آخر تحديث للموقع :

الخميس 8 رمضان 1444هـ الموافق:30 مارس 2023م 02:03:00 بتوقيت مكة

جديد الموقع

إقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن (كاذبان آثمان غادران خائنان) ..
الكاتب : فيصل نور ..

إقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن

     جاء في صحيح مسلم (الحديث رقم 1757): حدثني عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي. حدثنا جويرية عن مالك، عن الزهري؛ أن مالك بن أوس حدثه. قال: قال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل. يا أمير المؤمنين! فاقض بينهم وأرحهم. (فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك) فقال عمر: اتئدا. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث. ما تركنا صدقة) قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث. ما تركناه صدقة) قالا: نعم. فقال عمر: إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره. قال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول [59 /الحشر /7] (ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا) قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير. فوالله! ما استأثر عليكم. ولا أخذها دونكم. حتى بقي هذا المال. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة. ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم نشد عباسا وعليا بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم. قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجتئما، تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نورث. ما تركنا صدقة) فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر. وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبا بكر. فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا. والله يعلم إني بار راشد تابع للحق. فوليتها. ثم جئتني أنت وهذا. وأنتما جميع وأمركما واحد. فقلتما: ادفعها إلينا. فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما. ولا، والله! لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة. فإن عجزتما عنها فرداها إلي.

 
من فوائد وردود العلماء على هذه الرواية:
1- إقرار علي والعباس رضي الله عنهما بصحة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لا نورث». حيث قال عمر رضي الله عنه: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث. ما تركنا صدقة) قالوا: نعم.
 
2- عمر رضي الله عنه استعمل نفس الألفاظ التي أطلقه العباس على عليّ وكأنَّه يقول: هكذا ظننتم بي وبأبي بكر ممَّا نحن بريئون منه كما أنَّك يا عليّ بريء ممَّا قيل فيك بسبب هذه الفيء.
 
3- أخذ عمر رضي الله عنه العهد والميثاق من علي والعباس بأن يعطيهما فدك لا للورث وإنما لإدارتها والعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقبلا منه ذلك ووافقا وقبلا إدارة فدك والعمل بما عمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورجعا عن اعتقادهما بأنهما يجوز لهما أن يرثا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 
4- في الحديث فضيلة للصديق فقد أصاب وأخطأ علي رضي الله عنه وأيده بذلك عمر ثم علي تراجع عن قوله وذهب إلى ما ذهب إليه الصديق رضي الله عنهم أجمعين.
 
5- تراجع علي رضي الله عنه عن قوله وعن مطالبته بالإرث، لأنه لما آلت إليه الخلافة لم يغير شيئا مما عمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولايستطيع الشيعة إثبات خلاف ذلك حتى من كتبهم
 
6- أن عمر رضي الله عنه سمى غضب علي والعباس رضي الله عنهما عليه وعلى أبي بكر بنفس ما سب به العباس عليا من كونه كاذبا آثما خائنا غادرا، حرفا بحرف، لم ينقص، ولم يزد، والنكتة في ذلك تنبيههم إلى أن غضبهم هذا إنما هو ناشئ عن سوء فهم، أو اختلاف في الرأي، أو تسرع في الحكم، ولا يستدعي أن يترتب عليه كل هذا السب، وكل هذه الخصومات.
 
7- قول "اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن" محمول على ما يصدر من الإنسان في حالة الغضب مما لا يقره ساعة الرضى، وهذا كثير بين الناس، وكل واحد يعرف ذلك من نفسه، وهذا أقوى المحامل، لما دلت عليه النصوص الشرعية من أن الغضب من الأبواب التي يدخل منها على ابن آدم من الشر ما الله به عليم، ولذلك وجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يولي النهي عنه من العناية الشيء الكثير، فنهى أولا عن الغضب، وقال من طلب منه الوصية: لا تغضب، فعاوده مرات، كلُ ذلك يقول لا تغضب، قال الصحابي: :ففكرت حين قال رسول الله ما قاله، فإذا الغضب يجمع الشر كله.

وللدلالة على أنّ الغضب يؤثر تأثيرا بالغا في القدرة على التصور والحكم والتصرف، نذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منع القاضي أن يقضي وهوغضبان، فقال: (لا يقضي القاضي وهو غضبان)، لأن الغضب يحجب العقل عن كمال الإدراك فيؤثر ذلك في الحكم، ولم يستثن من ذلك لا أبا بكر ولا عمر ولا علياً ولا غيرهما، فكل ابن آدم داخل تحت حكم هذا الحديث، ولا يُؤمن عليه إن حكم ساعة الغضب من الجور والحيف، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (العدلَ في الرضى والغضب) من المنجيات وما ذلك إلا لكونه أعز من الكبريت الأحمر.

ولذلك أيضا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغضبان بالسكوت فقال: (إذا غضبت فاسكت مرتين)، حتى أننا نجد الشارع ابطل طلاق الغضبان الذي وصل به الغضب إلى حالة الإغلاق التام بحيث لم يعد يشعر بما يقول، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا طلاق في إغلاق (.

ولذلك أيضا أمر الغضبانَ بأن يجنح ما أمكن للسكون وعدم إصدار أي تصرف في هذه الحالة، فقال: (إذا غضب أحدكم وهوقائم فليجلس، وإلا فليضطجع)، لأن أي تصرف في حالة الغضب قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

بل إنّ الأنبياء المعصومين بعصمة الله تعالى لا يسلمون من شيء من ذلك، فهذا موسى كليم الله عليه الصلاة والسلام، لما غضب ألقى الألواح، وأخذ برأس نبي من الأنبياء ولحيته يجره إليه، ولوكان في حالة الرضى لما فعل ذلك، ولكن يعذر الإنسان بما يصدر منه في حالة الغضب بما لا يعذر به في حالة الرضى، وهذا متعارف عليه بين العوام فضلا عن العلماء، فإنهم يعذرون بعضهم البعض بما صدر منهم في حالة الغضب بما لا يعذرون ما صدر في حالة الرضى، ولذلك قرر أهل الحديث قاعدة نفيسة في بابها، فريدة من نوعها، تعصم المرء من الزلل في مثل هذه المواطن، وهي أن الأقران إذا عرف فضلهم، وتيقن صلاحهم، وشجر بينهم شيء من أمور هذه الدنيا، أومن عصبيات التمذهب المذموم، فإنه لا يؤبه بكلامهم في بعضهم البعض، ويُضرب عنه الصفح، ولا يلتفت إليه، ويقولون في ذلك: (كلام الأقران يطوى ولا يروى). فكيف يأتي آت بعد كل هذا ليجعل ما صدر من علي والعباس في حالة الغضب، إن صح حمل ألفاظ الأثر على ظاهرها، عقيدة محكمة تُرد إليها المتشابهات والمحتملات، وأصلا راسخا تَرجع إليه التفاصيل والتفريعات، ويُترك من أجل ذلك ما ثبت بالأسانيد الصحيحة، والطرق الكثيرة، من شهادة علي رضي الله عنه بأفضلية الشيخين فوق منبره، وتعليم ذلك لشيعته وأنصاره، وتهديد مخالفه بالعقاب الشديد، والعذاب الأليم؟
 
8- أن يقال: سلمنا بأن السباب الوارد في الأثر محمول على ظاهره، فينبغي ملاحظة أن العباس أيضا سب علياً بنفس ما سب به علي أبا بكر وعمر، وأنّ علياً سب العباس أيضاً، كما في رواية شعيب ويونسَ: (فاستب علي وعباس)، وفي رواية عقيل عن بن شهاب: (استبا) كما قال الحافظ في الفتح.
 
9- متى رأى علي أن أبا بكر كان غادرا آثما؟ بعدما بايعه أوقبل مبايعته؟ فإن كان رأى ذلك قبل مبايعته له فالبيعة تهدم ما سبقها من الظنون، وتدل على تراجع علي عن ذلك. إذ أن عليا قدوة، ولا يمكن للقدوة أن يفعل ما هو خلاف الحق حتى لا يضل الناس بفعل القدوة.

ومتى رأى علي أن عمر غادرا آثما؟ بعدما زوجه ابنته أم قبل ذلك؟ فإن كان قبل التزويج فالتزويج يهدم ما سبقه من الظنون. ويدل على رضى علي عن عمر. ولا يمكن للقدوة أن يرى الناس تزويج من كان يعرف في خلقه الغدر والإثم والكذب والخيانة.

وهل علي بشر يخطئ ويصيب أم لا يخطئ؟ نحن نعلم الحكمة من خلق الخلق ليختبرهم كما قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). ومجرد اعتقاد خروج علي عن ذلك إنما هو خروج به عن سبب خلق الله له. فإن ثبت أنه بشر يخطئ ويصيب فنقول إن حصل هذا الظن فإنه خطأ من علي أذهبه تزويجه أم كلثوم. وأن ذلك إنما كان ظنا رجع عنه بدليل سكوته لتوبيخ عمر رضي الله عنه له. ولولا ذلك لما ارتضى علي الشجاع أن يزوجها لغادر كاذب آثم خائن.

فالسكوت والتزويج دليل على تراجع علي عما ظنه في حق عمر. ومبايعته لأبي بكر وعمر وعثمان أكد ذلك. ولو بقي هذا الظن من علي ومع ذلك زوج ابنته لعمر لكان في هذا أعظم الطعن في رجل وكرامة ومروءة علي رضي الله عنه.
 
وإذا كانت عقيدة علي بن أبي طالب قد رضي في عمر أنه كان غادرا كاذبا خائنا فكيف يرتضي المجيء إليه ليحكم بينه وبين العباس؟ هذه صورة أخرى من صور التناقض التي يصورها المذهب الشيعي.
 
كيف كان عمر عند علي بهذه الصفات ثم يزوجه ابنته؟ هذا عين الطعن المبطن وغير المباشر لعلي بن أبي طالب. من ارتضى لابنته الزواج ممن يحمل هذه الصفات فهي في حقه أولى.
 
10- ولو ذهب النواصب إلى تأويل وفهم هذا الحديث كما ذهب إليه الشيعة فلا يبعد أن يقولوا أن حمل ألفاظ هذا الأثر على ظواهرها فسيلزم من ذلك الطعن في علي أضعاف ما يلزم من الطعن في أبي بكر وعمر، وذلك من وجوه:

  • إنّ علياً سب عمه، وعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الحديث (عم الرجل صنو أبيه)، فمن سب عمه فكأنما سب أباه، فعلي قد بلغ من الفسق ما شاء الله، وذلك من جهتين: من جهة سبه لأبيه، ومن جهة سبه لأبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

  • ثم يقال: إنّ فيه من الأخلاق ما ينافي كمال الإيمان الواجب، ويُنقص منه، ألا وهو السب، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس المومن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء (

  • وأنه رجل سيء التقدير، قبيح التدبير، إذ ليس من شيم العقلاء ولا سجايا الحكماء أن يفضحوا أسرار بيوتهم، خاصة أسرار آل بيت النبي أمام الناس، حتى يصبح هذا الحديث على ألسنتهم، ويتحدثوا أنّ علياً والعباسَ قد طالت خصومتهما، ويتوسطوا لهما عند أعدى اعداء آل بيت محمد ليريح بعضهما من بعض، على مذهب أبي نواس: فداوني بالتي كانت هي الداء!

  • وأنه قد بلغ من الجهل درجة يتنزه عنها صغار طلبة العلم، إذ جاء يطلب حكم قاض اجتمع فيه من الأمور القادحة في عدالته ما لم يجتمع لغيره، من الظلم، والإثم، والخيانة، والغدر، والشرط في القاضي أن يكون عدلاَ.

  • وأن فيه من البلادة والغباء ما يجعله أقل شأناً من عوام المسلمين بل من عوام الكفار، ذلك أن أي عاقل، مسلماً كان أوكافرا، يعلم أن القاضي ما نصب إلا لتحقيق مصلحة عظيمة، وهي العدل بين الناس، وإنصاف المظلوم، ورد الحقوق إلى أهلها، فأي فائدة يستفيدها علي من مثوله بين يدي حاكم آثم ظالم خائن غادر؟ اللهم إلا شماتةَ الناس بعقله، وسخريتَهم من رأيه، وضياعَ حقوقه، وتلفَ مصالحه، وعَوْدَ ما يتأمله وبالا عليه.

  • وأنه ليس من القضاء والأمانة بحيث يجعل أقرب الناس إليه، وهو عمه، يرضى بحكمه في هذه المسألة، ويستغني به عن عرض القضية عند أعدا أعداء النبي وآل بيته.

ولو ذهبنا ننظر في هذا الأثر بعقول الشيعة لوصل بنا الحال إلى أمثال هذه التأويلات، لكننا نبرأ إلى الله تعالى من الطعن في أصحاب رسول الله.
 
وختاماً:
لماذا يعتقد الشيعة بهذا الرواية وهي من مصادر السنة؟ هل صار صحيح مسلم من مصادر عقيدتهم؟ وإن كانوا يحتجون بها علينا فلنا في بيان معناها ما يكشف سقم فهومهم.

عدد مرات القراءة:
21824
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :