آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

العُبَيدِيُون (الفاطميون) ..
الكاتب : فيصل نور ..

العُبَيدِيُون (الفاطميون)
(296 – 567 هـ / 911 – 1172 م)

     الدولة الفاطمية أو الخلافة الفاطمية أو الدولة العُبَيْدِيَّةُ هي دولة شيعية إسماعيلية، نشأت في شمال أفريقيا ثم امتدت إلى مصر وبعض بلاد الشام وجزيرة العرب. أسسها عبيدالله المهدي، واعتمد في دعوته على أبي عبد الله الشيعي، الذي كان يدعي أنه المهدي المنتظر، ونجح في القضاء على دولة الأغالبة. واستولى على تونس، وليبيا وشرق الجزائر ثم صقلية والتي بقيت في حكمهم حتى 1061م.ثم استولى المعز (953 - 975 م) على مصر وبنى عاصمته الجديدة "القاهرة". دخل الفاطميون في صراع مع العباسيين للسيطرة على الشام. كما تنازعوا السيطرة على شمال إفريقية مع الأمويين حكام الأندلس. وتمكنوا من إخضاع الحجاز والحرمين مابين سنوات 965 - 1070 م.
      وإنتهت دولتهم يوم 7 محرَم سنة 567هـ، عندما قطع صلاح الدين الخِطبة بمصر للخليفة الفاطمي وأقامها للخليفة العبَّاسي. وكان العاضد لدين الله أثناء ذلك مريضًا يحتضر، فلم يشأ صلاح الدين إزعاجه ومُضاعفه همّه، فأمر رجاله بألَّا ينهوا إليه بالأنباء. ولم تكد تمضي أيَّام على قطع الخِطبة للفاطميين حتّى توفي الخليفة العاضد لدين الله، فكانت تلك نهاية الدولة الفاطميَّة فعليًّا، فزالت من الحياة السياسيَّة بعد أن دامت حوالي 262 سنة.
     وقد اختلف العلماء في الماضي والحاضر في حقيقة نسب خلفاء هذه الدولة، ومال البعض إلى عدم علاقتهم بفاطمة رضي الله عنها، وارجع جذورهم لليهود أو المجوس.
     وقال ابن الأثير: ذكر القدح في نسب العلويين والمصريين. في هذه السنة – أي 402 هـ - كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر وكتب فيه المرتضى وأخوه الرضي وابن البطحاوي العلوي وابن الأزرق الموسوي والزكي أبو يعلى عمر بن محمد ومن القضاة والعلماء ابن الأكفاني وابن الخرزي وأبو العباس الأبيوردي وأبو حامد الاسفرايني والكشفلي والقدوري والصيمري وأبو عبد الله بن البيضاوي وأبو الفضل النسوي وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة وغيرهم[1].
     وقال وفيها – أي سنة 444 هـ - عمل محضر ببغداد يتضمن القدح في نسب العلويين أصحاب مصر وأنهم كاذبون في ادعائهم النسب إلى علي عليه السلام وعزوهم فيه إلى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وكتب فيه العلويين والعباسيون والفقهاء والقضاة والشهود وعمل به عدة نسخ وسير في البلاد وشيع بين الحاضر والباد[2].
     يقول ابن خلكان في ترجمة المهدي عبيد الله أول حطام الدولة الفاطمية: أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي وجدت في نسبه اختلافا كثيرا قال صاحب تاريخ القيروان هو عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال غيره هو عبيد لله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر المذكور وقيل هو علي بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقيل هو عبيد الله بن التقي بن الوفي بن الرضي وهؤلاء الثلاثة يقال لهم المستورون في ذات الله والرضي المذكور ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر المذكور واسم التقي الحسين واسم الوفي أحمد واسم الرضي عبد الله وإنما استتروا خوفا على أنفسهم لأنهم كانوا مطلوبين من جهة الخلفاء من بني العباس لأنهم علموا أن فيهم من يروم الخلافة أسوة غيرهم من العلويين وقضاياهم ووقائعهم في ذلك مشهورة وإنما تسمى المهدي عبيد الله استتارا هذا عند من يصحح نسبه ففيه اختلاف كثير وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعواه في النسب[3].
     وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العبيديون، وهم ملاحدة في الباطن، أخذوا من مذاهب الفلاسفة والمجوس ما خلطوا به أقوال الرافضة، فصار خيار ما يظهرونه من الإسلام دين الرافضة، وأما في الباطن فملاحدة، شر من اليهود والنصارى، وإلا من لم يصل منهم إلى منتهى دعوتهم فإنه يبقى رافضياً داخل الإسلام، ولهذا قال فيهم العلماء: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وهم من أشد الناس تعظيما للمشاهد، ودعوة الكواكب، ونحو ذلك من دين المشركين، وأبعد الناس عن تعظيم المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وآثارهم في القاهرة تدل على ذلك[4]. وقال: إن أخبارهم مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ورسوله والردة والنفاق[5].
     وقال رحمه الله: العبيديون كانوا يتظاهرون بالإسلام ويقولون إنهم شيعة، فالظاهر عنهم الرفض لكن كان باطنهم الإلحاد والزندقة، كما قال أبو حامد الغزالي في كتاب "المستظهري": ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض. وهذا الذي قاله أبو حامد فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين. وكانوا يأمرون عامتهم  بالعبادات وهم على درجات مرتبة عندهم كلما ارتفع درجة عبروا الشريعة عنده فاذا انتهى اسقطوا عنه الشرع [6].
     وقال: أئمة الباطنية، كبني عبيد بن ميمون القدَّاح الذين ادعوا أنهم من ولد محمد ابن إسماعيل بن جعفر، ولم يكونوا من أولاده، بل كان جدهم يهوديًا ربيبيًا لمجوسي، وأظهروا التشيع. ولم يكونوا في الحقيقة على دين واحد من الشيعة لا الإمامية، ولا الزيدية، بل ولا الغالية الذين يعتقدون إلهية علي، أو نبوته، بل كانوا شرًا من هؤلاء كلهم. ولهذا كثر تصانيف علماء المسلمين في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وكثر غزو المسلمين لهم. وقصصهم معروفة[7].
     وقال: وأما الكذب على العِتْرَة النبوية فأكثر من أن يوصف. فبنوا عبيدـ الذين يسمون القداح الذين كانوا يقولون: إنهم فاطميون، وبنوا القاهرة، وبقوا ملوكًا، يدعون أنهم علويون، نحو مائتى سنة، وغلبوا على نصف مملكة الإسلام حتى غلبوا في بعض الأوقات على بغداد، وكانوا كما قالوا فيهم أبو حامد الغزالى: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض. وقد صنف القاضى أبو بكر بن الطيب كتابه الذى سماه "كشف الأسرار، وهتك الأستار" في كشف أحوالهم. وكذلك ما شاء الله من علماء المسلمين، كالقاضى أبي يعلى، وأبي عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستانى. وأهل العلم كلهم يعلمون أنهم لم يكونوا من ولد فاطمة، بل كانوا من ذرية المجوس، وقيل: من ذرية يهودى، وكانوا من أبعد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ودينه، باطن دينهم مركب من دين المجوس والصابئين. وما يظهرون من دين المسلمين هو دين الرافضة. فخيار المتدينين منهم هم الرافضة. وهم جهالهم وعوامهم، وكل من دخل معهم يظن أنه مسلم، ويعتقد أن دين الإسلام حق وأما خواصهم من ملوكهم وعلمائهم فيعلمون أنهم خارجون من دين الملل كلهم، من دين المسلمين، واليهود، والنصارى، وأقرب الناس إليهم الفلاسفة؛ وإن لم يكونوا ـ أيضًا ـ على قاعدة فيلسوف معين. ولهذا انتسب إليهم طوائف المتفلسفة، فابن سينا، وأهل بيته من أتباعهم، وابن الهيثم وأمثاله من أتباعهم، ومُبَشِّر بن فاتك ونحوه من أتباعهم، وأصحاب "رسائل إخوان الصفا" صنفوا الرسائل على نحو من طريقتهم، ومنهم الإسماعيلية، وأهل دار الدعوة في بلاد الإسلام. ووصف حالهم ليس هذا موضعه[8].
     ويقول ابن كثير رحمه الله: ثم دخلت سنة ست وتسعين وثلاثمائة. وفيها كانت الخطبة للحاكم العبيدي، وتجدد في الخطبة أنه إذا ذكر الخطيب الحاكم يقوم الناس كلهم إجلالا له، وكذلك فعلوا بديار مصر مع زيادة السجود له، وكانوا يسجدون عند ذكره، يسجد من هو في الصلاة ومن هو في الأسواق يسجدون لسجودهم، لعنه الله وقبحه[9].
