آخر تحديث للموقع :

الخميس 8 رمضان 1444هـ الموافق:30 مارس 2023م 05:03:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

تاريخ المسعودي ..
الكاتب : فيصل نور ..

تاريخ المسعودي

     تكلمنا في مادة "المسعُودي" عن ترجمة الرجل وأوردنا هناك أقوال علماء الشيعة التي أكدت على أنه إمامي، حتى قال محمد بن إسماعيل المازندراني (ت: 1216 هـ): ولم أقف على من توقّف في تشيّع هذا الشيخ سوى ولد الأستاذ العلَّامة، فإنّه أصرّ على الخلاف وادّعى كونه من أهل الخلاف.
ثم برر ذلك بالقول أنه - اشتبه عليه الأمر لاشتراكه في اللَّقب مع عتبة بن عبيد الله المسعودي قاضي القضاة، أو مع عبد الرحمن المسعودي المشهور، أو غيرهما من العامّة، فإنّ غير واحد من فضلائهم كان يعرف بهذا اللَّقب[1].

وتاريخ المسعودي هو المعروف بـ "مروج الذهب ومعادن الجوهر". يبدأ بالخليقة وينتهي بعهد الخليفة العباسي المطيع لله 973هـ.
 
ذكر في أول الكتاب سبب تأليفه له بقول: إنا صَنَّفنا كتابنا في أخبار الزمان... ثم أتبعنا ذلك بأخبار الملوك الغابرة، والأمم الدَّاثرَة، والقُرون الخالية، والطوائف البائدة على مَرّ سيرهم... ثم أتبعناه بكتابنا الأوسط في الاخبار على التاريخ وما اندرج في السنين الماضية، من لدن البدء إلى الوقت الذي عنده انتهى كتابنا الأعظم وما تلاه من الكتاب الأوسط. ورأينا إيجاز ما بسطناه، واختصار ما وسطناه، في كتاب لطيف نودِعُه لُمَع ما في ذيْنِكَ الكتابين مما ضمَّنَّاهُما، وغير ذلك من أنواع العلوم، وأخبار الأمم الماضية، والأعصار الخالية، مما لم يتقدم ذكره فيهما... وقد وسمت كتابي هذا بكتاب « مروج الذهب، ومعادن الجوهر »، لنفاسة ما حَوَاه..ألخ[2].
 
من مطاعن علماء أهل السنة في المسعودي وكتابه:
 
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد في كتاب قد عرف بكثرة الكذب.[3].
 
الحافظ ابن حجر العسقلاني: كتبه طافحة بأنه كان شيعيا معتزليا حتى أنه قال في حق ابن عمر انه امتنع من بيعة علي بن أبي طالب ثم بايع بعد ذلك يزيد بن معاوية والحجاج لعبد الملك بن مروان وله من ذلك أشياء كثيرة. ومن كلامه في حق علي ما نصه الأشياء التي استحق بها الصحابة التفضيل السبق إلى الايمان - والهجرة مع النبي صلى الله عليه وآله - والنصر له - والقرابة منه - وبذل النفس دونه - والعلم - والقناعة – والجهاد والورع - والزهد - والقضاء - والفتيا - وان لعلي من ذلك الحظ الا وفر والنصيب الأكبر إلى ما ينضم إلى ذلك من خصائصه بآخرته وبأنه أحب الخلق إليه إلى غير ذلك[4].
 
إسماعيل باشا البغدادي: كان يتشيع.. له من الكتب اثبات الوصية، البيان في أسماء الأئمة، مروج الذهب ومعادن الجوهر، الهداية إلى تحقيق الولاية[5].
 
علي الصلابي: وقد أولى الأحداث المتعلقة بعلي بن أبي طالب في كتابه مروج الذهب اهتمامًا كبيرًا أكثر من اهتمامه بحياة رسول الله في الكتاب المذكور، وركز اهتمامه بالبيت العلوي وتتبع أخبارهم بشكل واضح في كتابه مروج الذهب، وعمل بدون حياء ولا خجل على تشويه تاريخ صدر الإسلام.
 
ابن العربي: وأما المبتدع المحتال فالمسعودي، فإنه يأتي منه متاخمة الإلحاد فيما روى من ذلك، وأما البدعة فلا شك فيه[6].
 
ابن خلدون: وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من الطعن والغمز ما هو معروف عند الإثبات و مشهور بين الحفظة الثقات[7].
 
من صور النَزَعات الشيعية عند المسعودي في تاريخه "مروج الذهب"
 
ذكرنا في ترجمة المسعودي بعضاً مما يدل على مذهبة وعلى وجه الخصوص من كتابه "إثبات الوصية"، حيث اوردنا مقتطفات من هذا الكتاب الذي تقصّى فيه المسعودي وَفَيات جملة من الأنبياء عليهم السلام، وأنهم لم يخرجوا من الدنيا حتى أوصوا إلى من بعدهم.
ثمّ جرت هذه السنّة الإلهيّة الشريفة (سُنّة الوصيّة) بزعمه فيهم إلى خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأوصى إلى صفيّه وخليفته عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
مؤكداً بذلك أن الأرض لم تَخْلُ ولن تَخلُوَ مِن حُجّة للهِ قائمة. وأنّ الحجج الإلهيّة كانت على اتّصال وتواصل مِن لدن آدم عليه السّلام، إلى مهديهم المنتظر من خلال الوصية الإلهيّة التي أثبتها المسعودي بـ: الأدلّة العقليّة، والأدلّة النقليّة، بزعمه. إلى آخر ما ذكرناه هناك، فراجعة إن شئت.
 
وبعض هذه النزعات ظهرت أيضاً في كتابه "مروج الذهب"، رغم حرصه على إظهار خلاف ذلك. من ذلك:
 
في باب ذكر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ذكر ما يتعلق به في 7 صفحات.
 
وفي باب ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكر ما يتعلق به في حوالي 26 صفحة.
 
وفي باب ذكر خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، في 44 صفحة.
 
وعلل ذلك بأنه فصل ما يتعلق بهم في كتابه " أخبار الزمان" والكتاب الأوسط، وإنما ذكر في هذا الكتاب لمعاً مما لم يذكره فيما سلف من كتبه، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا[8].
 
أما باب ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فبلغ 76 صفحة.
 
ولاحظ أيضاً استخدامة لعبارة أمير المؤمنين لعلي رضي الله عنه فقط.
 
ومن ذلك قوله: ولما بويع أبو بكر في يوم السَّقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي فقال: أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر، ولم تَرْعَ لنا حقاً، فقال أبو بكر: بلى، ولكني خشيت الفتنة، وكان للمهاجرين والانصار يوم السَّقيفة خطب طويل، ومجاذبة في الإمامة، وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع، فصار إلى الشام، فقتل هناك في سنة خمس عشرة، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها[9].
 
وقوله: وأخبار من قعد عن البيعة ومن بايع، وما قالت بنو هاشم، وما كان من قصة فَدَك، وما قاله أصحاب النص والاختيار في الإمامة، ومن قال بإمامة المفضول وغيره، وما كان من فاطمة وكلامها، متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها عليه السلام، من قول صفية بنت عبد المطلب:
قد كان بعدك أنباء وهَيْنَمة ** لو كنت شاهِدَها لم تكثر الخطب.. إلى آخر الشعر، إلى غير ذلك مما تركنا ذكره من الأخبار في هذا الكتاب، إذ كنا قد أتينا على جميع ذلك في كتاب « أخبار الزمان » والكتاب الأوسط، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا، والله أعلم[10].
 
ومن ذلك قوله عن الصديق رضي الله عنه أنه قال لما احْتُضِرَ:: ما آسَى على شيء إلا على ثلاث فعلتها وددت أني تركتها – وذكر - وددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة، وذكر في ذلك كلاماً كثيراً، ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة وأطلقته نجيحا أو قتلته صريحاً، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قَذَفْتُ الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميراً وكنت وزيراً[11].
 
وقال في عمر رضي الله عنه: وقتل في صلاة الصبح، وهو ابن ثلاث وستين سنة[12].
 
وقال في عثمان رضي الله عنه: وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة[13].
 
وقال في علي رضي الله عنه: بويِعَ علي بن أبي طالب في اليوم الذي قُتل فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكانت خلافته إلى أن استشهد أربع سِنِين وتسعة أشهر وثمانية أيام، وقيل: أربع سنين وتسعة أشهر إلا يوماً...واستشهد وهو ابن ثلاث وستين سنة[14].
 
والملاحظ فيما مر إستخدامه لكلمة القتل في حق عمر وعثمان، والإستشهاد في حق علي رضي الله عنهم أجمعين.
 
وقال: وقعد عن بيعته – أي بيعة علي - جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر، منهم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وبايع يزيد بعد ذلك والحجاج لعبد الملك بن مروان، ومنهم قُدَامَةُ بن مظعون، وأهبان ابن صيفي، وعبد الله بن سلام، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وممن اعتزل من الأنصار كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وكانا شاعرين، وأبو سعيد الخُدْرِي، ومحمد بن مسلمة حليف بني عبد الأشْهَلِ، ويزيد ابن ثابت، ورافع بن خديج، ونعمان بن بشير وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة ومَسْلمة بن خالد، في آخرين ممن لم نذكرهم من العثمانية من الأنصار وغيرهم من بني أمية وسواهم[15].
 
وقال: وانتزع علي أملاكا كان عثمان أقطعها جماعةً من المسلمين، وقَسَّم ما في بيت المال على الناس، ولم يُفَضِّلْ أحداً على أحد[16].
 
  وقال: وقد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره، فنزل الشام، فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي، كتب الى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان، وكان فيما كتب به اليه: ما كنت صانعاً إذا قشرت من كل شيء تملكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث اليه معاوية، فسار اليه، فقال له معاوية: بايعني، قال: لا، والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك، قال: سَلْ، قال: مصر طُعْمَة، فأجابه الى ذلك، وكتب له به كتاباً، وقال عمرو بن العاص في ذلك:
معاويَ لا أعطيك ديني ولم أنلْ ** به منك دنيا، فانظُرَنْ كيف تصنع
فإن تعطني مصراً فأربِحْ بصفقة ** أخذتَ بها شيخاً يضر وينفع[17].
 
وقال في قصة خروج عائشة رضي الله عنها: وسار القوم نحو البصرة في ستمائة راكب. فانتهوا في الليل الى ماء لبني كلاب يعرف بالحَوْأب، عليه ناس من بني كلاب، فَعَوَتْ كلابهم على الركب، فقالت عائشة: ما اسم هذا الموضع ؟ فقال لها السائق لجملها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك، فقالت: رُدُّوني الى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حاجة لي في المسير، فقال الزبير: با لله ما هذا الحوأب، ولقد غلط فيما أخبرك به، وكان طلحة في سَاقَةِ الناس، فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب، وشهد معهما خمسون رجلا ممن كان معهم، فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام، فأتوا البصرة فخرج إليهم عثمان بن حُنَيْف فمانَعَهم، وجرى بينهم قتال، ثم إنهم اصطلحوا بعد ذلك على كف الحرب الى قدوم علي، فلما كان في بعض الليالي بَيَّتوا عثمان بن حنيف فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته، ثم إن القوم استرجعوا وخافوا على مخلَّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حُنَيف وغيره من الأنصار، فخلوا عنه وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزان والموكلون به وهم السبابجة، فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا من بعد الأسر، وهؤلاء أول من قُتل ظلماً في الإسلام وصبرا[18].
 
وقال: وكاتَبَ علي من الربذة أبا موسى الأشعرى ليستنفر الناس، فثبطهم أبو موسى، وقال: إنما هي فتنة، فنمي ذلك الى علي، فولَّى على الكوفة قَرَظة بن كعب الأنصاري، وكتب الى أبي موسى: اعتزل عملنا يا ابن الحائك مذموما مدحوراً، فما هذا أول يومنا منك، وان لك فينا لهنات وهنيات[19].
 
وذكر عن معاوية رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه عند مسيرهم الى صفين الجمعة في يوم الأربعاء[20].
 
وقال: ثم ارتقى بأصحاب معاوية الأمر في طاعته الى أن جعلوا لَعْنَ علي سُنَّة، ينشأ عليها الصغير، ويهلك عليها الكبير[21].
 
ولا يسعنا حصر كل الميول الشيعة عند المسعودي في تاريخة، وفيما اوردنا من أمثلة كفاية.

أنظر أيضاً: المسعودي، إثبات الوصية.


[1] راجع تفصيل قوله وبقية الأقوال في مادة "المسعودي".

[2] مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودي، 1 /17

[3] منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 4/ 79

[4]: لسان الميزان، لابن حجرالعسقلاني، 4/225

[5] هدية العارفين، لإسماعيل باشا البغدادي، 1 /679

[6] العواصم من القواصم، لإبن العربي، 249

[7] مقدمة ابن خلدون ص 4.

[8] مروج الذهب، للمسعودي، 2 /304، 330

[9] المصدر السابق، 2 /301

[10] المصدر السابق، 2 /304

[11] المصدر السابق، 2 /301

[12] المصدر السابق، 2 /304

[13] المصدر السابق، 2 /331

[14] المصدر السابق، 2 /349

[15] المصدر السابق، 2 /353

[16] المصدر السابق، 2 /353

[17] المصدر السابق، 2 /354

[18] المصدر السابق، 2 /357

[19] المصدر السابق، 2 /359

[20] المصدر السابق، 3/ 32

[21] المصدر السابق، 3 /32


عدد مرات القراءة:
2379
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :