقة من جهتين: من جهة اسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة لاختيار الخليفة، ومن جهة اسراعهم الى مبايعة ابي بكر بعد تلك المداولة القصيرة حول الخلافة.
اما دلالة السقيفة على عدم وجود نص أو بيعة،أو كليهما، وعدم وجود نائب للرسول فواضح، لأنه لو كان هناك شيء من ذلك القبيل لما اجتمع الناس في السقيفة بل اجتمعوا حول علي مباشرة وانتظروا اوامره وتعليماته، ولما انشغلوا بالبحث عمن يولونه أمرهم. هذا ما يقتضيه العقل والمنطق، وهذا الذي كان يحدث في الماضي ويحدث في الحاضر وفي المستقبل، فعند موت رئيسس، أي رئيس، سواءا كان رئيس دولة أو رئيس قبيلة، ووجود نائب معين له، لا يذهب الناس الى بحث مسألة الرئاسة بل يلتفون حول نائبه ويسلمون له القياد وفق دساتير البلاد وأعراف القبيلة ولا يجرؤ احد على الخروج على تلك الدساتير أو الاعراف والتقاليد إلاّ إذا قلنا أن مجتمع الرسول كان فوضى لا يحكمه لا دستور ولا قانون ولا أعراف، وانه كان أقل شأنا وأقل تنظيما حتى من أشد التجمعات البشرية بداوة ! ولكن الواقع لا يقول بذلك، بل يقول بعكسه تماما، وهو أن الرسول r أنشأ مجتمعا حضاريا راقيا مدركا اشد الادراك لمعاني العقود الاجتماعية والسياسية ولمعاني البيعة والطاعة ولمعنى ولي الامر والامير..الخ، وقد احدث نقلة نوعية في ذلك المجتمع ورفعه ليس على المجتمع العربي المحيط به، بل وعلى كل المجتمعات السائدة في ذلك العصر بما فيها الفرس والروم صاحبتي الحضارة والامبراطورية، وجعل منهم اساتذة الانسانية، ليس لذلك العصر فحسب بل لما تلتها من العصور، وكان هذا وراء اسراع الامم الى اعتناق الاسلام بمجرد دخول الاسلام الى بلدانهم.
إذاً فاسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة كان سببه عدم وجود نائب معين من قبل الرسول، ولو كان هنالك شيء من ذلك لما فعلوا ما فعلوه.
هذه بعض دلالات اسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة ومن ثم مبايعة ابي بكر، فكلها كما رأيت امور مهمة تعطي صورة مضيئة لذلك المجتمع الذي انشأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولنتحدث بقليل من التفصيل عن هذا الامر:
قلنا ان الانصار اجتمعوا في السقيفة، فما كادوا يشرعون في مبايعة سعد بن عبادة حتى وصل الخبر الى ابي بكر وعمر، فسارعا الى السقيفة وليس معهما من المهاجرين سوى ابي عبيدة بن الجراح، ودون اخبار بقية المهاجرين ومن غير خوف من عواقب ذهابهم الى مكان الاجتماع بمفردهم. وقد لقيهم في الطريق اثنان من الانصار فأشارا عليهم بعدم الذهاب الى السقيفة وابرام الامر مع المهاجرين خشية حدوث فتنة بينهم، ولكنهم اصروا على الذهاب بمفردهم، ودون خوف من عواقب ذلك او الخوف من نكال الانصار بهم، وهذا يدل على ثقتهم بأنفسهم وبالانصار ايضا وبايمانهم بمشروعية عملهم، اضافة الى دلالته على شجاعتهم وربما على علمهم بمعرفة الانصار لفضلهم ومكانتهم من الاسلام ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
يجب الوقوف امام هذا الموقف والتفكر فيه مليا : ماذا كان سيحدث لو أُخبر بقية المهاجرين بهذا الاجتماع ؟ او ذهب جميع المهاجرين الى محل الحادث؟ او دار النقاش بين جميع الانصار من جهة وجميع المهاجرين من جهة اخرى، وكيف كان سيحسم الامر لو ترشح للخلافة اكثر من واحد من المهاجرين؟ هذه الامور لم تحدث لذلك لا نستطيع الجزم بشيء ولكن يمكن التكهن –بناءا على القرائن الكثيرة- بان الناس لم يكونوا ليعدلوا بأبي بكر احدا، صحيح انها كانت ستكون الزم في الحجة واقطع لحجة الشيعة ولكن الامر لم يكن يحتمل التأخير ليبلغ جميع المهاجرين واللوم يقع على الانصار الذين نظموا ذلك الاجتماع بتلك السرعة ولم ينتظروا فراغ المسلمين من غسل ودفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والله سبحانه وتعالى قدّر ان تتم على هذه الصورة وقدّر الله وما شاء فعل.
وهناك سؤال آخر يرد على الذهن : لماذا امر رسول الله ان يتولى غسلَه رجال من اهل بيته ؟ ألعلمه بانه سيكون هناك خلاف حول الخلافة بعد موته فأراد ان ينشغل اهلُ بيته بغسله وتكفينه ليصرف عنهم الخلافة ؟ لا أرى بأسا من تبني هذا الرأي اذا اصر الشيعة على القول بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اراد ببعثة اسامة ابعاد كبار الصحابة عن المدينة لأخلاء الجو لعلي رضي الله عنه فهذا من ذاك، ولا فرق بينهما، فاما ان نرفضهما جميعا او نقبلهما جميعا ولا مرجح لأحدهما على الاخر.
لقد ظهرت عبقرية ابي بكر بجلاء في حادثة السقيفة كما ظهرت عليه آثار التربية النبوية فاستطاع بصدق لهجته وقوة حجته ان يبدد تلك المخاوف في كلمة قصيرة صادقة ألقاها على مسامع الانصار، فما لبثوا بعدها ان سارعوا الى مبايعته لما لمسوه من صدق لهجته وقوة دليله ولثقتهم بأنه الصدّيق الذي لايخلف وعده. لقد غلب ابو بكر سعدا بمنطقه الايماني لا بعشيرته ولا بأتباعه فهو كما قلنا لم يكن معه في ذلك المجلس سوى عمر وابي عبيدة.
نعم هنا تجلت عبقربة وكفاءة ابي بكر , وهذا يُعدّ بحق من اعظم مواقفه التى وقفها في نصرة الاسلام اضافة الى مواقفه الاخرى التي تعد كل واحدة منها مفخرة من مفاخره : فوقوفه الى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وتصديقه اياه حين كذّبه قومه ثم هجرته معه وتكريسه لماله واهله لخدمة الرسول ثم وقوفه في الناس خطيبا بعد وفاة الرسول يبين لهم الحقيقة ومقولته المشهورة (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فأن الله حيٌّ لا يموت) ثم وقوفه في وجه المرتدين، وتجهيزه لجيش اسامة، وشروعه في الفتوحات الاسلاميه،و نشره للاسلام ثم جمعه للقران الكريم واخيرا توليه لعمر بن الخطاب الفاروق الزاهد العابد العادل، كل هذه تعد من مفاخره ومن أفضاله على هذه الامة رحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه ورفع درجته في اعلى عِلِّيين.
لقد كان اسلوب ابي بكر في حل النزاع في السقيفة من احكم واروع الاساليب التي يجب على القادة ان يتبعوها , فهو بعد ان تفهّم دوافع الانصار في الاسراع الى هذا الاجتماع بدأ يتحدث اليهم بأسلوب الطبيب الحاذق الماهر الذي يشخص الداء ثم يصف له الدواء الناجع.
لقد بدأ ابو بكر حديثه بالاقرار بفضائل الانصار ومواقفهم، وما قدموه للاسلام من تضحيات، وما كان لهم من مكانة في قلب النبـي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقرّ لهم بكل مزاياهم، ثم ذكر المهاجرين وفضلهم ومواقفهم وما تحملوه في سبيل الله وما لاقوه من قريش، ثم ذكر ثقل مكة في الجزيرة العربية ومكانة قريش بين العرب وسهولة انصياع الناس لهم، ثم أكّد لهم بأنهم لن يقضوا امرا دونهم. هنالك انتبه الانصار واطمأنوا بأن مكانتهم ستبقى محفوظة وحقوقهم تبقى مضمونة وانه سيكون لهم دور مستقبلي لا يقل عما كان عليه في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك رضوا بامامة ابي بكر وسارعوا الى مبايعته!.
بهذا الاسلوب الرائع الصادق النابع من القلب والذي لامس شغاف القلوب خاطب ابوبكر الانصار واستطاع ان يحسم ذلك الخلاف وان يُجنِّب المسلمين مخاطر فتنة كانت على وشك الحدوث والتي ما كان يعلم مداها الاّ الله سبحانه وتعالى. ولك ان تتخيل لو ان تلك المشكلة لم تحل بتلك السرعة والعرب حديثو عهد بالاسلام وقد ارتد اكثرهم فيما بعد، كيف كان سيكون حال المسلمين ؟. الا يدعوك هذا الى القول بان ابابكر كان من نعم الله على هذه الامة وانه كان قدرا من اقدار الله حفظ الله به وحدة المسلمين وحافظ به على دينه.
رد شبهة:
قد يقول قائل ان ابابكر استفاد من اختلاف الاوس والخزرج، وان الاوس ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج بمبايعتهم لابي بكر[24]. وهذا يكذبه امور:
اولا: استجابة الاوس لدعوة الخزرج للاجتماع في السقيفة وعدم حدوث نزاع بينهم على الخلافة قبل وصول المهاجرين وعدم اعتراضهم على مبايعة سعد بن عبادة.
كان بامكان الاوس ان يبرموا اتفاقا مع الخزرج على تداول السلطة فيما بينهم ولكنهم لم يفعلوا ذلك مما يدل على انه لم يكن بينهم من يرونه اهلا للخلافة بعكس الخزرج الذين برز فيهم سعد بن عبادة.
ثانيا: واهم من ذلك أن الذي أفسد الامر على سعد بن عبادة كان خزرجيا ولم يكن أَوسيا، وهو بشير بن سعد الخزرجي، وان الدافع كان دينيا وليس دنيويا وقد ظهر ذلك جليا في جواب بشير بن سعد للحباب بن المنذر حين قال له حباب انفست على ابن عمك الخلافة ؟ قال بشير: لا والله، ولكني رأيت هؤلاء لها اهلا فلم اُرد ان اُنازع القومَ حقَّهم.
ثالثا: متابعة الخزرج للاوس في مبايعة ابي بكر، فلو كان ما يقوله الشيعة صحيحاَ من ان الاوس ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج لأحدث ذلك ردة فعل عند الخزرج ولدفعهم الى مخالفة الاوس والبحث عن رجل آخر لمبايعته. هذا هو طبع البشر ولكن متابعة الخزرج للاوس لمبايعة ابي بكر يدل على ان الامر لم يكن بالشكل الذي يصوره الشيعة.
ولو كان ما يزعمه الشيعة، من وجود نزاع بين الاوس والخزرج، صحيحا لعُدّ هذا دليلا قويا على عدم وجود مرشحين آخرين للخلافة فضلا عن وجود النص والبيعة. فليس وجود النص والبيعة وانما مجرد وجود اشخاص آخرين مرشحين للخلافة او مؤهلين اكثر من ابي بكر لكان كافيا لحمل الخزرج على الامتناع عن متابعة الاوس في مبايعة ابي بكر.
اما ما قاله اسيد بن حضير فكان بعد مبادرة بشير بن سعد الخزرجي وبعد اقتناعهم بمنطق ابي بكر وحجته فلم يريدوا ادامة الخلاف ورأوا ان ابابكر افضل لهم من سعد واولى بها منه.
انني اجزم بان ما حدث في السقيفة كان بتقدير الله ومن ألطافه بهذه الامة التي قال عنها" كنتم خير امة اخرجت للناس" لتقوم باداء رسالتها على خير وجه وقد ادرك ابو هريرة هذه الحقيقة لذلك اقسم ثلاث مرات انه لولا أَبُو بَكْرٍ لَهَلَكَتْ أُمّةُ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلامُ بَعْدَ نبـيهَا.
ان اجتماع المسلمين على ابي بكر بهذه السرعة وسكوت الاصوات المعارضة يدل على عدة امور، منها:
اولا: عدم وجود نص على احد ولا بيعة في عنق احد. اذ لو كان هناك نص على احد او بيعة في اعناق الناس لاحد لما هدأت هذه الاصوات المعارضة بهذه السرعة ولما سكت صاحب هذا الحق بهذه السهولة.فان كان سعد بن عبادة قد رشحه قومه لهذا المنصب لم يسكت بسهولة وظل ممتنعا عن مبايعة ابي بكر وعمر وامتنع عن الصلاة خلفهم والحج معهم، كيف يسكت من رشحه الله ورسوله لمنصب الخلافة وقد اخذ امره بُعداً دينيا ؟
ثانيا: يدل على نضج هذا المجتمع وتشبعه بتعاليم الاسلام ورضوخه لمنطق الحق وايثاره لمصلحة الاسلام على المصالح الشخصية والقبلية والوطنية. وهذه النقطة سنتحدث عنها بشيء من التفصيل فيما بعد.
ثالثا: يدل على مكانة ابي بكر وفضله، فلو لم يتمتع ابوبكر بتلك المنزلة والمكانة لما انقاد الناس له بتلك السهولة ولا سيما اذا عرفنا انه كان من اصغر بيوتات قريش كما عبر عن ذلك ابو سفيان عشية سماعه خبر استخلاف ابي بكر.
[1]. انظر كتاب السقيفة لمحمد رضا المظفر ص/88 منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات.
[2]. روى مثله البخاري في الصحيح، ج 8 ص: 168 وما بعدها.
[3]. منار الهدى / لعلي البحراني ص 373، وأيضا ناسخ التواريخ ج3 ص532.
[4]. شرح نهج البلاغة / ج 4 ص 228 ط تبريز، الشيعة وآل البيت/إحسان إلهي ظهير/ص71
[5]. الحديث صححه الذهبي في تعليقه على المستدرك للحاكم، ج 3 ص: 83.
[6]. أبو بكر الجوهري: السقيفة وفدك، ط1، شركة الكتبي للطباعة والنشر، بيروت، 1980، ج1 ص: 49.
وابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة، ج 1 ص: 72. ومحمد بن عقيل العلوي: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، ط 1، دار الثقافة، إيران، 1412، ص: 120.
[7]. هو جرير بن عبد العزى، شاعر جاهلي من اهل البحرين. مات سنة50 قبل الهجرة.
[8].هذه الكلمة النابية من اضافات الراوي رغبة منه للنيل من عمر على لسان الحباب وأستبعدُ أن يجرأ الحباب على التلفظ بها لعلمه بمكانة عمر اولا ولمهابة عمر في نفوس الصحابة ثانيا.
[9]. لم أجد حادثة منازعة عمر والحباب في المصادر التي اطلعت عليها وارجح أنها من اختلاق الراوي حتى يريح نفسه عناء تأليف سيناريو طويل من الحوار بين عمر والحباب ! وفي حال إذا كانت صحيحة فهي تدل على طاعة عمر للرسول صلى الله عليه وسلم، فرغم تجاوز الحباب عليه ونعته اياه بالجهل فقد التزم الصمت امتثالا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
[10]. لقد نفى بشير هذه التهمة عن نفسه وبين سبب مبايعته لأبي بكر، فلست أدري كيف يجرؤ الراوي الصاقها به.
[11]. وهذا من أخطاء الطبرسي لأن بشير أصلاً لم يكن أوسياً حتى يكون من ساداتهم، بل كان خزرجيا ولذلك قال له الحباب أنفست على ابن عمك الامارة!
[12]. هذا أيضا من اضافات الطبرسي الذي يسعى الى صب جام حقده على عمر على لسان الانصار !
[13]. هذه الفقرة شرح من الطبرسي لمقولة علي المختصرة حين أخبروه بما جرى في السقيفة بين المهاجرين والانصار واستمع الى حجة كل طرف فقال بحق المهاجرين احتجوا بالشجر وتركوا الثمر، وهي حتى ولو كانت صحيحة ففيها دليل قاطع على ان الخلافة ليست بالنص وانه لم تكن هناك بيعة في اعناق الناس له وإلاّ لأشار اليها وذكّرهم بها، ولكن كما ترى احتج عليهم بمثل ما احتجوا به على الانصار وتحدث عن أحقيته بالخلافة لقرابته من رسول الله ولفضله وعلمه وبلائه ولم يشر لا الى البيعة ولا الى النصوص، فلو أشار اليها لكانت ألزم لهم في الحجة، ولا يجوز أن يقال انه ألزمهم بالمنطق الذي تكلموا به لأن حجة النص والبيعة اقوى وألزم وليس من الحكمة ترك الحجة القوية القاطعة لما هو أدنى منها قوة ودلالة! ثم ان كل هذه التزكية للنفس لا تليق بسيدنا علي وهي مخالفة لصريح القرآن الذي يقول " ولا تزكوا أنفسكم "!
[14]. ان كان هذا القول صحيحا فإنه يدل على أن الناس لم يكونوا يعرفون من قبل أن علياً منصوص عليه من الله ومن الرسول وأن الناس ما فهموا من حادثة الغدير خلافة النبـي.
[15]. هذا حدث في رحبة الكوفة ايام خلافة علي وليس في السقيفة، وصيغة استفسار علي يدل على أنه قد مر عليه زمن طويل فلو كان قاله بعد السقيفة مباشرة لقاله بصيغة اخرى تدل على قرب حدوثها، كأن يقول ألم يقل الرسول قبل ثلاثة أشهرفي غدير خم أمامكم جميعا من كنت مولاه فعلي مولاه، وكذلك قول زيد وكنت ممن سمعه فكتمته فدعا علي علي يكذبه التأريخ لأن زيدا لم يفقد بصره بعد السقيفة وكانت له مواقف كثيرة في أيام الخلفاء الثلاثة منها ترؤسه للجنة جمع القرآن في عهد ابي بكر وعهد عثمان، ويدل أيضا على أنه كان من القلائل الذين كانوا قد سمعوا الحديث من الرسول مما يعني أن أغلب الحاضرين لم يكونوا ممن شهد غدير خم ! ثم إن هناك روايات تقول بأنه قام كل من شهد تلك الحادثة إلاّ ثلاثة أو أربعة فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته، وهذا لا يمكن أن يكون إلاّ بعد مرور مدة طويلة على هذه الحادثة وليس بعد السقيفة مباشرة.
[16]. أبو منصور الطبرسي : الاحتجاج، ج 1 ص: 162 وما بعدها.
[17]الطبرسي/ الاحتجاج، ج 1 ص: 168 وما بعدها. وقد ناقش الدكتور علال كل هذه الروايات فمن أراد أن يطلع عليها يمكنه اخراج الكتاب في موقع " صيد الفوائد".
متن هذه الرواية مضطرب ويكذب نفسه بنفسه، ولست أدري هل كان الراوي يعي ما يقول ام أن عقله كان مغيبا حين روى هذه الرواية لانها تقول بأن عددا من الصحابة ذهبوا الى علي في اليوم الثاني من السقيفة وإذا بعلي يتحدث عن أيام بعد السقيفة بقوله: فلما توفي رسول الله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه (علما أن الرسول لم يُدفن بعد!) ثم آليت على نفسي يميناأن لا ارتدي برداء إلا للصلاة حتى اجمع القرآن، ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبـيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبـيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله -صلى الله عليه واله- إذا وردوا عليه... !
[18] الكليني: الكافي، ج 8 ص: 10-11.
روايات الطبرسي والكليني نقلتها من كتاب تناقض الروايات السنية والشيعية للاستاذخالد كبير علال، وقد ناقش جميع هذه الروايات من حيث المتن والسند ولولا طولها لاوردتها هنا ولكن اوصي القاريء بالعودة الى ذلك الكتاب القيم لمعرفة ذلك وهو منشور في موقع صيد الفوائد.
[19].في الواقع هذا العدد غير صحيح لأن الذين حضروا هذا المكان لم يكونوا كل الحجيج بل كانوا فقط اهل المدينة وما حولها لأن الحجيج انفضوا بعد اداء مناسك الحج وكل رجع الى بلده، وسيأتي الحديث عن هذاالحديث ومناسبة وروده ان شاء الله تعالى.
[20]. ومن الجدير بالذكر ان هذه الحادثة وقعت في السنة العاشرة للهجرة، بينما السورة بكاملها مكية ونزلت قبل الهجرة فكيف فاتهم هذا ؟
[21]. هذا في زعم الشيعة وإلاّ فالعدد اقل من ذلك بكثير ! وسواء كانوا مائة الف او اقل فالنتيجة واحدة وهي ان احدا من هؤلاء لم يشر الى هذه الحادثة ولم يحتج بها ولم يجعل منها وسيلة للطعن في اجتماع السقيفة واختيار ابي بكر، بل بالعكس كلما كان العدد اكثر كانت الحجة على الشيعة اقوى ولكن الحق احق ان يُقر وهو ان العدد اقل بكثير مما يدعيه الشيعة.
[22]. "ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء اصدق لهجة من ابي ذر" وستكون لنا وقفة طويلة مع مواقف ابي ذر لما لها من دلالات مهمة في هذا المجال.
لأكون من الصادقين /محمد التيجاني السماوي..[23]
[24]. ذكرها الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه " السقيفة".