     وقال: الطعن من أئمة بغداد وعلمائهم في نسب الفاطميين. وفي ربيع الآخر منها – أي سنة 402 هـ - كتب هؤلاء ببغداد محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين وهم ملوك مصر وليسوا كذلك، وإنما نسبهم إلى عبيد بن سعد الجرمي، وكتب في ذلك جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول، والصالحين والفقهاء، والمحدثين، وشهدوا جميعا أن الحاكم بمصر هو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار، ابن معد بن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد، لا أسعده الله، فإن لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله، وتلقب بالمهدي، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب، ولا يتعلقون بسبب وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أحدا من أهل بيوتات علي بن أبي طالب توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة، وقد كان هذا الانكار لباطلهم شائعا في الحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع أن يدلس أمرهم على أحد، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه، وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار، ملحدون زنادقة، معطلون، وللاسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية. وكتب في سنة اثنتين وأربعمائة، وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير، فمن العلويين: المرتضى والرضي وابن الأزرق الموسوي، وأبو طاهر بن أبي الطيب، ومحمد بن محمد بن عمرو بن. أبي يعلى. ومن القضاة أبو محمد بن الأكفاني وأبو القاسم الجزري، وأبو العباس بن الشيوري. ومن الفقهاء أبو حامد الأسفراييني وأبو محمد بن الكسفلي، وأبو الحسن القدوري، وأبو عبد الله الصيمري، وأبو عبد الله البيضاوي، وأبو علي بن حمكان. ومن الشهود أبو القاسم التنوخي في كثير منهم، وكتب فيه خلق كثير. هذه عبارة أبي الفرج بن الجوزي. قلت: ومما يدل على أن هؤلاء أدعياء كذبة، كما ذكر هؤلاء السادة العلماء، والأئمة الفضلاء، وأنهم لا نسب لهم إلى علي بن أبي طالب، ولا إلى فاطمة كما يزعمون، قول ابن عمر للحسين بن علي حين أراد الذهاب إلى العراق، وذلك حين كتب عوام أهل الكوفة بالبيعة إليه فقال له ابن عمر: لا تذهب إليهم فإني أخاف عليك أن تقتل، وإن جدك قد خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا، وأنت بضعة منه، وإنه والله لا تنالها لا أنت ولا أحد من خلفك ولا من أهل بيتك. فهذا الكلام الحسن الصحيح المتوجه المعقول، من هذا الصحابي الجليل، يقتضي أنه لا يلي الخلافة أحد من أهل البيت إلا محمد بن عبد الله المهدي الذي يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم، رغبة بهم عن الدنيا، وأن لا يدنسوا بها. ومعلوم أن هؤلاء قد ملكوا ديار مصر مدة طويلة، فدل ذلك دلالة قوية ظاهرة على أنهم ليسوا من أهل البيت، كما نص عليه سادة الفقهاء. وقد صنف القاضي الباقلاني كتابا في الرد على هؤلاء وسماه " كشف الاسرار وهتك الأستار " بين فيه فضائحهم وقبائحهم، ووضح أمرهم لكل أحد، ووضوح أمرهم ينبئ عن مطاوي أفعالهم، وأقوالهم، وقد كان الباقلاني يقول في عبارته عنهم، هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض. والله سبحانه أعلم[10].
وقال : كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا، وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكماله، حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد طرابلس وإنطاكية وجميع ما والى ذلك، إلى بلاد إياس وسيس، واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك، وقتلوا من المسلمين خلقا وأمما لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف، وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها وصارت دار إسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف، وكادوا أن يتغلبوا على دمشق ولكن الله سلم، وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته، وقد قال الشاعر المعروف عرقلة:
أصبح الملك بعد آل علي * مشرقا بالملوك من آل شادي
وغدا الشرق يحسد الغر * ب للقوم فمصر تزهو على بغداد
ما حووها إلا بعزم وحزم * وصليل الفولاذ في الأكباد
لا كفرعون والعزيز ومن * كان بها كالخطيب والأستاذ
قال أبو شامة: يعني بالأستاذ كأنه نور الأخشيدي، وقوله آل علي يعني الفاطميين على زعمهم ولم يكونوا فاطميين، وإنما كانوا ينسبون إلى عبيد، وكان اسمه سعيدا، وكان يهوديا حدادا بسلمية[11].
     ويقول الذهبي: وفي نسب المهدي -أي عبيد الله المهدي أول حكام تلك الدولة - أقوال: حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي... نقل القاضي عياض في ترجمة أبي محمد الكستراتي، أنه سئل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل ؟ فقال: يختار القتل ولا يعذر، ويجب الفرار، لان المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع، لا يجوز. قال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة. وقيل: إن عبيد الله تملك المغرب، فلم يكن يفصح بهذا المذهب إلا للخواص. فلما تمكن أكثر القتل جدا، وسبى الحريم، وطمع في أخذ مصر[12].
     وقال في موضع آخر: قال أبو شامة: يدعون الشرف، ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام، فصاروا يقولون الدولة الفاطمية والدولة العلوية. إنما هي الدولة اليهودية، أو المجوسية الملحدة الباطنية. قال: وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر أنهم لم يكونوا لذلك أهلاً، ولا نسبهم صحيح، بل المعروف أنهم بنو عبيد. وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي.قال: وقيل كان والد عبيد هذا يهودياً من أهل سلمية، وكان حداداً. وعبيد كان اسمه سعيد، فلما دخل المغرب تسمى بعبيد الله، وآدعى نسباً ليس بصحيح. وذكر ذلك جماعة من علماء الأنساب، ثم ترقت به الحال إلى أن ملك المغرب، وبنى المهدية، وتلقب بالمهدي. وكان زنديقاً خبيثاً، عدواً للإسلام. قتل من الفقهاء، والمحدثين، والصالحين جماعة كبيرة، ونشأت ذريته على ذلك. وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها. وقد بين نسبهم جماعة مثل القاضي أبي بكر الباقلاني، فإنه كشف في أول كتابه المسمى كشف أسرار الباطنية عن بطلان نسب هؤلاء إلى علي رضي الله عنه، وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد استقصى الكلام في أصولها، وبينها في أواخر كتاب تثبيت النبوة، وبين ما فعلوه من الكفريات والمنكرات... فإن هؤلاء كانوا باطنية زنادقة، دعوا )إلى مذهب التناسخ، وآعتقاد حلول الجزء الإلهي في أشباحهم.وقد ذكرنا أن الحاكم قال لداعيه: كم في جريدتك؟ قال: ستة عشر ألفاً يعتقدون أنك الإله. قال شاعرهم في الحاكم: ما شئت لا ما شاءت الأقدار * فآحكم فأنت الواحد القهار. فلعن الله المادح والممدوح، فليس هذا في القبح إلا كقول فرعون أنا ربكم الأعلى.قال بعض شعرائهم في المهدي برقادة: حل برقادة المسيححل بها آدم ونوح حل بها الله في علاهفما سوى الله فهو ريح قال: وهذا أعظم كفراً من النصارى، لأن النصارى يزعمون أن الجزء الإلهي حل بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حلوله في جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمة.هذا اعتقادهم لعنهم الله. فأما نسبهم فأئمة النسب مجمعون على أنهم ليسوا من ولد علي رضوان الله عليه، بل ولا من قريش أصلاً[13].
     وقال: وقال محمد بن خراسان: لما وصل عبيد الله إلى رقادة، طلب من القيروان ابن البر دون، وابن هذيل، فأتياه وهو على السرير، وعن يمينه أبو عبد الله الشيعي، وأخوه أبو العباس عن يساره، فقال: أتشهدان أن هذا رسول الله ؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله، ما قلنا ذلك. فأمر بذبحهما[14].
     وقال في ترجمة عبيد الله، أبو محمد، أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الاسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية وبثوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة. وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق، فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر ابن محمد. وقيل: بل قال: أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله، بل إنما هو سعيد بن أحمد، وقيل: سعيد بن الحسين. وقيل: كان أبوه يهوديا. وقيل: من أولاد ديصان الذي ألف في الزندقة. وقيل: لما رأى اليسع صاحب سجلماسة الغلبة، دخل فذبح المهدي. فدخل أبو عبد الله الشيعي، فرآه قتيلا، وعنده خادم له، فأبرز الخادم، وقال للناس: هذا إمامكم. والمحققون على أنه دعي بحيث إن المعز منهم لما سأله السيد ابن طباطبا نسبه، قال: غدا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقى عرمة من الذهب، ثم جذب نصف سيفه من غمده، فقال: هذا نسبي، وأمرهم بنهب الذهب، وقال: هذا حسبي، وقد صنف ابن الباقلاني وغيره من الأئمة في هتك مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم. فهذا نسبهم، وهذه نحلتهم[15].
     وقال في حوادث سنة ست وتسعين وثلاثمائة: فيها حج بالناس محمد بن محمد بن عمر العلوي، وخطب بالحرمين للحاكم صاحب مصر على القاعدة، وأمر الناس بالحرمين بالقيام عند ذكره، وفعل مثل ذلك بمصر، وكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق، وفي مواضع الاجتماع، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العبيديون شراً على الإسلام وأهله من الشر[16].
     وقال: ففي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا، وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود، وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرِّضهم، قاتله الله[17].
وقال: وفي أيام العزيز بن المعز أُظهر سبُّ الصحابةِ جِهَاراً[18]. فقد أمر بكَتْب سَبّ الصّحابة على أبواب المساجد والشّوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة[19]. وفي أيام المستنصر كان سَبُّ الصحابة فاشياً والسنَّة غريبة مكتومة[20].
     وقال أبو الحسن القابسي، صاحب الملخص: إن الذين قتلهم عبيد الله، وبنوه أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت[21].
     وقال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة لما أظهروا من خلاف الشريعة[22].
     وقال السيوطي: ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيديين لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور:منها: أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام وإلا فجدهم مجوسي قال القاضي عبد الجبار البصري اسم جد الخلفاء المصريين سعيد كان أبوه يهوديا حدادا نشابة وقال القاضي أبو بكر الباقلاني القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسيا ودخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب وسماهم جهلة الناس الفاطميين وقال ابن خلكان أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدى عبيد الله جد خلفاء مصر حتى إن العزيز بالله ابن المعز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:
إنا سمعنا نسبا منكرا * يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعى صادقا * فاذكر أبا بعد الأب السابع
وإن ترد تحقيق ما قلته * فانسب لنا نفسك كالطائع
أولا دع الأنساب مستورة * وادخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشم * يقصر عنها طمع الطامع
وكتب العزيز إلى الأموي صاحب الأندلس كتابا سبه فيه وهجاه فكتب إليه الأموي « أما بعد فإنك قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك » فاشتد ذلك على العزيز فأفحمه عن الجواب يعني أنه دعي لا تعرف قبيلته قال الذهبي المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدى ليس بعلوي وما أحسن ما قال حفيده المعز صاحب القاهرة وقد سأله إن طبا طبا العلوي عن نسبهم فجذب نصف سيفه من الغمد وقال هذا نسبى ونثر على الأمراء والحاضرين الذهب وقال هذا حسبي. ومنها أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام ومنهم من أظهر سب الأنبياء ومنهم من أباح الخمر ومنهم من أمر بالسجود له والخير منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة ولا تصح لهم إمامة[23].
الخلفاء الفاطميون في شمال إفريقيا ومصر:

