منهج شيخ الإسلام في دفع شبهات الروافض
علمنا أن شيخ الإسلام يواجه كتاباً قد ألفه
رجل من طائفة جاهلة ظالمة قد عرف أفرادها بالكذب المختلق لا يفوقهم فيه أحد،
فهذا الرافضي قد حشد أكاذيبه في هذا الكتاب من جهتين:
من جهة الغلو في علي - رضي الله عنه - بشتى الأكاذيب والموضوعات، ومن جهة الطعن في الصحابة الآخرين - رضي الله عنهم - فصاحب هذا الكتاب مندفع بحماسة إلى تقرير مذهبه الباطل بأي وسيلة، ولو كانت الافتراءات والأكاذيب.
وشيخ الإسلام أمام سيل
جارف من الغلو المكذوب في علي - رضي الله عنه - وأمام حمم متدفقة من الأكاذيب في سبيل الطعن في الصحابة - رضوان الله عليهم - فماذا يصنع؟
إن المتأمل لهذه الظروف التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب يجد أن له خيارين:
الخيار الأول:
وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التآليف:
هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنها مختلقة،
فكلما رمى الرافضي بشبهة أو طعن على صحابي قام شيخ الإسلام بردها أو برده بكل اقتدار لينفيه عن هذا الصحابي. هذا هو الخيار الأول، وهو في ظني الخيار الذي كان الحافظ ابن حجر يريد لشيخ الإسلام أن يسلكه مع الرافضي.
وهو خيار جيد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي، أي لو كان الخصم ممن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح،
أما مع الرافضي فإن هذا الأسلوب لا يجدي، ولن يكف
بأسه عن أعراض الصحابة، فإنك مهما أجدت في رد الشبهة أو الطعن فإنه لن يقتنع بذلك أبداً - كما علم من طريقة القوم - ومهما أفنيت عقلك وجهدك في دفع أكاذيبه فإنه لن يألو جهداً في اختلاف غيرها من الأكاذيب.
إذاً فهذا الخيار الأول لن يثني الرافضي عن هدفه من النيل من الصحابة - رضوان الله عليهم -
نعم هو سينفع أهل السنة، ولكنه لن يضر الروافض ولن يسكتهم.
الخيار الثاني: وهو الذي اختاره شيخ الإسلام لأنه يراه ذا مفعول فعال في مواجهة أكاذيب الروافض وغلوهم المستطير وهذا الخيار يرى أن أجدى طريقة لكف بأس الروافض هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من الخوارج والنواصب، أي مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له، ليخرج من بينهما الرأي الصحيح الوسط.
فكلما قال الرافضي شبهة أو طعناً في أحد الخلفاء الثلاثة - أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج
في علي رضي الله عنه.
وهو لا يقصد بهذا تنقص على - رضي الله عنه - والعياذ بالله، وإنما يقصد إحراج الروافض، وكفهم عن الاستمرار في تهجمهم على الصحابة، لأنه ما من شئ من الطعون والتهم سيثبتونه على واحد من الصحابة إلا وسيثبت الخوارج والنواصب مماثلاً له في علي رضي الله عنه.
وهذا مما يخرس ألسنة الروافض، لأنهم في النهاية سيضطرون إلي أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها في على - رضي الله عنه - فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظاً على مكانة علي أن يمسها أحد بسوء.
فهذه (حيلة) ذكية من شيخ الإسلام ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرهم جميعاً،
وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتهامه بتلك التهمة الظالمة.
وشيخ الإسلام - أيضاً - يعلم أن الروافض والنواصب جميعاً أصحاب كذب وغلو، ولكنه يقابل غلو هؤلاء وكذبهم بغلو أولئك وكذبهم، ليسكت الجميع ويدفعهم عن الخوض في أعراض الصحابة.
فطريقة شيخ الإسلام أنه رأى قوماً يغلون في شخص من الأشخاص، ويتنقصون من يكون مثله أو أفضل منه، أن يقابل هؤلاء بمن يناقضهم في القول لكي يدفع الغلو عن الشخصين الفاضلين جميعاً. وهذا مما قد تقرر عند علماء السنة ولم يستنكروه.
-----------
نقلا عن الشيخ سليمان الخراشي - بتصرف -
أمثلة على طريقة ابن تيمية في رد شبهات الرافضة
المثال الأول:
قال ابن تيمية:
(اجتماع الناس على مبايعة أبي بكر كانت على قولكم أكمل،
وأنتم وغيركم تقولون: إن علياً تخلف عنها مدة. فيلزم على قولكم أن يكون علي مستكبراً عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماماً، فيلزم حينئذ كفر علي بمقتضى حجتكم، أو بطلانها في نفسها. وكفر علي باطل، فلزم بطلانها)
تعليق
الروافض يزعمون أن معاوية - رضي الله عنه - قد استكبر عن طاعة علي رضي الله عنه، فلهذا هو شر من إبليس الذي استكبر على آدم فيجيبهم شيخ الإسلام دافعاً هذه الفرية عن معاوية بأن هذا يلزم علياً كما يلزم معاوية، فإن علياً قد تأخر عن مبايعة أبي بكر بالخلافة عدة أشهر فيلزم من هذا على قولكم أنه قد استكبر عن طاعته فيلزم من ذلك اللوازم الشنيعة التي ألزمتم بها معاوية.
فإذا لم تلتزموا ذلك، فالحجة من أصلها باطلة، فإذا بطلت في حق علي فهي باطلة في حق معاوية سواء بسواء؟
فهذا الموضع يبين موهبة شيخ الإسلام في إفحام الخصوم وإحراجهم بالحجة المنعكسة التي تجعلهم يقولون: اللهم سلم، سلم؟
المثال الثاني:
قال ابن تيمية:
(قال الرافضي: " وأحرق الفجاءة السلمي بالنار، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحراق بالنار ")
فقال شيخ الإسلام:
(الجواب: أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر وأنه قد ثبت في الصحيح أن علياً أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة، فحرقهم بالنار، فبلغ ذلك أبن عباس ن فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار،
لنهي النبي صلى لله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه:.
فبلغ ذلك علياً، فقال: ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات.
فعلي حرق جماعة بالنار. فإن كان ما فعله أبو بكر منكراً، ففعل علي أنكر منه، وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة، فأبوبكر أولى أن لا ينكر عليه)
تعليق
في هذا الموضع - وقد مر مثله كثير - يقلب شيخ الإسلام شبهة الروافض على رؤؤسهم ليجعلهم يطلبون النجاة من هذا المأزق الذي ورطوا به أنفسهم بجهلهم.
ولم يكذب شيخ الإسلام على علي
في هذا الموضع وإنما أبرز للروافض هذه الحادثة الثابتة ليفحمهم بها، وهي اجتهاد من إمام المسلمين في زمانه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لا يذم بفعله.
المثال الثالث:
قال ابن تيمية:
راداً قول الرافضي بأن فاطمة قد دعت على عمر لأنه ظلمها، فسلط الله عليه أبا لؤلؤة المجوسي حتى قتله.
(والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر، كان ذلك دعاء له لا عليه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه بنحو ذلك، كقوله: " يغفر الله لفلان " فيقولون: لو أمتعتنا به وكان إذا دعا لأحد بذلك استشهد.
ولو قال قائل: إن علياً ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا. وكذلك لو قال إن آل سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فعل به)
تعليق
هذا رد مفحم يشابه الردود السابقة، وهو مقابلة شبهات أهل الرفض بضدها، فما قالوه في غير علي، قد يقوله غيرهم في علي، فالأولى بهم أن يصمتوا عن تلفيق الأكاذيب. وليس في هذا أي تنقص - كما سبق - بل هو من قبيل الحجج (المحرجة).
----------
نقلا عن الشيخ سليمان الخراشي - بتصرف -