  1. عبيد الله المهدي 297 - 322هـ (حكم من شمال إفريقيا).

  2. أبو القاسم القائم بن المهدي 322 - 334هـ (حكم من شمال إفريقيا).

  3. المنصور بن القائم 334 - 341هـ (حكم من شمال إفريقيا).

  4. المعز لدين الله 341 - 365هـ (انتقل من شمال إفريقيا إلى مصر عام 362هـ).

  5. العزيز بالله بن المعز 365 - 386ه.

  6. الحاكم بأمر الله 386 - 411هـ.

  7. الظاهر بن الحاكم بأمر الله 411 - 427هـ.

  8. المستنصر بن الظاهر 427 - 487هـ (وزيره الوحيد بدر الجمالي)، بداية نفوذ الوزراء.

  9. المستعلي بن المستنصر 478 - 495هـ (من وزرائه: الأفضل بن بدر الجمالي).

  10. الآمر بن المستعلي 495 - 524 هـ (من وزرائه: الأفضل، المأمون البطائحي).

  11. الحافظ بن محمد بن المستنصر 524 - 544هـ (من وزرائه: أحمد بن الأفضل، يانس، أبو المظفر بهرام، رضوان بن الولخشي).

  12. الظافر بن الحافظ 544 - 549هـ (من وزرائه: سليمان بن مصال، علي بن السلار العباس بن أبي الفتوح).

  13. الفائز بن الظافر 549 - 555هـ (وزيره الوحيد: طلائع بن رزيك)

  14. العاضد بن يوسف بن الحافظ 555 - 567هـ (من وزرائه: رزيك بن طلائع، شاور بن مجير، شيركوه).


[1] الكامل في التاريخ، لإبن الأثير، 9 /236

[2] المصدر السابق، 9 /591

[3] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمانن لإبن خلكان، 3 /117

[4] الإستغاثة في الرد على البكري، لإبن تيمية، 2 /494

[5] منهاح السنة النبوية، لإبن تيمية، 2 /133

[6] الرد على المنطقيين، لإبن تيمية، 280

[7] مجموع الفتاوى، لإبن تيمية، 4 /162

[8] المصدر السابق، 27/174

[9] البداية والنهاية، لإبن كثير، 11/ 386

[10] المصدر السابق، 11 /397

[11] المصدر السابق، 12 /332

[12] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 15/ 151 

[13] تاريخ الإسلام، للذهبي، 39 /275

[14] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 14 /216

[15] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 15 /141

[16] تاريخ الإسلام، للذهبي، 27 /234، أنظر أيضاً: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك - ابن الجوزي - ج 15 / 49، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - يوسف بن تغري بردي الأتابكي - ج 4 /214

[17] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 15 /147

[18] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 15/ 170

[19] تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 28 /283، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - يوسف بن تغري بردي الأتابكي - ج 4 /178، تاريخ الخلفاء - جلال الدين السيوطي 445

[20] سير أعلام النبلاء، للذهبي، 15 /196

[21] سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 15 /145:، العبر في خبر من غبر - الذهبي - ج 2 /200، تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 24 /108، مرآة الجنان وعبرة اليقظان - عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني المكي - ج 2 /215

[22] ترتيب المدارك، للقاضي عياض، 4 / 720 ، سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 15 /151، تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 28 /512، تاريخ الخلفاء - جلال الدين السيوطي 8

[23] تاريخ الخلفاء، لجلال الدين السيوطي، 6

عدد مرات القراءة:
3720
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :